ويخيل إلي أنه كان في الجاهلية طبقتان مختلفتان: الفتيان وهم أولاد الأغنياء من الشبان كامرئ القيس وطرفة، يقابلهم أولاد الفقراء ويسمون الصعاليك.
فالصعلكة كما وردت في كتب اللغة تساوي الفقر، والصعاليك: شبان فقراء أمثال عروة بن الورد، وتأبط شرا، والسليك بن السلكة، والشنفرى، ويسمون أيضا ذؤبان العرب، جمع ذئب، لأنهم يختطفون المال كما تختطفه الذئاب، ويسمون أيضا العدائين لأنهم كانوا مشهورين بسرعة العدو في السلب والنهب، ولكن كانوا مع فقرهم نبلاء.
ومن نبلهم أنهم كانوا لا يهجمون إلا على الأشحاء البخلاء من الأغنياء. فإذا وجدوا غنيا كريما تركوه، وإن وجدوا غنيا شحيحا هاجموه، فهم لصوص شرفاء ونبلاء.
فكانوا بذلك خيرا من الأغنياء الأشحاء. ولذلك روي أن معاوية بن أبي سفيان تمنى أن يصاهر عروة، وعبد الملك بن مروان تمنى أن يلده عروة وهما ما هما. وقد كان عروة هذا صعلوكا. ولذلك يسمى عروة الصعاليك. فالظاهر أن كلمة الصعلوك لم تكن تدل على معنى سيئ، كالذي كان فيما بعد. وكم للكلمات من تنقل من عز إلى ذل ككلمة حرامي، فقد كانت في الأصل تدل على النسبة إلى حرام، وهي قبيلة تناهض قبيلة سعد، وكان الناس ينقسمون إلى قسمين: سعدي وحرامي، فلما ذل أصحاب حرام ذلت الكلمة، فأصبحت تطلق على اللص. وكلفظ عتقي، فإنها كانت في الأصل تدل على نسبة إلى قبيلة تسمى العتقاء، فذلت الكلمة، وأصبحت تدل على مصلح النعال القديمة.
وشيء آخر نبيل كان يفعله هؤلاء الصعاليك، وهو تكوينهم جمعية من فقراء قومهم يصرفون منها ما كسبوه من الأغنياء الأشحاء عليهم بالتساوي، حتى ليحكون أن رئيسهم عروة بن الورد أغار يوما، ونال خيرا كثيرا وسبى رجاله امرأة، فأراد عروة أن يختص بها، ويخصموا منه ثمنها، فأبوا عليه ذلك تطبيقا للاشتراكية المطلقة، وقالوا نقومها بإبل فتكون سهما فمن شاء أخذه ومن شاء تركه. ومن تعبيراته الجميلة قوله:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
ومعنى تفريق جسمه على أجسام كثيرة، أنه يفرق غذاءه الذي يكون جسمه على أجسام كثيرة ليكونهم. ويصف نفسه بقوله:
ذريني أطوف في البلاد لعلني
أخليك أو أغنيك عن سوء محضر
Bilinmeyen sayfa