Saad Zaghloul Lideri Devrim
سعد زغلول زعيم الثورة
Türler
أتشرف بأن أقول: إن حكومتي أمرتني أن أبلغكم أن رئيس الجمهورية يعترف بالحماية البريطانية على القطر المصري، وهي الحماية التي بسطتها حكومة جلالة الملك في 18 ديسمبر سنة 1914. هذا وإن الرئيس باعترافه هذا يحفظ بالضرورة لنفسه حق البحث فيما بعد في تفاصيل هذا الاعتراف، مع مسألة تعديل حقوق الولايات المتحدة التعديل الذي يقتضيه هذا الأمر. وقد كلفت بهذا الصدد أن أقول: إن رئيس الجمهورية والشعب الأمريكي يعطفان كل العطف على أماني الشعب المصري المشروعة؛ للحصول على قسط آخر من الحكم الذاتي، ولكنهما ينظران بعين الأسف إلى كل مسعى لتحقيق هذه الأماني بالتجاء إلى العنف.
وإن صيغة هذا التبليغ لتشف عن الغرض منه وعن المسعى الذي سعته الحكومة البريطانية عند الرئيس ويلسون لإقناعه بوجوبه ... فباسم الأمن وكراهة العنف، وبعد الوعد بمنح المصريين قسطا آخر من الاستقلال الداخلي، ظفرت الحكومة البريطانية بذلك الاعتراف وبادرت إلى إذاعته في مصر وأوروبا، وتعمدت أن تصدم به الوفد ساعة وصوله إلى أوروبا ليفت الخبر في عضده، ويزعزع ما عنده من ثقة وأمل، ويريه خيبة المسعى في معارضة القوة البريطانية حيث ذهب ... فكان تدبيرها في الإفراج عن الوفد ولقائه بتلك الصدمة كتدبير السجان الذي يطلق أسيره ويرصد له على أبواب السجن من يدهمه ويغتاله؛ ليحيق به الكيد في ساعة الفرح والاستبشار.
ولم تبالغ السياسة البريطانية كثيرا في وقع الصدمة المفاجئة على الوفد ساعة نزوله بالأرض الفرنسية واقترابه من محكمة العدل والحرية؛ فقد بدا لسعد أول وهلة أن العمل في أوروبا لا يجدي، وأن تركيز العمل في مصر أجدى وألزم. ولم يكن هذا ضعفا ولا نكوصا عن الكفاح؛ لأن مقاومة الإنجليز في مصر تحت الأحكام العسكرية بعد الاعتراف بالحماية البريطانية أخطر وأعضل من مقاومتهم في أوروبا على العاملين الجادين في المقاومة ... ولكنه كان رأيا رآه فيما هو أصلح للقضية المصرية على حسب ما تبين من خطواته الأولى بالبلاد الأوروبية.
وقد لمس وقع الصدمة في نفوس فريق من زملائه فإذا هو أفدح وأقدح؛ فمنهم من كان قد دخل الوفد على تردد وريب في سلامة العاقبة، ومنهم من كان يؤثر اللجوء إلى الحكومة الإنجليزية ويؤمن في قرارة نفسه باستحالة الغلبة عليها، وقصارى ما طمعوا فيه من هوادتها أن تخشى بعض المعارضة أو بعض المنافسة من الدول الأخرى في مؤتمر الصلح، فتغلق هذا الباب باستجابة بعض المطالب المصرية. فإذا بمؤتمر الصلح في قبضة يديها وعلى رأسه أكبر الدعاة إلى الحرية وأكبر القائلين بمشاورة الأمم المغصوبة في تقرير مصيرها ... فمن البين إذن في رأيهم أن «مهمة الوفد» انتهت لم يبق له ما يرجوه من المؤتمر ولا من الحكومات المشتركة فيه. وقد صرحوا برأيهم هذا وهموا بالعودة وأشاروا بها على زملائهم الآخرين.
وقد أرادت الحكومة البريطانية أن تتبع هذه الضربة بضربة أخرى، تعجل بعمل التفكك والانخذال في صفوف الوفد والأمة المصرية؛ فنشرت التيمس «إشاعة» تشير فيها إلى إرسال لجنة مستقلة إلى القطر المصري للبحث عن أسباب الهياج، واقتراح الإصلاحات الدستورية التي يتسع بها نطاق الحكومة الذاتية، وتوقعت أن يصيب الخبر الوفد في سمعته وعزيمته إن لم يصبه في تكوينه ووحدة رأيه، فإذا عاد بعض رجاله إلى مصر وبقي بعضهم في أوروبا فقد وقع الخلاف، وهو بدء الانحلال. وإذا عاد الوفد جميعه فقد ملكته الحكومة البريطانية ورجعت به إلى قبضة يديها وعرضته لسخرية أبناء وطنه، وإذا بقي الوفد كله في أوروبا فعندهم فسحة من الوقت لإرسال اللجنة إلى مصر وسؤال المصريين عن مطالبهم وشكاياتهم بمعزل عن وفدهم الذي يدعي الوكالة عنهم ... فتلغي وكالته وتلقي درسها الصادع على الوكيل ومن أوكلوه، وأي درس تشتهيه السياسة الاستعمارية وتلقيه على الدعاة الوطنيين أنجع وأوجع من أن تضرب الوفد المصري وتعاقبه هذه العقوبة القاصمة بيد الأمة المصرية؟!
ومهما يكن من حساب الحكومة البريطانية، فالشيء الذي لم تحسب حسابه - كما ينبغي - هو أثر السخرية في الطبيعة المصرية؛ فإن المصري ليتقي السخرية أشد من اتقائه الضرر والخسارة، وقد يستسلم للفجيعة، ولكنه لا يستسلم للغفلة؛ ولهذا كانت ضربتها للوفد المصري باعتراف ويلسون ضربة قوية بارعة، ولكنها كانت خليقة أن تفشل بعد الصدمة الأولى؛ لأنها سخرية تعرضه لسخرية أخرى. ولو أنها أبطأت برهة، ولم يكن فيها معنى الكمين المدبر والهزء المرتب في لحظة الانتصار والتفاؤل، لكان رجاء الحكومة البريطانية في نجاحها أصدق وأسرع، ولكنها كانت بمثابة الاستدراج إلى كمين مضحك أو «مقلب» مهين ... فجمعت لها الطبيعة المصرية كل ما عندها من الكراهة للسخرية ومقاومة الشماتة المضحكة؛ وهما في الطبيعة المصرية قوة تعتصم بها في أحرج الأوقات.
ولم يلبث سعد وأصحابه بعد الخاطر الأول أن أعادوا النظر في الأمر كله، فوجدوا أن العمل في مصر قد يكون أولى وأصوب، ولكن العودة إلى مصر بعد كل هذه القيامة التي أقامتها الأمة لتمكين الوفد من السفر، وهي خيبة أليمة لا تؤمن عقباها، وقد تيئس الأمة من رجالها وتشككها في دعاتها، وتعجل بالتفرقة بين صفوفها.
ووجدوا كذلك أن البقاء في أوروبا لا يمنع تركيز العمل في مصر والاعتماد عليه في الدعاية الأوروبية، وقد تنفع الدعاية الأوروبية في تنبيه عزيمة الأمة كلما احتاجت إلى تنبيه.
ومن مبدأ الأمر لم يكن رجاء سعد كله معقودا على الحكومات والوسائل الحكومية: إذا جاء الرجاء من هذا الباب فذاك خير وأقرب سبيلا، وإن لم يجئ فالشعوب من وراء الحكومات، والطريق إلى الشعوب مفتوح لمن يحسن ولوجه ويقوى على صعابه، وهو القائل: إن الشعب فوق الحكومة، وهو الذي أبى أن يسلم المطالب المصرية إلى المندوب البريطاني والوزراء البريطانيين احتفاظا بالجانب الأهم منها «لاستنارة» الرأي العام البريطاني الذي يخضع له المندوب والوزارة. وهو الذي عرف أن النائب في «الجمعية التشريعية» - التي لا حقوق لها ولا نفوذ لأحكامها - يملك من سلاح الحجة والبيان ما يكافح به الوزارة ويكافح به جبار قصر الدوبارة. فماذا حدث الآن؟ هل حبط الرجاء في مؤتمر الصلح وفي ويلسون وفي لويد جورج؟ حسن! إن وراء هذه الأسماع أسماعا، ووراء هذا المرجع مراجع: هناك الشعوب الأوروبية، وهناك شعب ويلسون وشعب لويد جورج ... ومن يدري؟! فلعل شعب ويلسون وشعب ما قال وسامع غير ما سمع، وبالغ في إحراج السياسة البريطانية ما لم يبلغه رئيسه المخدوع بتلك السياسة.
يقول نيتشه:
Bilinmeyen sayfa