86

Kitaplar Arasında Saatler

ساعات بين الكتب

Türler

وكان الأقدمون ولا ريب يعرفون هذا الضرب من قلة المبالاة ويسمونه الكلبية

Cynicism

ويطلقونه على من يحتقرون المظاهر والدعاوى و«ينهشون وينبحون» أصحابها بالقول البذيء والسخر المضطغن. ولكن التسمية نفسها تدل على الإنكار وضيق الأمد، ولا تشبه أن تكون قد ظهرت بين أناس يماثلون أبناء العصور المتأخرة في فلسفة الترخص وعادة التحلل المطبوع من قيود العقائد وفرائض الأديان، فإن بلغ الأقدمون إلى ذلك الحد فيغلب أن يكون ذلك في فترات متقطعة وأدوار غير مستفيضة، أو أن يكون بين خاصة الأصدقاء حيث لا كلفة ولا احتجاز من إرسال النفس على السجية، والاطلاع على دخائل الأسرار وغرائب العادات.

ولهذا الخلق الحديث خيره وشره، وذكاؤه وغباؤه، فمعرفة النفس الإنسانية حسنة، ولكن استحسان الضعف والقناعة به والتمادي فيه سمت غير جميل، وفضيحة الفضيلة المدعاة خير، ولكن عبادة الرذيلة شر لا نزاع فيه، وقبول السخرية سماحة، ولكن الإعجاب بما يوجب السخرية عجز وإسفاف.

وإن أجمل ما نحن كاسبوه من تسليط الضحك على الطبائع هو أن تنبهها إلى مواضع النقص تنبيه عطف ودعاية، وأن ننتظر منها الجهد في معالجتها بما يقع في الطاقة، ويرجى منه التحسن في ناحية أخرى من النفس، إن لم يكن ذلك ميسورا في الناحية المضحوك منها، فقلما طلب الكمال إنسان ورجع منه بغير نتيجة مرضية في الباب الذي طلبه أو في باب سواه. •••

ظهر التصوير الهزلي في مصر بالكلام قبل ظهوره فيها بالرسوم والخطوط، وساعدته النظم الشعبية الحديثة، كما ساعدته تجارب الحياة وسماحة الآراء، وكنا نعرف «القفش» قبل أن عرفنا «الكاريكاتور» ولا نزال نعتمد عليه في الصور التي نرسمها للأنصار والخصوم، فإنما هي صور مدارها على النكتة السانحة والنظرة العاجلة، وقل أن تدور على الدرس والمقابلة والنظرة المدمنة والعطف العميق.

ومن الصور الهزلية التي ظهرت في الأعوام الأخيرة كتاب «في المرآة» لمحرر هذا الباب في زميلتنا السياسة الأسبوعية، وهو أديب فاضل يجيد «القفش» وينظر إلى النفوس على طريقته التي عرف بها نظرة دراسة يطيلها حينا ويقصرها حينا، فيتناول منها نقائضها البارزة ويزيدها بروزا بما يضيف إليها من المبالغة والتهويل، ويدخله عليها من التحريف والتبديل؟

ويرى أديب المرآة في «النكتة» أن مردها كما قال في مقدمة الكتاب «إلى خلل في القياس المنطقي بإهدار إحدى مقدماته أو تزييفها أو بوصلها بحكم التورية ونحوها بما لا تتصل به في حكم المنطق المستقيم، فتخرج النتيجة على غير ما يؤدي إليه العقل لو استقامت مقدمات القياس، وهذا الذي يبعث العجب ويثير الضحك والطرب. فالنكتة بهذا ضرب من أحلى ضروب البديع، ولا يعزب عنك كذلك أن «النكتة» إذا لم تكن محكمة التلفيق متقنة التزييف، بحيث يحتاج في إدراكها إلى فطنة ودقة فهم خرجت باردة مليخة لا طعم لها في مساغ الكلام.»

ورأي الأديب صواب في جزء واحد من أجزاء هذا التعريف، وهو الذي يقول فيه: إن الخلل في القياس المنطقي مضحك، وإن التلفيق والتزييف داعية من دواعي السخرية. أما الجزء الذي نراه على غير الصواب فيه فهو قوله: إن النكتة هي التي تشتمل على الخلل أو على التلفيق والتزييف؛ لأن اشتمال النكتة على خلل في القياس يسقطها، ويلحقها بالهذر والمجانة، والذي نظنه نحن أن النكتة تضحكنا؛ لأنها تفضح الخلل وتهتك الدعوى الملفقة، وتطلعنا على سخافة العقول التي لا يستقيم تفكيرها، ولا تطرد حجتها؛ ومن ثم تكون النكتة هي المنطق الصحيح وهي الحجة المفحمة ، وهي البرهان الذي يرجح بالبراهين في معرض الجدل.

مثال ذلك: جاء جماعة من الأزهريين إلى عظيم معروف بالنكتة اللاذعة والحجة الصادعة، فطلبوا إليه أن يتوسط في إرسال بعثة منهم إلى أوربا أسوة بطلاب المدارس العليا، فضحك العظيم وأجابهم مداعبا: وإلى أين نرسلكم؟ إلى الفاتيكان؟

Bilinmeyen sayfa