Kitaplar Arasında Saatler
ساعات بين الكتب
Türler
ليس يدري أصنع إنس لجن
سكنوه أم صنع جن لإنس
فكبا في مكانه، وما درى أن قول البحتري هذا لا يجاريه مجار في صفة الآثار والإيجاز المعجز القهار، فهو آية الصدق وآية البراعة في آن، وهو يقول لنا في بيت واحد: إن الإيوان كان معجزا في الصنعة حتى يخال من صنع الجن للإنس لضعف هؤلاء عن تشييد ذلك الصرح المريد، وأنه كان مهجورا مخيفا حتى يخال من صنع الإنس للجن لما يحيط به من الوحشة ويبدو عليه من الكآبة والرهبة، ولن يقال في وصف الإيوان الباذخ المهجور أوجز ولا أبلغ ولا أبرع من هذا المقال.
ولو شئنا لأطلنا المقابلة بين هاتين القصيدتين، فإن ذلك أحرى أن يقنع من لم يقتنع بمكان الشاعرين من الشاعرية، وأن الذين يعجبون بمثل شوقي لا يصدقون الإعجاب للأقدمين، وأنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويخلطون بين المواقف والمعاني والأغراض، من حيث يقصدون أو لا يقصدون، ولكننا غير حريصين على إقناع من ليس يقنعه هذا البيان الوجيز.
الشعر في مصر (4)1
كنا منذ بضع عشرة سنة في مجلس ينشد فيه شعر لبعض الشعراء المعاصرين في وصف حسان أوربيات، وكان في ذلك الوصف إعجاب بشعرهن الأصفر، وعيونهن الزرقاوات، فقال بعض الحاضرين - وكان عالما أزهريا شابا - ولكن العرب كانت تعجب بالشعر الفاحم والأعين الكحلاء، ولا تمدح غير ذلك من ألوان الغدائر والعيون. قلنا ولكن الشاعر يصف حسانا أوربيات وهن على هذه الصفة فكيف كنت تريده أن يقول! قال إذن لا يكون الشعر عربيا! ونحن عرب ننظم بلغة العرب، ونحيي آداب العرب ولا شأن لنا بالفرنجة، وما يستحبون من الجمال ويصفون من ألوان الوجوه وشمائل الحسان.
ذلك كان قبل بضع عشرة سنة ليس إلا! وكان في ذلك الوقت وما قبله بقليل أساتذة يدرسون الآداب - ويقال عنهم إنهم حجة في نقد الشعر وفهم البلاغة - يقصرون إعجابهم على الشعر الجاهلي، ولا يرون ما جاء بعده شعرا يحفظ أو يعلمه المعلمون، فإذا مدوا بساط العفو والمسامحة قليلا فإلى صدر من الإسلام يشبه الجاهلية، ثم لا عفو بعد ذلك ولا سماح ولا مفر من النار لديوان من الدواوين التي ظهرت في عهد الإسلام! ومنطق هؤلاء «الأدباء» معقول من حيث ينظرون إلى الشعر خاصة وإلى الآداب عامة، فالشعر عندهم هو «مادة لغوية» والآداب عندهم هي ما تحفظه من الكلام المنظور والمنثور لتقويم اللسان وتصحيح العبارة، فلا جرم يكون الجاهليون أشعر الشعراء، وأبلغ البلغاء؛ لأن العربية في زمانهم أعرب واللغة على أيامهم أصح وأسلم في رأي هؤلاء الناقدين، ولقد كان الذين ينقلون علومهم في الأدب عن هذه الزمرة يسمعون بدهشة الطفل الغرير كل ما يقال عن شعر الفرنجة وبلاغة الناطقين بغير الضاد: ألغير العرب شعر؟! يا عجبا، وكيف يكون هذا الشعر الغريب وعلى أي وزن يوزن وبأي أسلوب يصاغ؟! كنا نتحادث في ذلك قبل سنين، ومعنا شيخ ينظم ويقرأ كتب الأدب فسألنا: أترون شيئا من شعر الفرنجة.
قلنا: نعم.
قال: فأسمعوني إن شئتم أبياتا مما ينظمون.
قلت: سأسمعك من خير ما ينظمون، وترجمت له قطعة للشاعر الإنجليزي شلي في «القنبرة» وأنا ألمح الاستهزاء في نظرات عينيه وابتسامة شفتيه، وجهدت أن يكون المعنى كأقرب ما يكون في الأصل مقرونا بالتفسير والتوضيح لألفته إلى ما في الكلام من روح البلاغة وصدق التعبير، فما أمهلني أن أكمل القصيدة وصاح بنا. أهذا الذي تسمونه شعرا؟ فظننت لأول وهلة أنه يقصد المعاني والتشبيهات التي لا عهد بها لقراء العربية، وليس في ذلك غرابة ولا إغراق في الجهالة، إذ كان فهم الجديد صعبا على كل من يعالجه من قراء العربية وغير العربية، ولكن ما كان أشد دهشتنا حين علمنا أنه ينكر وصف ذلك الكلام بالشعر؛ لأنه لم يخرج موزونا في الترجمة على أوزان البحور العربية، ولأنه يحسب أن الشعر إذا وجد عند الإفرنج فإنما يوجد على وزن من هذه الأوزان، وإذا ترجم فإنما يرد إلى الأوزان العربية بلا كلفة من المترجم ولا عناية، فأما ونحن نترجمه كلاما منثورا كسائر الكلام فقد وضح الأمر، وبان جهل الإفرنج بأوزان الخليل بن أحمد، وكذبت الدعوى التي يدعيها لهم شيعتهم المتفرنجون.
Bilinmeyen sayfa