248

Kitaplar Arasında Saatler

ساعات بين الكتب

Türler

قال حكيم: إذا شئت أن تهون عليك خطوب بني الإنسان فارفع بصرك إلى السماء، وانظر أين تقع الأرض في ذلك الكون الفسيح الذي لا أول له ولا آخر، أفحق نحن في حاجة إلى نظرة من السماء الرفيعة، والكون الفسيح لنعلم كيف يهون علينا ما ليس يهون؟!

لا يا سيدي الحكيم! انظر إلى الخطوب نفسها، وانظر إلى أسبابها ومصادفاتها تعلم كيف تهون عليك تلك الخطوب.

تعارف الشعوب1

كثرت بعد الحرب العظمى ترجمة الكتب الجرمانية إلى الإنجليزية، وترجمة الكتب الإنجليزية إلى الجرمانية، فلا تطلع على سجل من سجلات الكتب الحديثة في إنجلترا إلا رأيت فيه أسماء مصنفات شتى مترجمة عن كتاب ألمانيا والنمسا والبلاد الشمالية على الجملة في أغراض مختلفة، تتناول الفلسفة والدين وعلم النفس، ولا تقتصر على المذكرات الحربية التي دونها القواد والسواس، وكان لها في فترة من الزمن النصيب الأول من إقبال الأمم المتكلمة باللغة الإنجليزية.

والألمان من جانبهم يفعلون مثل ذلك ويزيدون على الإنجليز في الجمع والاستقصاء مع كثرة الذين يعرفون منهم اللغة الإنجليزية، واستغنائهم عن الترجمة بالاطلاع على الكتب في لغتها الأصيلة، فهناك رغبة قوية من الجانبين في استطلاع آراء الآخرين، ووزن عقولهم وسبر أخلاقهم، ودخائل طباعهم، وهي رغبة بدأت في عهد ابتداء المنافسة بين الإنجليز والألمان، وتضاعفت بعد الحرب العظمى، ولا تزال تتضاعف كلما أخذت بنصيب من المعرفة التي تتوق إليها، وتطلعت بعده إلى المزيد.

مثل هذا قد حدث بين الفرنسيين والإنجليز من جهة، وبين الفرنسيين والألمان من جهة أخرى، حين اشتد التنافس بين فرنسا وجارتيها في أواخر القرن الثامن عشر وأواسط القرن الذي يليه، ولكنه لم يكن بهذا الشمول والسعة، لعظم الفارق بين عصرنا الحديث وتلك العصور في حركة الطباعة، وانتشار القراءة، وسرعة المواصلات. إلا أن العناية بالاستطلاع بلغت أقصى ما كان مستطاعا أن تبلغه في حينها، وكانت على العموم مقرونة بأساليب الاستطلاع الأخرى التي تشترك فيها البواعث الحربية والسياسية والمالية، وترمي إلى غرض واحد مقصود أو غير مقصود، وهو زيادة المعرفة بأحوال الآخرين.

ظاهرة مطردة ولكنها لا تدعو إلى العجب، ولا يصعب تعليلها بالمعهود في طبائع الناس فأول ما يعنى به المرء أن يستطلع أحوال منافسه ومن يتطلب الغلبة عليه، والمغلوب في المنافسة أشد عناية بهذا وأصدق رغبة في اختبار أسباب القوة التي انتصرت عليه؛ ومن ثم كانت المترجمات الإنجليزية في العصر الحاضر أكثر من المترجمات الألمانية، وكانت الأمم التي تشك في حقيقة انتصارها تجري على حكم الأمم المهزومة في استطلاع أحوال المنافسين لها؛ لأنها لا تشعر بطمأنينة المنتصر ولا تزال في حالة القلق والحذر التي تخامر مهزوما يعالج من نفسه موضع الهزيمة، فالفرنسيون الذي يشكون في قدرتهم على الاستقلال بالنصر يصنعون الآن ما يصنعه الألمان إذ يتحرون العلم بالشعوب الداخلة معهم في جانبي النصر والهزيمة، ويكثرون من ترجمة الكتب الألمانية، كما يكثرون من ترجمة الكتب الإنجليزية، والأمر في ذلك مرجعه إلى شعور القلق والحذر الذي يحرض رغبة المعرفة المطبوعة في النفوس، ويرسم لها الميول والوجهات.

وفي المسألة من حيث علاقتها بالإنجليز والألمان سبب آخر لا بد أن يلاحظ عند تعليل كثرة الترجمة عن الإنجليزية، وقلة الترجمة عن الألمانية بالقياس إلى ذلك. فهناك فضلا عن طمأنينة النصر وقلق الهزيمة سبب يصح أن يعلل به هذا الفرق بين الإنجليز والألمان في الإقبال على المترجمات والإكثار من التحصيل، وهو أن الإنجليز لا يعتمدون كثيرا على الأحكام التي تستخرج من الكتب، وتقتبس من تعميم النظريات، فميلهم إلى الاستطلاع من هذه الناحية محدود بهذه الخصلة فيهم، ومحصور في دائرة التجربة الملموسة التي لا تجنح إلى أحكام الكتب إلا من قبيل الاستئناس، وهم في هذه الخصلة على نقيض الألمان الذي يبحثون عن الأسرار ويعممون النظريات، ويعتمدون على معرفة الكتب جل الاعتماد، فإذا أربت مترجماتهم - لهذا السبب - على مترجمات الإنجليز فلا غرابة في ذلك؛ لأنهم قوم قراءون يبحثون عن كل سر ويدرسون كل أمة، ولا تحتاج رغبة المعرفة الفكرية عندهم إلى تحريض كثير من دواعي المنافسة وبواعث الخصومة. •••

ما الرأي إذن؟

أهي المعرفة بنت العداوة، كما يبدو لنا من هذه الأمثلة التي يعززها المعهود من طبائع الناس ؟ أم هي المعرفة بنت المحبة، كما جاء في المثل القديم، وتقرر في الآداب الرفيعة، ومحاسن الأخلاق المأثورة عن الوعاظ والمرشدين.

Bilinmeyen sayfa