Kitaplar Arasında Saatler
ساعات بين الكتب
Türler
مات لسنغ ببرنسويك سنة 1871 مجهول المقصد مكروها طريدا بين أبناء قومه، وفي تلك السنة ظهر بكونجسبرج كتاب عمانويل كانت في نقد العقل المجرد، فبدأ به ثورة فكرية في ألمانيا تقابل الثورة المادية في فرنسا وتعدلها في الخطر عند الباحثين المتعمقين. ا.ه.
هذان هما أعظم الألمان وأكرمهم في رأي هيني: لوثر ولسنغ، محرر العقول والنفوس من الموروثات، ومحرر العقول والنفوس من حكم الحروف، وقد أوجد التاريخ رابطة بين هذين الاسمين العظيمين قبل أن يوجد هيني رابطته بينهما بهذه المشابهة التي فيها من تقرير الواقع أكثر مما فيها من براعة التشبيه، فإن كلمنس لسنغ جد كاتبنا كان أحد الموقعين على البيان الذي صدر سنة 1350 بتعزيز المبادئ اللوثرية، وكان أبوه مؤلف كتاب مذكور يذب به عن تلك المبادئ التي اشتد حولها النضال في زمانه، فهو عريق في الجهاد لحرية الفكر والعقيدة، وهو أجرأ من آبائه جميعا؛ لأنه أذهل أباه وأغضبه بما اقتحمه من طرق جديدة في تحرير أفكار قومه وأرواحهم.
ويرى هيني أن عمل الكاتب في الدين والفلسفة أخطر من عمله في الفن والأدب، وقد تكون لهيني أسبابه التي تدعوه إلى هذا الترجيح؛ لأنه كان طريد العصبية الدينية، وكان يهوديا يعاني ما يعانيه سائر اليهود من الحرمان والاضطهاد في بلاد الألمان، فإذا أعجبتنا معارك لسنغ في ميادين الخلافات الدينية فلتلك المعارك شفيع عنده من جلالتها الباهرة لكل ملاحظ نزيه وشفيع آخر من موافقتها لهواه، ولا يجب أن يكون الإنسان يهوديا ليعجب برواية «ناتان الحكيم» وروح التسامح الذي تضمنته، والسمو والإخلاص في فهم حقائق الأديان، ولكنه يجب أن يكون مجروح القلب من مظالم العصبية حين يرجح جهاد لسنغ في ميدان الدين على جهاده في ميدان الفن والأدب.
فلسنا نعرف في العالم كله أديبا كان له فضل في تحرير آداب الغربيين كفضل هذا الناقد الملقب في أوربا بملك النقاد، وكتابه «اللاوكون» الذي سنعود إلى الكلام عليه في المقال التالي هو على كونه رسالة لم تكمل «إنجيل» فني قد خرج للأمم كافة بدين من الفن جديد ومذهب في النقد لم يكن له مثيل، قال ماكولي لصاحبه لويس: «إن قراءة هذا الكتيب كانت فتحا جديدا في حياته الفكرية، وإنه استفاد منه ما لم يستفده قط من كتاب» وناهيك بكتيب يثني عليه ماكولي هذا الثناء وهو ما هو من سعة الاطلاع في جميع اللغات، ومن دقة الملاحظة في تواريخ الآداب، ومن أصالة الرأي وكراهة الإغراق في كل ثناء، وقال أرنست فونتان: «إذا كان لسنغ عنيفا في بعض الأحيان وظالما في حملته على آدابنا - آداب الفرنسيين - فما كان ذلك إلا لفرط غيرته على تخليص قومه من الأصنام التي كانوا جد مستغرقين في عبادتها وتسديد الأدب الألماني إلى منهجه الطليق»، وهذه كلمة فرنسي في الناقد الذي جعل همه الأكبر تحطيم النماذج الفرنسية التي كان يعبدها الألمان، ولكنك لا تنصف هذا الناقد إذا قلت: إنه سدد الأدب الألماني وحده إلى المنهج الطليق، ولم تقل كما هو الواقع المقرر إنه كان أقدر السابقين على تسديد الأدب العالمي إلى ذلك المنهج، وإنما لا نستطيع أن نذكر قبله كاتبا في العصور الحديثة اجتمعت له ملكات النقد وأذواق الفن، ولا سيما الشعر والتصوير كما اجتمعت لهذا الناقد العظيم.
اللاوكون
2
اللاوكون في الأصل هو اسم كاهن إله البحر تبتون في مدينة طروادة، وإجمال قصته أن اليونان لما حاصروا هذه المدينة ويئسوا من فتحها صنعوا تمثالا عظيما على صورة حصان ودسوا فيه جماعة من شجعانهم وتركوه عند أبواب المدينة، وركبوا البحر متظاهرين بالرحيل يأسا من الغلب بعد طول الحصار، وكان لهم جاسوس في طروادة طفق يزين لأبنائها أن يسحبوا التمثال العظيم إلى داخل أسوارها ويحتفظوا به غنيمة لهم وتذكارا لثبات مدينتهم فمالوا إلى نصيحته، وتوجس الكاهن من عاقبة ذلك، فأنذرهم ألا يفعلوا مخافة أن يكون في التمثال نفر من اليونان مختبئين فيه لدسيسة دبروها بينهم وبين جيشهم الراحل، وضرب الكاهن التمثال برمحه فلم ينكسر فسحبه الطرواديون إلى داخل الأسوار، وأصر الكاهن على إحراقه فلم يلتفتوا إليه. قالت الأسطورة - أو الأساطير فإن هذه القصة كثيرة الروايات - وكانت الربة منيرفا تناصر اليونان وتشفق أن يصغي الطرواديون إلى إنذار كاهنهم فيكشفوا الدسيسة، ويحق الفشل على هذا التدبير وتبطل النبوءة القديمة التي أنبأت بفتح اليونان لطروادة فأطلقت الربة منيرفا ثعبانين هائلين على ولدي الكاهن وهو عند البحر يقدم القربان إلى الإله نبتون فالتهماهما ولم تغن استغاثتهما، ولا نجدته في دفع هذه الضربة من الربة الحانقة عليه الممالئة لأعداء بلاده، ثم أصيب في عينيه وأصبحت قصته مرتعا لقرائح الشعراء اليونان والرومان، وصنع فيها بعض المثالين هذا التمثال.
ويرى من ينظر إلى التمثال أن المثال قد صنع الكاهن حيث يبدو الألم على كل عضلة من عضلات جسده مبرحا شديدا، ولكنه لا يبدو كذلك من حركة شفتيه اللتين تفتران قليلا عن آهة رقيقة لا تناسب ذلك الألم المبرح الشديد، فهل في هذا التمثيل تناقض أو أن هناك سببا من أصول الفن يوجب أن يكون تمثيل الألم في عضلات الجسد غير تمثيله في حركة الشفتين؟
قال ونكلمان الناقد الفني الألماني المعاصر للسنغ: «إن قرار البحر ليبقى ساكنا وصفحة الماء عجاجة تضطرب ما طاب لها الاضطراب، وكذلك نرى في تماثيل اليونان ذلك الروح الكبير القرير وإن برح الألم وتفاقم العذاب فهذه الروح بادية في طلعة اللاوكون وليست بخافية في غير طلعته على ما به من شدة العذاب الأليم، وأنت ترى دلائل هذا العذاب في كل عضلة من عضلات جسده وكل عصب من أعصابه، ولكنه يتراءى على وجهه ووقفته بغير عنف ولا مجهدة، ففم لا يصرخ ذلك الصراخ المرعب الذي يرويه لنا فرجيل عن لاوكونه وفتحة الفم لا تدل على صراخ مرعب بل على أنين مكبوح.»
ومن هنا كانت بداءة لسنغ في الكتابة عن اللاوكون وعلاقته بالشعر والتصوير، ولهذا أطلق اسم اللاوكون على كتابه الذي تكلم فيه عن حدود الفنون وطرائقها في التعبير وإن لم يكن كله دائرا على موضوع التمثال وحده.
Bilinmeyen sayfa