القسم الأول السعادة والإسعاد و ما ينفع إلى الوصول إليها و ما يضر
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو الحسن محمد بن يوسف أبي ذر رضي الله عنهما الحمد لله الذي سبقت مشيئته للرحمة منا وفضلا وأظهر سلطانه بالفطرة جودا وطولا ثم عطف على ما خلق بسوابغ آلائه فخمرهم بها ظاهرا وباطنا وأولا وآخرا وابتدأهم بإحسانه وعرضهم لإنعامه ونهج لهم سبل الكرامة ثم نبههم عليه ودعاهم إليه وأمرهم بالجد والمصابرة عند فترة الطلب وخدعة الراحة من النصب وبالمعاونة والمؤازرة عند ظلمة اللبسة وحيرة الشبهة وبالإستقامة والمثابرة عند تبيين الطريقة من بعد أن أودعهم الفطنة وسخر لهم فهم البيان والإشارة وسبيل العبارة والإبانة ليعرفوا ما ينفعهم في الوصول إلى الطوبى والسعادة فيلتزموه وما يضرهم فيجتنبوه وليعرفوا غيرهم ذلك فيسعدوه وقد أودعنا في كتابنا هذا المشروع الذي شرعه الله لعباده الفائزين إلى السعادة والإسعاد
تقسيم السعادة إلى إنسية وعقلية
وعقلية قال أبو الحسن كل واحد من السعادتين ينقسم إلى قسمين إحداهما السعادة المطلقة و الأخرى المقيدة والسعادة المطلقة هي التي ينال صاحبها الأفضل من الخيرات البدنية والنفسية والخارجة ويساعدها الجد والإتفاقات في عمره كله ويفعل صاحبها الأفضل في جميع أوقاته وأحواله وأما المقيدة فهي التي لا ينال صاحبها الأفضل لكنه يفعل الأفضل على قدر حاله وأفلاطن وأرسطوطيلس يصفان المطلقة لا المقيدة قال أبو الحسن السعادة في الجملة استكمال الصورة والصورة صورتان وكلاهما للنفس الناطقة إحداهما التعقل وهي إنما تكون للنفس الناطقة الروية والأخرى العقل وهي استكمال الناطقة النظرية
في السعادة الإنسية والعقلية
هل موضوع واحد أو موضوعان وكل واحد منهما تامة أم احداهما ناقصة
قال فرفوريوس السعادة إنما هي استكمال الإنسان صورته وكمال الإنسان بحسب ما هو إنسان في الأفعال الإرادية وكماله بحسب ما هو ملك وعقل في النظر وكل واحد من الكمالين تام عند كل واحد من الموضوعين فإن قيس أحدهما إلى الآخر كان الكمال الإنسي ناقصا قال أبو الحسن يريد بالأفعال الإرادية الإختيارية وأقول الموضوع للسعادة الإنسية البدن والنفس البهيمية الشهوانية والنفس الناطقة المرتابة وهي التي لها علم الأعمال قلت والموضوع للسعادة العقلية النفس الناطقة النظرية وهي التي تطلب ما تعلم لتعلم فقط لا لشيء آخر سوى النظر فيما يعلم
في الفصل بين السعادتين
قال أرسطوطيلس السعادة الإنسية وإن كانت تامة كاملة فإنها ليست في النهاية الكفاية وذلك أن التامة في النهاية هي المكتفية بنفسها وليست هي كذلك وذلك أن السعادة الإنسية محتاجة إلى البدن للفضائل البدنية ومحتاجة إلى البدن أيضا إذ كان الفضائل الخلقية محتاجة إلى الأبدان وهي محتاجة إلى النفس البهيمية الشهوانية وإلى النفس الناطقة المرتابة قال وأما السعادة العقلية فإنها مكتفية بنفسها وبسيطة ويظن بها أنها شيء إلاهي فإنه ليس يجوز أن ينسب إلى الله شيء من الفضائل إلا العلم قال وأما قولنا في الله أنه عدل فليس من جهة أن له معاملات لكن من جهة أخرى قال أبو الحسن الحكيم قادر على استعمال الرأي وإن لم يكن له العناء والتصرف والحسب والعز وإن لم يكن متصرفا في أعمال النجد ولا في أعمال الحرفة ولا في أعمال العدالة أو كبر الهمة قال وأقول هذه السعادة هي المطلوبة لذاتها فإنه ليس وراء هذه شيء سوى استعمال الرأي المطلوب لذاته هو الذي لا يراد منه شيء آخر سوى الفعل قال والسعيد الفاضل لا يشتهي أن يكون له تمام آخر غير ذاته قال وهذه السعادة لذيذة في نفسها لأن الإلتذاذ هو نفساني
في السعادة الإنسية
أنها ما هي من قول متقدمي الفلاسفة
قال أرسطوطيلس قال قوم بأن السعادة هي اللذة وظن آخرون أنها اليسار وظن آخرون أنها الكرامة قال وكان بعضهم ينتقل في ذاته من شيء إلى شيء فكان يرى إذا مرض أن السعادة هي الصحة وكان يرى إذا افتقر أنها اليسار قال وقال بعضهم التمام هو الراحة وقال بعضهم السعادة حسن الفعال مع الفضيلة إلى منتهى العمر
فسخ ما قاله هؤلاء في السعادة
قال أرسطوطيلس الذي قاله في السعادة من حكينا قوله ليس بصواب ومما يبين أن السعادة ليست اللذة أن الكثير من اللذات ضارة وقبيحة والسعادة أقصى المختارات قال ومما يبين أنها ليست باليسار ولا بالكرامة أن اليسار والكرامة من الخيرات الخارجة والخير الذي هو أولى بمعنى الخير هو الذي يكون في النفس لا خارجا منها قال وأقول السعادة مطلوبة لذاتها وأما حسن الفعال وكل فضيلة فأنا إنما نريدها من أجل السعادة قال وكذلك اليسار والكرامة إنما نريدهما من أجل السعادة قال ومحال أن يكون الحرص والتعب من أجل الراحة قال وأقول ليس الفعل من أجل الراحة لكن الراحة من أجل الفعل إذ كنا لا نقدر على إدامة الفعل لما يلحقنا من التعب قال وأنواع التعب كثيرة وهي المضرة بها أكثر من المنفعة ومما يبين أنه ليس الغرض اللذة أنه لو كان الغرض اللذة لم يجز أن يضطرهم إلى الحزن بسببها وأنه ليست من لذة بدنية إلا والحزن يتقدمها وكثيرا ما يتعقبها
ما قاله أفلاطن في السعادة الأدنى وإنها بم تقوم
قال أفلاطن سعادة الإنسان في حياته هي أن تكون حياته فاضلة قال وذلك بأن يحيي مدة ما تكون له من الحياة على أحسن الأحوال قال وإن السعادة لا تحصل للإنسان إلا بأن يكون سعيدا ببدنه وسعيدا بنفسه وسعيدا بذات يده قال وذلك بأن يصير له الخيرات البدنية والخيرات النفسية والخيرات الخارجة من النفس ومن البدن قال ولن يستتم له ذلك إلا بالخلاص من الشرور قال الشر شران غريب وأهلي والأهلي هو الذي ينبعث من داخل والغريب هو الذي يرد عليه من خارج قال ونقول أول المرقاة إلى الخير مفارقة الشر وأقبح الظلم ظلم المرء نفسه وذلك بأن يحرمها الخير ويوقعها في الشر
ذكر ما قاله أرسطوطيلس في السعادة الإنسية إنها ما هي وبم تقوم
قال أرسطوطيلس السعادة فعل النفس بفضيلة كاملة فإنا بالحياة وبالفعل والفعل أبقى من الحيوة قال ومعنى قولي بفضيلة أن يكون بنطق قال ومعنى قولي كاملة أن يكون جميع أفعاله على الفضيلة في جميع عمره وفي جميع أوقاته وأحواله لا في وقت دون وقت ولا في حال دون حال قال وإن الفعل لا يكون بفضيلة حتى يكون مبدأه مستقيما وغرضه مستقيما وحتى يكون السلوك من المبدأ إلى الغرض على الإستقامة قال والمبدأ هو الإختيار الذي منه تكون الحركة والغرض هو الذي إليه تكون الحركة وهو الذي من أجله يكون الفعل وهو المحرك إلى الفعل ولذلك نقول بأن الغرض هو المبدأ بالحقيقة قال واستقامة المبدأ إنما تكون بحصول القوة المنفعلة واستقامة الغرض إنما تكون باستقامة الهيآت الشكلية قال واستقامة السلوك إنما يكون بالصبر وبالثبات على ما يوجبه النطق قال والهيآت قد تكون فاضلة وقد تكون خسيسة وهي تنقسم قسمين بدنية ونفسية قال الهيآت الفاضلة البدنية هي الخيرات البدنية وهي الصحة والقوة الجمال قال والخيرات الفاضلة النفسية هي الخيرات النفسية ومنها ما يكون للنفس البهيمية الشهوانية وهي العفة والنجدة والعدالة ومنها ما يكون للنفس الناطقة التي لها علم الأعمال وهي الهيئة المتعلقة قال وإنما يصير للنفس البهيمية الهيآت الفاضلة بالنفس الناطقة وذلك بأن تطيع النفس الناطقة وتنقاد لها فيما يأمرها به قال أبو الحسن ومن الهيآت الفاضلة النفسية ألف الموالي ومحبته وبغض المعادي والنفار منه والمحبة والبغضة قد يكونان للأنفس الثلثية فإن كل واحد من الأنفس تحب من ينتفع به وما تنتفع به في شهواتها ولذاتها وتبغض من يضارها ويوذيها قال أرسطوطيلس ولا بد للفعل من آلات يكون بها الفعل قال وهذه الآلات هي الأشياء الخارجة من النفس ومن البدن وهي أصناف وانقسامها على قدر انقسام أجزاء النفس وحوائجها فأن الذي تحتاج إليه النفس الشهوانية غير الذي تحتاج إليه النفس الغضبية وكذلك النفس الناطقة تحتاج إلى ما لا تحتاج إليه النفسان الأخريان ومن البين أن فعل كل واحدة غير فعل الأخرى وهذه الآلات متى استعملت على ما ينبغي [؟؟؟؟؟]
في أنه لا ينال السعادة الإنسية من لم يكن نجدا وحكيما
أقول النجدة هي الجراءة على الأعداء عند المحاربة وهي الجراءة على الأصدقاء عند المخالفة وهي أيضا الجراءة على النفس الشهوانية بضبطها عن اللذات الضارة والسمجة إذا هاجت وتحركت في طلبها وفي تمتع بها وفي ضبطها على الآلام النافعة إذا أرادت الهرب منها وأقول إنه قد يجوز أن يكون سعيدا من لم يكن جريئا على الأعداء عند المحاربة ولن يجوز أن يكون سعيدا من لم يكن جريئا على الأصدقاء وعلى النفس وأما الحكمة فحكمتان حكمة للنفس الناطقة التي لها علم الأعمال وهذه الحكمة هي التعقل والحكمة الأخرى التي تكون للنفس الناطفة النظرية ولن يجوز أن يكون سعيدا من ليس له الحكمة الأدنى وقد يجوز أن يكون سعيدا السعادة الأدنى من لم يكن حكيما بالحكمة الأعلى
كيف تكتسب السعادة وبم تحصل
أقول إنه لما كانت السعادة فعلا للنفس بفضيلة كاملة كان من البين أن اكتساب السعادة إنما يكون باكتساب الأفعال الفاضلة وأما حصولها فإنما يكون بحصول جميع الأسباب التي ينتظم بها الأفعال الفاضلة ومن هذه الأسباب ما يكون بالفطرة كاعتدال المزاج المفيد للصحة وكصلابة الأعصاب واستحكام العظام المفيدة للقوة وكاستواء مناسبة الأعضاء وحسن التخطيط والشكل المفيدة للجمال والملاحة وأقول وهذه الهيآت وإن وقعت بالصنعة على الجودة فإنها لا تستغني عن الرعاية حتى تبقى على الإستقامة والإنسان في حال الصبا لا يقدر على صلاح نفسه وحسن حاله ولا يعرف ذلك فلا بد من أن يكون القائم برعاية حاله وبتربيته على الإستقامة غيره وذلك الغير إن لم يكن فاضلا في نفسه أفسد ما جودته الطبيعة له ومن هذه الأسباب المقيمة للسعادة ما يكون بالجد والإتفاق كالكسب والأولاد الموافقين والأهل الموافق فإن الموافقة في الأهل غير معلوم العلة فتكون مكتسبة وأما الهيآت النفسانية فإنها إنما تكون بالمربي الأديب الرفيق الماهر بالتأديب فإنها إن لم تحصل من الصبي على ما ينبغي حصلت أضدادها وخاصة الشرة والنذالة فإن الحاجة إلى الغذاء وإلى ما يكون به الغذاء لازمة ودائمة وإذا حصلت الهيآت الفاضلة بحسن التأديب والتربية وبنيه من هي له الفطنة كان كان حفظها على الإستقامة بحسن الطاعة المثبتة للسنة المسنونة وللرؤساء والسادة إلى أن يخرج قوته المتعلقة إلى الفعل فيصير هيئة ثم يلزمه استيفاءها على الإستقامة بحسن الطاعة للقوة المتعلقة وأقول وأما الآلات فإنها قد تقع بالجد وقد تقع بالكسب والفائدة بها لا تحصل باقتنائها وتحصيلها لكن باستعمالها فما لم تستعمل لم تحصل منافعها وأقول الذي يحصل بالأستعمال الحال وأما حسن الحال فإنما يقع بحسن الإستعمال وأقول إن قوام أمر السعادة إنما هو بالمربي والسائس ثم بحسن طاعة المتأدب والمتربي وملاك الأمر الدوام والصبر من السائس ومن المسوس وأقول هذه السعادة التي ذكرناها إنما هي السعادة المطلقة وأما المقيدة فإنها تثبت بالحال الموجود الحاصل في الوقت كيف كان وبالفعل الفاضل على قدر الحال والفعل الفاضل يثبت من دون حصول منه العفة والهيئة المتعقلة وبحصول السائس الفاضل وبحسن الطاعة
لم وقع الناس في الشقاء وكل يهرب منه ولم فاتهم السعادة وكل يطلبها
قال أفلاطن وقد يجب أن ننظر لم فات الناس السعادة وكل يطلبها ولم وقعوا في الشقاء وكل يهرب منه قال وأقول السبب فيه الجهل وعدم التجربة أو الجود وعدم الصبر أو اجتماع هذه قال وذلك لأن الجاهل يحب الخير ولا يؤثره لكن ما ليس بخير ويبغض الشر ويصير إليه لأنه لا بصيرة عنده من التجربة ولا معرفة له بالقياس والعبرة قال وقد يتنبه البعض لما هو أفضل غير أنه يعدل عن الأفضل تجنبا وجورا للجزع من احتمال التعب والضعف من مجاذبة الشهوة قال ومن كان كذلك فإنه معذب بالحقيقة لأن الشهوات لا تهنيه لعلمه بما هو أفضل وليس يطيق الصبر عنهه للضعف والخور وقال في موضع آخر إنما تفوت الإنسان السعادة ويلحقه الشقاء من قبل أن الرياسة يكون للنفس الشهوانية أو النفس الغضبية وذلك أنه متى تأمرت النفس الشهوانية أبطلت العفة والحرية وأظهرت الشره والنذالة قال ومتى تأمرت النفس الغضبية أبطلت الألفة والمحبة وأظهرت الشقاق والبغضة وكلتاهما جابرتان مبيدتان للنعم ومخربتان للديار أما النفس الشهوانية فبسبب المنافع والأموال لأن لهذه النفس الحرص والرغبة في اكتساب الأموال وفي جر المنافع بسبب اللذة والشهوة وأما النفس الغضبية فبسبب محبة الغلبة والرياسة قال وإنما يلحق الإنسان السعادة متى كانت النفس الناطقة الغالبة والآمرة والناهية وكانت الغضبية مؤازرة والنفس الشهوانية مطيعة وسامعة قال ومتى كانت النفس الناطقة المتأمرة على النفسين الآخرين قلنا بأن الإنسان غالب لذاته وحر وسعيد وخير وفاضل ومتى كانت بخلاف ذلك قلنا إنه مغلوب من ذاته ومسترق وشقي وشرير ورذل وقال أنبذقلس النفس الناطقة متى تعبدت البهيمية أظلمت وأوحشت وسمجت وقبحت وطفئت وخمدت قال وإذا استعبدت هي البهيمية أشرقت وأضاءت وزكت وحيت قال أنبذقلس وحيث تكون النفس الناطقة يكون هناك العقل وحيث يكون العقل يكون هناك نور الله فإن نور الله فائض على العقل وإن فاض نور الله فليس هناك جهل قال وإنما يكون هذا في النفس البسيطة وليست تفس الإنسان هكذا ولكنه متركبة مع البهيمية فلذلك صعب على الإنسان التخلص من البلايا و الآفات وقال أفلاطن في موضع آخر معتاد العادات الفاسدة لن يمكنه أن يصير إلى الأمر الأفضل وإن تنبه له واشتهاه فهو يصير إلى ما يضره عن علم منه بالمضرة ويذهب عما ينفعه عن علم منه بالمنفعة وإلى ما يشينه عن علم منه بالسماجة لتمكن العادات الفاسدة منه قال ومنزلته منزلة المفلوج فإنه متى أراد أن يتحرك إلى جهة تحرك بدنه إلى جهة أخرى فالعلم لا ينفع هؤلاء بل يضرهم إلا في النادر وذلك بأن يكون الله يعين الواحد على نفسه حتى يقتلها وهي حية ثم ينشرها على مثال آخر قال ولذلك نقول بأن الجاهل خير من العالم الذي لا ينتفع بعلمه قال وليس يصلح هؤلاء غير القهر والغلبة والإضطرار والمخافة وقال أفلاطن في موضع آخر وأحد الأسباب الموقع في الشقاء الأماني وذلك بأن يظنوا أن ذلك الضار أو القبيح لا يضرهم أو يظنوا بأن يتخلصوا منه أن ضرهم قال وإنه ليس يتخلص أحد من الأماني لا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى قال أفلاطن ومن الأسباب القوية في الفساد أن يعملوا على الخاطر الذي لم يصححه الفكر وذلك بأن يتحركوا أو يسكنوا على التخيل الحسي من قبل أن يصححه الفكر فيقعوا لذلك في الضار وفي القبيح وذلك أنه ليس للحس تمييز الجيد من الرديء والضار من النافع وإنما ذلك للفكر والفكر يستمد من العقل والعقل يأمر بالتزام حدود السنة وبحسن الطاعة للرؤساء فمن لم يستعمل الفكر لم تكن أفعاله نطقية لكن بهيمية وقال بعض الحكماء إنما تعلق النفس بالإنفعالات الشر لثلثة أسباب نية رديئة وتدبر رديء والجهل بما ينبغي وقال أرسطوطيلس الرداءة المفرطة إما سبعية وإما مرضية قال وإنما يعرض ذلك لأجناس العجم البعيدة وقال أفلاطن التربية الرديئة تصير الإنسان رديئا وإنما تقع التربية الرديئة من المربي وذلك بأن يكون رذلا وقال أفلاطن ومن الأسباب المؤدية إلى الفساد أن يعتقدوا بأن اللذة خير وقال حكيم الإسلام إنما وقع الإنسان في الشقوة من بعد علمه بطريق السعادة من قبل أن تركيبه كان من أضداد متعادية الروح وهو خير وتقابله النفس وهي شريرة والعقل ويقابله الهوى وملك ويقابله الشيطان والعلم ويقابله الجهل والإلهام وتقابله الوسوسة والفراسة وتقابلها الظن والذكر وتقابله الغفلة قال والخيرات الطريق إلى السعادة والشرور الطريق إلى الشقاء قال من أعظم أسباب السعادة العقل
القول في علاج الآفات المؤدية إلى الشقاء المانعة من السعادة
وأقول العلاج من العلل إنما يكون برفع الأسباب المولدة للعلل وكل شيء إنما يرتفع ويزول بضده فمن الواجب أن يعلم الأسباب المولدة للشقاء وأن يعلم الأسباب التي تقابل كل سبب من أسباب الشقاء ليكون علاج كل سبب بما يقابله ويزيله وأقول الأسباب التي ذكرناها وإن كانت كثيرة فإنها تنضم إلى سببين الجهل والجور وبيان ذلك أن أحد الأسباب تسلط النفس الشهوانية على النفس الناطقة أو تسلط الغضبية على النفس الناطقة وأي هاتين النفسين تولت السياسة وتدبير البدن كان مجراه على الجهل الصرف لأنه ليس لواحدة منهما بصيرة ولا معرفة وأحد الأسباب اعتياد العادات الفاسدة ومن البين أن ذلك إنما يكون من الجهل والجور وأحد الأسباب الأماني وهي تمني أن لا يضر الضار ولا يشين القبيح إنما تكون من الجهل وقيل تعوذبالله من طمع في غير مطمع وأحد الأسباب العمل على الخاطر الذي لم يصححه الفكر وهل يكون ما هو هكذا إلا الجهل وأحد الأسباب التدبير الرديء وهذا أيضا بين أنه يكون من الجهل وكذلك التربية الرديئة فإنها إنما تكون من التدبير الرديء وأما البنية الرديئة فإنها لا تؤدي عندي إلى الشقاء وذلك أنه ليس الشقاء رداءة البنية كما أنه ليس السعادة جودة البنية لكن الشقاء أن لا يعيش على قدر حالة الحياة التي هي أفضل لكن الحياة التي هي أردى فإن قيل أفيكون من قد فسدت قوته الناطقة بالبنية سعيدا قيل السعادة والشقاء إنما يكونان للإنسان والإنسان بالنطق ومن ليس له نطق فليس بإنسان إلا بالصورة الظاهرة وأقول علاج الجور تعود الصبر وعلاج الجهل اكتساب المعرفة والذي يحتاج إليه الإنسان من المعرفة لصلاح حاله معرفة الخير والشر والنافع والضار والجميل والقبيح واللذة والأذى وسنقول بعد هذا في كل شيء من هذه المعاني التي ذكرناها إن شاء الله فإن قيل أ فينفع معتاد العادات الفاسدة المعرفة قيل نعم ينفعه المعرفة إن أطاع المعرفة وربما احتاج إلى المعونة وقد قلنا من قبل بأن ملاك أمر السعادة بمن يربى على السعادة و يسوس على السعادة ويشبه أن يكون الإنسان محتاجا إلى غيره في أكثر أحواله فإنه مفطور على الحاجة وليس يستوي له صلاح حاله وعيشه إلا بالمعونة
في الجميل والقبيح
قال أرسطوطيلس الجميل هو نهاية الفضائل وهو ما يفعله الإنسان لسبب نفع الآخرين فقط من غير طمع في إجرار نفع إلى نفسه أو في طلب ذكر لها وأنه ليس شيء مما يفعله الإنسان يحاكي فعل الله غير الجميل إذ كان الله إنما يفعل جميع ما يفعله لسبب الخلق لا لشيء آخر إذ هو الغني وجميع ما سواه فقير إليه قال والأشياء الجميلة السخاء والحماية والتعليم والإكرام هذه كلها جميلة إذا لم يرد بشيء منها نفعا ولا ذكرا قال أبو الحسن والقبيح كل ما لحق غيره ضرر بفعله نفعه ذلك الفعل أو لم ينفعه وما فعله لنفع آخر أو آخرين لا لنفع نفسه وضر فعله إنسانا فإنه قبيح أيضا إلا أن يكون الضرر يسيرا والنفع كثيرا ولم يكن أيضا مستجرا من الذين ينفعهم نفعا إلى نفسه ولا حمدا وأما ما يفعله من الأفعال الجيدة بإظهار أنه إنما يفعل ذلك للجميل ولم يكن فعله ضررا البتة على أحد غير أنه يريد في الشر بما يفعل فعل نفع نفسه بمال أو ذكر ففيه نظر وعندي أنه من القبيح وأقل ما فيه أنه كاذب في إيهامه أنه لا يريد بها نفع نفسه وهو خائن مع ذلك بتدليسه وهو جان على أهل الفضيلة بتسميحه إياهم بفعله فإنه متى ظهر على هذا منه ظنوا بغيره أن حاله فيما فعل كحاله و هذا الظن يحمل على توهم أنه لا قوام للجميل بالحقيقة وأنه اسم فقط قال أرسطوطيلس وإن الفاضل ليس يفعل ما يفعله ليحمد عليه لكن للجميل ولو كان إنما يفعل ذلك ليحمد عليه لندم إذا لم يحمد وليس للفاضل ندامة ولا في فعل الخير ندامة ولو كان الفعل بسبب الحمد فاضلا لم يكن الخير أولى بذلك من الشر والأشرار قد يحمدون الشر ويكرمون عليه ولو كان كذلك كان لا يكون مدح الفاضل أولى بذلك من مدح الرذل وقال أرسطوطيلس وإن جميع الناس أو أكثرهم يحبون أن يفعلوا الجيد ولكنهم لا يصبرون عليه بل يختارون النافع والجيد هو أن يحسن لا للمجازاة والنافع هو أن يحسن للمجازاة قال و الفاضل يبذل المال والرياسة والكرامة من أجل الحمد الأجود فإنه إذا بذل المال كان المال لغيره والأجود له وقال في موضع آخر ذو الردى يشتهي أن يفعل الجيد ولا يفعله لكن إنما يفعل الرديء والعلة في ذلك غلبة شهوة اللذات عليه وتمكن العادات الفاسدة منه
حكاية ظريفة في التكرم بفعل الجميل
روي أن النعمان بن الممنذذ كان له في السنة مشهوران وكان أحد اليومين يسمى يوم كرم والآخر يوم بؤس فكان لا يستقبله في يوم كرمه أحد إلا منحه وأعطاه وكان لا يستقبله في يوم بؤسه أحد إلا قتله وأنه استقبله رجل في يوم بؤسه فقال له أ ما علمت أي يوم هذا فقال الرجل بلى فقال ما حملك على الخروج فيه فقال التوقي من عار الخلف بعدة كانت قد حصلت علي فيها فقال اقتلوه فقال دعني أنجز وعدي وأجيئك فقال ومن يضمن لك فقال كاتبك فقال لكاتبه أتضمنه قال نعم قال إني أقتلك إن لم يرجع فقال للملك ذلك فخلى عنه فذهب الرجل وأسرع الإنصراف فقال له ما حملك على الرجوع وقد علمت إني أقتلك فقال صيانة الوفاء من هجنة الغدر والخلف ثم قال لكاتبه وما الذي حملك على الكفالة به وقد علمت أني كنت قاتلك لو لم يرجع فقال كرهت أن لا أجيره وقد استجارني فيقال ذهب الكرم فقال النعمان للرجل قد عفوت عنك لئلا يقال ذهب العفو
في الخير والشر والضار والنافع
الخير والشر يتقابلان تقابل الأشياء المتضادة وكذلك الضار والنافع وما كان هكذا فإنه يكفي في تعريفهما تعريف أحدهما وذلك أنه متى عرف أحدهما عرف الآخر به وذلك بأن يتصور ما يضاده ويقابله مثال ذلك أنا متى قلنا بأن الذي يؤدي إلى حسن الحال فإنه خير وما أعان فيه فإنه نافع وجب أن يكون الذي يؤدي إلى سوء الحال شرا وأن يكون المعين على سوء الحال ضارا مثال آخر أنا متى قلنا بأن الخير هو الذي يتشوق إليه الكل من ذوي العلم فإنه يجب أن يكون الشر هو الذي ينفر عنه الكل من ذوي العلم وأقول الخير والنافع قد يترادفان على المعنى الواحد وقد يتباينان وكذلك الشر والضار وذلك أنه قد يقال لكل نافع بأنه خير وليس يقال لكل خير بأنه نافع من قبل أن النافع هو ما يكون معينا على نيل شيء آخر فيكون نافعا فيه وما يراد لذاته ولا يراد لشيء آخر فإنه ليس يقال بأنه نافع تشريفا له ولأنه وراءه شيء آخر فيكون معينا على استدراكه وكذلك حال الشر والضار فيما قلناه
في أقسام الأشياء وفيه بيان الخير المطلق والشر المطلق وبيان ما ليس يخير ولا شر
قال الحكيم الأشياء كلهاثلثة أقسام خير وشر وما ليس بخير ولاشر على الإطلاق قال والخير المطلق هو ما نفع كل وقت كالحكمة والعفة البر قال والشر المطلق هو ما ضر كل وقت كالرعونة والشره والجور قال والثالث هو الذي ينفع أحيانا ويضر أحيانا فيكون خيرا إذا نفع وشرا إذا ضر ومثال ذلك الأشياء اللذيذة فإنها خير متى اكتسبتنا الصحة والقوة وأنا ببقاء الصحة وبثبات القوة نستفيد الخير الذي هو في الحقيقة خير فإن لم تكسبنا ذلك كانت سببا للمرض وللضعف فإنها تكون شرا والأشياء الموذية كالكي والقطع والرياضة والتعب خير متى كانت أسبابا إلى الخير فإن لم تكن كذلك كانت شرا والراحة متى كانت سببا لاستثابة القوة كانت خيرا فإن لم تكن كذلك كانت شرا قال أفلاطن التعب والكد والذلة والأوجاع والهموم في اكتساب الفضائل والعلوم خير من الراحة والسلوة العز والنعمة والسلامة في العطلة واليسار والرياسة والأصدقاء والأهل والأولاد خير متى كانت مفيدة صلاح الحال فإن لم تكن كذلك كانت شرا وإن كانت معينة على السعادة الدنيا غير أنها كانت عائقة عن السعادة القصوى فإنها تكون شرا لأنه قد صار مضرتها أعظم من منفعتها والفطنة والحفظ وخفة الحركة متى كانت سببا للخير خير بإن لم تكن كذلك كانت شرا وأقول الغلظ إنما يقع في هذا النوع فإن الجاهل بحد الضار يظن أنه نافع وبالرديء يظن أنه جيد قال أرسطوطيلس وذلك من قبل أن الرداءة تقلب الأشياء وتصيرها كاذبة قال وسببه أن يكون الطغيان في أكثر الناس من أجل اللذة والأذى فإنهما يفسدان الأعراض قال والفاضل هو الذي يرى الخير الذي هو بالحقيقة خيرا فأما الشرير فإنه يرى ما أدرك قلت يعني ما أدركه بحسه قال وذلك أنه ليس له بصر من التجربة وأيضا فإن هيئته ليست يصحيحة وقد قلنا بأن الفعل إنما يكون على قدر الهيئة الشكلية وعلى قدر الرأي فإن كانت الهيئة الشكلية فاضلة وكان الرأي سديدا فإن الفعل يكون فاضلا ونافعا وإن كان بخلاف ذلك كان الفعل ضارا وسمجا
في أقسام الخيرات
قالوا الخيرات ثلثة أقسام فقسم منها الخيرات التي تكون في البدن وقسم منها الخيرات التي تكون في النفس وقسم منها الخيرات التي تكون خارج البدن وخارج النفس وقال أرسطوطيلس الخيرات ثلثة أقسام هيآت وآلات وأفعال وأقول تريد بالهيآت الخيرات التي تكون للبدن وللنفس إذ كانت الخيرات التي تكون للبدن وللنفس إنما هي الأحوال التي تلزمها وهذه الأحوال هي الهيآت ويريد بالآلات الخيرات الخارجة من البدن ومن النفس وإنما سماها الآلات لأنها إنما تراد للفعل والإنفعال قلت وليس الإنفعال قسم من أقسام الفعل أدخله في الأفعال وأقول الذي تقتضيه هذه القسمة هو أن تكون الخيرات خمسة أقسام فقسم منها الخيرات التي تكون للبدن وقسم منها الخيرات التي تكون بالبدن من الأفعال والإنفعالات وقسم منها الخيرات التي تكون للنفس وقسم منها الخيرات التي تكون بالنفس من الأفعال والإنفعالات والقسم الخامس الخيرات التي هي خارجة البدن وخارجة النفس قالوا الخيرات منها عظيمة ومنها صغيرة والخيرات العظيمة هي التي تكون منها المنفعة العظيمة والإحسان إلى الآخرين كالرياسة والثروة والشجاعة والصغيرة ما كان بخلاف ذلك
في الخير الذي هو أولى بمعنى الخير
قال أرسطوطيلس الخير الذي هو أولى بمعنى الخير هو الذي يكون في النفس وذلك هو العقل والمعرفة فإنه الذي يراد لذاته لا من أجل شيء آخر قال وأما سائر الخيرات فإنما سميت خيرات بسبب هذا الهير إذا كانت أسبابا إليه فإن لم تكن كذلك لم تكن خيرا لكن شرا
القول في حد الخير
قال أرسطوطيلس كل صناعة وكل مذهب وكل فعل وكل اختيار فقد يظن بأنه يقصد فيه إلى خير ما وما أجود ما حدوا الخير إذ قالوا بأنه المقصود إليه من كل شيء قال والمقصودات من الأشياء مختلفة وذلك أن منها ما هو فعل ومنها ما هو انفعال
التفسير وفيه بيان الصناعة والمذهب والبدعة والهوى
أقول الصناعة هيئة للبدن والنفس نطقية وعملية والمذهب هيئة للنفس فعلية نطقية وأقول الصناعة تقتضي مصنوعا حسيا وأما المذهب فإنه يقتضي مفعولا وهميا والصنعة تكتسب بالخيرات الخارجة أما المذهب فإنه يكتسب بالخيرات البدنية والنفسية والصانع يعمل في غير المنتفس وأما صاحب المذهب فإنه يعمل في المنتفس وأقول المذهب يؤدي إلى الخير من أطاعه وسلك طريقته وكذلك الصنعة وأما البدعة فإنها توهم الخير ولا تؤدي إليه وذلك لأنها تسلك على غير المسلك وأما الهواء فإنما تجر إلى اللذة ولكنها كثيرا ما تستبطئه وتساريه حتى تخفى على صاحبها مرادها تفسير وقوله وكل فعل وكل اختيار يوهم بأن الإختيار ليس بفعل وليس كذلك فإن الإختيار فعل فكري ولذلك فصل وأقول الفعل قد يكون إلى الصناعة وإلى المذهب وذلك حين يريد اقتناءهما وقد يكون عن الصناعة وعن المذهب وذلك من بعد أن يقتنيهماتفسير قوله المقصود اليه من كل شيء أقول الشيء المقصود هو عين الشيء المقصود إليه من الشيء المقصود وهو إنما يريد ههنا ما يقصد إليه من الشيء المقصود إذ كان ذلك أولى بمعنى الخير والذي يقصد إليه من الأشياء المفارقة فعل أو انفعال وكذلك قال والمقصودات من الأشياء مختلفة وذلك أن منها ما هو فعل ومنها ما هو انفعال وقال في موضع آخر الخير هو المقصود إليه من كل شيء وهو التمام من كل فعل وهمة قال أبو الحسن يريد بالتمام الغرض فإنه المقصود إليه بالفعل وهذا التحزير يوهم أنه بمعنى الأول وهو هو وليس به أما هو هو فلأنه قال ثم [انه المقصود إليه من كل شيء ] وههنا قال الخير هو المقصود إليه من كل شيء وأما ليس به فمن أجل أنه جعل المضصود إليه من الأشياء الفعل والإنفعال ثم وجعل المقصود إليه من الأشياء ههنا ما يراد بالفعل وبالإنفعال
حد آخر
قال أرسطوطيلس الخير هو الذي يتشوق إليه الكل من ذوي الحس والفهم قال أبو الحسن يريد بالفهم النطق الخارج الى الفعل وذلك هو العلم وقد قال في موضع آخر إنما توجد الأشياء ما هي وكيف هي بالعلم ولذلك حد الخير فقال بأنه الذي يتشوق اليه الكل من ذوي الحس والفهم فقد يتبين بما قدم بأنه إنما يريد بالفهم العلم
في الخير والشرير
قال أفلاطن الخير من ملك نفسه الشرير من ملكته نفسه وأقول الخير هو الذي اقتنى الخير الذي هو بالحقيقة خير ولا سبيل الى اقتناء ذلك الخير لمن ملكته نفسه فلذلك قال بأن الخير هو من ملك نفسه قال أفلاطن و أقول ان لذات النشوء تجذب الى اللذات وان كانت ضارة وسمجة والعقل يمنع منها فمن غلبته أخلاق النشوء وخذل العقل فإنه شرير ومملوك لشهواته ومغلوب من ذاته قال ومن انجذب الى ناحية العقل وغلب أخلاق النشوء فإنه خير وفاضل وحر وقد ملك نفسه
في الفرق بين النافع واللذيذ
اللذيذ هو الملايم للطبع وأكثر النافعات مؤذية والنافع هو الذي يكون مؤديا إلى الخير اواللذيذ وأكثر اللذات ضارة
في الساذج والسليم
قال أفلاطن الساذج والسليم هو الذي يصدق بما يقال له وينقاد لذلك لأنه يحسن ظنه فيه لزوال الشرية عنه ولذلك نقول بأن الفاضل الكامل هو الذي يعرف الشر والخير من قبل غيره لا من قبل نفسه وأقول الساذج وذو السلامة يسرعان إلى الذم والمدح قال وأقول أن سرعة قبول الشيء ربما كان من قبل ظنون تكون في النفس وذلك بأن يوافق ما يقال له أو يدعو إليه تيك الظنون
في الأشياء اللذيذة
قال أرسطوطيلس الأخلاق لذيذة وكذلك العادات لين الطبيعة لذيذة والخلق والعادة كالطبيعة لكن الطبيعة تكون دائما والخلق والعادة يكونان كثيرا وحسن الأقتدار لذيذ ولذلك يلتذ بحسن الفعل قال وأقول كل فعل تتبعه لذة قال والفضائل لذيذة وكذلك العلوم ولذلك كانت الخرافات لذيذة فإن النفس ستروح إليها متى عدمت غذاها من العلوم قال ومن أجل العلوم والفضائل كان التعب والكد المؤديان إلى العلوم وإلى الفضائل لذيذين والصحة لذيذة ولذلك كان الصبر على بشاعة الدواء لذيذا إذ كان الدواء سببا لإجتلاب الصحة وذكر الكد والتعب من بعد انقضائهما لذيذ ولا سيما إذا كان مع الظفر بالحاجة والوصول إلى البعية وذكر نيل الراحة عند التعب والكد لذيذ فالأشياء المحبوبة لذيذة عند التأميل إذا كن يتوقعن وفي الذكر إذا كن قد سلفن والكرامة محبوبة ولذلك كانت الغلبة لذيذة وكذلك جميع الأشياء التي تؤدي إلى الغلبة لذيذة وكذلك جميع الأشياء التي تؤدي إلى الكرامة والمال محبوب ولذلك كان جميع الأشياء المالية لذيذة قال والحياة لذيذة ولذلك كان جميع الأسباب التي تؤدي إلى الحياة لذيذة والشكل والمثل لذيذان ولذلك كان الأصدقاء ألذاء وقد قيل بأن الشبيه يحب الشبيه ومن هذا الوجه يفرح الصبي بالصبي والطائر بالطائر والسبع بالسبع وكل ما كان أشبه فإنه ألذ كالإنسان يشبه الإنسان الآخر في أفعاله ومعانيه قال والأشياء المستطرفة والفكهة لذيذة ولذلك كان التصوير والمحاكاة والتشبيه لذيذا ولذلك يشتهي الإنسان أن يكون متعجبا منه فإن التعجب منه ظريف والتملق لذيذ ويشبه أن يكون محبوبا
في أقسام اللذات
قال الحكيم اللذات كلها قسمان جسمانية ونفسانية والجسمانية أقسام وذلك أن منها ما هي طبيعية وضرورية كلذة الغذاء والشراب واللباس والكن أيضا ومنها طبيعية ليست بضرورية كلذة الجماع ومنها ما ليست بطبيعية ولا ضرورية مثل لذة السكر ولذة الإنهماك في المطاعم والمشارب والنكاح ومثل الكثير من اللعب قال واللذات النفسانية هي التي يختص بها الفكر غير أن من هذه ما هو سبب اللذات الجسمية وهذه هي التي تلتذ بها النفس عند التأميل والذكر وينفعل بها الجسم عند المباشرة قال ومنها ما هو خاص بالنفس وتلك هي التي إذا نالها لم ينفعل بها جسمه ولا كان مادة لما ينفعل منه الجسم لكن إنما تنفعل بها النفس مثل لذة العلوم ولذة الأصدقاء ولذة الخرافات ولذة الكرامة
في الأشياء الموذية
قال جالينوس الأشياء الموذية هي التي يعرض منها تفريق متصل أو ضم مفترق قال والأسباب الفاعلة لذلك حر أو برد وقطع وتاكل أما الحار المفرط فلأنه يقطع أجزاء البدن ويحللها وأما البارد الشديد البرد فلأنه يضغط أجزاء البدن ويجمعها قال والرطب واليابس لا يولمان لأنهما لا يلقيان البدن بعنف ولذلك لم يولما
القول في الحواس هل يتفاوت حالها في الأذى واللذة
قال جالينوس الذة والأذى في االلمس أقوى منه في سائر الحواس وبعد اللمس في الذوق ثم في الشم ثم في السمع وهما في البصر أضعف
بقية القول في الأشياء الموذية
قال وإن الذي يوذي السمع الصوت الخشن والصوت السريع والصوت العطيم قال وهذه الثلثة مجتمعة في الرعد قال ويولم الذوق المرارة والعفوصة والحموضة لأن هذه تفرق اتصال حاسة الذوق قال ويولم البصر شدة الضوء وشدة الظلمة قال وإن الشمس ربما أذهب ضوء البصر في زمان يسير لأنها تبدد أجزاء البصر للطافة أجزائها قال وأما الظلمة فإنها تطفئ ضوء البصر فتذهب به على الجملة أو يغلظ ولكنها لا تفعل ذلك في زمان يسير لكن متى طال لبث الإنسان في الظلمة
القول في الوحشة إنها ما هي وإبانة سببها
قال أرسطوطيلس الوحشة أذى تلحق القوة الفكرية قال والسبب فيها خلو النفس الناطقة مما تحتاج إليه من المعرفة فإنها إذا أخلت من المعرفة قلقت والناس لجهلهم لا يتفطنون لذلك لكن يتوهمون أن وحشتهم إنما هو لفقدهم ما يشتهون ويحبون فيطلبون لسبب ذلك ما يتلهون به ويشتغلون
القول في الأشياء الموذية على وجه آخر
قال أرسطوطيلس جميع الأشياء الموذية شرور إلا أن تكون أسبابا للخير قال وأقول الأشياء الموذية قسمان فمنها ما هي موذية للنفس فقط قال وهذه هي التي لا ينفعل منها الجسم لكن الفكرة قال ومنها ما ينفعل بها الجسم قال والناس يستوون فيما يولم الجسم وإنما يتباينون في مقدار الألم وفي إظهار القلق والجزع قال وأما النفسانية فإنهم يتباينون فيها تباينا عظيما وذلك أن منهم من يتأذى بما لا ينبغي أن يتأذى به كالحاسد ومنهم من لا يتأذى بما ينبغي أن يتأذى به كالوقح قال وإنما تتفاوت الحال فيه لإختلاف أحوال الناس باختلاف الأخلاق والهمم
في الإلتذاذ والتأذي أنهما فعلان أو انفعلان
قال الحكيم الإلتذاذ والتألم انفعلان وقال أرسطوطيلس الإنفعال منه جسماني ومنه نفساني قال ومن النفساني التغلب والغضب والشهوة وقال غيره الإنفعالات أربعة أقسام لذة وأذى وشهوة وفزع قال واللذة إنما تكون للخير الحاضر قال الشهوة إنما تكون للخير المتوقع قال والأذى إنما يكون للشر الواقع قال وأما الفزع فإنه يكون للشر المتوقع
بقية القول في الإلتذاذ والتأذي
قال أرسطوطيلس صورة الشر إذا تحركت ولم تظهر ولدت الفزع وإذا هي ظهرت ولدت اللذة
في الإنفعال أ هو اللذة والأذى أما الإحساس بالإنفعال هو اللذة والأذى
قال غرغوريوس الإنفعال ليس بلذة ولا أذى لكن الإحساس بالإنفعال هو اللذة والأذى ولهذا لم يكن بما لا قدر له التذاذ ولا أذى وإن كان من جنس ما يؤلم ويلذ
في الفصل بين الإنفعال النفساني وبين الإنفعال الجسماني
قال الإنفعال النفساني حركة تحدث في النفس من تخيل خير أو شر وأما الإنفعال الجسماني فإنه حركة تحدث في الجسم من ملاقات شيء لذيذ له أو مؤذ
في الفرق بين الإنفعال وبين الفعل
قال الإنفعال إنما يكون في شيء من شيء آخر وأما الفعل فإنما يكون من ذات المتحرك فإن الشيء الواحد قد يكون فعلا وقد يكون انفعالا قال أرسطوطيلس الشيء الواحد قد يكون انفعالا بوجهين أحدهما أن يكون متحركا من ذاته فيكون فعلا لذلك كالغضب ويكون مع ذلك انفعالا إذا كان المهيج له غيره وهذه حالة الغضب فإنه إنما يصح من شيء إلى آخر فقال والوجه الآخر بأن يخرج عن الإعتدال فيكون انفعالا لذلك ويكون من ذات المتحرك فيكون فعلا مثال ذلك حركة الإختلاج فأنا نقول بأن حركة الإختلاج انفعال لأنها خارجة عن الإعتدال وهي مع ذلك فعل لأنها إنما تكون من ذات المتحرك وقد يجب أن ننظر أن النفس البهيمية تحس بذاتها أو بغيرها وأقول أن الإحساس نوع من أنواع العلم يجب لذلك أن يكون الإحساس للنفس الناطقة والفكرة أيضا لهذه النفس ويجب من هذا أن تكون النفس اليهيمية إنما تلتذ بغيرها أقول النفس البهيميةإنما تلتذ بالبدن وبالنفس الحساسة وأما النفس الغضبية فإنها لا تلتذ بالبدن ولكنها إنما تلتذ الناطقة النظارة هل لها حس أم ليس لها ذلك فإن لم يكن لها ذلك وجب أن يكون إحساسها بغيرها وأقول النفس النظارة إنما تلتذ بالنفس المرتابة وهي الحساسة
في الفرق بين النظر وبين الفكر
وأقول الفكر قوة مطرقة للنفس إلى العلوم وأما النظر فإنما هو النظر إلى المعلوم وقياس الفكرة التحدق وقياس الإبصار من بعد التحدق
في اللذة أنها ما هي وفي أنواعها أنها كم هي
أقول اللذة إحساس بالإنفعال ويجب من هذا أن تكون اللذة للنفس الحساسة ولكنه منها ما تكون للتخيل والتخيل ضرب من الإحساس وأقول اللذات أربعة أنواع على قدر أنواع الأنفس وقال أفلاطن أنواع الأنفس ثلثة النفس البهيمية والنفس الغضبية والنفس الناطقة والنفس الناطقة نوعان المرتابة والناظرة
في أنواع اللذات
قال أرسطوطيلس اللذة التي تكون للأشياء المختلفة بالصور يجب أن تكون مختلفة بالصور كلذة الكلب فإنه يجب أن تكون غير لذة الفرس ولذة الإنسان يجب أن تكون غير لذة الحيوان قال وأما التي تكون لأشياء بأعيانها كلذة الإنسان والإنسان فيحق أن لا تكون مختلفة بالصورة ولكنها تتبدل في الملتذين لتبدل احوالهم فإن المحموم والصحيح لا يلتذان أيضا بشيء واحد كذلك الفاضل والرديء لا يلتذان بشيء واحد قال وإن العاقل يختار إدراك العقل على الذهب لأن العقل عند العاقل ألذ من الذهب عند الجاهل
بيان أن للإنسان لذة يختص بها وإنها إنما هي لذة المعرفة
قال أرسطوطيلس إنه لما كان لكل واحد مت أنواع الحيوان لذة يختص بها كما قلنا وجب أن يكون للإنسان من حيث هو إنسان لذة يختص بها والإنسان إنما يختص بالمعرفة فأما سائر اللذات فإن سائر الحيوان يشركه فيها ويشبه أن يكون يصيب سائر الحيوان من لذة الشهوة ومن لذة الظفر والغلبة أكثر قال ومن البين أن الصبيان يفرحون بما لا يفرح به الرجال وكذلك النساء يفرحن بأشياء لا يفرح بها الرجال ولا الصبيان قال وإن الحمقى والسكاري وأكثر من لا عقل له إنما يعيش بالخرافات وكل حديث لا يفيد الخير فإنه خرافة وأكثر الأشعار خرافات
بيان العلة في أنه لم صار للإنسان لذات مختلفة
قال أفلاطن وأرسطوطيلس للإنسان لذات مختلفة قال أرسطوطيلس وإنما وجد للإنسان اللذات المختلفة لعلل أحدها من قبل أن طبيعته لم تكن بسيطة لكن مركبة وأيضا فإن حالته لم تكن واحدة لكن مختلفة قال أفلاطن وإن نفس الأنسان ليست واحدة بسيطة كالعقل ولكنها منقسمة إلى ثلثة أنواع النفس الشهوانية ولها محبة لذة المطاعم والمشارب والمناكح قال ولهذه النفس أيضا الحرص والرغبة في جر المنافع واكتساب الأموال بسبب الشهوة واللذة قال والنفس الغضبية ولهذه النفس محبة الغلبة والرياسة والكرامة قال والثالث الناطقة ولهذه النفس محبة الحق وبغض الباطل ومن أجل ذلك تحب العلوم والحكمة قال أفلاطن ومن أجل هذا نقول بأن الإنسان ليس بحيوان واحد في الحقيقة ولكنه ثلث حيوانات وقد غشيت بصورة واحدة في الظاهر فمثال الحيوان الأول وهو الذي له الشهوات ومثل سبع ضار متفنن الخلقة له رؤوس حيوانات كثيرة برية وأهلية وهو أعظم الثلثة مثال الحيوان الثاني مثال أسد هائج الغضب قال ومثال الحيوان الثالث مثال الإنسان وصورته وقد حلي الجميع من خارج بحلية واحدة وهي مثال الإنسان قال وكل واحدة من هذه الأنفس تنازع إلى ما تلتذ به وتشتهيه قال أرسطوطيلس وقد تختلف اللذات في الإنسان لعلل أخر فإن بعض اللذات إنما يكون من جهة الأمراض والجنون كالذين يلتذون بأكل اللحوم النيئة وبعض اللذات يكون من جهة الآفات كالإلتذاذ بأكل الفحم والطين ويعض يكون من جهة العادة كنتف الشعر وجرح الأظفار والإلتذاذ بجماع الدبور قد يكون من جهة الآفة وقد يكون من جهة العادة كالذين يعتادون التفاخذ من الصبى وقد يلتذ بالشتيمة الفاحشون من الأغنياء والرؤساء وأنهم يظنون بأنهم يصيرون أفضل من المشتومين
العلة في ميل الناس إلى اللذات الجسمية وفي هربهم من اللذات النطقية
قال أرسطوطيلس إنما صار الناس يطلبون اللذات الجسمية لأنهم مع هذه اللذات ينمون واياها يألفون قال وإنما ظنوا أنها أكثر في الإختيار لأنها تدفع الحزن قال وأيضا فإن الأكثر منهم لم يذوقوا اذة المعرفة فيعرفونها قال ومن عرف لذة المعرفة يصبر على ما هو أمامها من الكد والتعب والخطر حتى يصل إليها قال وأيضا فإنه لا سبيل إلى لذة المعرفة من غير رفض كثير من الشهوات واللذات ومن غير هجران لذة الراحة والخرافات وليس بهين رفض هذه اللذات وهجرانها
بيان أن لذة المعرفة ألذ من سائر اللذات كلها
قال أفلاطن الطريق إلى معرفة الأشياء التجربة والقياس ومن البين أنه يختص بطريق المعرفة صاحب المعرفة قال وهو الذي يختص بالتجربة لأنه قد جرب لذة الشهوات ولذة الظفر الغلبة والعز والرياسة وقد عرف مع ذلك لذة المعرفة فأما محب الشهوات ومحب الغلبة فإنهما لم يذوقا لذة المعرفة دليل آخر قال أفلاطن وأرسطوطيلس لذة المعرفة ألذ فإنها صافية وأما سائر اللذات فإنها مشوبة قال والدليل أنه ليس للذتها ضد فينغصها ويكدرها وأما لذة المطعم فإنه يقابلها أذى الجوع ولذة المشرب يقابلها أذى العطش ولذة المنكح يقابلها أذى الشبق ولذة الكرامة يقابلها أذى الحسد ولذة التعزز تقابلها لذة التذلل لأن المتعزز يضطر إلى أن يتذلل لمن يكون فوقه ودونه بوجه ووجه قال وإنه يلحق كل لذة من هذه اللذات لواحق تبغضها لما يقع فيها من الخطأ في المقدار الوقت والجهة قال محب المعرفة سليم من هذه الآفات كلها قال أرسطوطيلس لذة المعرفة هي اللذة بالحقيقة وعلى الإطلاق فأما سائر اللذات فإنما هي لذات بالعرض لأنها أشفية من الأحزان
بيان أنه ليس كل لذة بخير
قال أرسطوطيلس من البين ان الإستكثار من اللذات يمرض لو كانت اللذة خيرا على الإطلاق وكانت الإستكثار منها خيرا لأن الإستكثار من الخير خير قال ومن البين أن الكثير من اللذات ضارة وأن الكثير منها قبيحة قال ومن البين أنها تشغل عن العقل قال أبو الحسن يعني به اللذات الجسمية قال وكلما كانت أقوى شغلت أكثر قال فليس يجوز من أجل ما قلنا أن نقول بأن كل لذة خير
بيان أنه غير جائز أن نقول بأن اللذات ليست بخير على الإطلاق
قال أرسطوطيلس وغير جائز أن نقول بأن اللذات ليست بخير على الإطلاق لأن الكل يشتهي اللذة والكل يهرب من ضدها وهو الأذى قال والفساد إنما يقع على الأمر الأكثر من جهة الإفراط والإفراط إنما يقع في اللذات الجسمية قال وأقول لما قلنا بأن اللذة خير لكن ليس كل لذة وقال أفلاطن إنه ليس بين اللذات الجسمية وبين العقل مشاركة زالدليل أن اللذة المفرطة يجعل الإنسان هائم العقل مضطربا مثل ما يفعل به الحزن الغالب قال كذلك نقول بأنه ليس بين العقل وبين اللذة مشاركة البتة وإنما تكون المشاركة بينها وبين السفه الغلمة
القول في ما هي اللذة والأذى
قال جالينوس الألم هو خروج البدن عن حالته الطبيعية في زمان يسير وبمقدار كثير فإن خرج قليلا لم يولم وكذلك إن خرج كثيرا ولكن كان خروجه في زمان كثير قال واللذة هي رجوع البدن إلى الحالة الطبيعية في زمان يسير فإن رجعت قليلا أو كثيرا ولكنه في زمان كثير ظن بأنه قد كان ثم ألم ولم تنعقبه لذة وقال غرغوريوس كل وجع وكل راحة فإنما هو من استحالة المتضادات أما الوجع فمن استحالتها إلى خلاف مجرى الطبيعة وأما الراحة فمن استحالتها إلى مجرى الطبيعة وقال أرسطوطيلس قال قوم بأن اللذة تمام النقصان قال وإنما وقعوا إلى ذلك من قبل ضدها وذلك لأنهم رأوا الأذى نقصان الشيء الطبيعي قال أبو الحسن ما قاله جالينوس وغرغوريوس وحكاه أرسطوطيلس كالقريب بعضه من بعض من جهة المعنى وإنما الإختلاف فيه من جهة العبارة وبعد فإن ما فيه من الإختلاف غير بعيد
مناقضة هؤلاء
قال أرسطوطيلس ما قالوه في حد اللذة لا بعم جميع اللذات لأن لذات النفس وهي اللذات بالحقيقة ليست بتمام النقصان قال وما قالوه إنما يختص بلذات البدن وأيضا فليس لجميعها لكن لما يلي الغدا منها قال وأقول إن لذات البدن ليست بلذات حقيقة لكن بالعرض لأنها أشفية من الأحزان والطبيعة هي المخوفة ولو كان كما قالوا لكان يجب أن يكون الذي يلذ هو الذي يلحقه النقصان قال والجسد وحده لا يلتذ من دون النفس وأقول قد قال أفلاطن بأن لذة المعرفة إنما هي تمام النقصان ويشبه أن يكون إنما قاله على سبيل التشبيه والتحقيق فيه ما قاله أرسطوطيلس قال أفلاطن أن للنفس لذات لأن لها نقصان فإنه لا نقصان أشد من نقصان الجهل قال ومن أجل ذلك يلتذ بالمعرفة لأنها تتم نقصانها بالمعرفة
بقية القول في ماهية اللذة
قال أرسطوطيلس قال قوم اللذة تكون في طبيعة حساسة وقال في ريطوريقى اللذة حركة تكون بغتة في طبيعة الشيء نفسها قال وأما الحزن والأذى فبخلاف ذلك
مناقضة هؤلاء
قال أبو الحسن وهو أن الحدان قريبان لأن التكون تحرك والكون عنده حركة وقال الحركة والكون لا يقالان على الجميع الذي لا ينقسم كالنقطة والوحدة والبصر قال ولكن إنما يقالان على ما ينقسم لأن الحركة إنما تحدث جزءا من بعد جزء وكذلك التكون قال وإنما يكون تمامه إذا فعلت ما أرادت قال وأما في جميع أجزاء الزمان فإنها لا تكون تامة وكذلك التكون قال وأما اللذة ففي كل زمان تامة من كل مثل الوحدة واليقظة والبصر قال ومن أجل ذلك لا يمكن أحد أن يلتذ في زمان أكثر منه في زمان قال وإنما يلحق ما يظن فيها من الزيادة والنقصان التلذذ لا اللذة قال فإن قيل فمن أين وجدت لذة أقل ولذة أكثر قيل إن الفاعل والمنفعل إذا كانا قويين كان التلذذ واللذة بخلاف أن يكونا ضعيفين قال وأيضا فإن الإنسان متى كان تشوقه إلى الشيء طويلا كان فعله فيه قويا ومتى كان بخلاف ذلك كان فعله بخلاف ذلك
حد ثالث للذة
قال أرسطوطيلس وقال قوم إنها فعل للهيئة الطبيعية غير ممنوع قال أبو الحسن هذا قول فيثاغروس وأفلاطن فإنهما قالا اللذة فعل على مجرى الطبيعة فلا مانع يمنعها
مناقضة هؤلاء
قال أرسطوطيلس اللذة ليست بفعل قال والدليل أن أنواع الأفعال ثلثة حسية وحركية وفكرية قال ومن البين أن اللذة ليست بفكرة ولاحس وقد بينا من قبل أنها ليست بحركة قال فقد بان بما قلنا أنها ليست بفعل قال يفسد هذا الحد من جهة أخرى وذلك من قبل أن السعادة فعل للهيئة الطبيعية لا عائق فيها
ذكر الحد الذي حد به أرسطوطيلس اللذة من بعد ما ناقض القوم
قال أرسطوطيلس فأقول بأن اللذة نهاية أفعال الحي الطبيعية التي لا عائق فيها حتى تكون مقرونة بالسعادة قال أرسطوطيلس وأقول اللذة نهاية لا كهيئة تصير في الملتذ لكن كتمام كالكمال الذي يكون بالمرتبة لا بالصورة وبالجمال الذي يصير في الشباب وقال فرفوريوس مفسرا لما قاله أرسطوطيلس اللذة كالنهاية في المرتبة لأنها تحدث اخراقالت وليست بكاملة لأنا لا نقف عندها ولكنا نطلب شيئا آخر قال أرسطوطيلس وإنما ظن بأن اللذة فعل لأنها تابعة لكل فعل ومتصلة بالفعل وغير منفصلة من الفعل قال وأقول اللذة تابعة لكل حركة لأنها تابعة لكل فعل والحركة فعل قال وإنها تابعة للسكون أيضا لأن السكون أيضا فعل قال وأقول اللذة ليست في الفعل فقط لكن في الإنفعال أيضا كالتعلم فإن التعلم انفعال وهو لذيذ
القول في خاصية اللذة
قال أرسطوطيلس إنها من أجل الأفعال لشهوات الهيئة وذلك لأن اللذة تتمم كل فعل وتصيره أجود من قبل أن فاعلي الأفعال يستقصون في الأفعال بسبب اللذة قال وأقول منفعة اللذات الجسمية الوجود فقط وأما منفعة لذة المعرفة بالوجود الفاضل
حساب ظريف لأفلاطن في بيان زيادة لذة صاحب الحكيم
قال أفلاطن إنه لما كانت اللذات ثلثة واحدة صافية واثنتان دعيتان يعني بالدعيتين لذة الشهوة ولذة الغلبة ويعني بالصافية لذة المعرفة قال وكانت الرياسة خمسة وكان المتغلب الثالث هو صاحب النفر اليسير إذ كانت رياسة الجماعة بينهما وكان صاحب النفر اليسير بالثالث من الملك إذ كان صاحب علية الأشراف وسطا بينهما وجب أن يكون بعد المتغلب عن اللذة الحقيقية ثلثة أضعاف الثلثة الأضعاف في العدة قال ويجب أن يكون الرسم والمثال بحسب عدد الطول للسطح المسطوح قال وإنما بحسب القوة والتزيد الثالث فإنه يجب أن يكون الملك ألذ عيشا بسبعمائة وتسعة وعشرين قال ويجب أن يكون المتغلب أكثر أذى بهذا المقدار قال وليبين بهما حساب حق إن كانت الليالي ونهارها والشهور والسنون ملائمة لها قال أبو الحسن وقوله وأما بحسب القوة والتزيد الثالث فإنه يريد تزيد الآحاد وتزيد العشرات وتزيد المئين فإنه الثالث
فصل من حرف اللام
الفعل ألذ من البطالة واليقظة ألذ من النوم والحس ألذ من عدم الحس والعقل ألذ من الجهل قال والسرور واللذة في كل شيء هو أن يفعل فعله من غير عائق قال وكما أن ألذ الأشياء المحسوسة أفضلها كذلك حال المعقولة يجب أن تكون الذها أفضلها
وبيان ما قاله أفلاطن على وجه من التقريب والتخمين
إن اللذت لما كانت ثلثة وجب أن يكون للمتغلب تسعة لأن له ثلثة أضعاف الثلثة ولأن رياسة الجمع متقدمة عليه بالضعف وجب أن يكون لها ثلثة أضعاف ما هو له وذلك سبعة وعشرون ولأن صاحب النفر اليسير متقدم على رياسة الجمع الكثير بالضعف وجب أن يكون له ثلثة أضعاف ما لصاحب الجمع الكثير فيصير له أحد وثمانون ولأن رياسة الأشراف متقدمة بالضعف على صاحب النفر اليسير وجب أن يكون له ثلثة أضعاف ذلك فيكون مأتين وثلثة وأربعين وللملك ثلثة أضعاف هذا وذلك سبعمائة وتسعة وعشرين
في السعادة القصوى أنها ما هي وكيف تكتسب من قول أفلاطن
قال أفلاطن السعادة إنما هي استكمال الإنسان صورته قال والإنسان إنما يستكمل صورته بالعلوم الحقية وأولها الحساب ثم الهندسة وعلم المكعبات وعلم النجوم والموسيقى قال وآخرها علم الجدل قال وإن هذه العلوم يرفع عن الإنسان النذالة والخساسة والأحزان والهموم وتصيره وادعا ساكنا وذلك أنه تخرج عن قلبه محبة العز ومحبة العائدة وتزيل عنه سائر الأخلاق الفاسدة
القول في السعادة العقلية وهي القصوى إنها ما هي وبم تكتسب وتحصل من قول أرسطوطيلس
قال أرسطوطيلس السعادة العقلية فعل للنفس عقلي وفي موضع آخر بدل عقلي رأي وفي موضع آخر نطقي قال أبو الحسن وهذه العبارات كلها متقاربة وإنما تقع من جهة المترجمين قال والخيرات التي تقوم بها هذه السعادة هي التي تختص بها النفس الناطقة النظرية وهي العقل والعلم والحكمة قال والعقل الأوائل قال والعلم هيئة برهانية قال والحكمة هي التمهر في تأليف القياسات وإنتاج النتائج وهي المهن أيضا في الذهاب من الأوائل إلى الأواخر ومن الأواخر إلى الأوائل وحسن الإقتدار على معرفة الأوائل وهي المبادئ قال وليس ينبغي أن يكون فهم الإنسان ميتا إذ هو ميت بل ينبغي أن يصيرها عادمة موت وقال أرسطوطيلس الحكمة علم وعقل فإنه ليس ينبغي للحكيم أن يعلم ما يعلم من المبادئ فقط لكن ينبغي أن يصدق عما في المبادئ قال وقد يقال للذين حذقوا الشيء حكماء وقال أفلاطن العلم وقوع بصر النفس على الأشياء الكلية وقال الإسكندر العلم هو المعرفة بسبب العلوم أنه سبب لذلك المعلوم وقال ثاميطوس ليس العلم غير المعاني المعلومة كما أنه ليست الهندسة غير المعاني الهندسية وقال برقلس سمعت أرسطوطيلس يسمي المعرفة حركة يسمي العلم حركة كما يسمي المشي والإحضار
هل يجوز أن تكتسب السعادة القصوى من غير أن تكتسب السعادة الأدنى
إنما يمتنع الوصول إلى الثاني من قبل الوصول إلى الأول في الشيئين الذين يكون أحدهما أدنى والأخر أقصى متى كان ذلك الأدنى موضوعا تحت ذلك الأقصى وليست السعادتان كذلك وبيان ذلك أنهما في موضوعين ليس أحدهما تحت الثاني ولكنه كالبعيد فيمن كان مسترقا لشهواته ومنصرفا بهمته إلى التمتع بلذاته وكانت أوقاته متمزقة بها وببلاياها وآفاتها أن يصل إلى العلوم الفاضلة الرفيعة الدقيقة التي لا يكاد يخلص إليها إلا من أخلص أوقاته لها وانقطع من كل شيء إليها ولم يلوث همته بشيء سواها وأيضا فإن الشره يؤدي إلى البلادة الغباوة وهذه العلوم لا تحصل بغير صفاء الذهن وجودة الطبع والفهم وبقوة الحفظ
ذكر الآفات المانعة من السعادة القصوى ومن استتمامها
قال أفلاطن الحكمة لا تنال إلا بأن ينقطع إليها من كل شيء ومن أكثر الأشياء التي يقال إنها خيرات كالثروة والكرامة والرياسة والإخوان والأهل والأولاد حتى الفضائل كالنجدة والعفة وصلة القرابة والعشرة قال لأن كل شيء من هذا يحتاج إلى زمان في اكبسابه وتربيته وفعله وإلى عناية بحفظه وصيانته ولا زمان عند طالب الحكمة ولا قلب ولا عناية لأن زمانه مصروفة في طلب الحكمة وعنايته مستغرقة في استنباط الحكمة وفي رعاية أمر الحكمة العلاج لذلك أن يعلم أن هذه الأشياء وإن كانت خيرات فإنها قد صارت شرورا عليه لما كانت عائقة له ومانعة عما هو خير منها وأفضل وقال سقراط لتكن عنايتكم بالنفس دائما وبالبدن بقدر ما تدعو إليه الحاجة وأما في الخارجات عن النفس والبدن فلا البتة قال وإن الحكيم لا يكون غنيا ولا ذا مقدرة وقال أرسطوطيلس إن الفلسفة لا تنال إلا بفقر وعناية بالغة وطبيعة جيدة قال سقراط وكل من قلت حاجته فإنه أقرب إلى الله لأن الله ليس بمحتاج قال وينبغي أن يعلم أنه لن يمكنه أن يصل إلى هذا الأمر العظيم إلا بأن ينسل من جميع ما يكون فيه وإن جل مقداره وشرف محله ولا يكفيه ذلك من دون أن يبعد مما ينسل منه ومن دون أن يتنحى من بين معارفه وأن يتوارى من كل ما يخاف أنه يقطعه عنها أو يشغله ثم يقبل على ما يحييه ويسعده ويجتهد في أن يسلم له في هذه الدنيا عيشه وأن يخرج منها إلى الآخرة وادعا آمنا بما قدم من الخير أمامه وقد يجب أن ينظر أنه كيف يجوز أن ينقطع السعيد عن العفة وهل يجوز أن يصل إلى الحكمة الشره وأقول وجه عندي أن العفيف لما كان إنما يتناول ما ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي كان المنقطع إلى الحكمة كثيرا ما ينقطع عن التناول في الوقت الذي ينبغي وكثيرا ما ينقطع أيضا عن تناول ما ينبغي فيكون انقطاعه عن العفة من هذا الوجه لا من قبل الشره وقال أرسطوطيلس الفاضل قد يترك بعض لذات العفيف وإن لم تكن رديئة لأن له لذات هي أفضل
ذكر آفة أخرى
قد قلنا فيما سلف إن الحكمة لا تنال إلأ بترك أكثر الخيرات والفضائل ومن فعل ذلك كان عند الناس على غاية البدعة والمذهب الغريب المنكر لأن ايثار هذه الخيرات والرغبة في فعل هذه الفضائل هي الإنسانية فمن زهد فيها فإنه يكون عند الناس أنه ليس بإنسان والناس إنما يعزون ويكرمون من رغب في المممدوحات وعمل الصالحات ووافق أهل الخير وكان على مثل سيرتهم ومن كان على خلاف ذلك أهانوه وأذلوه واستخفوا به وحقروه وربما قصدوه بالمكاره في نعمته وفيمن يتصل به وفي بدنه حتى الضرب والقتل ومن أعظم المحن عليه أنه ليس يمكنه أن يقنعهم بالحجة لأنه ليس بممكن مخاطبة من ليس معه الأمور الإنسية فضلا عن الألفة فأي حدث وأي شيخ يصبر على المهانة والمذلة وعلى الخوف الدائم من الإضرار والجسارة وعلى الغرامة والعقوبة والعلاج الجليل أن يعلم أن جميع الأمور شاقة وعسرة وفي السلوك إليها مخافة ومخاطرة وقال أفلاطن الحكمة لا تنال إلا بتحمل الكد والتعب وركوب الغرر والخطر عند الأعداء إذا وردوا وعند الأصدقاء إذا زجروا وقال أفلاطن إنه ما أضر على الإنسان من الرغبة في الحياة على كل حال فإنها إذا فعلت ذلك يعني النفس انقطعت عن جميع الخيرات الشريفة إذ كانت لا تنال إلا بركوب الخطر مع التزام التعب وذلك يكون بمجاهدة الأعداء وبالصبر على جفاء الأصدقاء في اكتساب الأمور الفاضلة
ذكر آفة أخرى
قال أفلاطن وأحد الآفات العظيمة ما يعرض بمن صبر على الحكمة عند ظهور آثار الفائدة وثمرات الحكمة وذلك بأن يتلقى بالكرامة ويرشح للرياسة ويمكن من الشهوة واللذة فيطرحوه مطرح الجهاد من هذه الجهة فإن لم يسلس خوفوه بأنواع المخافات فمن الذي يبقى بهذا الأمر الجليل الخطير الرفيع إلا النزر القليل بل الواحد من بين الكثير وذلك أيضا بأن تعينه السكينات وذلك بأن يوقع في قلبه شدة محبة الحكمة حى يختارها على كل شيء ولا يختار عليها شيئا وتعضده بالنصر الإتفاقات وذلك بأن يكون كبير الهمة ومدينته تكون مدينة صغيرة أو كان ممن لا يحتمل نفسه كد القيام بأمور الناس أو يكون نجدا فلا يجور ومحمود المنشأ فلا يتخدع وأما العلاج فأن يعلم أنه لا سبيل إلى استصلاح أمر مدينة قد غلبت على أهلها الأخلاق الفاسدة وتمكنت منهم العادات الرديئة إلا بالقهر والإستكراه وفي هذا من الصعوبة ما فيه وذلك أن السبيل فيه أن يقتلهم من غير أن ينزع أرواحهم وذلك بأن يتزعهم عن جميع ما قد ألفوه واستطابوه واستحسنوه وعشقوه ثم يحييهم بحسن التشبيه على الأخلاق المحمودة ومع هذا فإنه لن يمكنه ذلك إلا بأعوان مساعدين ومخلصين في المؤازرة وأنى له أن يفوز بهم فهل تكون حال من يوقع نفسه في مجاهدة قوم كثيرين أردياء جهال وعلى منابذة جماعتهم ومخالفتهم من غير أعوان وأنصار إلا حال من يوقع نفسه بين حيوانات ذوات سموم وضارية فيكون قد أهلك نفسه من غير أن ينفع غيره قال أفلاطن وأمر السلطان في هذا أعظم لأنه يكون محتشيا من الكيس الباطل والعقل الكاذب فمن الذي يطمع في أن يصدق مثل هذا عن نفسه وكيف يطيق استماع ما يقال له أن خاطر مخاطر فيه وإن أصغى إلى ما يقال له واستمرأه فأي مطمع فيمن احترشه وغلب عليه أن تركوه حتى يستقيم على طريقة السعادة وعندهم أن ذلك يحل بهم الهلاك والشقوة وبعد فإن الرئيس ليس يجوز له أن يكون غير راسخ في احكمة قال أبو الحسن يعني أنه ليس يجوز له أن يتقبل بأمر الرياسة إذا لم تكن راسخا في الحكمة وقد ذكرناه نحن في القسم الثالث من صفة الرئيس
ذكر آفة أخرى عظيمة
قال ومن الآفات العظيمة الجزع والقلق من امتداد تعب الطلب ومن تطاول الكد والنصب والسآمة والملامة من بعد المسافة ويزيد في ذلك صعوبة المنفذ ووحشة الإنفراد لعوز المساعد وحيرة الإلتباس لفقد الناصح وال[؟] ثم محادثة النفس بالإياس مرة وبالإقتصار على ما حصله مرة وبالإنصراف عنه إلى ما هو يوهم أنه أعود عليه مرة وبالإنجذاب إلى خفض العيش مرة وبالدعاء إلى فعل الصالحات والمحمودات مرة و العلاج أن يعلم أن شرف كل شيء إنما تكون في استكماله وأنه إن لم يمعن في السير إلى مقصده حتى يصل إلى غايته فقد ضيع أيامه التي أنفقها عليه وأخسر نفسه ما احتمله من النصب والتعب فيه وأنه يكون أكثرغبنا وأبخس نصيبا ممن لم يأخذ شيئا منه ولم يشرع فيه لأن ذلك قد ربح كل الرغبة وسلم من هجنة الخيبة وأمن من فساده بالآراء السقيمة والظنون الفاسدة التي لا يكاد يسلم منها الناظر فيه ولا سيما في أول أمره ومن قبل أن يبلغ إلى تمامه قال وينبغي أن يعلم أنه ليس شيء أعون على درك الحق من الصبر والصدق وذلك بأن يصدق في الطلب ويصبر على ما يقاسي من أنواع التعب والنصب وقال حكيم لشاب اصبر على تعب التعلم فإن احتمال تعب التعلم أهون مما يلحقك من الأذى والذل بالجهل وأيام أذى الجهل أطول وآفاته أكثر وقال أفلاطن نحن مركبون من أربعة إن ولاإن ونعم الآن وبئس الآن قال والحياة الطبيعية جعلتنا إن والموت الطبيعي جعلنا لاإن والإختيار للحياة جعلنا بئس الآن والإختيار للموت جعلنا نعم الآن [blank page]
القسم الثاني العوارض اللتي تعرض للإنسان في الحياة محمودة و مذمومة
الحمد لله الذي خلقنا بفضله لفضله وبرحمته لرحمته ثم هدانا لما خلقنا له وعرفنا ما ينفعنا في السير إليه ويعيننا عليه وما يثبطنا عنه ويصدنا منه لنستعين بما ينفعنا في السلوك إلى ما خلقنا له ونتمسك به ونجتنب ما يصدنا عنه ونزايله حمد ناهض بالنية إلى دوامه وأصلي على النبي محمد وآله
قال أبو الحسن
أن كتابنا هذا إنما هو القسم الثاني من الكتاب الذي سميناه السعادة والإسعاد في السيرة الأنسية ونريد أن نبين في هذا القسم العوارض التي تعرض للإنسان في حياته ولا ينفك منها في وقت وإن راقبه وحذره ونقول فيها عارضة عارضة ونبين المحمودة منها والمذمومة ونبين وجه علاج الذميمة منها ونبتدئ إن شاء الله من القول في الفضيلة إنها ما هي وبالله نعتضد في كل أمورنا وعليه نتوكل فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا به ونصلي على محمد النبي وآله ونسلم
في الفضيلة ما هي
قال أرسطوطيلس معنى الفضيلة أن يختص شيء من بين ما هو مساو له بزيادة اسم الجودة قال أبو الحسن ومثال ذلك أن الإنسان حيوان وهو أفضل من سائر الحيوانات لاختصاصه بالجودة وتلك الجودة هي قوة النطق فإن هذه القوة أشرف القوى التي أفاضها الله على خلقه والعالم أفضل من الجاهل لاختصاصه بحياة النطق فيه فنقول على هذا بأن الأخلاق الفاضلة والأفعال الفاضلة هي التي يكون لها زيادة اسم الجودة والجودة في الأخلاق والأفعال الصادرة إلى الأخلاق أو عن الأخلاق هي أن تكون إنسية والإنسية هي التي تكون بنطق فإن الإنسان هو الناطق وأنا الأخلاق والأفعال الرذلة فإنها بهيمية وأقول الإنسان الفاضل على غيره من الناس بخلقه أو بفعله هو الذي يكون لخلقه أو لفعله زيادة على خلق غيره بالجودة والجودة إنما تكون لزيادة فطنة له على غيره فيستدرك بتيك الزيادة زيادة منفعة لبدنه أو جمال لنفسه
في أقسام الفضائل
وقال الفضائل قسمان خلقية ونظرية والخلقية كالطهارة والعفة والنجدة قال والنظرية كالعلم والعقل والحكمة وأقول الخلقية هي الإنسية والنظرية هي العقلية وأقول الإنسية هي متركبة من النفس البهيمية ومن النفس الناطقة المرتابة وأما النظرية فإنها بسيطة لأنها إنما تكون من النفس الناطقة النظرية وهي العاقلة فأما الأولى فإنها متعقلة وليست بعاقلة
في الفضيلة الخلقية أنها ما هي
قال أرسطوطيلس يمكن أن يقال في الفضيلة بأنها توسط بين رذيلتين قال وإذا حدت من جهة الأفضل قيل بأنها الغاية
حده الذي اختاره
قال ونقول الفضيلة حال لازمة بإرادة في توسط مضاف إلينا محدودة بالقول
التفسير
بيان قوله إنها حال لازمة قال لما كان ما يوجد في النفس لن يخلو من إحدى ثلث أحديهن العوارض والثانية القوى والثالثة السجيات وهي حالاتنا اللازمة عند وقوع العوارض ثم لم يجز أن تكون الفضيلة العوارض ولا القوى ثبت أنها حال لازمة قال وكذلك هذا في الرذيلة وبيان أنه غير جائز أن تكون الفضيلة العوارض أن العوارض هي التي تعرض مثل هيجان الشهوة وفتورها ومثل الجبن والجرأة والمحبة والبغضة ولم يجز أن يقال لمن فرق مرة بأنه جبان ولا لمن لم يفرق مرة إنه شجاع لكن إنما يقال إنه جبان لمن كان ذلك حاله في كل مخافة أو في الأكثر فثبت بذلك أنها حال لازمة قال وأيضا فإن هذه العوارض إنما تكون بغير إرادة والفضائل لا تكون بغير إرادة وبيان أنها ليست بالقوى أنه ليس يجوز أن يسمى أحد شريرا بأنه يقدر على الشر ولا خيرا بأنه يقدر على الخير ولكن إنما يقال ذلك لمن ظهرت الشرية منه بالفعل وكذلك الخيرية قال وليس يطلق عليه ذلك بالفعل ولكن بأن يدوم ذلك الفعل منه على جهة واحدة فيعلم أنها صارت هيئة كالطبع بيان قوله بأرادة قال أبو الحسن وأما قوله بإرادة فليميزه من سائر الأحوال التي تكون بغير إرادة بيان قوله في توسط مضاف إلينا قال وإنما قلت في توسط مضاف إلينا لأن التوسط ليس هو واحد لجميعنا ولكن لكل واحد منا وسط على حياله وهو الذي لا يزيد ولا ينقص منه بيان قوله بالنطق قال وأما قولنا بالنطق فلأن المحمود هو ما كان بالنطق وأما ما كان بالتخيل الحسي فإنه رذل وخسيس وبهيمي في وسط الشيء بذاته قال وسط الشيء يذاته هو المتباعد من طرفيه باستواء وهو شيء واحد في الأشياء كلها لا كثير مثال ذلك أن نفرض بأن عدد العشرة كثير وعدد الإثنين قليل فتكون الستة متوسطة بينهما لأن زيادة الستة على الإثنين مثل زيادة العشرة على الستة في الوسط المضاف إلينا أنه ما هو على وجه آخر قال الوسط المضاف إلينا هو أن يكون على ما ينيغي وفي الوقت الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي وبأشياء بكثرتها ولأشياء توجب ذلك بيان على وجه آخر في أن الوسط المضاف إلينا هو الفاضل قال الوسط المضاف إلينا هو الذي يكون على مقدار ما ينبغي لنا وذلك هو الموافق للصحة ولجودة الهيئة ولذلك كانت محمودة قال وما خالف هذا إلى زيادة أو نقصان فإنه يكون جالبا للمرض ومفسدا للهيئة قال ولذلك يكون مذموما لأنه يكون ضارا أو رديئا بيان أنه ليس في التوسط إفراط وأنه ليس في الإفراط توسط قال أرسطوطيلس إنه لما كان التوسط المضاف إلينا هو الذي يكون على مقدار ما ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي لنا لم يجز أن يكون فيه إفراط قال وغير جائز لما قلنا أن يكون في الإفراط توسط ولذلك كان بعض الأخلاق رديئة كلها مثل الربى والظلم وصفاقة الوجه والحسد فإن هوية هذه كلها رديئة وكذلك هوية سائر الرذائل والعلة فيما يظن به من أن بعض الأطراف أقرب إلى الوسط قال أرسطوطيلس إنما يظن في بعض الأطراف أنه أقرب إلى الوسط لعلتين أحديهما طبيعة الشيء كالتقحم فإنه أشبه بالنجدة قال و العلة الثانية مأخوذة منا فإن الذي نحن إليه أميل يكون أشد مضادا للوسط مثل الشره فيكون على هذا الطرف الآخر أشبه بالوسط مثل كلال الشهوة والعلة في أنه لم صار الخطأ هينا والصواب عسرا قال أرسطوطيلس الخير عسر الثبات لأن الصواب واحد والخير محدود قال وذلك لأن الوسط لواحد واحد منا واحد وأما الخطأ فهين لأن تجاوز الغرض هين قال العلة أن ما جاوز الوسط كأنه لا نهاية له
في الرذيلة أنها ما هي
الرذيلة حال لازمة إلى زيادة على الوسط المضاف إلينا أو نقصان قال أرسطوطيلس الرذائل كلها إنما يثبت بالزيادة والنقصان قال وأما التوسط من الأفعال كلها ومن الأحوال فإنه محمود وأقول الرذيلة قد تكون بإرادة وبغير إرادة فللخور والضعف وللخطأ والجهل وذلك أن العاجز عن مقاومة الشهوة كاره للرذيلة وغير مريد لها وإن كان يأتي في الوقت ما يؤديه إلى الرذيلة قال أبو الحسن ومعنى قولي بإرادة باختيار وأما بإرادة فكالمقامر واللص فإن كل واحد من هذين يحترف بما لا يشك فيه بأنه رذل ويرغب فيه ويوثره ولكنه يفعل ذلك من أجل شيء آخر
في أن الفضائل والرذائل مكتسبة
قال أرسطوطيلس إن الفضائل ليست لنا بالطبع فإنها لو كانت كذلك كانت قائمة بالفعل كالبصر والسمع قال وكذلك الرذائل في هذا قال وأقول أيضا بأن الفضائل الرذايل ليست خارجة من الطبع لأنها لو كانت كذلك لم توجد فينا في وقت من الأوقات ولا في حال من الأحوال قال أبو الحسن فقد بان بما قلنا إنها مكتسبة لأنها قد وجدت فينا وليست لنا بالطبع أعني وليست قائمة فينا بالفعل
في أن الفضائل والرذائل ليست لنا بالطبع ولكنها فينا بالطبع
قال أبو الحسن قد تبين أنها ليست فينا بالطبع لأنها لو كانت كذلك كانت قائمة بالفعل قال أرسطوطيلس ونقول إنها فينا بالطبع قال وما هو هكذا فإنه يكون بالقوة أولا ثم يظهر بالفعل بسبب يخرجه اليه
كيف تكتسب الفضائل والرذائل
قال أبو الحسن السبيل في اكتسابها إخراجها من القوة إلى أن تحصل بالفعل قال أرسطوطيلس والسبيل في إخراجها من القوة إلى الفعل الأفعال قال وذلك أنا بالأفعال المحمودة نقتني الفضائل وبالأفعال الذميمة نقتني الرذائل وقال الأحوال إنما تقتنى بالأفعال والجيدة منها تكون بالجيدة والرديئة بالرديئة
الرذائل التي لا يمكن الإقلاع عنها مكتسبة هي أم غير مكتسبة
قال أرسطوطيلس الرذائل كلها مكتسبة وإن كان أصحابها لا يمكن الإقلاع عنها لأن البدو كان إليهم وهم الذين اكتسبوا الهيئات الرديئة كما أن الرامي بالحجر وبالسهم هو الفاعل للرمي وإن كان لا يمكنه من بعد إرسال السهم والحجر أن يرده إلى نفسه قال وإن الذي يتخبط في تدبيره حتى تجتمع في بدنه الأخلاط الرديئة الفاسدة هو الذي يمرض نفسه بإرادة وإن كان لا يشتهي المرض وكان لا يمكنه من بعد اجتماع الأخلاط فيه أن لا يمرض
كيف يعرف الفاضل والرذل
قال أريطوطيلس إنا إذا أردنا أن نعرف شيئا ما أي شيء هو فإنا إنما نعرفه بكيفيته وكيفيته حالته التي يوصف بها وكل شيء إنما يوصف بصفة ما هو منسوب إليه ومنه يشتق اسمه وصاحب الخير ينسب إلى الخير ويوصف به ومنه يشتق اسمه فيقال خير وكذلك الشرير
كيف تعرف الأحوال
قال أرسطوطيلس الدلائل على الأحوال هي الأفعال قال وأقول إذا كان الشيء فاضلا في نفسه فإن فعله يكون أيضا فاضلا كالعين فإنها إذا كانت جيدة كان بصرها أيضا جيدا
في وجه الدلالة
قال وإنما تدل إذا استمرت على جهة واحدة محمودة كانت أو مذمومة
القول في العفة
قال أرسطوطيلس العفة هي التوسط في شهوات البطن والفرج قال وأقول العفة لا تكون في جميع اللذات لكن في اللذات التي تكون باللمس قال وهذه إنما هي للمطاعم والمشارب والمناكح قال ويسمى ما كان إلى الزيادة على الوسط شرها وما كان إلى النقصان كلال الشهوة وبطلانها قال والعفة هي جودة الهيئة الشهوانية حتى تكون بحال أن تشتهي ما ينبغي وبقدر ما ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي
في الفرق بين العفيف وبين الضابط
قال أبو الحسن قد قال بأن العفيف ه الذي لا يشتهي ما لا يكون موافقا للصحة ولجودة التدبير وأما الضابط فله شهوات رديئة ولمكنه يضبط نفسه عنها
في افرق بين المتأدب وذي الفضيلة الكاملة
قال أفلاطن من كانت نفسه مائلة إلى اللذات الضارة فامتنع منها وهاربة عنها الأحزان النافعة فأمسكها عليها فإنه متأدب وأما من كانت اللذة والأذى في نفسه من الإبتداء على ما يجب ثم ازداد بصيرة بالعقل والتجارب فذو فضيلة كاملة قال ونقول ذو الفضيلة الكاملة هو الذي لا يعرف الردى والشر من نفسه لكن من غيره
القول في الشره وفي لا ضابط
قال الشره هو في شهوات البطن والفرج قال وهو الذي يشتهي الزيادة على ما ينبغي أو في غير الوقت الذي ينبغي أو على غير الوجه الذي ينبغي قال والشره رديء الإختيار قال وهو لا عفيف قال وإن لا عفيف وهو الشره لا يعلم الأفضل والإختيار وعنده ما يفعل ولذاك لم يكن له ندامة وهو يشبه مدينة حشيت بسنن رديئة وأهلها متمسكون بها قال وأما لا ضابط فليس برديء الإختيار ولكنه رديء الفعل وذلك لأنه يعلم الأفضل ولكنه لا يصبر عليه ولذلك هو ذو ندامة قال وهو يشبه مدينة حشيت بسنن فاضلة غير أن أهلها لا يستعملون شيئا منها قال ولاضابط لا يرجى برؤه قال وقد قيل إذا غص بالماء فما الذي ينبغي أن يفعل قال ومن لا عقل له أفضل من الذي له عقل ولا يفعل ما يوجبه عليه عقله ولا ضابط ضربان أحدهما الذي لا يضبط نفسه على الإختيار وهو الذي يفعل ما يفعله من قبل أن يروي فيه فيعرف المختار والآخر الذي لا يضبط نفسه على المختار قال أرسطوطيلس والشره هو الفاجر لأنه الذي يكون في شهوات بطنه وفرجه على غير ما يجب وبخلاف ما تأمر به السنة قال وخيرات الشره هو الشرور وكذلك خيرات الجائز وقال أفلاطن مثل الشره مثل من غلب عليه سوء مزاج فهل من أجل ذلك يستطيب ما ليس بطيب قال أرسطوطيلس فإن الذي يفعل القبيح لشهوة ضعيفة أردأ من الذي يفعله لشهوة قوية قال أرسطوطيلس وإن من الناس ناسا يعنفون أنفسهم فإنه ينبغي أن يفعل ما يميل إليه أنفسهم وهو الأصلح حالا من جميع من لا يضبط نفسه قال ومن الناس ناس يثبتون على عزائمهم كيف كانت وليس ذلك بصواب بل الصواب أن يتركوا عزائم فيما غيره أفضل منه وأن يثبتوا على ما ينبغي أن يثبتوا عليه قال وأقول الضابط هو الذي يضبط نفسه عن مخالفة النطق وأما الآخر فإنما يضبط نفسه عن مخالفة هواه وقال الله ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس وقال النبي صلى الله عليه من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه
القول في كلال الشهوة
قال كلال الشهوة هو أن تكون شهوات من هو كليل الشهوة في بطنه وفرجه إلى نقصان عما ينبغي للصحة أو بطلان وإنما يعرض هذا من فساد المزاج وعلاجه إنما يكون باستصلاح المزاج
بيان أن الشره مع هربه من الأذى غير متخلص منه وأن العفيف مع محبته للذة واصل إلى اللذة
قال أرسطوطيلس الذين يتعجبون اللذة ويتعقبون المضرة سخفاء قال والسخيف هو ضعيف الرأي قال والسخيف هو الذي ينقاد لكل ما يتشوق إليه قال وأما ذو اللب فإنه الذي يكون له الموذي والمحسن متقدما والضار واللذيذ متأخرا وقال بعضهم الهوى والطباع يدعوان إلى اتباع اللذة وإن كانت جالبة للأذى من بعد ومانعة من أضعاف تلك اللذة من بعد قال وأما العقل فإنه يشير بالنافع وإن كان محزنا لأنه الذي يعرف حال العواقب قال وإذا كان لا بد من احتمال الأذى فاحتماله مع سلامة البدن وصحته خير من احتماله مع مرض البدن وآفته
ترغيب في الصبر على المجاهدة
قال أرسطوطيلس لا يمنعك عصيانك نفسك من إدامة تأدبيها فإن إلحاحك عليها مع حبها للراحة سيحملها على طلب الراحة منك ببعض الطاعة ثم لا يلبث الذي ينتقض وإن كان كثيرا أن يصبر قليل
التماس الراحة بالراحة يذهب بالراحة ويورث النصب
وقال حكيم النفس الناطقة أقوى من النفس البهيمية ولن تغلب إلا أن تهين ذاتها وتستحذى وقال أرسطوطيلس التماس الراحة يذهب بالراحة
في الحض على العفة من قول سقراط
قال سقراط يا أسراء الشهوة فكوا أسركم بالحكمة وقال من ضبط بطنه انقادت له نفسه وقال حكيم الإسلام إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون ولم تبلغوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون قال أبو الحسن لن تبلغوا ما تأملون ولن تنالوا ما تحبون كالواحد ويكون معناه على ما قلنا إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون وبالصبر على ما تكرهون
في الحض على العفة من قول سقراط
قال سقراط من أحب لنفسه الحياة أماتها فإن النفس الناطة إنما تحيى بموت النفس الشهوانية وقال من لم يقهر جسده فجسده قبر له وقال سقراط من أذنب بعد العلم فحقيق أن لا يغفر له وقال اللذة خناق من عسل نزل سقراط بلدا وبيئا فقيل له في ذلك فقال لأمتنع من الشهوات مخافة الوباء وقال غرض الحكيم من الأكل أن يحيى وغرض سائر الناس من الحياة أن يأكلوا رأى سقراط صيادا واقفا على امرأة حسناء فقال له لتنفعك صناعتك فإن هذه صيادة احذر أن لا تصيدك الذي يريد البرء من العلة ولا يمتنع من الأسباب المولدة للعلة سبيله سبيل من يريد الخروج من البحر وهو يدفع سفينته إلى البحر
في الحض على العفة من قول أفلاطن
قال أفلاطن إن الأجساد أضداد للأرواح وإنه لن يعمر هذه إلا ما أخرب هذه فأميتوا الميت منها لحياة الحي قال أفلاطن وإن الأكباد إذا جاعت صارت الأبدان أرواحا وإذا أشبعت صارت الأرواح أبدانا وقال اللذة أشد حلا للفضائل وأبلغ غسلا لها من كل بورق وأقلع للآثار الجميلة من ماء الرماد وقال اللذات تسكر النفس ولهذا لا تنجع العظة في الشره إلا بالتكرار الكثير على الرفق فإنه بمنزلة ما لا يسمع ولايعقل وقال الجنون أفضل من استعمال اللذات وقال الملك الأعظم ملك الإنسان شهوته وقال على حسب ما تنقض شهوات البدن تزيد شهوات المعرفة وقال إني هربت من الجماع كما يهرب العبد من مولى سيئ الملكة وقال أفلاطن حيث ترى بدنا سمينا فإن العقل يكون فيه ناقصا وفي بعض ما أنزله الله أنا لن نحيي نفسا حتى نميتها بإماتة شهواتها وقال الكندي من ملك نفسه أمن الأمن الأعظم ومن حاز ذلك ارتفع عنه الذم والهم
في الحض على العفة من أقاويل أهل الحكمة
قال حكيم العجب ممن يحب الحسنات بدعواه كيف يسعى إلى السيئات بفعله وقال فيثاغورس لا ينبغي أن يفعل قليل الشهوة ولا كثيرها فقيل ولم فقال لأن كثيرها تلف وقليلها دناءة وقال حكيم لشاب إن أردت أن تلتذ بكل شيء لم تلتذ بشيء وقال برقلس لا تعد نفسك من الناس ما دامت شهوتك تغلبك وما دام الغيظ يفسد رأيك وقال آخر الميل إلى الشهوات رأس الفضائح وقال الحر الغني من كف عن الشهوات ورضي من العيش بالأوقات واجتنب اللهو واللذات شر الصرعى صرعى الشهوات لأنها يخرج الحوت العظيم من البحر وينزل بالعقاب من الهواء رأى ذيوجانس امرأة حسناء تحمل نارا فقال خير قليل وشر كثير وحامل شر من المحمول قيل لحكيم إن فلانا يبغض النساء فقال عند القول أو عند الفراش وقال الإسكندر من أراد أن ينظر إلى عمل الله فليعف وقال أوميرس يا بني اقهر شهوتك فإن الفقير من انحط إلى شهواته ترك الذنب أيسر من طلب التوبة ليس العجب ممن انطفت عنه الشهوات وهو فاضل ولكنه العجب ممن الشهوات تجاذبه وهو فاضل وقال آخر إنا لم نخلق للذات والدليل على ذلك أن الحيوان أوفر نصيبا منا فيها اللئام أصبر أجسادا والكرام أصبر نفوسا وصبر النفس أن يكون للهوى تاركا وللمشقة فيما يرجو نفعه محتملا وقال إجالة الفكر في لذات البدن هو الذي يجر إلى الرذائل فليكن من أول أمرك قطع الفكر عنها وليس يمكنك ذلك إلا بقطع الحواس وبمنع اللسان عن ذكرها إذا أردت أن تعلم كيف ضبط الإنسان لشهوته فانظر كيف ضبطه لمنطقه
في الحرية
قال أرسطوطيلس الحرية توسط في أعطاء الأموال وأخذها وذلك بأن يأخذ على ما ينبغي وبمقدار ما ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي فأنه إذا كان الأعطاء للفضيلة لم يجز أن يأخذ إلا على الفضيلة قال ونقصان الأخذ عن العطاء حمق وزيادة الأخذ على العطاء نذالة والأخذ من حيث لا ينبغي وعلى الوجه الذي لا ينبغي نذالة وإن أعطي من ينبغي قال والحرية في العطاء أكثر لأن خواص الفضيلة في أن يفعل الحسن أكثر منه في أن لا يفعل القبيح قال وأيضا فأن الذي يأخذ على الوجه الذي ينبغي إنما يمدح بالعدالة قال وليست الحرية في كثرة العطاء لكن في أن يعطى بقدر الإقتناء ونقصان العطية عما يقتضيه مقدار القنية نذالة ولهذا قلنا بأنه ربما كان الذي يعطي أقل هو الجواد إذا كان من أعطي بمقدار القنية قال و الزيادة في العطاء على ما يقتضيه مقدار القنية حمق قال وكتب أرسطوطيلس إلى الإسكندر والملك حد السخاء أن يبذل ما يحتاج إليه المستحق بمقدار الطاقة قال وحد الطاقة للملك أن يبذل ما يحتمله بذله عند أقوى ما يكون أعداءه قال وليست الحرية في عطاء من أدرك لكن في عطاء من يستحق وإنه إذا أعطى من أدرك لم يبق عنده أن يعطي من يستحق قال والحر لا يمنع المستحق لأنه إنما يأخذ ويمسك ليعطي من يستحق قال وليس يهون على الحر قبول المعروف لأنه إنما يقبل للمعروف وقال سقراط من زجر سائلا فقد مل نعمة الله
في المتلاف
قال أرسطوطيلس المتلاف هو الذي يزيد عطاؤه على أخذه وبحق سموه متلافا لأنه إذا زاد في العطية ونقص من الأخذ لم يبق عنده ما يحتاج إليه فيؤديه ذلك إلى التلف والمتلاف يعطي من أدرك لا من ينبغي ولذلك كثيرا ما يعطي من يجب أن يكون فقيرا لا غنيا وأكثرما يعطي الذين يحتالون له بالسرور كالخداعين والمضحكين قال ونقول إن الذي لا ينظر لذاته ولا لمن يستحق شرير وقال أفلاطن عطاء من لا ينبغي أن يعطى هو كمنع من ينبغي أن يعطى سيان في الوزن والمعنى وأكثر من يكون متلافا الذي وجد المال من غير كسبه
في النذالة
قال أرسطوطيلس هو الذي ينقص عطاؤه ويزيد أخذه وهو الذي يمنع المستحق أو لا يعطي إذا أعطى بمقدار ما ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي قال وإنه يأخذ من حيث لا ينبغي وعلى غير الوجه الذي ينبغي ويأخذ ممن لا ينبغي وما لا ينبغي وذلك بأن يأخذ من الأنذال وأن يأخذ الأشياء الخسيسة قال والبخل لؤم الكبير وكل ضعيف يصير إلى البخل لأنه لا يهون عليهم الإكتساب وإنما يهون الإنفاق على من يهون عليه الإكتساب قال والنذل كشيء لا برء له فأما المتلاف فأنه ربما صار إلى الوسط أذا تأدب قال واللص وقاطع الطريق والذي نبش عن الأكفان كفار قال و القواد ومن يأخذ على جواريه ما لا يجوز أو على نفسه فاسق وخبيث
في أنه ليس يجوز أن يكون الحر غنيا
قال أفلاطن غير ممكن أن يكون أحد غنيا وفاضلا وذلك إنه ليس يجوز أن يجتمع المال إلا بأخذ ما لا يجب وبمنع ما يجب قال وكيف يجوز أن يكون غنيا من لا يأخذ بغير الحق ولا يمنع من الحق وكيف يسنغني من لم يدخر ولم يستبق وقال أرسطوطيلس غير ممكن أن يكون الحر غنيا وكيف يمكن أن يكون ذا مال من لا يحرص على الأخذ ولا يشح في العطاء ولهذا كان أكثر من استحق الغنا غير غني
في أن الغني شرير وخسيس وشقي
قال أفلاطن ونقول الغني ليس بسعيد ولكنه شرير وخسيس وشقي أما شرير فلأنه ليس يجوز أن يجتمع لأحد خيرات البدن وخيرات النفس مع المال قال والعلة في ذلك أن يصرف عنايته عن صلاح بدنه ونفسه إلى جمع المال قال ومن استكد بدنه بسبب المال خسيس ومن أهمل صلاح بدنه ونفسه جاهل والجاهل شرير وقال ثنون محبة المال قيد الشرور ولأن الشرور كلها معلقة به
في ان الحريص ليس يغني وإن كثر ماله
قال أرسطوطيلس الغنا في القناعة والقناعة الكفوف ومن طلب ما جاوز الكفاف فقد طلب المحال لأنه يطلب ما لا غاية له وقال أفلاطن من كانت همته في الجمع فإنه فقير وإن كثر ماله لأن حاجته لا تعف لحرصه وحاجة الشره أكثر من حاجة الفقير قال أرسطوطيلس وقد ظن قوم بأنه لا نهاية للمال وغلطوا فإن الذي يحتاج إليه لصلاح الحال ذو نهاية وإنما يقال إنه لا نهاية له لما جاوز الكفاف وقال ذيوجانس أنا أغنى من ملك الفرس لأن لي قليل يكفيني وله كثير لا يكفيه
في صفة الغنى
قال أرسطوطيلس الغنى في القناعة والقناعة الكفاف وحسن استعمال القنية وقال سقراط الغنى تعب محبوب لأن المال مخدوم وأما الفقر فإنه راحة ممقوتة وقال أفلاطن الغنى في الإستمتاع بالمال لا في اقتناء المال قال ومن اقتصر على القناعة تعجل السرور بالراحة وقد يفجعه بالحادثة وقيل لأفلاطن قدركم ينبغي أن يكون للرجل المال فقال قدركم ما لا يحتاج معه إلى أن يعامل النفاق والملق بسبب ما لا بد منه وقال محمد بن زكريا الغنى في الصناعة قال وينبغي للصانع أن يكتسب بمقدار النفقة وزيادة يسيرة لتكون عدة له للنوائب وقال صاحب المنطق خير المال ما يسبح معك إذا غرقت سفينتك سأل الإسكندر بعض الحكماء أن كيف يصنع الرجل حتى لا يحتاج فقال الحكيم إن كان غنيا فليقصد وإن كان فقيرا فليدمن العمل وقال آخر اعمل مدجانا ولا تبطل مكرا وقال الحكيم إنه ليس ينبغي للعاقل أن يعرض عن المقبل ولا أن يشيع المدبر
ذكر ما جاء من كلام أهل الحكمة
قال إن الجد لم يهب الأموال للأغنياء ولكنه أقرضهم إياها افتخر رجل على رجل بماله فقال ما افتخارك بشيء يعطيه البخت ويحفظه اللؤم ويهلكه السخاء وقال آخر تخليف المال للعدو خير من الحاجة إلى الصديق وقال أفلاطن من شكر على غير معروف فعاجلوه بالعطية فقد استعد للذم إن كان السؤال صعب على الطالب فإن الإعطاء على المطلوب أشد قال وهذا من جهة الظاهر وإلا فإن الذي يبذل الطالب أكثر لأن الجاه أكثر من المال وقال ابن المقفع السخاء سخاءان سخاوة الرجل بما في يد غيره قال وسخاوة نفسه بما في يد غيره أكرم وأشرف الفقر مع الفضيلة خير من الغنا مع الرذيلة
في الرفيع الهمة
قال أرسطوطيلس الرفيع الهمة يزيد على ذي الحرية بكثرة ما ينفق قال وإنه لا يفحص بكم تكون رغبة في قلة النفقة لكن كيف تكون رغبة في الجودة قال ولا يستقصي ولا يداق لأن الإستقصاء والمداقة نذالة ويفعل ما يفعله بلذة ومسامحة قال ونقول العظم من المصاف فينبغي أن يكون نفقة بمقدار الأعمال وزائدا عليها قال وليس ينبغي أن تكون النفقة تشبه العمل فقط لكن والفاعل أيضا قال وينبغي أن ينفق في كل واحد من الأمور ما يستحق ذلك الأمر ومن البين أنه ليس ما تستأهله القرابين التي تكون لله وما تستأهل الهدايا التي تكون للناس واحدا ولا ما يستأهله الغني والمصلي واحدا قال وقد تكون في النفقات واحدة عظيمة من بين جنسها مثل النذور لله مثل الجوائز العامية ومثل الولائم التي تكون لأهل المدينة كطعام العرس وكضيافة الغرماء وما يوجه به إليهم قال وفي بر الغرماء وهداياهم شيء شبيه بما يكون في القرابين قال وبين العظيم في العمل والعظيم في النفقة فرق كثير فإن الكرة والدوامة من أجل ما يتحف به الصبي وثمنها ويح قليل قال وأيضا فليست فضيلة القنية وفضيلة الفعل واحدة فإن فضيلة القنية أن يكون جيدا وعظيما وفضيلة القنية أن يكون كريما وثمينا كالذهب قال وأكثر نفقاته إنما تكون في الأمور التي تبقى الزمان الطويل وإذا أحسن إليه كان كأنه المحسن لأنه يكافئ بأضعاف ما يصل إليه قال وإنه لا يظهر الحاجة إلي شيء وإن احتاج إليه وقال في ريطوريقى كبر الهمة إنما يكون في حسن الأفعال العظيمة قال والمرؤة فضيلة بها يفعل النبيل بالتوسع في الأمور العظيمة
في الدنيء الهمة
قال الدنيء الهمة ينفق دون ما يستأهل في نفسه ودون ما يستأهله الأمر الذي ينفق فيه قال ويجتهد أن تكون نفقاته وعطيته قليلة بسبب البخل وهو دائما إنما يسأل بكم يكون لا كيف يكون
في المتبذخ
قال المتبذخ ينفق ينفق فوق قدر الأمر الذي ينفق فيه وذلك لأنه ينفق في الأشياء الحقيرة النفقات العظيمة قال وليس يفعل ما يفعل بسبب الجميل لكن بسبب الفخر الذكر
حكايات ظريفة في كبر الهمة
روي بأن بعض أصحاب أنوشروان أخذ جام ذهب لأنوشروان ورآه أنوشروان ولم يره غيره فلما أفقده الخازن قال أنوشروان قد أخذه من لا يرد ورآه من لا يجوز أن يخبر به وروي أن بهرام انفرد في صيد عن أصحابه فأخذه البول فنزل وأعطى دابته راعيا ليحفظها عليه إلى أن يبول وتنحى لحاجته ثم حانت منه التفاتة فإذا بالراعي يقطع أطراف الثفر واللبب فأعرض عنه حتى بلغ ما أراد فلما لحق به أصحابه قال لصاحب مراكبه قد وهبت أطراف الثفر واللبب فلا تطلبها وسرقت درة لجعفر بن سليمان فأخذ السارق مع الدرة وجئ به وبالدرة إليه فإذا هو بعض أصحابه فلما رآه قال له يا جاهل ألست كنت قد استوهبتها مني
في محبة الكرامة
قال أرسطوطيلس وكما أن في أخذ المال وإعطائه زيادة ونقصان وتوسط كذلك في محبة الكرامة قال والزيادة والنقصان ذميمتان والتوسط هو المحمود قال والأشياء التي فيها زيادة ونقصان فيها توسط قال وإنما يرى أن هذه الأطراف متقابلة بالوضع من أجل الوسط قال والتوسط في محبة الكرامة هو أن يحبها على ما ينبغي وبالمقدار الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي وأقول محبته لها على ما ينبغي هو أن يحبها ليقوى بها على الأفعال الفاضلة فإنه قد قال الذكر في نفسه لا محمود ولا مذموم وكذلك الكرامة وقوله بالمقدار الذي ينبغي هو أن يحبها من الأفاضل لا من كل أحد ومن الإفراط أن يحب مدح نفسه أو مدح آبائه وقوله وعلى الوجه الذي ينبغي هو أن يحبها بالإحسان والفضيلة لا بالتصنع و الحيلة وأن يحبها لما ينبغي أن يحب لا بسبب المال واللذة وقال أفلاطن المحمود من محبة الكرامة هو أن يلزم ما هو خير فتكمل ذاته قال أرسطوطيلس وإنما مدحنا محبة الكرامة إذا أحب بسبب محبته لها الفضائل والأفعال الجيدة قال وربما مدحناه على أنه ذو رحلة قال وقد يذم من لا يحب الكرامة إذا ترك الحياء فركب الأفعال القبيحة قال وإنما يذم محب الكرامة إذا أحبها لذاتها لا لشيء آخر قال ويشبه أن تكون محبة النفس للكرامة من أجل أنها مجبولة على حب الأفضل والأحسن وعلى الرغبة فيه قال وإن الأنسان في أول أمره يفرح بالكرامة لظنه بأنه قد نال الأرفع والأفضل لما أكرم إذ كانت الكرامة جائزة للإحسان والفضيلة فإذا تنبه وعرف ما له وما ليس له قل فرحه بها لأنه إذا عظم بما له كان إنما أخذ حظه وإذا أكرم بما ليس له لم يفرح بذلك لأنه ليس يفرح بالعطية الكاذبة إلا الجاهل قال والكرامة جائزة الإحسان والفضيلة كما قلنا وهي من أعظم الخيرات الخارجة لأنه الخير الذي تعبد الله وتمجده قال أبو الحسن وكذلك الذكر الجميل من الخيرات الخارجة وأقول الذكر إنما يكون للغائب والكرامة للشاهد قال وذكر في نفسه لا محمود ولا مذموم وكذلك الكرامة قال أبو الحسن وإنما يكون محمودا إذا كان من أجل ما هو محمود قال والفاضل قليل الفرح بها يقبلها من الأفاضل إذ كان لا يمكنهم أن يجازوه بأكثر منها قال وأما كرامة العامة فإنه يستخف بها لأنه لا خطر لها ولا مقدار قال والناس كافة يحبون الكرامة الذكر ومن أجل ذلك يطلبون الرياسة والمرتبة وينفقون الأموال بسببها ويبذلون المهج من أجلهما قال وإن الرياسة لا تراد لذابها وإنما تراد للذكر قال وأكثر الناس إنما يحبون الكرامة والذكر عن غير معرفة لما يرون من تهالك الناس فيهما ومن الناس من يحب الرياسة ليقوى بها على الأفعال الفاضلة الجيدة وكذلك الكرامة ومن الناس من يحب الكرامة والرياسة بسبب المال واللذة قال وربما فرح الرئيس بكرامة من دونه رجاء حسن طاعتهم له و ربما فرح المرؤوس بكرامة الرئيس رجاء أن يوجب له في حوائجه قال وربما فرح الرئيس والمرؤوس بكرامة أهل الفضل رجاء أن يكونوا إنما أكرموه لأنه قد صار فاضلا قال ومن الناس من يبجل ويعظم تقية ومخافة وما سبيل من أكرم للمخافة إلا كسبيل مجنون أو سكران أو سبع يحوج إلى المداراة لجهله ولشريته فيدارى ليدفع بالمداراة بلاه
في المفرط في محبة الكرامة
قال أرسطوطيلس الإفراط في محبة الكرامة مذمومة قال الإفراط في محبة الكرامة إنما يكون من مهانة النفس قال ومن الإفراط أن يحب إكرام من كان من الناس وذلك إن الخبيث والفاسق رجس ونجس وليس يرغب في كرامتهما إلا الوضيع الجاهل الخسيس قال وأما كرامة العامة فإنه لا قيمة لها وذلك لأنهم يفعلون ما يفعلونه جزافا لا على ما يوجبه النطق ألا ترى أنهم يكرمون من لا ينبغي وفوق ما ينبغي وبما لا ينبغي وفي الوقت الذي لا ينبغي وعلى الوجه الذي لا ينبغي قال ومن الإفراط أن يصف نفسه أو يمدحها أو يصف آباءه ويمدحهم أو المتصلين به
في المتصلف وهو المتكبر
قال أرسطوطيلس من الناس من يتكبر قال والتكبر هو أن يرفع نفسه عن مقدارها فيطالب من الكرامة بما لا يستحقها قال والسبب في الأكثر غلطه بنفسه وإنما يقع له الغلط من الإعجاب بنفسه والعجب يتولد من الغباوة وذلك بأن يظن بنفسه الحكمة وهو جاهل أو الشجاعة وهو جبان أو العفة وهو شره وعلامة المعجب سرعة الجواب وسرعة التحكم قال ومن هؤلاء من يستدعي الكرامة بالسمت والزي ومنهم من يستدعيها بالقول والفعل وذلك بأن يفعل أفعالا جليلة ويوهم بأنه يقصد بها الجميل ويكون قصده الكرامة ومن طلب المرتبة فقد طلب المحال لأنه لا نهاية للمراتب قال ومن الناس من يتكرم ليظن به الفضل فيتمكن من المنفعة وهو أميل ممن يفعل ذلك للكرامة فقط لأن الذي يفعل ذلك للكرامة إنما يسر بما لا حقيقة له وما لا حقيقة له باطل وكذب والسرور بالكذب وبالباطل إنما يكون من النذل والجاهل
في الوضيع
قال أرسطوطيلس الوضيع هو الصغير النفس قال وهو الذي لا يؤهل ذاته لما يستأهل من الأعمال الجيدة والصناعات الجيدة والخيرات الجيدة وذلك رديء جدا قال وربما مدحنا من لا يحب الكرامة على أنه متواضع عفيف
في أن أهل الحكمة يكونون مهانين والعلة في ذلك
قال أفلاطن إن أهل الحكمة يكونون ممقوتين وذلك من أجل أنهم لا يكونون نفاعين قال وليست العلة أنفسهم بل أولئك الذين لا يستعملونهم فإن الحاجة لأولئك إلى أهل الحكمة فإذا لم يأتوهم المحتاجون لم يصلح لهولاء أن يذهبوا إلى أبوابهم
حكم منثورة في هذا الباب
قال الحكيم لا ينبغي للعاقل أن يشغل قلبه بمدح الناس له ولابذمهم إياه فإنه متى فرح بمدح الناس له فلا بد من أن يغتم بذمهم إياه والناس قد يذمون ما ليس بمذموم ويمدحون ما ليس بممدوح فمن أحب مدح الناس وكره ذمهم احتاج أن يأتي كثيرا من المكروه وأن يأتي كثيرا من الممدوح ومع هذا فإنهم لا يتفقون على شيء واحد وذلك أنه قد يمدح هذا ما يذم هذا قال ومن تتبعت نفسه مدح الناس وتألم من ذمهم ذهب عيشه وقد قالت الحكماء إن أردت أن يطيب عيشك فارض بأن يقول الناس بأنك عديم العقل فضلا بأن يقولوا بأنك جاهل قيل لحكيم منذ كم أثرت الحكمة فيك فقال مذ بدأت أحقر نفسي قال وينبغي للعاقل أن يخفى بعض فضله وذلك لأنه ربما كان طيب الثمرة سببا لهلاك الشجرة وربما كان ذنب الطاووسة وبالا عليها
في الحياء
قال أرسطوطيلس التوسط في الحياء محمود والطرفان مذمومان وطرف الزيادة يسمى الخجل وطرف النقصان يسمى القحة أعني الخلاعة قال بفضيلة لأنا قد قلنا بأن الفضيلة حال و والحياء ليس بحال ولكنه يشبه الإنفعال ولذلك حدوه بأنه الخوف من الدناءة والعار قال وأقول الحياء انفعال محمود وتكونه الفزع لكن الذين يستحيون يحمرون والذين يفزعون يصفرون وأقول الحياء إنما يكون للنفس الناطقة وهذه النفس تغوص عند الطلب وتثور إلى خارج عند الهرب ولذلك يحمر المستحي فأن قيل أ ليس محبة الرياسة إنما هي للنفس الغضبية قيل نعم إذا كان سبب الغلبة وأما إذا أحب الرياسة ليقوى بها على الأفعال الفاضلة فإن هذه المحبة إنما تكون للنفس الناطقة والمخافة من الألم إنما تكون للنفس الشهوانية فإن محبة اللذة إنما هو لهذه النفس والألم يقابل اللذة وهذه النفس تثور إلى خارج عند الطلب وتغوص إلى داخل عند الهرب ولذلك يصفر الخائف قال أرسطوطيلس والحياء إنما يتولد من محبة الكرامة وذلك أن المستحي يخاف أن يقع منه ما تزول به كرامته فيهان والهوان تقابل الكرامة قال والكثير من الناس إنما يتركون الأفعال القبيحة ويفعلون الجيدة مخافة الهوان وللرغبة في الكرامة قال والحياء إنما يليق بالصبيان لأن المستحي إنما يخاف من الأشياء القبيحة والأحداث لا يسلمون منها ومن الخطأ قال وأما الشيخ فما ينبغي له أن يفعل قبيحا ولا ما يكون قبحه بالظن لا بالحقيقة والإنسان لا يستحي ممن هو مثله لكن ممن هو خير منه والدليل على ذلك أنهم لا يستحيون ممن يساعدهم على ما يفعلون لكن ممن لا يساعدهم وذلك أنهم يظنون بمن لم يفعل مثل ما فعلوا من القبيح أنه خير منهم
في الحياء من كلام الحكماء
قال أفلاطن الحياء هو الخوف من مهانة الأصدقاء قال إن الذي يحدث الظفر للإنسان بالخير شيئان أحدهما الخوف من الأصدقاء والآخر الجرأة على الأعداء قال وينبغي أن يشرب قلوب الصبيان من الحياء لأنه دواء عظيم إذا فعل ذلك بهم جبنوا قال وذلك من قبل أن من شأو الأدوية إذا استعملت أن تضعف الأبدان أولا ثم تقويها قال وينبغي إذا تولد فيهم الجبن أن يشهدوا والحروب ويمنعوا من القتال وقيل لسولن واضع السنن وهو والد أفلاطن الحياء أحمد في الصبيان أم الخوف فقال الحياء لأنه يدل على عقل وأما الخوف فإنه يدل على جبن وقال أفلاطن غاية فضيلة الإنسان أن يستحي من نفسه فمن لم يستحي من نفسه فلا قدر لنفسه عنده وقال أوميرس الحياء مقدمة كل خير والقحة مقدمة كل شر وقال أوميرس من استحيا من الله كانت سيرته متشاكلة في كل موضع لأن الله شاهد للعباد أين كانوا وقال أسرع الناس إلى الفتنة أقلهم حياء من الفرار وقال حسبك من شر سماعه لقول كفاك ذلك عارا
في القحة وهي الخلاعة
القحة هي الجرأة على المهانة بالإقدام وعلى الأمور القبيحة التي ينبغي أن يستحيا منها وقال أرسطوطيلس وإن الذي لا يفزع من ذهاب الشرف وقح قال أرسطوطيلس ومن الأمور القبيحة الهرب من الأعداء والخيانة في الودائع وأخذ الرشوة وركوب الظلم والإنتفاع من الأمور الحقيرة وتغنم المنافع اليسيرة والإنتفاع من الأمور القبيحة ومن المخازي أن يكون غير صابر على الوجع وعلى الشدة ومنها أن لا يساعد على الأمور الجميلة ومنها ترك المساعدة فيما لا يكون قبيحا وإن لم يكن جميلا فإن مباينة أهل المدينة قبيح فإن لم يساعد قرابته أو أصدقاءه كان أقبح ومن المخازي ذكر الجماع وذكر جميع ما يدل عليه وعلى الرغبة فيه ومن أقبح المخازي ترك الوفاء ونقض العهد
حكاية في الوفاء ظريفة
قال مروان بن محمد لعبد الحميد الكاتب لما أيقن بزوال ملكه قد احتجت إلى أن تصير مع عدوي فأظهر الغدر بي فإن حاجتهم إليك وإعجابهم بأدبك سيحملهم على حسن الظن بك فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي من بعد ما فاتني فقال عبد الحميد إن الذي رآه أمير المؤمنين أنفع الأمرين له وأقبحها به ما بي إلا الصبر حتى يفتح الله أو أقتل في طاعة أمير المؤمنين ثم أنشأ يقول أسر وفاء ثم أظهر غدرة فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهر
في الشجاعة العامية
قال أفلاطن الشجاعة إنما هي المحافظة على ما أوجبته السنة في الشدائد والأهوال وعند اللذات والشهوات وعند الغضب وذلك بأن تنصف في الأهوال والآلام إذا وقع فيها وفي اللذات والشهوات إذا تمكن منها وعند الغضب إذا هاج على ما توجبه وتأمر به السنة قال أفلاطن ولأن ذلك لا يحصل إلا بقوة القلب وقوة الغضب وقوة القلب إنما تكون بصحة الحزم وثبات العزم وإنما يتولد ذلك من تمكن محبة السنن والشرائع في القلب وقوة الغضب يكون من شدة الحمية وإنما يتولد ذلك من حب الموت الفاضل ومن بغض الحياة الذميمة وهي التي تكون بصغر ومذلة وقال في السياسة الشجاعة استحكام الغضب قال وما لا غضب له من الحيوان لا شجاعة له قال و متى غضب واحد من الحيوان غضبا تاما فإنه لا يقهره قاهر من جنسه قال وأقول إنه قد يصبر على الأهوال من لا يصبر عن اللذات والإستحذاء للذات أسمج لأن الصبر عنها أهون وقد يصبر عن اللذات من لا يصبر على الغضب و الجور عند الغضب والعجز عن مقاومته أوحشها أثرا وأعظمها ضررا ومغالبة النفس الغضبية أصعب من مغالبة النفس الشهوانية لأن القوة بهذه النفس فإذا كانت هي المنازعة كانت القوة معها وكذلك يتعذر ضبطها وغلبتها ولذلك نقول بأن من ملك غضبه فهو الشجاع قال أفلاطن وأقول الشجاع هو الثابت في الحروب للأهوال الهائلة والشدائد الشديدة والآلام المقلقة فلا يهرب منها وهو الثابت عند اللذات والشهوات ولا ينجذب إلى ما كان قبيحا أو ضارا منها وهو الضابط لنفسه عند الغضب كما يشينها ويضرها وأقول الصبر عن اللذات عند أرسطوطيلس قسم من أقسام العفة والصبر عن التشفي عند ثوران الغضب هو الحلم عنده والشجاعة عنده تختص بالصبر على الأهوال والآلام التي تكون في الحروب خاصة وسنحكي قوله فيما بعد إن شاء الله وقال أفلاطن الشجاعة نوعان نوع عند ورود الآفة ونوع عند المباطشة فإن اجتمعا فهو أفضل وإن عدم نوع المباطشة كان في الآخر كفاية قال ولا شيء أشجع من النفس لأنها دائمة المحاربة لشهوات النفس
في الشجاعة الخاصية من قول أفلاطن
قال أفلاطن احتمال الأوجاع والآلام والإقدام على الأهوال والأخطار وبذلك النفس والبدن في الحروب مع الأعداء لسبب الحماية عن الأهل والأولاد والإخوان وأهل البلد من الأمور الواجبة في السنن كلها فإن الموت المحمود خير من الحياة الذميمة وحب البقاء على كل حال يكسب الإنسان المذلة والمهانة وحب الموت الفاضل يكسب الحمية وعظم النفس
في النجدة من قول أرسطوطيلس
قال أرسطوطيلس النجدة من الفضايل الشريفة وهي توسط فيما بين الفزع والجرأة قال والأشياء المفزعة مختلفة في العظم في الأكثر والأقل والنجد فيما يهون على سائر الناس لا يفزع البتة وأما فيما يفزع منه سائر الناس الفزع الشديد فإنه ينفعل انفعالا قليلا لأنه إنسان والإنسان مجبول على المخافة من الشر ولكنه تكون حاله بالقياس إلى حال سائر الناس كأنه لم يفزع ولم ينفعل قال وأقول النجدة إنما هي الإستهانة بالشرور التي تكون في الحروب من الآلام بالضرب الجراح وخاصة في أعظمها وهو الموت فإن الموت غاية الشرور قال والجرأة على الأعداء إرجاء للبقاء فإن السلامة مرجوة وإن كان الأمر هائلا ومخوفا قال وإنه يصبر على الوت الجيد ولا يهرب منه لأنه قوي الرجاء ولأنه ليس يحب الحياة على كل حال ولكنه إنما يحب الحياة الفاضلة فإذا صارت الحياة دنيئة اختار الموت عليها قال والموت إن كان رديا عند الحياة الجيدة فقد يجب أن يكون جيدا عند الحياة الدنيئة قال وأيضا فإنه يختار حياة غيره على حياته وإن كانت حياته جيدة له متى كان الغير أفضل منه فيدل (فيبذل م) نفسه للموت ليستبقى من هو أفضل منه قال وكذلك يختار حياة الكثير من على حياة نفسه قال وأيضا فإن الفاضل لا يفعل القبيح والهرب من الموت الجيد قبيح عند الكل
في الشجاعة كيف يستبان
قال أرسطوطيلس إنما يظهر هيئة الشجاعة عند الفزع الذي يفاجئ فإن الثبات عند مفاجأة الفزع إنما يكون من جودة الهيئة وأما فيما يتثبته قبل الوقوع فإنه يكون بالإستعداد
في السبب المولد للشجاعة
قال أرسطوطيلس الشجاعة نتيجة العزة والعزة نتيجة الأنفة وحب الموت الفاضل يكسب الحمية والعزة وأما حب البقاء على كل حال فإنه يكسب المهانة والذلة
في المعني الذي [؟] لأجله ظن بالغضب أنه المولد للشجاعة [؟]
قال أرسطوطيلس وقد يظن بالغضب أنه المولد للشجاعة وليس كذلك ولكن الغضب يهيج بالطبع عند المجاهدة
في المتشبهين بالشجعان والفصل بينهم وبين الشجعان
قال أرسطوطيلس قد يظن بالغضبان أنه شجاع وليس به فإن الغضبان إنما يفعل ما يفعل من أجل الأذى كالسباع التي تقدم على النهش والعض من أجل الأذى والخوف قال وأما الشجاع فإنما يفعل ما يفعل من أجل الجميل و الغضب بعينه والثاني قال وقد يظن بالجيد في كل شيء أنها شجاعة والجيد يوجدون كذلك فإنهم لعلمهم بالمجاهدة بمنزلة متسلح يقاتل من لا سلاح معه قال ومن كان كذلك فإنه يقاتل في أول الأمر فإذا أحس بوقوع الشر هرب الثالث وقد يظن بالجاهل أنه شجاع لإقدامه على الأمور المتلفة والجاهل إنما يقدم عليها لقلة علمه بما يكون فيها من الخطر ولهذا يذهب الصبيان إلى السباع وإلى الحيات وذوات السموم والعض والنهش من غير فزع منها لأنهم لا يعلمون ما فيها الرابع قال والذين يثبتون مخافة الرؤساء هم بأهل الخير أشبه وقد يقدم الفاسق إذا لم يظفر ببغيته على الموت هربا من الغم وكذلك الفقير وإقدام هؤلاء على الموت بالجبن أشبه منه بالشجاعة الخامس قال وإنه ليس صنف من الأصناف التي يتشجع أشبه بالشجاع من الذين يقاتلون رغبة في كرامة العاجل أو خوفا من عقوبة الآجل لأنهم يختارون الموت على الهرب وهذه خاصية الشجاع لكنه ليس هؤلاء والشجاع واحد لأن الشجاع إنما يفعل من أجل الجميل لا من أجل شيء آخر وهؤلاء إنما يفعلون للرغبة في الكرامة وللخوف من العقوبة
في الأشياء المفزعة
قال أرسطوطيلس الأشياء المفزعة أقسام فمنها ما ينبغي الفزع منه والهرب وذلك كل ما يكون عارا على الإنسان وذلك بأن يكون قبيحا أو ضارا ويكون هو السبب فيه قال ومنها ما لا يجب الفزع منه ولا الهرب ولكنه يجب الرغبة فيه وذلك كالبط والكي والتعب والنصب متى صارت أسبابا للخير وللراحة فما هو أعظم منها في البلاء والشر ومن هذا النوع الأهوال والآلام التي تكون في الحروب والموت فقد قلنا بأن الموت الجيد خير من الحياة الدنيئة قال ومنها ما يجب الهرب منه ولا ينبغي الفزع منه قال والهرب إنما يكون بحسن الإحتيال في رفعه قال وذلك كل ما لا يكون الإنسان علة لوقوعه فيكون عارا عليه ويكون شرا في نفسه كذهاب المال والمرض والموت فإن هذه كلها شرور ويجب الإحتيال لدفعها إذا أقبلت ولكنه ليس يجوز الجزع منها إذا وقعت بغير جناية منه قال كل مظلوم فإنه مخوف وكذلك أصدقاء المظلومين مخوفون وإن كانوا ذوي أناة فإنهم أخوف
من منثور كلام أهل الحكمة في النجدة
قال الكندي من خاف الموت فقد خاف تمام ذاته فإن حد الإنسان أنه حي ناطق ميت قال ومن خاف موت جزئه الأخس لحقه موت جزئه الأشرف وصف حكيم قوما بالشجاعة فقال ما رأيتهم يسألون كم الأعداء لكن أين الأعداء وقال آخر من لاحظ القدرة استشعر بالنصرة ومن أيقن بالأقدار ركب الأخطار
في الجبن
قال أرسطوطيلس الجبن مذموم وهو في طرف الزيادة في الفزع فأن الجبان هو الذي يفزع مما يهون الجرأة عليه ويهرب مما لا يهرب الأكثر منه وسبب الآفة للأكثر إيثار الحياة الرذلة على الموت المحمود واختيار الراحة الضارة على التعب النافع
في التقحم
قال أرسطوطيلس التقحم مذموم وهو إلى طرف الزيادة في الجرأة فإنه يقدم على ما ينبغي الإقدام عليه أو يقدم في غير وقته أو على غير وجهه قال وهو أشبه بالشجاع من الجبان
في الهم
الهم تحزر الإنسان بما يناله من الشر وفي هذا أيضا توسط وزيادة ونقصان والتوسط محمود والطرفان مذمومان والتوسط هو أن يحزن فيما ينبغي أن يحزن فيه وبمقدار ما ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي والذي ينبغي الحزن فيه وهو كل شر وضر كان الإنسان نفسه السبب لوقوعه بسوء تدبير أو سوء سيرة وذلك بأن يفعل خلاف ما أوجبه النطق أو بإهمال وذلك رفع العناية عما ينبغي أن يعنى به وترك التدبير فيما يجب التدبير فيه والمقدار الذي ينبغي أن يجوز له هو المقدار الذي يؤديه إلى تقوية العزم على أن لا يعود إليه في المستأنف والوجه المحمود هو أن يندم على ما فرط بسبب أن يحفظ نفسه من المعاودة إلى مثله في المستأنف وما جاوز ما قلناه أو نقص عنه أو كان على غير الوجه الذي قلناه فإنه مذموم قال أرسطوطيلس ومن الإفراط أن يحزن على ما لا ينبغي الحزن فيه وهو كل ما لا يكون الإنسان سببا لوقوعه كذهاب المال وكالمرض قال أبو الحسن يريد كذهاب المال وكالمرض الذي لا يكون هو سببا لوقوعه وإلا فقد قال أرسطوطيلس نفسه إن الذي يتخبط في تدبيره حتى يجتمع في تدبيره الأخلاط الرديئة الفاسدة هو الذي يمرض نفسه بإرادته وإن كان لم يكتسب المرض وإن كان لا يمكنه من بعد اجتماع الأخلاط أن لا يمرض
في الفرق بين الهم وبين المخافة
قال أرسطوطيلس الأشياء التي منها المخافة فيها يكون الهم ولكن متى تخيل أنها ستقع كانت مخافة ومتى وقعت كانت هما قال وأقول إن الإنسان قد يخاف ما لا يقع له الإهتمام به في وقوعه إذا وقع وهو الموت وأقول إنما قال الإنسان قد يخاف لأن الخوف من الموت كالأمر الطبيعي وإلا فإنه يقول ليس ينبغي للعاقل أن يفزع من الموت
ما الذي يحس بلذع الهم
قال جالينوس آلة الهم فم المعدة فإنه الذي يحس بلذع الهم
وجه العلاج في إزالة الهم
قال أفلاطن من الواجب على العاقل أن يعلم الخير والشر في هذه الأمور ليس بالهم قال أبو الحسن يريد بقوله هذه الأمور الأشياء التي ليست بخير على الإطلاق ولا بشر على الإطلاق ولكنها تكون خيرا إذا نفعت وشرا إذا ضرت وهذه هي الخيرات الخارجة وقد قال أرسطوطيلس الهم أكثره فيما هو خارج النفس والبدن
حيلة أخرى
قال ويجب أن يعلم أن أمور العالم شبيه بالقصيرة
حيلة أخرى
قال ويجب أن يفكر حتى يعلم بأن ترك الضر لا يجدي (عطية) بل يضر فأن إظهار الجزع سمج قال وترك التفكر هو الذي يقود إلى العبرات والزفرات عند المصائب ألا ترى أن مجاهدة كل إنسان في التصبر بحيث يراه الناس أكثر قال واللبيب يكون متشابها في أحواله في الخلاء والملاء وقال الكندي قالت الحكماء ما أقبح بمن وقع في بلية أن يجمع إلى نفسه مع فرط البلاء فرط الإساءة
حيلة أخرى
قال أفلاطن وإن الناموس الفاضل يأمر بالسكون و بالسكوت عند الهم وعند الغضب فإن اليسير من الحركة عند الهم تهيج الهم وعند الغضب تهيج الغضب
حيلة أخرى
قال أفلاطن وثمرة المعرفة أن لا يرقب ما لم يأت ولا يأسى على ما فات وأقول تفسير هذا ما قاله سولن واضع النواميس وهو والد أفلاطن قال إن كان البارئ مدبر أمور العالم بما يصلحها ففرحنا وحزننا فضل وفي مثله قال الكندي قالت الحكماء ما أحسن سعادة من لم يرد أن تكون الفانيات كما يشاء ولكنه أراد أن نكون كما ينبغي لها أن تكون
حيلة أخرى
قالت الحكماء إن كان الحزن على المفقودات واجبا فقد يجب أن يحزن علي من قبل أن توجد
أخرى
قال وينبغي إن نزلت به مصيبة أن يفكر فيما بقي لا فيما ذهب
أخرى
قال الكندي الألم فيه طباعي وهو الحس ومنه ما يستدعى بالفكر وليس بحكيم من استدعا ما يؤلمه
أخرى
قال فيثاغورس إذا أردت أن تعيش أنت وولدك وأهلك ونعمتك على السلامة أبدا فقد أردت ما لا يمكن أن يكون ومن أراد ما لا يمكن أن يكون فإنه أحمق وقالت الحكماء ينبغي أن نعلم أنا موضوعون أعراضا للنوائب (عامري: نوائث) ونعي إلى حكيم ابنه فقال إنما كان ولد ميتا
في الرحمة
قال أرسطوطيلس الرحمة هو تحزن بما يصيب الغير من الشر وفي هذا توسط وإفراط ونقصان والتوسط هو أن يكون حزنه بما لا ينال من لا يستحق الشر لكن الخير قال وينبغي أن لا يستدعى ذلك والإفراط أن يكون باستدعاء وبكل أحد قال أرسطوطيلس والأفاضل وإن كانوا يغتمون بهلاك إخوانهم وبظهور الأعداء عليهم فإن ذلك ليس يكون منهم بقصد وما يعتريهم من ذلك ليس بالكثير ولا يكون له لبث
في الحسد
الحسد هو تحزن الإنسان بخير ناله غيره وفي هذا أيضا نوسط وزيادة ونقصان قال والتوسط أن يحسد على الخيرات العظيمة بأن يشتهيها لنفسه وذلك بأن يجتهد أن تكون له ولا يكره أن ينالها غيره ولكنه يفرح بذلك والخيرات العظيمة الحكمة الرياسة الثروة قال ومن التوسط أيضا أن يحزن إذا نال الخير من لا يستحقه وذلك بأن يكون شريرا قال والإفراط في الحسد أن يحسد في كل شيء قال وهذه حال الصغير نفوسهم ومن الإفراط أيضا أن يكره مصيرها إلى غيره قال ومن هكذا فإنه وإن نال مثل ما نال الآخر لا يذهب حزنه
في لواحق الحسد والحسود
الحسد إنما يكون في الأشباه والأشكال وفيمن هو قريب من الحاسد في السن والزمان والمكان وإنما يكون أكثر ذلك في المتنافسين فأما المتباينون في القسم وفي الصنائع فقلما يتحاسدون قال وحسد كل أمرئ إنما يكون على الأمر الأكثر فيما هو محبوب عنده فمحب الحكمة يحسد في الحكمة ومحب المال في المال ومحب الرياسة في الرياسة قال ويحسدون في مصير الأشياء التي كانت لهم إلى غيرهم وفي أن يكون أولئك أدركوا سريعا وهو من بعد زمان وبعد جهد
ما جاء من كلام أهل الحكمة
قال بعضهم الحسد شر من البخل لأن البخيل إنما يبخل على الناس بما يملك والحسود يبخل عليهم بما لا يملك فإنه يكره أن ينال أحد الخير وإن كان من حيث لا ننقصه ولا يضره قال فأقول سبب ذلك أنه اجتماع شرية وبخل وقال بعضهم الحسود منشار أهله فإنه لفرط أسفه وغمه بما نال غيره من الخير يكون كأنه يشقق نفسه ولذلك قيل بأن الحياة لذيذة إن لم يشبها الحسد وقال جالينوس طلب مرضاة الحسود غاية لا تدرك وقال معاويةكل الناس أقدر على أن أرضيه إلا حاسد نعمة ومن علامته أنه يظهر لك برا يلفظه قلبك
في الشماتة
قال الشماتة هي الفرح بشر نال الغير قال وإن الفاضل لا يفرح بشر ينال الناس لكن بأن ينال الشر من يستحق الشر
في الفرق بين الغضب والهم
قال جالينوس الغضب يقرب من الهم ويفرق بينهما أن مع الغضب طمع الوصول إلى الإنتقام وليس مع الهم ذلك لكن مع الغم اليأس من الإنتقام
في الفرق بين الغضب والحرد
قال جالينوس الفرق بينهما أن الغضبان يطلب الإنتقام قال وأما الحردان فإنه لا يعزم على تمام الإنتقام
في الحرد ما هو
قال جالينوس الحرد هو غضب الإنسان على من يحبه بما يكون من جنايته على نفسه قال ولذلك نقول بأن الحرد مركب من الهم والغضب أما الهم فمن أجل الشر الذي قد نال من يحبه وأما الغضب فمن أجل أنه كان سبب الجناية على نفسه
في الغضب ما هو
قال أرسطوطيلس الغضب هو تحزن من الإستهانة أو بمن يتصل به أو بما يتصل به مع التشوق إلى الإنتقام قال وفي هذا أيضا توسط وإفراط ونقصان والتوسط هو المحمود في ذلك بأن يكون فيما ينبغي وبقدر ما ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي قال وليس يهون تحديد كل ما يجب الغضب فيه ولا تحديد أن كيف ينبغي أن يغضب وعلى من وبأي مقدار لأن هذه أمور جزئية ولا يمكن تمييزها إلا بالحس قال ولكنا نقول الصبر على سماع الشتيمة وترك الغضب للأصدقاء وللقرابة من أخلاق العبيد قال ومن الإفراط أن يغضب في كل شيء وعلى كل أحد وذلك أيضا من مهانة النفس لأن الغضب على من لا يكون أهلا للمبالاة به يكون من صغر النفس وكذلك الإنزعاج لما يهون أمره والتحزن منه إنما يكون من حقارة النفس ومن الإفراط الغضب من المزاح ومن اللهو ومنه أن يغضب على من يراد به بذلك ومن الإفراط الغضب على من لا يقصد إلى الجناية لكن وقع فيها الخطأ
في دلائل الإستهانة
قال أرسطوطيلس ودلائل الإستهانة العيب والشتيمة والرد في الحاجة والإستخفاف بالحالة التي يكون الإنسان فيها كالمرض أو الفقر والغنى أو العز أو الذل قال ومن الدلائل عليها نسيان الإسم وترك النصرة والتنقص قال وإنما يستهان بما ليس بشيء أو هو يسير جدا وذلك أن الشرور مستوجبة للعناية بها
في الجنايات التي يجب أن يخف فيها الغضب
قال أرسطوطيلس وقد يجب أن يخف الغضب على من فعل ما لا ينبغي من أجل الغضب قال وذلك من قبل أنه يدل على أنه لم يفعل ما فعله من أجل الإستصغار قال وقد يخف عمن يخافه الإنسان وإن تحقق بأنه قد استهانه لأنه لا يتشوق إلى الإنتقام منه
في الغضب من كلام غيره من الحكماء
قال أفلاطن الغضب سورة من سورات الشهوة وله أيضا الغضب سكر النفس وقال أوفيوس الغضب هو مرض النفس قال ومن نازع بالغضب فقد مكن خصمه من مصرعه وقال الكندي الغضب إنما هو غليان الدم إرادة الإنتقام قال والغليان إنما يكون من الحرارة والحرارة إنما يتولد من الحركة قال وهو في أول أمره كالشررة نارا قال وقال أفلاطن وإن الناموس يأمر بالسكون وبالسكوت عند الغضب قال والسبب الولد له إعجاب المرء بنفسه وزهوه وكبره وقال أفلاطن المعجب أبدا مغضب قال والأسباب المحركة له المزاح والمضاحكة الملاحة وقال من رضي بالمساواة لم يغضب ولم يغضب
في الفرق بين التأديب وبين الأخذ بالثأر
قال أرسطوطيلس التأديب إنما يكون من ظالم ليرتدع من الشر ويتركه قال والفاعل يتفجع بما ينال المفعول به من الألم إذا أدبه قال والآخذ بالثأر يلتذ بما ينال المعاقب من ألم العقوبة قال وليس يفعل ما يفعله من أجل إصلاحه لكن من أجل الإضرار به ولذلك يلتذ بما يناله من الضر ومن الألم
في الحلم
قال أرسطوطيلس الحلم هو ترك الإنتقام مع قدرة عليه قال والإفراط فيه مذموم وكذلك التقصير قال أبو الحسن الحلم هو التوسط في الغضب وذلك بأن يغضب على من ينبغي وقال في موضع آخر الحلم هو استيقار يعنى الوقار وضبط النفس عن القلق
قول أفلاطن فيه
قال أفلاطن الحلم هو الكرم والكرم هو احتمال الذنب فيما لا ينقص السنة ولا يفسد الرعية وقال أيضا الكرم هو احتمال الذنب الذي يكون عن غير تعمد وقال الحلم هو التوسط في الغضب والأعتدال فيه قال وباعتدال الإنسان في الغضب يكون صحة رأيه قال أفلاطن وصحة الرأي أن يكون حليما في وقت الحلم شجاعا مقداما في وقت الإقدام قال وينبغي لمن أراد صحة الرأي أن يكتسب الفظاظة وصعوبة القياد من النوع الغضبي اللين وسلامة القياد من النوع الفلسفي قال أفلاطن والإعتدال في الغضب أن يكون الإنسان كزا سلسا ولين القياد صعبا وعنيفا رفيقا قال وإنما يصير الإنسان كذلك بامتزاج القوة الغضبية مع القوة الفلسفية فإن للقوة الغضبية الكزازة والفظاظة والعنف والشدة وصعوبة القياد قال وللقوة الفلسفية السلاسة والرفق ولين القياد والمساهمة قال ويجب أن يستعمل الرفق في موضعه ووقته وعلى وجهه وأن يستعمل العنف في وقته وفي موضعه وعلى وجهه وكذلك هذا في المقدار فإنه ينبغي أن يستعمل من كل شيء مقدار ما ينبغي قال ومن لم يتألف قرناءه فإنه يكون متخبطا في سيرته مضطربا في حالته وذلك من قبل أنه يعنف في غير وقته ويلين في غير وقته قال والعنف والفظاظة وحدها فإنما تكون من الأحمق وهذا الذي لم يتأدب ولم يذق شيئا من العلوم فنفسه تكون خرساء عمياء كالبهيمة ويجري في جميع أموره على الخرق والعنف
بقية القول في الحلم
قال أفلاطن مركب الحلم التأني وعلاجه الصبر فإن لم تقرن أحدهما إلى الآخر لم يثمر وقال من لم يصبر على قليل ما يأتي به السفيه احتاج أن يصبر على الكثير
الحيلة في اكتساب الحلم
قال أفلاطن أول سورة الغضب إنما تذهب إلى اللسان فمن ملك لسانه انطفا غضبه قال وإن اليسير من الحركة تهيج الغضب قال والناموس يأمر بالسكوت عند الغضب
حيلة أخرى
كتب أرسطوطيلس إلى الإسكندر أن الزلل لا يخلو منه أحد فاجعل الفكر في ذلك أحد ما يسكن به غضبك وقال له في كتابه إليه ولا تبادر إلى التغير لأوليائك وإن كان منهم ما يستوجبون به التغير فلعل عدوا لك حملهم على ذلك ليفسدهم عليك بتغيرك لهم وتغيرهم لك
حيلة أخرى
وقال أرسطوطيلس للإسكندر اعلم بأن بعض الجفاء ربما أغنا عن شدة الصولة وكسر الشر بالخير فضيلة وكسر الشر بالشر حلل
حيلة
من علم أن الإنسان يتقلب بين غضب وشهوة لم يتعجب من خطائه وزللهه ولكنه إنما يتعجب من سلامته
حيلة
قال وينبغي للملك أن يتفكر ويعلم أنه أولى الناس بالتدبير والتأني لأنه ينفذ ما يقول ويفعل من غير تأخير وليس فوقه أحد يأخذ على يده ويتعقب قوله وأمره فهو أولى الناس بحسن النظر لنفسه قال ومع هذا فإن فبحه أقبح وجميله أجمل لأنه أولى بأن تكون أموره عل ما يجب ولأن أخباره تدون وآثاره تخلد
من منثور كلام أهل الحكمة في الغضب وفي الحلم
قيل لذيوجانس ما بالك لا تغضب فقال أما الغضب الأنسي فإني أفعل وأما الغضب البهيمي فإني قد تركته لتركي الشهوة البهيمية وركل رجل ذيوجانس وهرب فتبعه تلامذته فلما انصرفوا قال ما كنتم تفعلون لو أن حمارا ركلني فكذلك هذا وقال الحكيم من شدد نفر ومن لان تألف والتعاقل من أفعال الكرم شتم رجل حكيما فقال الحكيم أنا لا أدخل في حزب الغالب فيها شر من المغلوب وقال رجل لسقراط أن أسمعتني كلمة أسمعتك عشرا فقال لكنك أن أسمعتني عشرا لم تسمع مني كلمة وسمع ذيوجانس رجلا يذكره بسوء فقال ما علم الله أكثر مما يقول قيل لأفلاطن بم نعرف الرجل أنه صار حكيما فقال إذا لم يكن بما يصيب من الرأي معجبا ولم يستفزه الغضب عند الذم وقال رجل لأوقليدس إني لا آلو جهدا في أن أفقدك حياتك فقال وأنا لا آلو جهدا في أن أفقدك غضبك وقال حكيم لا تعرض لصاحب دولة في دولته فإن الزمان يكون عليك ولا تشتغل به إذا أدبرت دولته فإن الزمان يكفيك أمره وقال حكيم إن أردت أن لا تخطئ ولدك وخادمك وأهلك فقد طلبت ما هو خارج من طبعك قال وإذا دعوت ابنك أو خادمك فأحطه بقلبك أنه قد يمكنه أن يغضبك لئلا يكدر عليك إذا خالفك وكان أهل الحكمة لا يرون تأديب أحد عند الغضب وإن كان مستحقا للعقوبة وإن قوما أفسدوا على حكيم عملا عملوا له فقال لولا إني غضبت لغرمتكم وقال سقراط الغضب يضع من المروؤة ويهتك الفضيلة وقال إن كنت ميتا فلا تعقد عداوة لا تموت
في البغضة ما هي
قال أرسطوطيلس إنه لما كانت الأشياء التي هي أغمض إنما تعرف بالتي هي أظهر وجب أن ينظر في التي تبغض أولا قال ونقول المبغضات ثلثة أنواع الشر والمؤذي والضار قال والضار إما أن يكون ضارا في الخير وإما في اللذيذ قال والمؤذي إنما يكون شرا إذا كان مؤديا إلى الخير لم يجز أن يكون مبغضا لكن محبوبا والبغضة الذاتية هي التي تكون بسبب الشره
في فواعل البغضة
قال الرذائل فاعلة للبغضة وخاصة السعاية والنميمة والكذب والسرقة والخيانة
في الفرق بين الغضب وبين البغضة
قال أرسطوطيلس الغضب إنما يكون بما يلحق الإنسان في نفسه أو فيمن يتصل به أو بما يتصل به وليست البغضة كذلك لأنها قد نبغض الشرير وإن لم يكن منه إلينا سوء قط ولذلك تكون البغضة نحو الجنس أكثر وأما الغضب فنحن الأوحاد قال والسلوة قد تقع في الغضب على مر الزمان وإما البغضة فلا سلوة فيها وقد يهوى الإنسان أن يكون بحال من يغضب عليه وليس يشتهي أحد أن يكون بحال من يبغض وكل ما يبغضه الإنسان ضار وليس كل ما يغضب منه الإنسان بضار
في الإنتقام من العدو على طريق الحكمة
قيل لسقراط بم ينتقم الإنسان من عدوه فقال بأن يتزيد فضلا في نفسه وقيل لأفلاطن كيف ينتقم الإنسان من عدوه فقال بأن يزين نفسه
في الحذر من العدو
كن أسوأ ما تكون ظنا بالشرير أكثر ما يكون برا بك وأعلم بأنه ليس كل من ضاحكك فقد سالمك وأحبك وإذا أبغضت رجلا فأبغض شقك الذي يليه قالوا احذر عدوك في ثلثة أوقات عند إقبال النعمة لئلا يلوها عنك وعند إدبارها لئلا يعينوا الزمان عليك وعند انقضاء ملك وبدو ملك لأنك والناس يكونون فيه بين خوف ورجاء لا تنابذ عدوك واستبق إذا قدرت
في التحذير من المعاداة
قال الحكيم معاداة الرجال كمواثبة السباع إن ظفرت بك ضر بك وإن ظفرت بها لم ينفعك وقال آخر إن أردت أن يطيب عيشك فلا تتعرض لمعاداة الرجال وقال آخر تكنب معاداة الرجال فإنما الناس رجلان عاقل وجاهل وليس ينبغي أن تؤمن حيلة العاقل ولا مواثبة الجاهل
الحيلة في أمر العدو
قالوا الحيلة في أمر العدو أن تصادق أصدقاءه وتؤاخي إخوانه ومن قرب منه وينبغي أن لا تدع إحصاء معاييه وعوراته وعثراته وينبغي أن تعد الجواب لعيوبك وعيوب آبائك وقرابتك وأودائك واعلم بأنه قلما بده أحد بشيء يعرفه من نفسه إلا كاد يشهد عليه وجهه وحاله واجعل في نفسك الإحتراز من هذا الباب وإن أراد سفيه أن يستفزك باستقباله إياك لما تكره ولم يصلح السكوت عنه مخافة إيهام ريبة المفارقة أو هجنة المهانة فاخلط الهزل بالجدذلك بأن تجبيه جواب الهازل المداعب بطلاقة من الوجه ورحب من الذراع قال وإياك أن تكافئ عداوة السر بالعلانية فإن من فطنة اليقظة إظهار الغفلة مع شدة الحذر
في المحبة من كلامنا
المحبة انفعال بلذة من المحبوب ونزاع إلى أن يتصل انفعاله وتخوف من القطع وشغف بالمحبوب حتى لا تريد بدلا عنه والشغف والنزاع والتخوف انفعالات وبعضها لذة وبعضها تأذي وبعضها ممتزج فالحب كما قيل حلاوة ومرارة وقال الشاعر الحب منه حلاوة ومرارة سائل بذلك من تطعم أو ذق وأقول الإنفعال قد يكون بالحس وذلك يقع بالشاهد وقد يكون بالتخيل وذلك يكون في الغائب ولأن التخيل نوع من الحس فلا بد من أن يكون في المحسوس حاضرا للحس حتى يفعل فيه وأقول حضور المحسوس لحاسة التخيل إنما هو بالذكر وأقول المذكور شاهد التخيل وفاعل والزائل عن الذكر غايب وكذلك الزائل عن الفكر والفرق أن الزائل عن الذكر نسيان والزائل عن الفكر غفلة
في أن المحبة تكون للأنفس كلها
قال أبو الحسن أقول المحبة توجد للأنفس كلها وكل واحدة من الأنفس إنما تحب ما يوافقها ويلائمها والأشياء الموافقة للنفس الشهوانية لذات المطاعم والمشارب والمناكح فإن هذه النفس من ينتفع به نيلها والأشياء الموافقة للنفس الغضبية الغلبة وما تكون به الغلبة من تكون به الغلبة والنفس الناطقة العملية تحب الفاضل والأفضل والنافع والأنفع والنفس الناطقة النظرية تحب الحق والصدق
في أقسام المحبات
المحبة إما عرضية وإما ذاتية والعرضية تكون بالأضداد والذاتية تكون بالشبيه وليست المحبة الذاتية إلا للنفس الناطقة وذلك أنها تحب من يكون على مثل حالها فإن حال النفس الناطقة العملية محبة الفاضل والأفضل والنافع والأنفع وأنها تحب من يكون على مثل حالها وتبغض من كان على خلاف حالها وحال والنفس الناطقة النظرية محبة الحق والصدق وأنها تحب من كان على مثل حالها وتبغض من كان على خلاف حالها وأما النفس الشهوانية فإنها لا تحب من يحب اللذة ولكن من ينفعها في اللذة والنفس الغضبية لا تحب من يحب الغلبة لكن من ينفعها في الغلبة
في المحبة ما هي
قال بعضهم المحبة أرادة قال والإرادة والإختيار واحد وقال بعضهم المحبة إرادة عن اختيار وقال بعضهم المحبة إنما هي ميلان القلب إلى الشيء واستخفافه له وابتهاجه قال أبو الحسن المحبة ليست بإرادة ولا باختيار فإنا قد نحب ما ليس يمكن فيه أن نريده وأن نختاره كمحبتنا للموتى الذين قد بادوا وذهبوا وأقول ميلان القلب إلى الشيء إنما يكون من أجل المحبة لا أن يكون هو المحبة وأقول المحبة ألف و الألف إنما يكون مع الموافق ويقال المحبة البغضة والبغضة نفار والنفار إنما يكون من المخالف والإنسان فقد يحب ما له نفس وما لا نفس له وما له نفس فقد يجوز أن تكون المحبة من أحدهما للآخر وقد يجوز أن يكون كل واحد منهما محبا لصاحبه وإذا كان كذلك سمي تحابا وأقول التحاب ائتلاف وذلك بأن يكون كل واحد منهما أليف صاحبه وأقول الأشياء الموافقة هي الخير وما يؤدي إلى الخير والأشياء المخالفة هي الشر وجميع ما يؤدي إلى الشر
في حد الصديق
قال أرسطوطيلس قال بعضهم الصديق هو المعاشر والموافق في الإختيار قال وقال بعضهم هو الذي يريد الخير والذي يظن بها أنها خير من أجل صديقه قال ومنهم من قال بأنه الذي يجعلك ونفسك واحدا فيعد ولدك في أولاده وأهلك في أهله وإخوانك وإخوانه وأعداءك في أعدائه ويعد نفعك نفعه وضرك ضره فيألم بألمك ويفرح بفرحك وقال أرسطوطيلس الصديق آخر هو هو وقال غيره الأصدقاء نفس واحدة في أجساد متفرقة
في الفرق بين المحبة والصداقة
قال أرسطوطيلس ليست المحبة بالصداقة فإن الصداقة من المضاف وذلك بأن يود كل واحد منهما الآخر وليست المحبة كذلك فإن الإنسان قد يحب ما لا نفس له وقد يحب من ذي النفس من لا يحبه قال وأما العشق فإنما هو إفراط المحبة وليس يجوز أن يصادق الواحد كثيرين وقد يجوز أن يحب الواحد كثيرين
في أن المحبة ضرورية في الحياة
قال أرسطوطيلس المحبة من الأشياء المضطرة جدا في العمر فإنه ليس يمكن أحدا أن يسلم من غير الأصدقاء وإنه ليس في الفقر وسوء الحال ملجأ آخر سوى الأصدقاء وهم معونة المشائخ فيما يحتاجون إليه وهم معونة الشباب على الأفعال الجيدة فإن الإثنين إذا اجتمعا كانا أعون على الفهم وعلى الفعل وهم ملجأ الأحداث لأن لا يخطؤوا قال وما المنفعة بحسن الحال إذا افتقد منها اصطناع المعروف فإنما يكون ذلك ممدوحا بالأصدقاء قال والصديق معونة على دفع الحزن لأنه بعزى بكلامه ويعزى بالنظر إليه وقد يعزى الإنسان وإن لم يكن صديقا إذا ساعد على التحزن كما يعزى النساء بحضورهن المصائب ولكنه ليس ينبغي استدعاء الأصدقاء في سوء الحال والواجب على الأصدقاء أن يبادروا إليه وأما في حسن الحال فبخلاف ذلك في الوجهين قال وحضور الإخوان أيضا سار عند حسن الحال وأقول المحبة فضيلة كبيرة وهي خير من الكرامة لأنها من الخيرات التي تكون في النفس لا من خارج
في أن أكثر المحبات طبيعية
قال أرسطوطيلس المحبة منها طبيعية ومنها ما ليست بطبيعية قال ومن الطبيعية محبة الرئيس والمرؤوس ومحبة الآباء والأولاد ومحبة الرجل والمرأة ومحبة الإنسان لأهل مدينته وكذلك محبته لجميع الناس وللحيوان قال أبو الحسن ولجميع ما يكون بقاؤه به وصلاحه كالغذاء واللباس والمساكن ونقول محبة اللذات البدنية طبيعية وإما الإفراط فيها كمحبة الإلف وكمحبة التسلي فليس بطبيعي قلت ومحبة الرياسة كطبيعية وأما محبة أن يكون هو الرئيس أو صديق له فليس بطبيعي قال أرسطوطيلس ومحبة الشبيه موجودة للشبيه بالطبع حتى في الحيوان كله الطائر و الماشي
القول في المحبات التي ذكرنا أنها طبيعية إنها لم كانت طبيعية
قال أرسطوطيلس العلة في المحبات التي ذكرنا أنها طبيعية أن الإنية محبوبة عند الكل وبقاء الأنية بالحياة فواجب أن يكون جميع ما تكون به الحياة أو صلاح الحياة محبوبا بالطبع قال فنقول على هذا بأن البقاء لما كان بالحياة والحياة بالفعل كان من الواجب أن تكون محبة الفاعل لفعله طبيعيا ويجب من هذا أن يحب الرئيس المرؤوس والآباء الأولاد وأما محبة المرؤوس فمن جهة أن صلاح إنيته به والأولاد فإنما يحبون الآباء لأنهم علة كونهم وأما محبة الرجل والمرأة فلأنه لما لم يمكن أن يكون الإنسان باقيا بشخصه جعل ذلك له بالأولاد فكل واحد منهما يحتاج إلى الآخر لبقاء إنيتهما بالنوع قال وكذلك قيل في حد الولد بأن ولدك آخر هو أنت قال وأما محبة الإنسان أهل مدينته فلأنه لما لم يكن في الواحد كفاية في استبقاء إنيته بإقامة ما يحتاج إليه لإستبقائها بنفسه وجب أن يجعل الأعمال الخاصية عامية لتعود بالكفاية فكان اجتماعهم على الأوفق العام السبب في ألفتهم وكانت هذه المحبة طبيعية قال ومن هذا الوجه يقع محبة جميع الناس والحيوان قال وقد يحب الرجل المرأة والمرأة الرجل من هذا الوجه أيضا قال ويشبه أن يكون هذه المحبو بالطبع لأنها ليست في الناس فقط لكن في الطائر أيضا وفي الحيوان أيضا
في أنواع المحبات
قال أرسطوطيلس إنه لما كانت الأشياء التي هي أغمض إنما تعرف بالتي هي أظهر وجب أن ننظر في المحبوبات أولا قال وأقول المحبوبات ثلثة أنواع الخير واللذيذ والنافع فواجب إذن أن تكون أنواع المحبات ثلثة مساوية بالعدد لها قال ولما كان النافع إما أن يكون نافعا في الخير وإما في اللذيذ واللذيذ إنما يكون خيرا إذا كان مؤديا إليه وجب أن تكون المحبة الذاتية هي التي تحب الخير الحقيقي فقط قال وأقول المحبة الذاتية هي التي تراد لذات المحبوب لا لشيء آخر والغرض هو ما يراد من أجل شيء آخر قال وأقول ومن جهة المحبة العرضية أمكن أن يحب الأفاضل الأشرار والأشرار الأفاضل لأن كل واحد منهما لم يحب الآخر لذاته لكن لشيء آخر
في لواحق المحبات الذاتية وخواصها
قال أرسطوطيلس المحبة الذاتية هي التامة لأنها قد جمعت في ذاتها جميع ما يكون للمحبات كلها لأن كل واحد منهما خير لصاحبه بنوع مبسوط وكل واحد منهما لذيذ لصاحبه ونافع لصاحبه قال وهذه تحتاج إلى زمان كثير لأن الصداقة النامة لا تكون بالإرادة السريعة لكن من بعد مخالطة كثيرة ومن بعد تجربة قال وهي الباقية لأن الفضيلة باقية قال ومن خواصها التكافي بالإرادة والنوع قال وذلك أن كل واحد منهما يحب أشياء بأعيانها قال وقد قال أنبذقلس أن الشبيه يحب الشبيه قال وليس هذه بلوامة لأن كل كل واحد منهما يحب أن يكون هو المفضل قال وهي نزرة لأنه ليس يمكن أن يرضى الواحد بكثيرين رضى شديدا قال وإن المحبات العرضية تفترق أما النطقية فإنها أبدا يشتعل
في المحبات العرضية وخواصها
قال المحبة العرضية هي التي يحب الشيء لا لذاته لكن لشيء آخركمحبتنا للنافع وللذيذ قال وهذه قل ما يقع فيها التكافي بالنوع والمقدار بل أكثرها تكون مختلفة وذلك بأن يحب أحدهما الآخر لشيء ويكون ذاك يحب صاحبه لشيء آخر قال ومن أجل المحبات العرضية قيل بأن المحبة إنما تكون من الأضداد كمحبة الفقير للغني والغني للفقير والعاشق والمعشوق والعالم والمتعلم قال وهذه تكون لوامة وذات شكلية وقد يمكن في المحبة العرضية أن يحب الواحد كثيرين وليس ذلك بصواب فإن الذي للذة يكفي منهم القليل كالأبزار في القدر وأصحاب المنفعة إذا كثروا أتعبوا فإن المكافاة في الخدمة تعب وعلى الإنسان شغل في نفسه وليس في العيش كفاية
هل يكره للفاضل أن يصير صديقه زايدا عليه في الفضل
قال أرسطوطيلس وقد يلحق الخيرة من جهة أن يظن بأن الصديق لا يريد لصديقه الخيرات العظيمة من أجل أنه متى صار فاضلا عليه بكثير ارتفعت الصداقة بينهما وذلك لأنهم لا يفرحون حينئذ بأشياء بأعيانها قال ونقول بأن الصديق يريد لصديقه الخيرات العظيمة من أجل نفسه لأنها إذا صارت إلى صديقه كانت له
في السعيد هل يحتاج إلى الأصدقاء
قال أرسطوطيلس وقد شك في السعيد أنه هل يحتاج إلى الأصدقاء إذ كان ذا كفاية قال ونقول إنه إن لم يحتج إليهم للأنتفاع بهم لأن له الخيرات ولم يحتج إليهم للإلتذاذ بهم لأن له لذات في نفسه فليس يحتاج إلى لذة أخرى من خارج ولأن لذة العمر كله قليلة فإنه قد يحتاج إليهم لمعان آخر وذلك بأن السعادة الحياة والفعل والصديق آخر هو هو فهو يحتاج إلى الأصدقاء ليكسب بهم من الأفعال الفاضلة ما لا يتسع لها بنفسه وبعد فإنه قد يشبه المحال أن لا يكون له الأصدقاء وهم أجل الخيرات
القول في فواعل الصداقة
قال أرسطوطيلس أحد أسباب المحبة الإرتفاق ومن هذا الوجه أحب أهل المدينة بعضهم بعضا ومن هذا الوجه أيضا محبة المترافقين في السفر وفي السفن وفي القتال والسوق وفي سائر المعاملات المشتركة قال ويكون مقدار صداقة هؤلاء على مقدار شركة المعاملة ومن أسبابها الموافقة ومن أسبابها الشفقة ومن أسبابها النصيحة وهي من أجل أسبابها وقد ظن من أجل ذلك بأن النصيحة هي الصداقة وليس كما ظن من أجل أن النصيحة قد تكون لمن لا يعرف وأما الصداقة فلا وقد يخفى الناصح وليس يجوز أن يخفى الصديق ومن أجل محبة الناس للنصيحة أحبوا الشفقة وأحبوا من يهتم بشأنهم لذلك ومن أسبابها سلامة الصدر وذلك أن السليمة صدورهم لا يكونون ظلامين قال وقد يحبون الطيبين لأنهم لا يكونون موبخين ومن أسبابها نظافة اللباس ويشبه أن يكون ابتداء الصداقة اللذة التي تكون بالبصر قال وليس من أسبابها شيء يشبه المعاشرة قال ونقول إن المعاشرة فاعلة الصداقة
ما جاء من الكلام المنثور فيها
قال أرسطوطيلس رب صديقك بإظهار مودتك له كما تربى الصديق بالرفق والتؤدة ولا تظهر له مودتك فإنه متى رأى منك بعدها وقفة أعقبك بالتهمة وقال غيره إذا رغبت في مودة أحد فلا تظهر له تهالكا عليه ولا نفارا عنه ولكن قاربه كأنك تريده وباعده كأنك لا تريده فإن من شأن الإنسان أن يرحل عن من لصق له ويلتصق بمن رحل عنه وقال أفلاطن استدامة المودة بالفرق والهيبة أسلم من أستجرارها بالتعطف والذلة قيل لحكيم كيف تتخذ الأصدقاء فقال بأن يكرموا إذا حضروا ويحسن ذكرهم إذا غابوا وقال أفلاطن عاشر أخاك بما تحب أن يعاشرك به وابذل له ما تحب أن يبذل لك وكف عنه ما تحب أن يكف عنك وقال أرسطوطيلس خلتان يسلب بهما عقل كل عاقل اتباع الموافقة والإحسان وقال ليكن من دعائك أن يحرسك الله من أصدقائك فإنه ليس يمكنك أن تحترس منهم وعلى أن المحبة النطقية لا تستعمل الغدر وإنما تستعمل الغدر البهيمية وقال العشق مرض نفس فارغة وإنه لم يذل العقل شيء ذل العشق قيل لبعضهم أي هموم الدنيا أحق بأن لا ينسى فقال فقد الأخ الصالح وبلغ الأسكندر موت بعض إخوانه فقال ما يحزنني موته كما يحزنني أني لم أكن بلغت من بره ما كان يجب له وقال جالينوس ملابسة المنافق بلا تيقظ كملاقاة العدو بلا سلاح وقال جالينوس بصير الناس من لم يفش سره إلى أخيه سعى إلى الإسكندر رجل بصديق له فقال للساعي مذ كم عرفته فقال منذ كذا فقال كيف أقبل منك ومعرفتي به أقدم من معرفتك وقال آخر الجزع على الإخوان مكرمة كالصبر على غيرهم وقال حكيم علامة المودة أن ترى وجهه إليك منبسطا وبصره إليك بالود ناطقا وقلبه إليك بالبشر ضاحكا وأن يكون على مقاربتك حريصا وعلى مفارقتك شحيحا وقال احتمل صديقك ولا تعاتبه نظر ديوجانس إلى رجلين يتصادقان وأحدهما فقير فقال ما بال أحدهما فقيرا وما بال الآخر غنيا تثبت غاية التثبت في مؤاخاة من تؤاخي فإن القطع من بعد الوصل هجنة وإن كان لعذر والصبر على مخالطة غير الرضا صعب وذو خطر وقال احرص على أن تكون صديقا للأصدقاء لا للأعداء قال أبو الحسن المعنى أن تتبين أولا من تصادق فإنك ربما ظننته صديقا ولا يكون كذلك ولكنه يكون عدوا كيف يحسن إلى غيره من أساء إلى نفسه وقال أفلاطن بالألف يحصل الإنسان خير غيره ويأمن شره وبالأدب يحصل الإنسان خير نفسه ويأمن شرها وأقول بالأدب يكون حسن حال الإنسان بنفسه وبالتألف يكون حسن حاله بغيره الصديق خير من المال لأن الصديق إنما هو للنفس وأما المال فإنه للبدن وقال الأحنف بن قيس من حق الصديق أن يحتمل له ثلاثا ظلم الغضب وظلم الدالة وظلم الهفوة وقال علي بن الحسين إياك ومؤاخاة من أخطأ من نفسه حسن الإحتفاظ فإنه لا ثقة لما أسس على غير التقوى وقال أرسطوطيلس الفاضل هو المطيع للعقل فإنه يفعل ما ينيغي وعلى ما ينبغي ويترك ما لا ينبغي قال وإن الفاضل يفعل أشياء كثيرة من أجل الأصدقاء ومن أجل الوطن وإن احتاج أن يموت دونهم فعل وهو يبذل المال والرياسة والكرامة لصديقه من أجل الخير الأجود لأنه إذا بذل المال كان المال لغيره والأجود له وقال ابذل لصديقك دمك ومالك ولمعروفيك رفدك وحسن محضرك وللعامة بشرك وتحيتك ولعدوك عدلك وإنصافك واضنن بعرضك إلا لوالد أو وال فأما سواهم فلا وإن كان ولدا قال الكذاب لا يكون صديقا لأن الصديق إنما اشتق من الصدق وقال ديوجانس من جمع لكم مع المحبة رأيا فاجمعوا له إلى المحبة الطاعة وقال سعيد بن العاص كذا وجود أن الكريم ليرعى من حق المعرفة ما يرعاه المواصل من حق القرابة وعائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه إنكم لن تسعوا الناس يأموالكم فليسعهم منكم حسن البشر وطلاقة الوجه
في أن المعاشرة ضرورية في الحياة
قال صاحب المنطق المعاشرة ضرورية للإنسان في حياته لأن الواحد غير مكتف بنفسه أن يحيى الحياة الفاضلة وإن كان له جميع الخيرات إلا أن يكون سبعيا أو إلاهيا قال فنقول على هذا بأنه لا بد من أن يعاشر الإنسان من في منزلته ومن في مدينته معاشرة جميلة قال ويشبه أن تكون المعشارة في سائر الحيوان إنما هي لتوليد الأولاد فقط وأما في الناس فليس كذلك لكن وفي الغير أيضا
في المعاشرة أنها ما هي
المعاشرة هي الإكرام البر باللسان وبالمال الخدمة المؤاكلة المشاربة المساعدة المعاونة ومن المساعدة المشاركة في السراء والضراء والمعاونة ضرب من المساعدة وقال أرسطوطيلس ملاك أمر المعاشرة الإكرام قال ويجب أن يكرم كل واحد بقدر ما يستحقه من الفضيلة والخاصية أو الإستعمال وقال أفلاطن يجب أن يجعل الكرامة لاستعمال الثروة لا للثروة ولاستعمال القوة لا للقوة ولاستعمال المعرفة لا للمعرفة وللفضيلة لا لجمال الصورة قال وينبغي أن ترتب الكرامة على قدر الفضائل ومراتبها وقال بعضهم من الخطأ العظيم تعظيم الرجل على لسانه وجمال صورته أو رويته لكن الواجب أن يعظم على حسن فعله وحسن خلقه وعلى رعايته وصيانته قال أرسطوطيلس ويجب أن يساعد الإنسان من يكون في منزله وأهل مدينته إلا أن يراد منه ما تكون عاقبته إلى قبيح أو ضار فإنه ليس ينبغي له أن يساعدهم فيها وإن استوحشوا منه إلا أن يكون قبحه وضرره يسيرا فإنه يجب أن يحتمله لمساعدتهم لأنه ليس ينبغي للعاقل أن يغم أحدا وقال أفلاطن ينبغي أن يعاون الغرباء على حوائجهم وأن يكرمهم ويحسن إليهم بهشاشة وطيبة نفس لانقطاعهم عن أبناء جنسهم وعن أهاليهم أفلاطن ويجب أن يكرم إخوانه بأحسان ما يقدر عليه وأن يبرهم ويهدي إليهم ثم لا يعتد بما يكون منه إليهم ويعظم ما يكون منهم إليه وإن كان يسيرا قال أرسطوطيلس ويجب أن يعظم القرابة والعشيرة وأهل المدينة ما يجب لكل واحد منهم من حق العشرة بالخاصية التي تكون لكل واحد أو الفضيلة أو الإستعمال فيعاشر ذوي الأقدار على وجه ومن لا قدر له على وجه ومن يعرف على وجه ومن لا يعرف على وجه فإنه ليس ينبغي أن يكون عمر الصديق مع صديقه كعمره مع الغريب وكذلك الصاحب والقريب قال والفاضل يتلون في عشرته بسبب الجميل والفضيلة فينقص في وقت وفي شيء وينبسط في شيء وفي وقت قال وإنه ليس ينبغي للإنسان أن يبلغ بالنزاهة إلى حد يظن به أنه للشرارة والعجب ولا من لين الجانب إلى حد يظن به أنه للملق ومن الشرور العظيمة معاشرة من لا ينبغي أن يعاشر أو حيث لا ينبغي أن يعاشر قال وقد قيل بأن الإنقباض عن الناس مكسبة للعداوة وإفراط الإنس والخلطة يكسب قرناء السوء وقال ليجتمع في قلبك الإفتقار إلى الناس والإستغناء عنهم فإن الإفتقار يحملك على حسن البشر وعلى لين الكلمة والإستغناء عنهم يحملك على نزاهة العرض وعلى ترك الإستحذاء لهم والتذلل
ما يجب للآباء والأمهات من حق العشرة
قال أرسطوطيلس إنه ليس يمكن أحدا أن يقوم بحق الله ولا بحق والديه وليس يجوز ترك ما يمكن في ذلك قال ونقول إنه ينبغي أن يكرم الآباء بأرفع ما يمكن الولد أن يبلغه بالكرامة الأبية والأمهات بالكرامة الأمية ولا ينبغي أن يؤدي إليهم جزاء ما ابتدؤوه وليس يمكنه ذلك ولكن يجتهد بمقدار ما يمكنه قال وخلاص أبيه وأمه أوجب عليه من خلاص نفسه قال ويجب عليه من القيام بكفاية ذاته قال وإنه ليس يحل للولد أن يخالف قول أبيه قال ويجب على الأولاد المبالغة في خدمة الأبوين
بيان المحمود من العشرة والذميم منها
المحمود من العشرة هو أن يكون بالمقدار الذي ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي وذلك هو التوسط فيما بين الزيادة والنقصان والإفراط فيه مذموم وكذلك النقصان والمفرط فيها رجلان متودد ومتملق ويفرق بينهما أن المتودد إنما يفعل ما يفعل ليحب لا لشيء آخر وأما المتملق فإنما يفعل بسبب المنفعة فإذا لم يصل إليه ما يحب تغير قال ويجتمع بينهما أن كل واحد منهما يجتهد في أن يكون معاشرته لمن يعاشره على النوع الذي يحبه ويلتذ به وأما الذي يكون إلى طرف النقصان فإنه يسمى المتمقت ونقول المتمقت هو الذي يدع المساعدة في كل شيء الجميل والقبيح والضار والنافع قال وإن التودد من الضعيف يعد ملقا ومن القوي كبر همة وتواضعا
في المعاشرة بالهمة والفعل من دون الإختلاط
قال أرسطوطيلس وكما أن الفضائل بعض بالهمة وبعض بالفعل كذلك الصداقة والعشرة فإن بعضهم قد يعاشر بعضا بالفعل وقد يعاشر بالهمة لا بالفعل وذلك إذا كانوا قياما ومفترقين قال وأقول ألأصل في العشرة المساعدة على الفعل والكرامة فإن كل واحد إنما يفعل ما يفعل الآخر ويكرم بالفعل قال وأقول إنهم وإن كانوا مفترقين فأنهم ليسوا بمباينين وذلك من قبل اشتراكهم في الأفعال إذ كان كل واحد إنما يفعل ما يفعله صاحبه وإذا كانوا قياما كانوا مشتركين في الهمة لأن همة كل واحد أن يفعل ما يفعله صاحبه قال والتواضع لا يحلل الصداقة بنوع مبسوط لكن ترك الفعل وذلك بأن الفعل متى ترك صارت الفتنة مرمته فأدى إلى نسيان الصداقة ولذلك قيل بأن السلم حال صداقات كثيرة
في معاشرة الإنسان ذاته
قال أفلاطن واجب على كل واحد من الناس أن يكرم ذاته قال وأقول البدن مستحق للكرامة بالطبع وكذلك النفس وما يستحق النفس أكثر لأنها أشرف وقال لأنها سمائية وأما البدن فأرضي وكرامة النفس أكبر لأنها أشرف من البهيمية قال وأقول كرامة الذات ليست تكون على جهة واحدة لكن على جهتين مختلفين قال وذلك من قبل أن حالة الناس فيها ليست واحدة لكن اثنتان وذلك أن منهم من تكون ذاته فاضلة أو متهيئة لقبول الفضيلة ومنهم من تكون ذاته خسيسة وممتنعة من قبول الفضيلة فكرامة الذات الخسيسة لون وكرامة الذات الفاضلة لون قال وأقول كرامة الذات الخسيسة إنما تكون في ممانعتها من شهواتها وفي مضادتها في أفعالها وفي مجاهدتها دائما بردها عما لا يجب إلى ما يجب وبقلة الثقة بها وفي ترك الإعتماد عليها قال وينبغي أن يعلم أنه متى أطلق لها أن تفعل ما شاءت وأحبت فقد أهانها غاية الإهانة وأذلها غاية المذلة وعرضها للآفات والهلكة وذلك من قبل أن شهواتها رديئة فاسدة ولذاتها ضارة ممرضة وأن من لذاتها المعشوقة عندها لذة العطلة طلبا للراحة من تعب اكتساب الفضيلة ثم حبها للذة الحياة على كل حال وفي راحتها إفسادها وإهلاكها وذلك لأن صلاحها وإحياءها إنما هو في إتعابها بالتعب المحمود وأول ذلك إقامة العبادات لله ثم اكتساب الفضائل الخلقية والفضائل المهنية كالصنائع والحرف وفوق ذلك كله العلم والحكمة فإنه لن يوصل إليهما إلا بالتزام التعب الدائم والكد المتصل وإيثارهما للحياة الذميمة وهي التي تكون بجهل وذلة ورعونة انقطاع عن الخيرات العظيمة فإن هذه لا تنال إلا عقب الخياة الذميمة وبالإستهانة وبسخاوة النفس عنها من أجل الحياة الفاضلة وذلك من قبل أن هذه الخيرات العظيمة لا تنال من غير ركوب الأهوال الهائلة والأخطار العظيمة والخطر خطران أحدهما ما يتخوف من الأعداء إذا حضروا للبلاء والآخر ما يقع من الأصدقاء عند هيجانهم من أجل تكرههم مخالفة طريقتهم وما يكونون عليه أو عند رغبتهم في أن يترك الواحد حظه لحظهم وينتصب في معاونتهم على أمرهم ثم يلحقه الخطر إن مانعهم وليس يمكنه ترك الأرفع والأشرف الأفضل بسببهم وكرامة الذات الفاضلة إعزازها وإيناسها وموافقتها ومساعدتها قال أفلاطن ينبغي للفاضل أن يؤنس ذاته وأن يزيل عنها الوحشة بالرجاء وذلك بأن يمنيها العافية إذا مرضت والأمن إذا خافت والفرح إذا اغتمت والسلامة إذا ارتاعت من نزول آفة وقال أرسطوطيلس الفاضل يعاشر ذاته ويحبها ويكون لها كما يكون لصديقه فإنه يحب لها السلامة والبقاء والخيرات ويكون عندها كما يكون عند صديقه قال وإنه يعاشرها بالفكرة ويشاركها في الألم وفي اللذة ويسرها وينفعها ويذاكرها بما قد عملت ليفرحها به ويرجيها الخير فيما تستأنف قال و إنما يذم الناس من يحب ذاته لظنهم بأن الذي يحب ذاته هو الذي يحب لها اللذات ويريد لها الشهوات ويخصها بالأموال وبالكرامات قال وبحق يذم من فعل ذلك قال وأقول إن ذات أهل الردي مبغضة له لأنها مخالفة وذلك لأنها لا تساعدهم في الجميل ولا في النافع ولا في ترك الضار والقبيح ولكنها تخالف في ذلك كله فهم يجذبونها إلى جهة الخير والنفع والجميل وهي تجذبهم إلى جهة الشر والضر والقبيح فهو معها في بلاء ومحنة وإنما يهرب أهل البلاء من الوحدة ولا يصبرون عليها ويطلبون من يفنون نهارهم بالحديث معه لأنه ليس لهم مع ذواتهم أنس فإن ذاتهم تعاديهم وأي أنس مع المضاد المخالف الشره المنازع وأما ذات أهل الفضيلة فإنها قد صارت صديقه بالموافقة وذلك لأنها لا تشتهي إلا ما يشتهون ولا تريد إلا ما يريدون وتكره ما يكرهون وتعادي ما يعادون وتوالي من يوالون
ما جاء من الكلام المنثور في المعاشرة
قال الحكيم لا تجالس امرءا بغير طريقته فإن ذلك من سوء العشرة وذلك أن تلقى الجاهل بالعلم والفدم بالفصاحة والساذج بالأدب قال ومن سوء العشرة أن تذكر عند مغتبط بولاية سرعة الحوادث وتقلب الدول وكذلك [؟] ما صار إليه يكون من سوء العشرة قال ومن سوء العشرة أن تقطب في غير وجه من أساء إليك عليك بالقصد فإن طلب رضا الناس غاية لا تدرك خالط الأخيار وذوي العقول وجانب الأشرار والجهال وقد قيل خالطوا الناس وزايلوهم وقال أرسطوطيلس كما لا يصلح أن تستأثر بالطعام على المؤاكلين كذلك الحديث مع المجالسين إن أردت أن تلبس ثوب الجمال عند الخاصة والعامة فكن عالما كجاهل وناطقا كعي فإن العلم يرشدك ويزينك وترك ادعائه ينفى الحسد عنك لا تعتذرن إلى من لا يجب أن يجد لك عذرا ولا تحدثن من لا يرى حديثك مغنما ولا تستعن بمن لا يحب أن يظفر لك بحاجة ما لم يغلبك الإضطرار ذلل نفسك بالصبر على جليس السوء وعلى جار السوء وعلى عشير السوء فإن ذلك لا [؟؟؟] يعني من سمع بأخبار الناس فسيصير إلى الخلوة قيل لسولن والد أفلاطن ما أصعب الأشياء على الإنسان فقال أن يعرف عيب نفسه وأن يترك ما لا يعنيه
في المداعبة والراحة
قال أرسطوطيلس قد يظن بأن الراحة والمداعبة في سيرة الإنسان ضروريتان والتوسط في اللعب هو الظرف والمستخلق به ظريف والزيادة فبه فدامة والمستخلق به فدم قال وإن الفدم لا يشتهي أن يقول أو يسمع لا ما يحسن ولا ما لا يحسن ومنهم من يسمع ولا يقول قال وأما الماجن فبخلاف ذلك ومن المجان المحاكي والمضحك وإن المضحك قصده أن يمكون كلامه مستملحا كله وقصده أن لا يغم أحدا وكذلك لا ينكب أحدا قال وأما المحاكي فإنه ينكب ويوحش ويقول أشياء لا يستحسن الأديب أن يسمعها
ما جاء من الكلام المنثور فيها
قال سولن لابنه لا تمالح أحدا فإن المزاح لقاح الضغائن وقال آخر المزاح سباب النوكي وقال بعضهم إنما سمي المزاح مزاحا لأنه يزاح عن الحق وقال أفلاطن إذا كسلتم فأطرفوا أذهانكم بغرائب الأحاديث
في الكبير النفس
قال أرسطوطيلس الكبير النفس هو الكامل في الفضائل وهو زين لها لأن له من كل فضيلة ما عظم وله من كل نوع من الخيرات الخارجة ما عظم مثل المنزل البهي والفرش السري والخدم والدواب الضياع والمواشي ومن سائر صنوف الأموال وله الأفعال الجيدة فهو المستحق للكرامة التامة لأنه يستحقها بكل معنى وبكل جهة قال وإنه يفعل ما يفعله من أجل الجميل ومن أجل الفضيلة لا من أجل الكرامة وذلك لأنه لا يحب الكرامة ولكنه يقبلها من الأفاضل وفي الأمور العظيمة بكره لأنه ليس يمكنهم أن يفعلوا بمكانه أكبر منه فأما كرامة إفناء الناس وفي الأمور الصغيرة فإنه لا يقبلها لأن كرامة أمثال هؤلاء ليست تليق به ولا تزينه لكن تضع من قدره قال وإنه لا يفرح بنيل الرياسة والغنى ولا يغتم بفوتهما لأنه غير محب للرياسة وللمال لذاتهما لكن من أجل الأفعال الجيدة ولذلك يهون عليه كل شقاء تخت وكل سعادة بخت وكذلك يظن بهم أنهم مستطيلون وساهون ولشيء آخر وهو أنه لا يبالي بأن لا يذكر ولا يكرم قال وهو ثقيل الصوت بطيء الفعل لا من كان وجده في أشياء قليلة لا يكون عجولا وهو قليل الخطر لأن العاقل لا يخاطر وإذا وقع في خطر تهاون به لأنه ليس يحب كل نوع من الحياة لكن الحياة الجيدة ومن أجل ذلك هو ذو جرأة وقليل المبالاة لما يأتي به البخت قال ومن أجل ذلك هو ظاهر البغض ظاهر المحبة وصاحب صدق وغير مداهن ولا متملق فإن الملق إنما هو من أفعال العبيد والأوضاع والمداهنة إنما تكون لمهانة النفس قال وإنه يموه وذلك من قبل أن أكثر الناس لا يمكنهم أن يعيشوا إلا بالتحبب قال وإنه يتجلل على ذوي العز والمقدرة ويتواضع للأوساط وأهل الضعة فإن التكبر على الأكابر صعب وذو فخر والتواضع للأوضاع كرم ونبل قال أفلاطن الكبير النفس هو الذي لا يستعبد حريته ولا يذل عزه وقال أرسطوطيلس وإن الفضيلة التامة لا يوجد لها بمقدارها جائزة البتة
في العدل والعامي وهو الذي لا يستغني عنه كل أحد
قال أفلاطن العدل العامي هو في اعتدال قوي الأنفس كما أن صحة الأبدان إنما هو في اعتدال الأخلاط قال وأجناس الفضائل ثلثة الحكمة والنجدة والعفة والعدل شامل لها فإن العدل هو أن تكون كل واحدة من القوى على ما ينبغي لها أن تكون قال وأعني بالقوى القوة الشهوانية والقوة الغضبية والقوة الفكرية قال وأقول إن العفة إنما تتولد من اعتدال حركة النفس الشهوانية ومسكن هذه النفس في الكبد قال والشجاعة إنما تتولد من اعتدال حركة النفس الغضبية ومسكن هذه النفس القلب والحكمة إنما تتولد من اعتدال حركة النفس المتشوقة إلى الخير ومسكن هذه النفس الدماغ قال والعدالة ائتلاف هذه القوى واستقامتها وذلك بأن يترتب كل واحدة منها في مرتبته ويتنبه لما هو من شأنه ويتأدب فيه قال وينبغي أن تكون القوة الفكرية الآمرة الناهية والمصرفة للقوتين الأخريين قال وينبغي لها من أجل ذلك أن تكون عالمة بصلاح القوتين الأخريين وبفسادهما وأن تعرف مع ذلك كيف يحملهما على اكتساب الخيرات لأنفسهما وكيف تحملهما على اجتناب الشرور وينبغي أن تعلم مع ذلك أن كيف تتسلط بالأمر والتصرف والزجر والقبض عليهما قال وينبغي أن يكون الجزء الغضبي معينا للجزء الذكري ومن أجل ذلك ينبغي أن يكون قويا على ممانعة القوة الشهوانية قال ويجب أن تكون القوة الشهوانية منقادة ومطيعة قال والفساد كله إنما يقع من زوال الإعتدال قال وإنما بقع الخلود في النشأة الثانية لثبات الإعتدال ولزوال التباغي من الطبائع ومن النفوس قال أفلاطن وأقول العدل صحة ما وجمال وحسن حال ذاتية للنفس وأما الجور فإنه مرض وضعف وسوء حال ذاتية للنفس
في الوصايا الجامعة
قال الحسن مكتوب في التوراة السلامة في العزلة والحرية في رفض الشهوة والمحبة في ترك الرغبة والهنا والراحة في تحمل التعب والكلفة وقال علي للأشتر صبرك على ضيقة ترجو انفساحها خير من عجلة لا تأمن غائلتها وقال ابن المقفع اقبل النصيحة من حيث أتتك واحسم التهمة وحيث غرتك ولا تأمنن غش قريب ولا تدفعن نصيحة بعيد قيل لحكيم هل أحد أعلم بالأمور ممن عاينها فقال تعم من ذاق طعم حلوها ومرها ووجد مس عسرها ويسرها قيل له أجبنا عن طبيعة العقل فقال عزيزة لا توصف بعينها قيل فما الذي يجمعها وينعشها فقال تجمعها الهموم وتنعشها التجربة وذلك بالفكر فيما أقبل والإعتبار فيما أدبر
قيل فأي الناس أحق بأن يحسن الظن به
فقال من ظاهروا عليه بالصنائع وصرفوا عنه الفجائع قيل فأي الناس أحق بأن لا يطمع في سلامة صدره فقال العدو الجاهل الوارث الضغن عن الوالد وقال أبو بكر الوراق العجب من عبد يكاتب نفسه فيعتق ومن حر لا يسعى لفكاك رقبته من الشهوات ليسلم في الدنيا والآخرة وقال أفلاطن إن الكافرين نالوا من الدنيا بكفرهم أفضل حظ وغد الشاكرين لشكرهم وذلك أني رأيتهم يستدرجون في الكفر بالمزيد بمثل ما يثاب به الشاكرون بالشكر وقال أفلاطن من أعجب أمور الإنسان أن يتمنى نيل ما لا يعمل له ودرك ما لا يسعى في طلبه وقال أفلاطن شيئان مضمنان أحدهما بالثاني العقل والتجارب والعلم والعمل فإن التجارب إنما تعرف بالعقل والعقل إنما يزكو بالتجارب والعمل إنما يكون بالعلم والعلم لا يزكو إلا بالعمل وقال أفلاطن بمصاحبة العلماء تزكو النفوس وبمصاحبة الجهال تخمد وإن الحكيم ينير المظلم والجاهل يظلم التنير العاقل لا يهتم فيما فيه حيلة ولا فيما لا حيلة فيه استكبر الصغير في ركوب المضرة واستصغر الكبير في طلب المنفعة ومن نزل به مكروه فلينظر إلى ما صرف عنه فإنه ربما كان المصروف أكبر من النازل وربما كان المكروه سببا للمحبوث كما لاثبات لابقاء للدنيا كذلك لا ثبات و لا وفاء عند إخوان الدنيا الموت تعففا خير من الحياة شرها الكرم لا يكون حقودا يكون شكورا لن ينتفع أحد بالعظة وإن ظوهرت عليه حتى يكون من توفيق الله له داع ومن نفسه عليه معين إنه لا إستقامة لأحد إلا بالخوف أما الكريم فيخاف الغار وأما ذو الدين فإنه يخاف العفاف وأما العاقل فيخاف السعة قيل لشريك بن عبد الله أكان معاوية حليما فقال لو كان حليما ما سفه الحق ولا قاتل عليا قال النبي صلى الله عليه أوصاني ربي بسبع أن أغفر من ظلمني وأعطي من حرمني وأصل من قطعني وأن أكون صمتي تفكرا ونظري عبرا وكلامي حكما أوصى أفلاطن تلاميذه عند وفاته فقال لا تقبل الرياسة على أهل مدينتك ولا تتهاون بالأمر الصغير الذي يتولدعنه الأمر الكبير ولا تلاج الغضبان ولا تجمع في منزلك رئيسين يتنازعان الغلبة قال المفسر يعني كالضرتين وكالولي العهد لا تفرح بسقطة غيرك ولا تضحك من خطأ غيرك ولا تتصلف عند الظفر أقبل الخطأ من الناس بنوع صواب لا تغرس النخل في منزلك صير العقل عن يمينك والحق عن يسارك تسلم دهرك ولا تزال حرا لا تبسط من الجاهل ولا تؤنسه ولا تقبل له عذرا ولا تعذله من العجز القبيح أربع مسئلة اللئيم ومؤانسة الحسود ومفاوضة الجاهل والإعراض عن العاقل قيل لعيسى بن مريم أي الناس شر فقال العلماء إذا أفسدوا ولما لقي الفرزدق الحسين بن علي قال ما حالنا وحال الناس فقال القلوب إليك والسيوف عليك والنصر في السماء وقال كم من منتفع بالشقاء ومن شقي بالمنافع وقال أفلاطن إذا كانت الطينة فاسدة والبنية ضعيفة والطبائع متباغية والآجال مكتنفة والآمال محجوبة فالثقة باطل كما يعرف بصوت الفخار صحيحه من فاسده كذلك يعرف بكلام الإنسان تمامه من نقصانه وقيل لذيوجانس ما غذاؤك فقال ما عفتم يعني الحكمة قيل فما الذي عفت قال ما استطعتم يعني الجهالة قيل قمن عبيدك قال أربابكم بعني الشهوات قيل ما أقبح صورتك فقال لم أملك أمرها فألام عليها فعل الجاهل أن يذم غيره وفعل طالب الأدب أن يذم نفسه وفعل الأديب أن لا يذم غيره ولا نفسه وكما أن البدن يزيد بالغذاء ويشتد بالرياضة كذلك النفس تزيد بالتعلم وتقوى بالصبر على التعلم الآباء سبب الحياة الحمكاء سبب صلاح الحياة اعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء ففرغه للمهم وأن كرامتك لا تطيق العامة فتوخ بها أهل الفضل وأن مالك لا يغني الناس فاخصص به أهل الحق وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك فأحسن قسمتهما بين خملك ودعتك إذا أردت أمرا فكن كمن لا يريده وإذا هبت شيئا فكن كمن لا يهابه وإذا عاتبت فأوجز وليكن اعتذارك تعريضا قيل لذيوجانس ما الذي ينبغي أن يتحفظ منه فقال من مكر الأعداء وحسد الأولياء وقال أوميرس [؟] واحكم [؟] ولا تكن معجبا فتمتهن و قال أفلاطن من أحب الفرح فليحب التعب وقال من منى نفسه بالطمع الكاذب كذبته العاقبة الصادقة وقال الطاعة أن يفعل ما يفعله على مجرى الطبيعة والمعصية أن يفعل بخلاف ذلك وكان فيثاغورس إذا جلس على كرسيه قال قوموا موازينكم واعرفوا أوزانها اعتزلوا الخطأ تحصنكم السلامة عدلوا شهواتكم لتستديموا الصحة استعملوا العدل تحط بكم المحبة لا تعملوا السيف حيث تغتي فيه السكين عاملوا الزمان كالولاة الذين يكونون عليكم ويعزلون عنكم لا تشرفوا أبدانكم فتفقدوها عند الشدة جميع الأشياء تخضع للتعاهد إن أحببت أن لا تفوتك شهواتك فاشته ما يمكنك الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف لا تنفش الشوكة بمثلها فإن طبعها معها لا ينفعك من جار سوء توفى هان على الأملس ما لاقى الدبر من أحب أن يكون حرا فلا يشته ما لا ينال إلا بإرادة غيره وقال سولن أصعب الأشياء على الإنسان أن يعرف عيب نفسه مكتوب على باب الإسكندرية يا ابن آدم فص الفرصة عند إمكانها وكل الأمور إلى وليها ولا يحملنك إفراط الشره على ركوب مآثم ولا تحمل على نفسك هم يوم لا تدري أنه من عمرك ولا تكن أسوة المغرورين بجمع المال فكم قد رأينا جامعا مالا لبعل زوجته واعلم أن تقتيرك على نفسك توفيرا لخزانة غيرك اندم على الذنب وإن لا ذنب لك وقال الحجاج لابن القرية ما الحزم فقال تجرع الغصة حتى تنال الفرصة وقال الحكيم حسن الفهم هو معرفة الإشارة وحسن المنطق إنجاز القول وخير مفاتيح الأمور الصدق وخير خواتيمها الوفاء وقال الطيب يطيب النفس ويجلو الفكر ويفرح القلب ويحسن الخلق
القسم الثالث الإسعاد و طريقته و ما يقوم به و يفسد منه و وجه العلاج
قال أبو الحسن
الحمد لله الذي أمدنا بمعونته على ما أراده لنا ومنا هداية وتبصرة قالة وقوة ولم يكلنا إلى أنفسنا في حيازة ما اختاره لنا ولكنه بفضله أرشدنا قادة وساقة ليسوقونا على طريق الإستقامة إليه وليحفظونا من العدول عنه ومن الكسل والفترة فيه وجعل لنا معاونين على ما أخرجنا إليه في طريقنا سخرهم برحمته لصلاح حالنا وسخرنا لهم في مثله إذ كانوا محتاجين منا إلى مثل ما احتجنا إليهم فربط الكل بنظام المصلحة وأزاح العلة في إقامة الكفاية وأقام الحجة بإظهار الدعوة حمد عارف بمنته ومستزيد من فضله وبعد فإن كتابنا هذا إنما هو في القسم الثالث من السعادة والإسعاد في السيرة الإنسانية ونريد أن نبين في هذا القسم الإسعاد وطريقته وما يقوم به ويفسد منه وسبيل الإحتراز مما يثبط عنه ووجه العلاج فيما ينكب منه وبالله نثق في كل أمورنا وإياه نرجو ولا حول ولا قوة إلا به وصلى الله على محمد النبي وآله
القول في الإسعاد
الإسعاد هو تشويق السائس المسوس إلى ما يسعد به وذلك هو أجراء المسوس بالتدبير السديد إلى الغرض الذي أقامته السنة وفي السياسة والغرض هو تحصيل صلاح الحال لكل واحد من الناس بقدر ما يمكن فيه في وقته وقال أفلاطن يجب على السائس أن يجعل غرضه الأدنى في السياسة اكتساب الخيرات البهيمية لأهل المدينة وإبعاد الشر عنهم وهذه الخيرات هي الصحة والجمال والشدة والرابعة اليسار لا الذي يكون باقتناء المال لكن الذي يكون بحسن استعمال المال قال ثم إنه يجب من بعد ذلك أن يكيبهم الخيرات الإنسية وهي العفة والشجاعة والحكمة والرابعة العدل والعدل شامل لجميعها قال ويجب أن يعلم أن الغرض من اقتناء الخيرات البهيمية اقتناء الخيرات الإنسية وأن الغرض من اقتناء الخيرات الإنسية اقتناء الخيرات الإلاهية قال وأما الغرض الأقصى فإنما هو استكمال ما خلق الله الإنسان له وهو العقل المدبر للإنسان وهو الذي يقع به جمال الإنسان قال وأقول الخيرات هي جميع الأشياء المعينة على استكمال الغرض وقال الشرور هي جميع الأشياء المانعة من استكمال الغرض وقال أرسطوطيلس الغرض في كل مخلوق ومصنوع ومفعول إنما هو الكمال فإن سائر ما يفعل إنما يفعل بسبب الكمال والدليل على ذلك أن العقل إذا انتهى إليه وقف عنده فلم يجز قال ومن البين أن كمال الإنسان النطق فإن النبات يشركه في التنفس [؟] والحيوان يشركه بالحس قال ولكن النطق الذي جعل للإنسان جعل فيه بالقوة لا بالفعل ولذلك احتاج إلي سياسة نفسه وإلي سياسة غيره له ليخرج ما فيه بالقوة إلي الفعل وذلك أن المنفعة لا تحصل له بنطقه إلا بأن يخرجه إلى الفعل وفي كتاب العين السياسة إنما هي إصلاح حال المساس وتقويمه قال والعرب تقول ساس فلان دابته إذا قام بصلاحها وراضها
في طريقة الإسعاد
طريقة الإسعاد هي السنة المسنونة وقال أفلاطن الطريق إلى السعادة التزام السنة وذلك أن يفتتح من المبدأ ثم يمتد منه إلى الوسط ثم يمتد من الوسط إلى المنتهى قال فمن خالف السنة لم يصل إلى السعادة قال والسعادة هي أن يتخلص من من الشرور وأن يحيى مدة حياته الحياة التي هي أفضل قال أفلاطن والسنة هي التي تبين الفضائل فضيلة فضيلة وتعلم كيف تقتنى وتبين الرذائل رذيلة رذيلة وتبين كيف تتقى وتتكلم في العوارض من اللذات كلها والأحزان وتدل على السبب المعين على احتمال الأوجاع وعلى السبب المعين على الصبر عن اللذات وهي التي تبين ما ينبغي أن يفعل عند السلم وعند الحرب وعند الغنى وعند الفقر وتبين مقدار ما ينتغي لكل واحد أن يملك وأن كيف ينبغي أن يملك وكيف ينبغي أن ينفق وهي التي تبين أمر الإشتراكات في التزويج والنكاح والأخذ والإعطاء ما يجري من ذلك بإرادة وما يجري منه بغير إرادة أو كيف ينبغي أن يكون وأن كيف العدل فيه وهي التي ترغب في استعمال العدل وفي حسن الطاعة للرؤساء وهي التي تبين الجميل والقبيح والخير والشر وهي التي تبين ما ينبغي أن يفعل في أمر الموتى وفي غسلهم وكفنهم ودفنهم وهي التي تبين حال المسكر والسكر وأنه لمن يحل وكيف يحل وبأي مقدار وبأي حال وقال أرسطوطيلس الهيئة المدنية وهي الصناعة المدنية هي رئيسة الصناعات ومقومة المهندسات لأنها الساتر لما ينبغي أن يؤتى به من الأفعال ولما ينبغي أن يجتنب وهي التي تعلم وتبين أن كيف وبأي سبيل يمكن أن يكون الإنسان صالح الحال سعيدا قال ولذلك نقول بأن العناية بهذه الصناعة أولى منه بالأقاويل العريصية والخصومية لأنه بهذه الصناعة يكون بر ذات كل واحد وصلاح ذاته وصلاح حال الآخرين وتدبيراتهم وفي كتاب العين يقال لكل طريقة من الطرق في خير كان أو شر سنة قال أرسطوطيلس السنة منها خاصية ومنها عامية وأعني بالخاصية تلك التي يدبر الناس فيها بما هو مكتوب وأعني بالعامية تلك التي ليست بمكتوبة والكل مقرون بها وإن لم يكن بين بعضهم وبعض وصلة البتة ولا تعاقد قال وهذه السنن نحوان فمنها ما هو على حسب تفاضل الفضيلة والرذيلة واللذين بهما يكون المدح والذم والعدل والجور قال ومنها ما يكون على حسب الكرامة والهوان كما يقال المنة لمن يفعل الحسن وينبغي أن يحسن المرء إلى من أحسن إليه قال والكل يركن إلى السنن العامية بالطبع وقال نيقوماخس والد أرسطوطيلس لو تمسك الناس بالشرائع العقلية لم يحتاجوا إلى شرائع وضعية وشرطية قال ومن الشرائع العقلية أن لا يأتي الإنسان إلى غيره إلا ما يحب أن يؤتى إليه وأن يصرف عن غيره ما يحب أن يصرف عنه وأن لا يأتي سرا إلا ما يمكنه أن يأتي مثله جهرا وأن يتبين عيوت نفسه ثم يقابل كل عيب منها بضده وأقول جميع ما يشهد له العقل بالقبح هو المنكر
في أن الطريق واحد وأنه ليس يجوز أن يكون أكثر من واحد وأنه متبع لا مخترع
قال أفلاطن في النواميس إنه لما أن وقعت الشركة في الإجتماع وكان من اللازم أن يكون لكل واحد من الناس سيرة يسير بها في صلاح أمره وسيرة يأخذ بها أهله وولده وسيرة يسير بها فيما بينه وبين غيره من أهل بلده وكان لا بد من أن تكون سيرهم مختلفة لاختلاف أحوالهم في الطبع وفي الهمة وفي الفهم قال والإختلاف أصل كل فساد وجب أن يجمعوا على سنة واحدة يعم الجميع وكل واحد من الجميع نفعها وخيرها قال فالسنة هي الجامعة للآراء المتفرقة حتى تجعلها رأيا واحدا وللصلاح المنتشر حتى تجعله بالنظم واحدا قال والسائس هو حافظ السنة وراعيها ومصرفها ومتسعملها في نفسه وفي أهل مملكته
القول في السان وأنه ليس يجوز أن يكون واحدا من الجملة
قال أفلاطن السنة الكلية إنما تقوم بالناموس الأعظم فإن الناموس الأعظم هو الذي تولي إحكام السنة الكلية وإتقانها قال وأما الحروب فإنما يقوم بها الناموس الأصغر والناموس الأعظم هو الأول وهو العقل المجرد الذي لم يلابس المادة قط ولا يجوز أن يلابسها وهو أعلى وأرفع من الجوهر بالقوة والشرف وهو سبب الحكمة والحق وسبب كل معرفة فإنه المهيئ لجميع الأشياء التي تدركها المعرفة لأن تعلم وهو الذي يعطيها الحق ويعطيها مع ذلك الوجود والجوهرية فإن وجود جميع الأشياء وجوهرها منه قال والناموس الأصغر هو العقل المنجرد عن الشهوة وقال في موضع آخر الناموس الخاصي هو الهيئة المقومة للسنن المؤدية إلى السعادة المخلصة من الشقاء قال وهذه السنن هي التي استخرجت بالفكر من الكلية وأحكمت بالتجارب قال و تقول بأن العقل ناموس النفس والنفس هي خادمة العقل وبخدمتها للعقل يشتعل نور النفس ويزكو وإذا تركت النفس خدمة العقل هبط نورها وشرفها فيظهر الجهل وبظهور الجهل يقع الفساد قال وأقول الناموس الأعظم هو ناموس كل عقل قال وأقول السنة فوق الملك والملك فوق رؤساء المدن وإن الملك يستمد من السنة ويمد رؤساء المدن كذلك العقل والنفس والطبيعة فإن النفس تستمد من العقل وتمد للطبيعة قال وأما الناموس الأعظم فإنه فوق ذلك كله قال وأقول العقل يجري في فعله على جهة واحدة لأنه لا ينتج إلا الجميل والنافع ولا يصحب إلا الجميل ولا يرفع إلا الحكمة ولا يقبل إلا العفيف قال وإنه حارس كل جهة مخوف وعمله تخليص العالم من الشرور وتعريفهم ما هو أولى قال وكذلك السنة بل السنة أولى وأرفع قال وأما الناموس فإنها ذات أعضاء وأعضاؤها قواها وكذلك الطبيعة هي ذات قوى قال وإن الطبيعة يسلى مرة الخير ومرة الشر ومرة الجد ومرة الهزل قال وإنها تزين العالم بكل ما يقدر عليه وتحبر الناس إلى لذاتها وإلى محابها وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب المصنف الناموس خاصة الرجل وموضع سره قال أرسطوطيلس الناموس هو حاكم الحكام وإنما يحكم في المستقبلات وما يحكم به هو كلي كل وأما سائر الحكام فإنهم يستنبطون من ذلك الكلي ويستخرجون وربما لهم الغلط في الإستنباط لأنه ليس يمكن أن يقال في جميع الأشياء بكلي صحيح وربما وقع منهم التحريف قال وأقول حاكم الحكام إنما يحكم في المستقبلات ويلاحظ الضار والنافع والجميل والقبيح فيأمر بالنافع وبالجميل وينهى عن الضار وعن القبيح وأما سائر الحكام فإنما يحكمون في اللاى قد كن ويلاحظون العدل والجور وقال في حرف اللام أخرجناه من تفسير ثامسطيوس الناموس هو الله قال وإنه السبب لنظام الأشياء الموجودة ولتربيتها كذا قال وإنه ناموس حي وحياته أفضل حياة وهي حياة دائمة وفي حرف اللام الله قدوة وناموس وسبب لنظام العالم وتربيته كذا وإنه حق وإنه عقل وإنه الخير على الحقيقة قال وهو المبدأ والكمال فإن الناموس هو المحرك للسياسات والمتحركون بالسياسة إلى الناموس يتحركون قال وأقول كل واحد من الناس إنما يقدر أن يقضى قضاء صوابا فيما يحيط به علما وفي ذلك يكون قاضيا نافذا والقاضي في الكل هو المتأدب في كل شيء قال وينبغي لواضع السنن أن يكون عالما بجميع السنن الماضية وبما قاله القدماء فيها ولم صار بعضها حيادا وبعضها على ضد ذلك وأي السنن يسلم المدن وأيها يفسدها وعلى أنه ليس ينبغي أن يطلب علل الشرائع والسنن فإن الكلام إذا كان في الأمور الجارية على الأمر كان المراد فيه أن يظهر الحق ظهورا غليظا جليلا وشأن الأديب أن يفحص في كل واحد من الأجناس ما يحتمله طبع ذلك الجنس وسواء طلب من تعليمى إقناع أريطوريقي برهان وكيف يجوز أن يطلب منه برهان وإنما كلامه في الأمور على الأمر الأكثر
في أن السنة غير نافعة بذاتها لجملة من دون السائس لكن الخاصة
قال أرسطوطيلس إنما ينقاد للسنة من انقاد للكلام وللعظة وإنما ينقاد للكلام والعظة من قد اعتاد العادات الحسنة فإن الإبتداء إنما هو من الأنية أو يكون ممن أوائلها بسهولة فمن لانفقه في نفسه ولا يفقه إذا فقهه غيره فإنه شقي قال وأقول الفاضل في الطبقة العليا هو الذي يبتغي الفضائل من تلقاء نفسه والفاضل في الطبقة الثانية هو الذي يميز لها إذا سمعها من غيره ومن أخطأه الأمران فإنه الساقط الدنيء قال وهذه حال أكثر الناس ولذلك كانوا محتاجين إلى الرقباء والمدبرين وأقول كما أنذ الصبيان محتاجون إلى الرقباء والمدبرين كذلك العامة فإن أخلاقهم شبيهة بأخلاق الصبيان فإنه لا فرق بين الحدث السن وبين الحدث الخلق فإن الفساد ليس هو من جهة الزمان لكن من جهة الحياة مع الأخلاق الرديئة والأمر في هؤلاء اشد لأنه ليس بهين تغير ما قد رسخ وثبت من زمان بعيد قال وأقول الناس أكثرهم عبيد للشهوات محبون لسير البهائم ينفرون من الأدب لميلهم إلى البطالة ويكرهون السيرة الحسنة هربا من المشقة ويحبون الذين يوافقونهم على ما يفعلون و يعادون الذين يضادونهم بالأفعال ولا بد لهم من سائس قوي مدبر يمكنه أن يحملهم على السنة وقال أرسطوطيلس السنة إنما تكون سنة إذا عمل بها وإنما يعمل بها متى كان للناس مدبر وسائس يكمنه أن يحملهم عليها وقال أفلاطن المنقاد للرذائل لاينقاد للوصية والوعظ وإنه لا سبيل إلى تأدبيه بغير القهر والقمع قال ومعتاد العادات الفاسدة لا يحب من نصح له لكن من غشه وخانه وأعطاه ويضره ومناه ما لا حقيقة له قال وكما أن في مرضى الأبدان من لا يحس بعلته ويظن مع ذلك أنه صحيح كذلك في مرضى الأنفس من لا يشعر بمرضه ويظن مع ذلك أنه فاضل فمتى يصغي هذا إلى من يقول له بأنك عليل وكيف يطيع العلاج وعنده أنه لا علة به ومن كان هكذا فإنه لا حيلة فيه سوى القهر الجبر على ما به نجاته وصحته قال وينبغي أن تملأ أذنيه من كلام أهل الحكمة دائما فإنه لا قصد في هذا ولا حد لكن القصد فيه هو إنما هو أن يصغي إليه عمره كله قال أفلاطن والدليل على أنه لا بد للناس من سائس أمر الصبيان فإنه ليس أحد يتركهم في ابتداء نشوهم حتى يكونوا أحرارا فيعملون ما يهوون إذ كان أكثر ما يهوون ضارا لهم فاستعبدوهم بسبب ذلك قهرا فيما يصلحهم وأخذوهم باستعمال الصواب في متصرفاتهم ليعتادوا العادات النافعة لهم ثم خلوهم والتدبير لأنفسهم عند اعتيادهم لها قال ومن البين أن في الناس ناسا لهم جلد وأبدان قوية وليس لهم أنفس ولاعقول بالغة فسبيلهم سبيل الصبيان في أنه لا بد لهم من سائس ومدبر قال وأيضا فإن أكثر الذين لهم ذكاء لا يستعملون فطنتهم فيما ينفعهم لكن فيما يضرهم بسبب اللذة والشهوة والأذى والمخافة
بيان أن السائس ضروري وبالطبع
قال أرسطوطيلس الرياسة من الأشياء الطبيعية لأن الحياة الفاضلة لا تتم إلا بالشركة المدنية والمنفعة بهذه الشركة لا تحصل إلأ بأن يكون كل واحد من الشركاء جاريا على ما يوجبه الغرض في الشركة وأكثر الناس يعترفون بالواجب ولا ينقادون له طوعا ويتزينون بادعاء الجميل ولا يفعلون الجميل شيئا وإما لأنهم يجهلون ذلك أو لأن أنفسهم رديئة فهي وإن حركت إلى الجهة المستقيمة لا يتحرك إليها لكن إلى جهة أخرى لما فيها من الآفة والإنسان إذا جار أضر من السباع الضاربة فأحتيج بسبب ذلك إلى السائس ضرورة ليسوس من لا ينقاد للواجب بالرفق والطوع بالعنف والكره ووصفوا بذلك أنواع العذاب على من لم يطع كما يفعل بالدابة إذا لم تنقد ورأوا من الواجب في أمر من لا (يرجى) برؤه أن ينفا من البلد أو يفنا وليس في أمر إلا بالقوة والضرورة ولا في أمر رجل واحد إلا أن يكون ملكا أو كالملك قال وقد يبين ويظهر أن الرياسة من الأشياء الطبيعية بشيء آخر وهو أن الإشتراكات التي يكون قوامها من أشياء كثيرة ويكون فيها شيء واحد مشترك إما متصل وإما منفصل فإن منه رئيسا ومرؤوسا بالطبع أما المتصل كالحي فإنه من نفس وبدن فالنفس رئيسة بالطبع والبدن مرؤوس بالطبع وأما المنفصل فكما الذكر والأنثى والحر العبد فإن الذكر رئيس بالطبع وكذلك المولى قال ونقول إن الذين لهم جلد وقوة وليس لهم من الفهم ما يعرفون به صلاح حالهم فيسوسون أنفسهم مرؤوسون بالطبع فأما الذين لهم تقدمة النظر بالفكر فإنهم رؤساء بالطبع قال وعسى مباينة هؤلاء الذين لا يجاوز نطقهم حسهم أشد من مباينة البدن والنفس قال أفلاطن وقد تبين أنه لا بد للناس من سائس بوجه آخر وهو أنه لما كانت الحروب دائمة بين المدينة والمدينة والقرية والقرية والرجل والرجل وبين الرجل ونفسه لم يكن بد من حاكم يحكم بينهم وينتصف للظلوم منهم ويستجر النافر إلى الألفة عن البغضاء المحاربة والجابر عن الجور والمغالبة إلى العدل والنصفة وقال أرسطوطيلس إن الفاضل لا يشرف بالرياسة ولكن الرياسة لتشرف به وقال عاصم بن ضمرة قالت الخوارج لعلي بن أبي طالب لا حكم إلأ لله فقال علي نعم لا حكم إلا لله ولكنكم تقولون لا إمارة ولا بد للناس من أمير بر أو فاجر وقال عمر بن الخطاب لا بد للناس من وزعه
القول في صفة السائس
قال أفلاطن في النواميس إنه لما لم يجز أن يكون حافظ البقرة بقرة ولا راعي الغنم شاة ولم يجز أن يكون معلم الجهال جاهلا كان من اللازم أن يكون رئيس البشر بشرا وسائس الناس انسانا وكان من الواجب أن يكون السائس إلاهيا والإلهي هو الحكيم والحكيم هو العالم بالأمور الإلاهية وبالأمور الإنسية قال وإنه ليس يكفى أن يكون عالما فقط لكن الواجب أن يكون راسخا في الحكمة فإنه إن لم يكن راسخا فيها احتاج إلى أن يتوقف في الأمور حتى يستبين الواجب فيها ويلحق من التسويف والتعليق الضرر أو يتخبط فيها فيمضيها على الجزاف وضرر الجزاف أكثر قال ويحتاج أن يكون عالما بسنن من كان قبله وبالأحداث التي كانت قبله وإنها لم كانت وبأي سبب كانت قال قد يظن لمن له طبع جيد وأخلاق فاضلة أنه يستحق الرياسة لا سيما إذا كان قد عرف الأمور الجميلة والأمور القبيحة وليس الأمور كما يظنون وذلك أنه لا يستحق الرياسة إلا المتخرج في الحكمة وذلك بأن يكون عالما بالحساب والهندسة وبالموسيقى فإنه ليس يقوى على التدبير والسياسة ولا يعرف وجوه التقدير إلا بمعرفة العدد
في الفرق بين الظان والعالم
قال أفلاطن وربما اشتبه الأمر على الجاهل فيوهم بالظان أنه عالم والظان هو الذي يعرف الأشياء بظواهرها ولذلك يتكبر عليه وذلك أنه إذا رأى شيئا من الأشياء ثم رأى آخر وهو لم يعلم ذلك لكن ظك أنه شبيه وأما العالم فإنه يعرف ماهية الأشياء ولذلك تتوحد له الأشياء المتجانسة والغلط يكثر في الظن فإن صاحبه حالم لا يقظان قال وإن ذوي الحسن يرون بحال وذوي القبح يرون بحال ويتدحرج فيما بينهما ما هوحسن وليس بحسن والعالم يميز ذلك بمعرفته بالحسن نفسه وبالقبح نفسه وأما الظان فإنه يتحير قال ويحتاج السائس أن يكون مستمرا على العفة فإنه إن لم يكن مستمرا عليها عدل عن طريق الفضيلة بمنازعة القوى له والشهوة قال وأيضا فأنه أن لم يكن مستمرا على العفة لم يمكنه أن يحمل غيره على العفة فإن الكلمة التي تخرج من فم الشره لا تولد العفة وإن أشارت الكلمة إلى العفة ولكنها تولد مثل ما خرجت منه وهو الشره قال ويحتاج السائس إلى أن يكون ثابتا في الشجاعة لأنه إن لم يكن ثابتا فيها أحجم عن كثير من الأمور الفاضلة بسبب المخافة قال ويحتاج أن يكون متواضعا ولا يشتغل بنفسه عن حسن الإصغاء إلى الضعيف والمهين ولا يمتنع بزهوه عن المراجعة قال ويجب أن يكون متسعا بقريحته وفهمه حتى لا يعجب بنفسه فإن المعجب يترك الإستشارة وإن ابتدئ بالرأي لم يقبله وإن كان صحيحا وبينا فيهلك نفسه وغيره قال ليس يجوز أن يكون شيخا ولا حدثا لكن متكهلا فإن الشيخ لا صبر له على الأمور ولا نفاذ عنده والحدث لا تجارب له ومبنى الأمر على التجارب فإنه إنما يتكهن على ما لم يكن بعد بما قد كان من أشباهه ونظائره والتجارب لا تحصل إلا بزمان طويل قال ونقول بأن صحة الإختيار لا يكون من غير انفعال وفعل وإنما يكون ذلك لمن كانت الهيئة الخلقية له فاضلة والتجربة صحيحة قال والسن الموافق للرياسة ما بين خمس و ثلثين إلى الخمسين قال ويجب أن يجربوا أولا ثم يولووا وسبيل النجربة أن يخادعوا فيرغبوا في الأشياء اللذيذة ويمكنوا منها فإن لم يتخدعوا خوفوا بالأشياء المفزعة فإن لم يفزعوا قيض لهم من يغالطهم فإن لم يتحيروا قلدوا حينئذ وقال فرفوريوس المستحق للرياسة هو الذي قد دبر أمر نفسه على الصواب وأمر بيته على الصواب ويمكنه أن يدبر أمر المدينة على الصواب قال وذلك أن الصانع هو الذي يمكنه أن يرقى الكمالات التي تكون في صناعته إلى الكمال الأكمل ويكون له مع ذلك كمال الأمر والنهي و قال أرسطوطيلس إن الفضائل يجب أن تكون في الرئيس تامة وفي كل واحد من الناس بقدر ما يصلح له والأشياء التي يجب أن يكون المرؤوس قويا عليها يجب أن يكون الرئيس عالما ومباينا لإستدعائها وأنه ليس يكفي السائس أن يكون عالما بالفضائل والسنن من دون أن يكون قد استعملها أولا في نفسه قال والفاضل التام هو الذي يمكنه مع ذلك أن يستعملها في غيره قال وإنه ليس يكفي الطبيب أن يعلم العسل والخربق والكي حتى يعلم أن كيف ينبغي أن يعالج بكل واحدة من هذه ولمن وبأي حال وبأي مقدار وأنه ليس يحصل للطبيب العلم بهذه المعاني من دون الإستعمال كذلك السائس غير أن الطبيب يكفيه أن يستعملها في غيره فأما السائس فإنه يحتاج أن يعلمها من نفسه لأن علم الأخلاق أشق وآفات النفس أغمض وأدق قال أرسطوطيلس ومنزلة الوالي من الرعية منزلة الروح من الجسد ومنزلة الرأس من الأركان وبالوالي مع فضل منزلته من الحاجة إلى صلاح رعيته مثل ما بالرعية إلى صلاح الوالي فإنه كما لا صلاح للجسد دون الروح كذلك لا بقاء للرأس من بعد ذهاب الأركان قال ويجب أن يكون ظاهر البغض ظاهر المحبة لأن المداهنة إنما تكون لذوي الجبن والمهانة وقال وربما موه إلا أنه يموه بسبب الآخرين وذلك لأن أكثر الناس إنما يعيشون بالرخاء وقال أفلاطن وإنه ليس يجوز للبالغ في الحكمة أن يتقبل بأمر مدينته أو يكون أهلها متشابهون ومتناسبون فإن لم يكونوا كذلك بل كانوا [؟] الأدب كان الصواب أن يتنحى عنهم وأن يتوارى خلف سوتين صغير متغنما للنزاهة والسلامة حتى يعيش في الدنيا طاهرا تقيا ويخرج منها إلى الآخرة زكيا نقيا من دنس الآثام وممتلئا من رجاء الرحمة والرضوان
هل يجوز أن ينتظم رياسة واحدة برئيسين
قال بعد الحدث من المتفلسفين إنه متى لم تجتمع جميع خصال الخير في رئيس واحد وبعد أن تجتمع وجب أن تقام الرياسة بنفسين وذلك مثل أن يكون أحدهما حكيما ولا قوة له على القيام بالرياسة وتكون لآخر قوة على ذلك قال وكذلك هذا في جماعة فإنه قد يجوز أن يكونوا بجملتهم على سبيل التعاون رئيسا واحدا قال أبو الحسن ما قاله هذا الإنسان لا معنى له وليس يجوز أن يكون الرأس أكثر من واحد وإنما الرياسة بالرأي فمن لا رأي له لا يستحق الرياسة وإذا وجد حكيم لا قوة له كان السبيل فيه أن تعصب به الرياسة ثم يكون القوي على إجزاء الأمور كالنائب عنه بأمره يرجع في إجزاء الأمور إلى رأيه في صغير أمره وكبيره فإن عصبت الرياسة بالقوي كان الحكيم كالوزير والمشير هذا عسى يجوز أن يكون فأما أن تكون الرياسة لاثنين من غير أن يكون واحدهما تحت الآخر فإنه لا سبيل إليه ولا وجه له البتة وقال أرسطوطيلس واجب على الملك أن يخاف من يصلح لمكانه فيداريه ويحذره وهكذا سبيل كل ما لا يمكن أن يكون فيه اثنان قال أبو الحسن فقد أفصح وبين بأنه لا يمكن أن يكون في الملك اثنان وقال الله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وقال سابور بن أردشير وكما أن الملك لا يصلح بالشركة كذلك الرأي لا يصلح بالإنفراد وقال أفلاطن إنه لا سبيل إلى استقامة السياسة إلا بالرئيس الراسخ في الحكمة وذلك أنه إذا استعان بغيره فإنه لا يصبر على ما يراه له ويشير به عليه
بيان أن الرئيس إذا لم يكن فاضلا فإنه لا ينفع ويضر مع ذلك المضرة العظيمة من قبل أنه يفسد الرعية
قال أفلاطن فساد كل مساس ومرؤوس إنما يكون بالسائس والرائس فأن الرائس إن كان على ما ينبغي تربا المرؤوس على ما ينبغي وإن لم يكن على ما ينبغي تربا المرؤوس على ما لا ينبغي قال وكذلك هذا في كل مصنوع ومفعول فإنه على قدر حال الفاعل في الحذق بالصنعة وفي تجويد الفعل يكون حال المفعول والمصنوع قال وإنما البلاء كل البلاء أن تكون الرياسة للعالي في المرتبة لا للعالي في الحكمة قال وإن ااعالي في المرتبة قل ما يستشير وإن استشار طلب ما يهوى لا ما ينبغي وإن أشار عليه إنسان بالرأي لم يمكنه أن يصغي إليه قال وإن الرئيس إذا لم يكن فاضلا فإنه يفسد غيره ويفسده غيره من قبل أن الناس يزينون له ما يحبه ويتقربون إليه بما يشتهيه فيزداد فسادا ويسكتون عن خطائه فيظن أنه صوابا قال ولهذه نقول بأن الجاهل إذا تولى رياسة فإن فهمه يمتلئ حمقا ورعونة لا كيسا وفطنة قال وملك أكثر الناس إنما يجري بالبخت وإنما وقعت الرياسات التي ليست بحق لعلة في الطباع وهو إدخال الألم على الخارج من نظم الطبيعة وشرحها ليرجع إليها قال أفلاطن وأقول بأن الرئيس إذا لم يكن راسخا في الحكمة فإنه يحتاج أن يحجم عن إمضاء الأمور أو يمضيها جزافا وعلى سبيل التبخت وفي كلي الوجهين فساد عظيم وتغرير وإن استعان بغيره لم يصبر على ما يراه ولم يطق طاعته فيما يشير له عليه وذلك من قبل أن أكثر الأمور التي يراها العاقل من قبل الوقوع لا يراها الجاهل من بعد الوقوع وكيف يصدق بها من قبل الوقوع وليس يمكن العالم أن يصير بالجاهل في العلم في مدة يسيرة إلى ما يعاينها ويتحقق بها وإن لم يكن راسخا في العفة فإنه يترك الحق عند مخادعة اللذة والشهوة وأيضا فإن كلمة الشره لا تؤثر في السامع بمقدار حالها لكن بمقدار حال العامل فيتولد الشره في السامع وإن كانت الكلمة كلمة عفة وحكمة وإن لم يكن شجاعا عدل عن الصواب من جهة المخافة وقال أرسطوطيلس فساد المدن إنما يكون من قبل الرؤساء وذلك بأن يصرفوا همهم إلى تعجل اللذات الذميمة وإلى جر المنافع إلى أنفسهم قال وإن الزفرات والعبرات تكثر في مدينة تكون هذه حال رئيسها قال وكذلك صلاح المدن إنما يكون بالرؤساء وقال أرسطوطيلس الرئيس في كل شيء هو المصرف له فواجب أن تكون حال المرؤوس وهو المصرف شبيهة بحال الرئيس الفاعل للتصريف فإن كان المصرف أعني الرئيس رذلا كان المصرف أعني المرؤوس رذلا وإن كان فاضلا كان فاضلا
بيان أن الرئيس إن كان فاضلا فإنه لا ينفع أو يكون قائما على السياسة ومتيقظا
قال أفلاطن وقد يقع الفساد وإن كان الرئيس فاضلا من جهة إهمال الرعاية قال وإهمال الرعاية يقع بأسباب أحدها الإغترار بالإستقامة والثاني الإعتماد على من ليس بموضع للأمانة والثالث الإستقثال لتعب الرعاية والرابع الميل عن الصلاح إلى الجمال وإلى الملاحة وذلك بأن يولد من المرأة التي لا عقل لها ولا خلق من قبل ميلها إليها لملاحة أو جمال فيتولد منهما ولد مختلط كما يتولد من بين الذهب النحاس
بيان أن الرئيس إن كان فاضلا في نفسه وقائما على السياسة فإنه لا ينفع أو يكون من يسوسهم أو أكثرهم متأدبين
قال أفلاطن وقد يتولد الفساد في السنن وفي المدن من قبل التباع والمساسين وإن كان الرئيس فاضلا في نفسه وقائما على سياسته وذلك بأن يكون المساس عديم الأدب قال وعدم الأدب هو ترك الطاعة للسنة وللرؤساء أما العامة فلما يأمرهم به رؤساؤهم وإما الخاصة فلما يكون في نفوسهم من الأقاويل الحسنة وإنهم يعرفونها بقلوبهم ويصفونها بألسنتهم و يضادونها بأفعالهم قال ولهذا نقول بأنه ليس ينبغي للحكيم أن يتقبل بأمر مدينته أو يكون أهلها أو أكثرهم متشابهون به في الأدب ومتناسبون قال أفلاطن والسبب الذي يؤدي الجميع إلى ذلك مهانة أنفسهم أن لا يصبروا على النافع والجميل بسبب المؤذي واللذيذ قال وقد يقع ذلك أيضا من قبل الجهل ومن قبل أن يعتقدوا بأن اللذة خير وأحد أسباب البلايا الأماني وذلك بأن يظنوا أنه لا يضرهم أو يتخلصوا منه إن ضرهم وأن الأماني لا يتخلص منها أحد لا شيخ ولا شاب ولا صبي ولا كهل ولا ذكر ولا أنثى وأصحاب الأماني ينمنون أن تكون الكائنات على ما يشتهون لا على ما ينبغي لها أن تكون
القول في كيفية الإسعاد
كيفية الإسعاد إنما هي كيفية السياسة التي بها تحصيل السعادة وأقول إنه لا فصل بين أن يقول قائل كيف يسوس السائس من يسوس وبين أن يقول ما كيفية السياسة فقد قال أرسطوطيلس في نيقوماخيا في باب الكبير الهمة إنه لا فصل البتة بين أن يفحص فاحص عن الهيئة وبين أن يفحص عن الذي له الهيئة وأقول الأمر كما قال فإن الهيئة حال لازمة والفحص عن الذي له الهئية إذا كان فحصا عن كيف هو فإنما هو فحص عن حال من له الهيئة والحال هي الهيئة وأقول إنا أردنا أن نتبين كيف ينبغي للسائس أن يسوس فإنا نقول السبيل فيه أن يتبين الغرض الذي يريده بسياسته ثم يطلب الطريق إليه والمبدأ وهو الذي يجب أن يكون الإبتداء منه فأما تبين الغرض وهو أن يطلب العلة التي من أجلها يريد أن يفعل سائر ما يفعل فإذا وجدها وضعها ثم رجع بالعكس منها على الولي من دون أن يتخطا شيئا إلى غيره إلى أن ينتهي إلى الطرف الآخر فإذا فعل ذلك على وجهه فقد وجد المبدأ وقد عرف الطريق أما المبدأ فإنه الطرف الذي انتهى إليه بالعكس من الغرض وإما الطريق فإنه مسلك ما بين المبدأ والغرض
ومثال ذلك في كيفية الإسعاد
إن العلة التي من أجلها يسوس السائس إنما هي تحصيل السعادة للمساس فمتى قيل بأن السعادة إنما هي حسن الحال في المحيا وضع ذلك ثم نظر إلى السبب الأدنى إلى حسن الحال فقيل وبأي شيء يحصل حسن الحال فإذا تبين أن ذلك إنما يحصل باستكمال الصورة التي لها خلق الإنسان وضع ذلك ثم نظر إلى السبب الذي به يستكمل الصورة فإذا تبين أن ذلك إنما هو بإخراج ما فيه بالقوة من النطق إلى الفعل نظر إلى السبب الذي به يخرج النطق إلى الفعل فإذا تبين أن السبب في النفس المفكرة معرفة التجارب وللنفس النظرية معرفة العلوم الحقية نظر إلى السبب الذي به يحصل استكمال النفس المفكرة فإذا علم أن ذلك إنما يكون بتحصيل الخيرات الإنسية وقد بينا أنها ما هي قبل طلب السبب الذي به تحصل الخيرات الإنسية فإذا عرف بأن السبب فيه الخيرات البدنية وهي الصحة والجمال والشدة وضع ذلك ثم طلب ما به تحصل الخيرات البدنية فإذا عرف أنها إنما تحصل بالخيرات الخارجة من النفس والبدن وضع ذلك ثم طلب ما به تحصل الخيرات الخارجة من النفس والبدن فإذا تبين أنها إنما تحصل بتصرف الأبدان و[؟] فقد وجد المبدأ وكان من الواجب على الرئيس أن يصرف عنايته إلى تصريف المساسين وتكليفهم اكتساب أنواع الحاجات التي ينتظم بها حسن الحال والسبيل في ذلك أن يقيم بأزاء كل نوع من أنواع الحاجات صنفا من الناس يصلحون له ويقومون به ويجعل غرضه في تصريفهم وينبغي أن يجعل أغراضهم في تصرفهم اكتساب حسن الحال حتى يكونوا مفتقرين على عدد الأغراض التي تكون للأنواع ومجتمعين على توجههم بالأغراض نحو الغرض الأقصى وهو اكتساب حسن الحال و أقول إنه قد يكون الشيء مبدءا لشيء وغرضا لشيء مثال ذلك التصرف
فإنا قد بينا أنه المبدأ لتحصيل حسن الحال وهو غرض من وجه آخر وذلك من قبل أن التصرف لما كان بالأبدان وكانت الأبدان إنما تحصل باجتماع ماء الزوجين في الرحم وكان ذلك إنما تحصل بالنكاح كان النصرف غرضا فصار النكاح مبدءا ولذلك جعل النبيون ابتداء أورهم من الرغبة فيه وخصوصا من بينهم نبينا صلى الله عليه
قانون
وأقول إنه ليس يكفي السائس أن يصرف عنايته إلى التصرف لكن الواجب أن يصرف عنايته إلى حسن التصريف وذلك أنه إنما يحصل بالتصرف إقامة الحال وبحسن التصرف إقامة حسن الحال ويجب هلى هذا أن يجعل عنايته في اكتساب الأبدان الفاضلة لا في اكتساب كل الأبدان والسبيل في ذلك أن يجعلها من ذوي الأبدان السليمة من العاهات وأن يجعل ذلك منهم في عنفوان شبيبتهم ثم إنه يجب عليه من بعد ذلك أن يصرف عنايته إلى تربية الأبدان والسبيل فيه أن يسن لأهل المدينة الطريقة المؤدية إلى استكمال النماء وإلى تقوية القوة والشدة ويذيع ذلك فيهم ثم يحملهم على العمل بها ثم الواجب من بعد ذلك أن يصرف عنايته إلى تخريج النفوس وإنعاشها بالصنائع والآداب والفهوم ثم يقبل على التصريف والتكليف ويخرج منه إلى التسديد والتهذديب
قانون
قال أفلاطن الواجب على السائس أن يجعل غرضه حفظ الإستقامة على أهل الإستقامة ورد المائل عنها إليها بلطف العلاج والسياسة إلى وجهه قال أفلاطن التنقية مقدمة المعالجة قال والتنقية تنقيتان تنقية أبدان تنقية نفوس والشر شران غريب وأهلي الأهلي هو الذي ينبعث من داخل والغريب هو الوارد من خارج قال وإن الأدب يزيد الشرير شرا والغذاء يزيد فاسد المزاج فسادا وإن الشر المتمكن من الشيء يستولى على ما يجاوره فيحيله عن حالته ويجره إلى طبيعته ولهذا المعنى جعلت الأكرة ابتداء أمرهم في المزارعة من تنقية الأرضين وجعل الأطباء علاجهم إزالة السبب الذي هيج الداء
قانون
ويجب أن يحمل أهل المدينة على الألفة وأن يمنعهم من الشتات والفرقة والسبيل إلى الألفة حسن المعاملة وحسن العشرة وترك الحسد والمنافسة وترك الخلاف والمنازعة
قانون كبير
إنه لما كان الوصول إلى الغرض الأقصى بأسباب مختلفة وجب أن يعلم أن تيك الأسباب هي أغراض لما يوصل إليها به ويجب أن يعلم أن الطريق إليها مختلفة لما كانت هي في أنفسها مختلفة ويجب أن يحصلها كلها حتى لا يشذ عنه شيء وأن يجعلها نصب عينه لينصرف بسياسته فيها ويصرف الغير عليها وأقول وقد يجب بسبب هذا أن يتبين أقسام السياسات وأنواعها فإنه يتبين بذلك تنوع أغراضها وسنقول في أقسام السياسة وأنواعها من بعد هذا إن شاء الله تعالى
بقية القول في كيفية السياسة وفيه إبانة المعنى الذي جعل الله الملوك له من كلام الفرس
قال انوشروان إن الله تبارك وتعالى إنما خلق الملوك لتنفيذ مشيئته في خلقه ولإقامة مصالحهم وحراستهم فلذلك نقول بأنهم خلفاء الله في أرضه ولمعنى آخر وهو أنه جعلهم عالين آمرين غير مأمورين وحاكمين غير محكوم عليهم ومستغنين غير محتاجين فإن حاجتهم إلى الرعية إنما هي لسبب الرعية ولصلاح شأنهم قال وإن الله تعالى جعل الرعية مأمورة محكوما عليها خاضعة لملوكها مكفية بملوكها لا بأنفسها قال والملوك أمناء الله في أرضه وبريته وأولى الأمور بالمؤتمن حفظ ما ائتمن عليه قال وأول ما يجب على الملوك إقامة الدين وتحقيقه بالعمل بنفسه وبأخذ الرعية بإقامته فإن الخير كله إنما هو في طاعة الله جل وعز قال وإن قوام الملك إنما هو بالدين فإذا ضعف الدين ضعف الملك قال ويجب عليهم أن يقوي أركان الدين وأن يبينوا أمر الفقه فإن الفقه هو القائد إلى القول بالآخرة ويجب عليهم أن يقيموا العدل الذي به صلاح الملك والمملكة فإن العدل هو سبب عمارة المملكة والجور سبب الخراب والبوار قال وواجب عليهم الحماية والحراسة والحماية إنما تكون من الأعداء المعاندين والحراسة إنما تكون بكف المفسدين وترهيب المتمردين قال وإن الملك هو الجامع وهو المفرق وهو المؤلف وهو المبدد وهو المقوي وهو المضعف وهو المهين وهو المكرم قال ومن أعظم أعمال الملوك العمارة والحراسة قال و الحراسة إنما تكون بالعقل والعمارة إنما تكون بالعدل
في أن الملك والعبودية اسمان يثبت كل أحد منهما بصاحبه
قال أنوشروان الملك والعبودية اسمان يثبت كل واحد منهما الآخر قال فكأنهما اسمان يثبتان معنى واحدا فإن الملك يقتضي العبودية والعبودية تقتضي الملك فالملك محتاج إلى العبيد والعبيد محتاجون إلى الملك قال وإن العلماء شبهت أمر الملك والمملكة بالبدن والنفس المفتقر كل واحد منهما إلى الآخر فإن قيام النفس بالبدن وصلاح البدن بالنفس وقالوا النفس تابعة لمزاج البدن فهي مفتقرة إلى صلاح البدن وإنما يستدرك صلاح البدن النفس فالبدن مفتقر إلى النفس قال وأفضل محامد الملك إنما هو بعد الفكر في عواقب الأمور وأفضل محامد العبيد الإستقامة على الطاعة في المنشط والمكره والوفاء بالعهد فيما ساء وسر قال وإن الملك أولى بالعبيد من العبيد بأنفسهم
في أقسام الرعايا
قال الرعايا أربعة أقسام فقسم منها أهل الدين وهم أصناف الحكام العباد والنساك والمعلمون وقسم المقاتلة وهم صنفان فرسان ورجالة والقسم الثالث الكتاب وهم أصناف فمنهم كتاب الرسائل وكتاب الخراج وكتاب الشروط والقسم الرابع الخدم وهم الزراع والرعاة والصناع والتجار
في فضيلة المسوس
قال الرعية إنما تشرف بخلتين أحدهما قبول الأدب والأخرى حب التعب متى استعلى الملك على رعيته ذهب حسن حال رعيته ومتى أبطأ العبيد عن الطاعة ذهب عزهم وجمالهم وعيشهم في عاجلهم وآجلهم
في أنواع السياسات
قال أفلاطن السياسة خمسة أنواع أولها السياسة الكلية وهي الشاملة لجوامع الكليات وهي التي تقول بأن الناموس الأجل تولي أحكامها وإتقانها والثانية الملكية هي التي يسوس بها الملك رؤساء المدن والثالثة المدنية وهي التي يجب أن يساس بها سكان المدينة والرابعة البيتية وهي التي يتولاها رب كل منزل في أهله والخامسة البدنية وهي التي تجب على كل واحد في بدنه ونفسه وقال أرسطوطيلس الملك حافظ للآراء وأما المدني فإنه حافظ الأبدان وقال أفلاطن المدينة كالصورة والمدينة كالشخص
تنويع على وجه آخر
قال أفلاطن السياسة نوعان أحدهما ما يجب على الرئيس أن يفعله وهي المبالغة في النصيحة والآخر ما يجب على المرؤوس أن يفعله وهو حسن الطاعة
في أقسام السياسات
السياسة تنقسم أولا إلى قسمين عامية وخاصية والعامية هي التي يساس بها الجميع والجملة والخاصية هي التي يساس بها الأوحاد والطائفة والعامية تنقسم إلى قسمين إلى سياسة السلم وإلى سياسة الحرب وكل واحد من هذين القسمين ينقسم إلى أقسام والخاصية تنقسم إلى أقسام بحسب حال المساسين وبحسب الأغراض فسياسة الصبيان قسم وسياسة النساء قسم وسياسة الصناع قسم وسياسة الثناء قسم وسياسة الحفظة قسم وهم الجند وسياسة الرؤساء قسم وتنقسم من وجه آخر إلى أقسام أخر ونقول إن سياسة السلم تنقسم إلى قسمين إلى سياسة الرفق والإحسان وإلى سياسة الغلظة والهوان وسياسة الحرب تنقسم إلى قسمين إلى سياسة مداهنة ومدافعة وإلى سياسة مواثبة ومناجزة
القول في مادة الإسعاد وصورتها
قال بعض الحدث من المتفلسفين مادة السياسة أحوال الناس في هيئاتهم وأخلاقهم قال وصورتها الفضيلة وهي الغرض وإليها الترغيب والترهيب قال أبو الحسن إن السياسة لما لم تكن تجري على جهة واحدة لكن على جهات كان من البين أن الصورة لا يجوز أن تكون واحدة المساس لما لم يكونوا صنفا واحدا لكن أصنافا كان من البين أن المادة لا يجوز أن تكون واحدة وأقول في تنشئة الأبدان إنما هي الأبدان والصورة الصحة والجمال والشدة والآلة الغذاء والرياضة والمادة في تأديب النفوس وإنعاشها النفوس والصورة الفضيلة والآلة الأدب والعادة المادة في التصريف والتكليف الأحوال والهيئات والصورة الخيرات المكتسبة والآلة الترغيب والترهيب والقهر والشدة
في كيفية السياسة وهي الحيلة في اجترار الناس إلى طريقة السعادة
قال أفلاطن السبيل في اجترار الناس إلى الطاعة في سلوك طريقة السعادة أن يجعل الملك السنة قدوة لنفسه فلا يتحرك إلا بتحريكها ولا يسكن إلا بتسكينها ولا يغضب إلا بأمرها وعلى مقدار ما تأمر به ولا يرضى إلا بأذنها وفي الوقت الذي تأمر به وهكذا يجب أن يعمل إذا أراد أن يكرم أو يهين قال وينبغي أن يجعل نفسه قدوة لمن يليه من أهله وأولاده وخاصته وولاة أعماله وأن يجعل أهله وأولاده وخاصته وولاة أعماله بحال أن يصيروا قدوة لمن وراءهم ودونهم وينبغي أن يأمر ولاة أعماله بأن يأخذوا من تحت طاعتهم بأن يجعلوا أنفسهم قدوة لأهاليهم وأولادهم حتى يكون أهل مملكته كلها يدورون على قطب واحد والقطب هو السنة المسنونة قال أفلاطن ويجب أن يكون هو خادما للسنة ورؤساء المدن خدما له ورعايا رؤساء المدن خدما لهم وأهل كل رجل وأولاده خدما له فيكون المحرك واحدا المسكن واحدا والآمر الناهي واحدا وهو السنة المسنونة على سبيل ما وصفنا قال وأقول الواجب على الملك أن لا يكون بخلاف ما يدعو إليه بقوله وبخلاف ما يجب أن يكون الناس عليه قال وأقول مثل الملك مثل النهر العظيم الذي منه يستمد سائر الأنهار فإن عذب عذبت وإن ملحت ملحت قال وأقول إذا استعصى على السنة هبط نوره واستعصى عليه خدمه قال ورؤساء المدن إذا استعصى على الملك ذهبت هيبتهم واضطربت عليهم رعيتهم قال وينبغي للملك أن يبذر الخير في الرؤساء الذين هم دونه ويأمرهم الرؤساء بتبذيره فيمن دونهم ثم يأخذ نفسه بالعمل فيما بذره ويأخذ من دونه بالعمل به ويأمرهم أن يأخذوا من دونهم باستعماله ثم الواجب عليه من بعد ذلك أن يراعي ما بذر مما نبت فإن وجد أرضا لم تنبت كربها وإن رأى ثمرة ردئية حصدها قال والثمار هي الأفعال قال وأقول سبيل الملك أن يجعل نفسه قدوة لمن دونه بالقول والفعل جميعا حتى يكون قوله وفعله يجريان مجرى واحدا قال وإنه لن ينفعه دعاؤه إلى السنة بقوله إذا خالفها بفعله وينبغي أن يعلم أن خلافه لها بفعله يكون تزهيدا فيها وذما لها وإن كان راعيا لها بلسانه ومادحا لها قال وينبغي أن يعلم أنه لن يمكنه أن يؤدب غيره إذا لم يكن هو متأدبا في نفسه ولو جاز هذا جاز أن يكون الأعمى هاديا والضال عن الطريق مرشدا قال وقد يمكن الطبيب أن يعالج بطنه وإن كان مريضا ببدنه أعني الطبيب فأما السائس فإنه لن يمكنه أن يهذب نفس غيره إذا لم يكن هو متهذبا في نفسه قال والعلة في ذلك أن الطبيب والسائس جميعا إنما يعالجان بأنفسهما وإن كان أحدهما إنما يعالج الأبدان والآخر النفوس وما يعالج به الطبيب غيره ونفسه هو صحيحه وما يعالج به السائس غيره وهو نفسه مريضة ولكن الطبيب لو أراد أن يعالج بدن غيره ببدنه وكان بدنه مريضا لم يمكنه قال وأقول بعيد أن يتولد من الشرير الخير فإن الشرير لا ينتج الخير والشره شرير كذلك الجائر وكيف يولدان العفيف والعادل وقال الملك قدوة والناس أسوة فمن لك يمكنه أن يجعل نفسه قدوة فليس بإمام وكتب أرسطوطيلس إلى الإسكندر اعلم بأنك غير مستصلح رعيتك وأنت فاسد ولا مرشدهم وأنت غاو لا بمؤدبهم وأنت ضال وكيف يقدر الأعمى على أن يهدى والفقير على أن يغنى الذليل على أن يعز وفيه ولا يرينك رأيك أنك إذا أحسنت القول دون الفعل فقد أبلغت من دون أن يصدق قولك فعلك ومن دون أن تحقق سريرتك علانيتك
حيلة أخرى وهو أصل كبير
قال أفلاطن فإنه ليس يمكن السائس أن يحمل من يسوس على الصلاح ما لم يوف هو عليهم ما يلزمه لهم في الصلاح من حق الحياطة والرعاية والصيانة فإنه إذا فعل ذلك وثقوا به وعرفوا أن الصلاح لهم في طاعته فإن استعصوا على طاعته أمكنه أن ينبسط في التسلط عليهم وذلك أنه متى وفاهم حق الرعاية أمكنه أن يقتضي منهم حق الطاعة فإن لم يوفوه حقق وعيده وإن وفوه حقق وعده
قانون
قال أفلاطن وينبغي للملك إذا أمر بأمر أن يثبت عليه وكذلك إذا نهى عن شيء ولهذا نقول بأن الواجب على الملك أن يكون شديدا في غير عنف والواجب على من دونه أن يبادروا إلى استجابته ولذلك نقول بأنه يجب أن تكون الرعية سلسين من غير ضعف قال والسياسة فعل للسائس وهو يقتضي انفعالا من المساس حتى يثمر ويصير له معنى والمثال فيه السدى واللحمة فإن الثوب إنما يكون باجتماعهما ومثال السدى أخلاق الملك ولذلك يجب أن يكون أشد ومثال اللحمة أخلاق المساسين ولذلك يجب أن يكون أسلس
بقية القول في كيفية السائس حيلة أخرى في اجترار الناس إلى الواجب
قال أفلاطن الحيلة في حمل الناس على ما تأمر به السنة الترغيب والترغيب إنما يكون بالأشياء اللذيذة والحيلة في قبض الناس عما تنهى عنه السنة الترهيب والترهيب إنما يكون بالأشياء الموذية والكريهة قال و أقول الترغيب يبعث الرجاء والترهيب المخافة والناس بالرجاء ينقادون وللمخافة يمتنعون وقال أرسطوطيلس للإسكندر إذا أردت إلى رعيتك في باب من الخير فامزج معه طمعا من الدنيا لتسكن قلوبهم إلى هذا إن نفرت من هذا وإذا أردت أن تمنعهم عن باب من الشر فامزج معه شيئا مما يكرهون فإن الأنذال لن ينجذبوا إلى الطاعة إلا بالمخافة
حيلة وهي قريبة من الأولى
قال أفلاطن ومن الأشياء المعينة على اجترار الناس إلى الأدب وحملهم عليه مدح الأدب وإكرام المتأدب وذم سوء الأدب وإهانة من ليس بمتأدب
أخرى وهي قريبة من الأولى
كان أنوشروان يوقع في كل عهد [؟] خيار الناس بالمحبة وسفلتهم بالإخافة وأمزج لاعامة الرغبة بالرهبة
حيلة أخرى
قال أفلاطن ومن الأشياء النافعة في حمل الناس على الأدب والسنة أن يزيل عنهم ثقل الإستكراه بأن يعرفهم ما لهم في استعمال السنة من الصلاح ومن العز وبأن يعرفهم ما عليهم في ترك استعمالها من الفساد والهوان فإنهم إذا عرفوا ذلك رغبوا في التزامه طوعا قال وليس ينبغي أن يفعل هذا مع الحدث والشره فإن امثال هؤلاء لا ينقادون للخير إلا بحيلة وخداع أو بقهر واضطرار وقال يجب لما قلنا أن يبين لهم الخير والشر والجميل والقبيح والمؤذي واللذيذ
بيان أن الإنسان مفتقر إلى معونة الناس في اكتساب السعادة
قال أفلاطن إنه لما كان كل واحد من الناس لا يفي بتمام ما يحتاج إليه في بقائه احتاج إلى معاونة أبناء جنسه له فيه واحتاجوا إلى مثل ذلك منه فاضطروا إلى الإجتماع والمشاركة ولذلك اتخذت القرى والمدن قال وبيان أن الواحد لا يفي بتمام ما يحتاج إليه في بقائه أن الغذاء وهو حاجة واحد من حوائجه لا يحصل إلا بآلات وتحتاج كل آلة إلى صنعة وأدوات وكل أداة تحتاج إلى صنعة أيضا ولا صنعة إلا بصانع ويحتاج ثقل كثير من الآلات إلى دواب قال وهو في المثل كأجزاء السلسلة المتعلقة بعضها ببعض وقال أرسطوطيلس الإنبعاث إلى الشركة المدنية ضروري و بالطبع قال ولذلك نقول بأن الإنسان حي مدني بالطبع وإن الذي لا يمكنه أن يشاركه هذه الشركة لشقي والذي لا يحتاج إليه مثاله وقال بعضهم لما كان الإنسان مقصودا يتلونه إلى غرض ما احتاج في استكمال الغرض الذي أريد له إلى أسباب كثيرة وليس في إمكان الواحد وفاء القيام بتثبيت جميع ما يحتاج إليه بنفسه فاحتاج إلى معاونين فكان الإجتماع والمدن لذلك ومعرفة هذه الحال تكسب الألفة والمحبة وقال الجاحظ اعلم بأن حاجة الناس بعضهم إلى بعض صفة لازمة في طبائعهم وخلقة قائمة في جواهرهم محيطة بجماعتهم وثابتة لا تزايلهم قال وذلك إنه ليس أحد يستطيع بلوغ حاجته بنفسه من دون الإستعانة بغيره فحاجة الأدنى مضمنة بمعونة الأقصى فالأدنى مسخر للأقصى كما سخر له الأقصى والأجل ميسر للأدق كما يسر له الأدق فالملوك محتاجون إلى السوقة في باب والسوقة تحتاجون إلى الملوك في باب وكذلك الغني والفقير والمالك والمملوك قال الجاحظ وإن الله لم يسخر للناس جميع خلقه إلا وهم محتاجون إلى جميع خلقه قال والحاجة حاجتان قوام وفوت ولذة وإمتاع فسبحان من جعل في ارتباط البعض بالبعض تمام المصلحة وباجتماع الجميع تمام البغية وسبحان من جعل في نقصان الواحد بطلان الجميع برهانا واضحا وقياسا قائما لأن الجميع إنما هو واحد ضم إلى واحد وواحد آخر ضم إليها فإذا جوزت رفع الواحد والآخر مثله في الوزن والعلة فقد جوزت رفع الجميع لأنه ليس الواحد أحق في الحق من الثاني فإذا جوزت إبطاله فكذلك الثاني في الثالث حتى يأتي على الجميع
ومن كيفية السياسة الحيلة في استدامة العامة
الحيلة في استدامة العامة الترغيب في الألفة وحظر الشتات والفرقة وإيجاب العدل والنصفة وتحريم الجور والمضادة والألفة هي أن يكون كل واحد يحب الآخر كحبه لبدنه إذ كان كل واحد من هذين سبب حياته ويلزم من هذا أن يحب الخير لصاحبه ويسر به إذا صار إليه ويكره الشر له ويسوؤه إذا امتحن به والوجه في تشبيث الألفة أن يجعلهم متشاكلين في الفضيلة ومتشابهين في العمل والهمة فإن المشاكلة محبوبة والشبيه يحب الشبيه إما في الفضيلة فبأن يجعلهم أعفاء أنجادا متعلقين عدولا وإما في الهمة فبأن يحملهم على أن تصير همة كل واحد منهم طلب النافع لنفسه ولمشاركيه وتجنب الضار له ولهم وأما في الفعل فأن تكون أفعالهم موجهة نحو الجميل ونحو الجيد وذلك بأن يجتهد كل واحد منهم أن ينصح في عمله لينتفع به وأن يبلغ في تجويده أقصى ما يمكنه وأن يكون محبته لمن ينتفع به غيره أكثر من محبته لنفع نفسه وأما حملهم على حسن المعاملة فأن يجعل للعادل الجوائز والكرامة وعلى الجائر الهوان والخسارة وسنقول فيما بعد هذا في كل شيء مما أجلنا القول فيه ههنا إن شاء الله عز وجل
الترغيب في إقامة العدل وبيان أنه ضروري وطباعي في الحياة
قال أرسطوطيلس العدل طباعي وضروري في الحياة قال وبيان ذلك أن الحياة الفاضلة هي التي تتصرف في تمام الكفاية وليس بممكن أن يكون ذلك للمنفرد فاحتيج بسبب ذلك إلى الإجتماع لتصرف والأعمال الخاصية عامية وإنه ليس يكون ذلك إلا بالشركة التامة والشركة التامة هي المدينة قال فالحاجة إلى حسن المعاش ربطت هذه الشركة والحاجة إلى ما يكون به حسن المعاش ولدت المعاملة والحاجة إلى استدامة المعاملة أوجبت المعاوضة ولما كان لا مانع من أن يكون عمل أحدهما أفضل من عمل الآخر احتيج إلى شيء يعرف به مقدار الأشياء فجعل ذلك الشيء الذهب والفضة واحتيج أيضا إلى الذهب والفضة لمعنى آخر وهو أن أحدهما قد يحتاج إلى عمل صاحبه في وقت لا يحتاج الآخر إلى عمله فيه فاحتيج بسبب ذلك إلى شيء يكون كالكفيل له ولم يصلح أن يكون الكفيل فيه عمل صاحبه لأن كثيرا من الأعمال لا آثار لها كالسياسة والرعي الغنى وأيضا فإن كثيرا من الأعمال التي لها آثار لا يبقى المدة الطويلة فأقيم الذهب والفضة ذلك وصارا مالا بالعرض وصارا ثمنا للأشياء وقيما لها قال ومما يدل أنها صارا مالا بالعرض لا بالطبع أن لو شئنا غيرناهما
في العدل ما هو
قال أرسطويلس العدل هو المساواة والجور لا مساواة قال وذلك بأن يكون لأحدهما من الخير أكثر وللآخر أقل ومن الشر بخلاف ذلك وقال في موضع آخر العدل هو المماثلة على قدر المناسبة وقال أفلاطن العدل هو الصناعة التي يستبان بها ما ينبغي أن يعطى العامل والشريك وما لا ينبغي أن يعطى ولمن ينبغي أن يعطى ولمن لا ينبغي وفي أي وقت وبأي مقدار وبأي حال وقال بعضهم العدل من بين الفضائل خير غريب وذلك أنه مضاف إلى شيء آخر إما رئيس وإما شريك وقال بعضهم العدل خير غريب لاينفع العادل لكن غيره قال الشيخ كيف لا ينفعه وصلاح حاله واستدامة بقائه إنما يقع به وقال قسطا بن لوقا البعلبكي أحد حدود العقل العدل وأحد حدود العدل هو مقارنة كل فعل بمثله
في أقسام العدل
قال أفلاطن العدل قسمان خاصي وعامي وقد ذكرنا قوله في الخاصي في باب أن العدل ما هو قال وأما العامي فإنما عو اعتدال قوى الأنفس وقال النفس خاصي وعامي فالخاصي إنما هو فيما بين الظلم والإنظلام قال وأما العامي فإنما هو في اعتدال حركات الأنفس الثلثة وقال أفلاطن العدل قسمان أهلي وهو المركوز في النفس وغريب وهو الذي يكون من خارج وقال الينس العدل قسمان منه ما هو مركوز في النفس ومنه ما هو خارج بالقول وكما أن النطق الخارج بالقول انثناؤه على ما في النفس كذلك العدل الخارج من النفس انثناؤه إنما هو على ما في النفس قال أرسطوطيلس العدل قسمان طبيعي وناموسي فالطبيعي هو الذي ليس يمكن أن يكون بنوع آخر كالنار التي تحرق ههنا وبفارس والناموسي يظن به أنه مختلف وليس الامر كما يظن فإن الإختلاف في الناموس إنما يقع من تحريف متأول وغلط مستنبط وذلك أن الناموس كلي كل وليس يكمن أن يقال بعض الاشياء بكل صحيح
القول في كيفية المماثلة
قال أرسطوطيلس يجب في قسمة الكرامة والأموال والأخذ والإعطاء أن تكون المماثلة فيه على قدر المناسبة والمناسبة أقل ما تكون في أربعة وذلك بين في المنفصلة فإنه ينبغي أن تكون نسبة الخفاف إلى البيت كنسبة البناء إلى الإسكاف قال وأما في المتصلة فقد يشتبه الأمر فيظن أنه يتم بثلاث وليس الأمر على ما يظن من أجل أنها تستعمل الواحد مرتين تمثال ذلك كما أن الألف إلى الباء كذلك الباء إلى الجيم فإن جار أحد وجب على السائس أن ينتزع منه الزيادة لأن السائس هو حافظ للمساواة ويجب مع ذلك أن يعاقبه إلا أن يكون إنما جار بغير إرادة قال وأما في الجراح فإنه إنما ينظر إلى المماثلة فقط ولا ينظر فيه إلى المناسبة قال وقد كان أذاميقس يقول يجب أن يعتبر فيه المناسبة كان يقول إن جرح وهو رئيس لم يجرح إلا أن يكون المجروح رئيسا قال وكذلك إن قطع عضوا وكان يقول إن جرح من ليس برئيس رئيسا فليس ينبغي أن يجرح فقط بل أن يعذب مع ذلك قال وما قاله أذاميقس هذا بصواب عندنا
** تم النصف الأول من السعادة والإسعاد ولله الحمد على الهداية والإرشاد
[blank page]
بسم الله الرحمن الرحيم
بماذا يجب أن تكون مجازاة المبتدئ بالإحسان
قال أرسطوطيلس وقد ينبغي أن يفحص بماذا يجب أن تكون المجازاة بالنوع الذي يبدأ به المحسن أو بما يطمع فيه ومن البين أنه إذا لم يصل إلى البادي ما يجب أن يكون شبيها عنده بالبدي لم يكن كالمغنى إذا قوبل بالغنا لأنه لم يكن مراد المغنى ذلك بل المال قال وأقول إن المكافأة يجب أن تكون على قدر ما انتفع به من أحسن بمقدار ما أصبيب منه وبالزيادة عليه بل أكثر قال وأقول إن المعطي كالآمر وإنه ليس يمكن في كل شيء إقامة المكافأة قال ويجب أن يقر بالمعروف من لا يقدر على المكافأة
في الإفضال ما هو
قال أرسطوطيلس الإفضال فوق العدل بسبب الجميل والمفضل هو الذي يزيد في العطية على الواجب ويبتدئ بما ليس بواجب ويفعل ما يفعل لينتفع به ذلك لا هو ولذلك يعطي من لا يقدر على المجازاة تفصيل الجنايات فإن منها ما هو إساءة وشرية ومنها ما هو إساءة وليس بشرية
وإن منها ما هو خطأ وليس بإساءة ولا بشرية
قال أرسطوطيلس الظلم والشرية ما كان عن اختيار من الفاعل قال وما كان يعلم مسببه ولم يكن ذلك عن اختيار من الفاعل وذلك بأن يكون لغضب وشهوة فإنه خبث وإساءة وليس بشرية وما كان لسهو أو غلط فلت أو إكراه فإنه ليس بإساءة ولا شرية ولا خبث ولا ظلم ولكنه خطأ ومضرة قال وأقول المظلوم هو الذي لحقته المضرة من آخر بإرادة والمضرور هو الذي لحقته المضرة من آخر عن غير إرادة منه قال وذلك بأن يكون مكرها أو غير عالم بما يفعل
تفصيل ما تلزم العقوبة فيه من الجنايات مما لا تلزم فيه العقوبة
قال أرسطوطيلس إن العقوبة لا تجب فيما لا يكون بإرادة وذلك مثل أن يأخذ آخذ بيده فيضرب بها غيره قال ووجه آخر مما لا يكون بإرادة وهو أن لا يعلم لمن يضرب أو بأي شيء يضرب أو أنه مال الفعل ذلك بأن يطعن وهو يظن أنه لم يطعن وجميع ما يفعل لمكان آفة عارضة من غضب أو سهوة أو سكر ففيه العقوبة لأنها إرادية وذلك أنه لم يذهب على فاعليها لمن يضرب أو بأي شيء يضرب ولا أي فعل يفعل قال وأصحاب النواميس لا يعذرون السكران لأنه سبب آفته وهذه الآفات أعني الغضب والشهوة والسكر يزيد عن الإختيار لا عن الإرادة فالذي يذهب عن هولاء معرفة المختار لا معرفة المراد قال وجهل الإنسان بما هو آمر ليس يكون علة لا إرادة لكن علة الرداءة ومن المحال أن يقال بأن هذه ليست بإرادته وأكثر أفعال الناس إنما تكون من غضب وشهوة قال وأيضا فمن المنكر أن يقال بأن غضبنا أو شهوتنا تخرجنا عن الإرادة وقد يجب في بعض الأشياء أن نغضب وفي بعضها أن نشتهي
الأفعال المختلطة من الإرادة ومن لا إرادة أيها تكون إرادية أو لا إرادية
قال أرسطوطيلس الإفعال المختلطة من الإرادة ومن لا إرادة بالإرادية أشبه وذلك أن هذه الأفعال وقت ما تفعل إرادية والبدء فيها إلى الفاعل وهذه مثل ما يفعل لخوف القتل أو من أجل ما لا يصبر على مثله ومثل طرح الأموال في البحر مخافة الغرق وهذه تشبه ما تكون بغير إرادة لأن فاعلها إنما يفعلها من أجل المخافة وربما لم يصلح أن يعذر إذا كانت الأشياء التي قد فعلت عظيمة ومن العسر أن يفصل أي الأشياء ينبغي أن يعذر وأيها لا ينبغي أن يعذر فإن التي تتخوف منها موذية والتي يحمل عليها قبيحة
في العلة التي من أجلها يحكم للجور بالعظم
قال أرسطوطيلس الجور إنما يكون عظيما بوجهين أحدهما عظم الضرر والآخر عظم الشر قال وعظم الشر يكون بوجوه أحدها أن يكون فيما تعظم حرمته مثل أن يسلب كسوة بيوت الله أو يفعل ما تخف منفعته ويعظم ضرره مثل النبش عن الموتى وأخذ أكفانهم أو يكون أول من فعل ذلك أو يكون قد فعل ذلك الفعل بعينه مرارا أو يكون إنما فعل ذلك من بعد العهود والأيمان أو يكون قد أساء إلى من أحسن إليه والظلم في غير المكتوب أعظم قال واللصوص وقطاع الطريق والمقامرون كفار وظلمة قال والظلمة وأهل الشر هم كفار أيضا
في الأسباب الباعثة على الجور
قال أرسطوطيلس الجائرون إنما يجورون حين يظنون أنه لا يمسهم الغرم والقصاص البتة أو يكون ما يلحقهم أقل من المنفعة ويقع لهم هذا الظن لعلل أحدها أن يكونوا مياسير أو ذي حماية أو سلطان أو إخوان أمثال هؤلاء أو من المتصلة بهم أو يقدروا حمايتهم لهم بالرشوة قال وقد يجور الإنسان لا لينفع نفسه لكن ليلحق المضرة بمن يقعل به وتكون ذلك إما لسوء ناله منه أو لسوء نال إخوانه منه أو من جهته أو يظن أنه ليس يجور إن كان من يفعل به قد يفعل بالناس مثله
في الأسباب الدالة على الجور
قال أرسطوطيلس الجائر كثيرا ما يجور على من تغلب عليه الحياء وكثيرا ما يجور على من يحتمل الظلم وربما جاروا على من يعرف بالتحرض وطلب الشر وعلى الذين تشناهم القضاة والحكام وعلى الذين يشناهم أصدقاء القضاة والحكام قال وقد يجور من يظن أنه لا ينتصف منه لأنه يخفى أمره ومن هذا الضرب يكون جور الضعيف ومن لا مقدرة له على القوى لأنه يطمع في أن يخفى أمره من قبل أنه لا يظن به ذلك
إبانة شرف العدل وعلو الإنتفاع به وخساسة الجور وعظم المضرة به على طريقة الجدل
قال أفلاطن في كتاب السياسة قال من مدح الجور العدل ضار بالعادل وإنما ينفع غيره وأما الجور فنافع للجائر ولذلك ما يميل الكل إليه بالطبع قال وإن العدل لم يوضع بسبب أنه خير بذاته لكن بسبب أنه خير ضعف من لحقه الجور قال وأكثر من يمدح العدل إنما يمدحه خديعة وسخرية قال وقال من مدح العدل العدل هو أمان للإنسان في الدنيا والآخرة وهو المنعش للأمل والمقوي للرجاء والثقة عند الشدائد قال وهو النافع لأنه به تدوم كل شركة ومعاملة وأكثر ما يميل إليه الإنسان بطبعه ضار وأما النافع ما مال إليه بعقله ولذلك قيل خالف هواك تسلم قال وقال المادح للجور العدل هو الأمر النافع لمن هو أقهر والعادل هو الذي يلتزم سنة من هو أقهر وذلك أن كل قاهر فلا بد من أن يضع لنفسه ما هو أنفع له والجور هو تعدي تلك السنة ومخالفتها ولذلك يلحق الجائرين العذاب قال والمحتج للعدل أرأيت أن وضع ما يظن أنه نافع وليس ينافع أ يلزم الأضعف أن يطيع السنة فإن لزم فليس حد العدل أنه النافع لمن هو أقهر قال ونقول أيضا إن كان العدل صناعة فإنه يلزم أن يطلب ما هو أنفع لمن هو أذل وأضعف لا ما هو أنفع لمن هو أقهر وذلك أن موضوع كل صناعة إنما هو لمنفعة المصنوع لا لمنفعة الصانع فإن الطب لم يوضع لمنفعة الطبيب لكن لمنفعة العليل والرعي لم يوضع لمنفعة الراعي لكن من أجل المرعي وكذلك هذا في الرياضة وفي كل صناعة فإن قال قائل بأن الراعي إنما يرعى بسبب الأجرة قيل أخذ الأجرة لم يقع للراعي نحو صناعته لكن من صناعة أخرى قال وأيضا فإنه إن كان هذا السائس إنما يسوس بسبب ما يأخذه من الأجرة فإنه كالأجير فيما يعمله وإكراء الإنسان نفسه خسة ونذالة قال وإن الفاضل لا يتولى الرياسة لسبب مال أو كرامة لكن للضرورة ولذلك قيل بأن المدينة الفاضلة بشرف ارتفع فيها فقال بسبب امتناع أهلها من التقبل بالرياسة فقال المادح للجور وإنما أمدح من الجور جور الجائر الكامل في جوره وذلك هو المتغلب فإن المتغلب على الكل يأمن العقوبة و المذمة قال فإن قيل بأنه لم يكن المظلومين أن ينالوه بالعقوبة ويجبهونه بالمذمة فإن أحوالهم معه أن يشنأوه ويبغضوه وينكبوه فيما بينهم وينتقصوه قال وأيضا فإنه إن لم يلحقه وبال جوره في الدنيا فسيلحقه في الآخرة فإنا نقول في جواب ذلك إن الجائر الكامل هو الذي يمكنه أن يأتي على الجور على صورة العدل حتى لا يشعر به أحد وذلك لأنه يتزيا بزي أهل الفضيلة ويجيء من خلفه مكر يغلب والصانع الكامل هو الذي يشعر بما يكون ممكنا في صناعته وبما لا يكون ممكنا فيروم الممكنو يحيد عما لا يمكن وأيضا فإنه إن أخطأ يكمنه أن يتلافى خطأه وأن يصلحه وأيضا فإنه قد يمكنه أن يستعين على تزيين أمره لقوم يشتمل بهم من المتشبهين بالبالغين حتى يمدحوه ويبرؤوه مما رمي به وأما أمر الآخرة فإنه يصلحه بالقرابين وبالصدقات في حياته وبالوصايا من بعد موته قال والجائر إذا كان على هذه الحال فإنه يتعجل المنفعة واللذة وحسن العيش في الدنيا والآخرة قال وأما العادل الكامل فإنه لا يحب أن يظن أنه عادل فسيظن به أنه جائر وإذا كان على هذا فاته حظ العاجل من حسن الحال ورغد العيش ولحقته المذمة من قبل أنه يظن به أنه جائر وربما نالته العقوبة قال والجائر إن تابع الناس لم يطمعوا فيه وإن إراد مواصلتهم رغبوا فيه فهو يتزوج بمن شاء ويزوج بناته وبنيه فيمن شاء قال وأما والعادل فإنه أن تابع الناس ذهبت حقوقه وإن أراد أحد ظلمه يتيسر ذلك عليه لأنه لا يحب الخصومة والإنتصاف وإن أراد المواصلة لم يرغب فيه فهو لا يجد الرضا من الزوجات لنفسه ولبنيه ولا من الأزواج لبناته وإن تولى عملا من الأعمال أبغضه أقرباؤه وأصحابه وأهل عمله وذلك لأنه لا يرفق أقرباءه ولا ينفع أصحابه ويمنع أهل عمله من الظلم فتخشن قلوبهم عليه قال وإن الجائر في كل هذه المعاني على ضد هذه الحال قال وكذلك نقول بأن العدل سلامة ناحية وحسن خلق وبأن الجور جودة قضية وقوة رأي قال المتج للعدل إخبرني عن الجائر الكامل أ يمنع نفس السارق من أن يسرق والمكابر على أموال الناس أن يكابر والزاني من أن يزني قال وكيف لا قال يلزم من هذا أن يكون ضعيف الرأي ذميم الفطنة فإن العالم بكل صنعة لا يمنع مما يوجبه صناعته قال وأخبرني عن الجائر الكامل هل يمكنه أن يستديم جوره بغير العدل قال وكيف لا قال من قبل أنه إذا جار احتاج إلى معاونين له وأنصار وإن لم يعطهم ما يريدون لم يثبتوا معه ولم يعينوه والسبب في ذلك أن الجور يورث التياثا وشقاءا ونقضا وقتالا وأما العدل فإنه يكسب أهله ألفة ومحبة وسلاما وسلما قال وأما قول من يقول بأن الجائر يمكنه أن يلبس أمره ويستر جوره فإنه قول لا حاصل له وظن لا قوام له وذلك أنه ليس يجوز أن يذهب على أحد ما يلحقه في نفسه أو ولده وأو أهله أو إخوانه أو جيرانه وما كان بعيدا عن الإنسان فإنه لن يخفى إذا كثر وإن ذهب على الناس فلن يذهب على الله وعلى أوليائه وأما ما يتقرب به فإنه يجب أن يكون من أطيب ما له وما يرضاه الله فإن الله لا يرضى بالخبيث الذي هو وحش وقذر ولا بالذي هو متسخط فيه على أخذه قال وبعد فأي صدقة وقربان مما لا يملكه المتقرب به ولكنه يكون لغيره
إبانة صفة الجور وخسته بصفة حال الجائر
قال أفلاطن الجائر شقي ومرجوم وفقير ومهين وجاهل أحمق وإن ظن به أنه سعيد ومغبوط وغني عزيز وكيس بصير وذلك لأن السرور داهية عليه وجميع الخيرات مثل المنافع والأموال والصحة والجمال والقوة والملاحة ولطف الحواس وذكاء الطبع غير نافعة له بل ضارة من قبل أنها الآلات والأسباب للفسق والشره وللتخليط والسرف على نفسه وبدنه ولفساد دنياه وآخرته ولذلك يكون عيشه عيش أسقام وآلام وإن ظن به أنه صحيح وعاقل فإنه لا يكون على ما يظن به والشره يولد الداء في البدن ويورث الغباوة ويؤدي إلى النسيان والحماقة وكثيرا ما يؤدي إلى الأمراض والمزمنة وربما بادر بالإنسان إلى الموت وأيضا فإنه لا يصفو له عيشه لما يلحقه من خوف العاجل ولما يتردد في نفسه من خوف الآجل لأنه لا يأمن من أساء إليهم وحق له أن لا يأمنهم ولا ينبغي له أن يأمن من أحسن إليهم لأنه إنما يحسن إلى من يعاونه على الشر وليس يعاونه على الشر إلا الشرير الخبيث وأمثال هؤلاء يتغنمون الوثوب عليه متى قدروا على ذلك قال وهو وإن لم يؤمن بأمر الآخرة فلا بد من أن يلحقه الخوف منه لما يجري على سمعه من أهواله ولما يخطر على فلبه من ذكره ولا سيما إن مرض أو كبر قال وأما فقير فلانه لا يستغني بما يملك ويفتقر أبدا إلى ما لا يملك قال وهو من أدل هذا يتقطع بالحسرات إذ كانت شهواته لا تقف وليس ينال كل ما يشتهي قال وأما مهين فلانه بسبب شرهه يحتاج أن يتعبد لمن كان عساه لا يرضى بأن يكون عبدا له وأيضا فمن أجل أنه لا كرامة له لأن الكرامة إنما تكون بسبب الفضيلة وليست له فضيلة وإن أكرم فإنما يكرم للمخافة وأما أحمق فلما قلنا ولشيء آخر وهو أنه يأخذ بالعنف والقهر والضرب والشتم ما ليس له ثم يدفعه إلى من لا يستحقه لينجو به من عذاب الله ولو أنه رده على من يستحقه لعساه ينجو من عذاب الله لأنه قطع عند الأخذ أكبادهم وتناول بالضرب أبشارهم وانتهك أعراضهم وأقول في الجملة بأن الحياة شر للجائر من الموت وإن الموت خير له من الحياة وقال أفلاطن الجائر لشرهه مخرب لنفسه ولبدنه ولبنيه ولسائر النفوس والأبدان والبيوت
إبانة فضيلة العدل بصفة حال العادل
قال أفلاطن قال المادح للعدل العادل هو السعيد والمغبوط في الدنيا وهو الفائز برضوان الله في الآخرة فإنه قد اقتنى لنفسه الخيرات الشريفة باقتنائه الفضائل وأزال عن نفسه الشرور الضارة بانسلاخه من الرذائل قال وذلك لأنه ليس يمكن الشره ولا الجبان و لا الجاهل أن يكون عدلا فلا بد من أن يكون العادل عفيفا نجدا حكيما قال وإنه لا بد من أن يشتهر أمره إذا دام عليه وإذا اشتهر أمره فزع الناس إلى رياسته وولايته فعقدوا له الولاية على أنفسهم طوعا ورأسوه فسينتظم له أمره في خيرات العاجل فيتمكن ما شاء ويتزوج ممن شاء ويزوج بناته وبنيه ممن شاء وإن وقع في بلية مرض أو فقر أو بلية أو محنة فسيؤول أمره إلى ما يغبط به لأن الله تعالى هو المتولي لأمره ولأمر جميع من يكون في مرضاته وكيف يجوز أن يخذله وهو مفتقر إلى الله في فعله ومطيع له في أمره
ذكر أشياء جاءت في العدل عن النبي صلى الله عليه وأصحابه
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه أفضل عباد الله عند الله منزلة إمام عادل رفيق وشر عباد الله عند الله منزلة إمام جائر أخرق وعن عمر قال رسول الله صلى الله عليه المقسطون على منابر من نور يوم القيامة وقال الأوزاعي روي عن رسول الله صلى الله عليه في تفسير قول الله تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فلا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله قال يقول إياك أن تريد في نفسك إذا تقدم الخصمان إليك أن يكون الحق لأحبهما إليك وكان عمر بن الخطاب يقول إلاهي إن كنت تعلم إذا جلس الخصمان بين يدي أني أبالي على من مال الحق فلا تمهلني طرفة عين و روى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زادان دهقان السالحين قال كانت لي أرض إلى جنب أرض سعد فأضر بي وكيله فجئته وشكوت وكيله إليه فزبرني وصاح علي فخرجت إلى المدينة إلى عمر بن الخطاب متظلما فلما وردت المدينة جئت بابه فإذا بغلام فقال لي أ ملي أم ذمي قلت ذمي قال ما تريد قلت أمير المؤمنين فقال ادخل فدخلت فإذا بشيخ جالس على كساء قطواني وعليه جبة صوف عليها رقاع بعضها أرم فلما رآني قال ما تريد فقصصت عليه قصتي فأخذ صحيفه وكتب بسم الله الرحمن الرحيم من عمر أمير المؤمنين إلى سعد بن ملك سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد جاءني زاذان وذكر لي قصته فإذا جاءك كتابي ونظرت فيه فقم قائما حتى تنصفه من نفسك وإلا فأقبل إلي راجلا فلما وضعت الكتاب في يده وقعت عليه الأفكل ولما قرأه قام قائما وقال أرضي لك قلت لا حاجة لي في أرضك ولكني أريد أن تنصفني من نفسك قال فما جلس حتى أنصفني وأرضاني وروي أن عمر بن الخطاب قام خطيبا في الناس فقال إني إنما ووليت عليكم من وليت ليحجزوا فيما بينكم وليقسموا فيكم لا ليتناولوا أبشاركم أو ينتهكوا أعراضكم فمن كان له قبل أحد من عمالي مظلمة فليقم فإني منصفه فقال عمرو بن العاص إنك يا أمير المؤمنين إن فتحت هذا الباب على عمالك كثر الشغل عليك فقال دعنا من ذى فوالله لأسوين بين الناس وكيف لا أفعل وقد أقص رسول الله صلى الله عليه من نفسه وروي في سبب ما كان من النبي صلى الله عليه حتى أقص من نفسه وجوه أحدها أن رجلا تعلق بزمام ناقته وكان يعجل إلى البيت للصلاة والطواف فقال له خل عن زمام الناقة فإنك ستدرك ما تريد إذا صليت فلم يفعل فضربه بمخصرته فلما صلى قال للرجل قم فاقتص أو اعف فقال الرجل قد عفوت وقال رسول الله صلى الله عليه من حكم بين اثنين ولم يسو بينهما فعليه لعنة الله وقال رسول الله صلى الله عليه من مشى مع ظالم وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام وقالت عائشة إن امرأة من بني مخزوم سرقت فأمر النبي عليه السلام بقطعها فسألت بنو مخزوم أسامة أن يسأل رسول الله صلى الله عليه فيها لئلا يقطع فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه فقال رسول الله عليه السلام والله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها إنما هلك بنو إسرائيل بإقامتهم العدل على الضعيف وتجاوزهم على الشريف وروي أن المنصور دعا الأوزاعي فلما جاءه قال له ما أردت يا أمير المؤمنين في استحضاري فقال الأخذ عنك فقال انظر أن لا تجهل ما تسمع قال وكيف أجهل إذا سمعت فقال بأن لا تعمل به فإني سمعت مكحولا يقول حدثني بشر بن عطية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله ساقها إليه إن عمل بها وإن لم يعمل كانت حجة من الله عليه ليزداد إثما فيزداد الله عليه سخطا ثم قال لا تكره الحق يا أمير المؤمنين وإن كان عليك واعلم بأن من كره الحق فقد كره الله فإن الله هو الحق ثم قال وروي بأن الله تعالى أوحى إلى داود يا داود إني ما بعثت نبيا إلا جعلته من قبل داعيا ليعلموا الرعاية ويرفقوا في السياسة فيجبروا الكسير وينتظروا الهزيل وقال رسول الله صلى الله عليه اتقوا دعوة المظلوم فإنها تسري إلى الظالم بالليل وقال حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه إنه سيكونون عليكم أمراء يظلمون ويكذبون فمن أعانهم على ظلمهم و صدقهم بكذبهم فليس مني ولست منه وقال ابن المسيب لا تملؤوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانكم إلا بإنكار من قلوبكم عليهم لئلا تحبط أعمالكم وقال علي للأشتر إياك والظلم فإن الظالم رهين هلاك في الدنيا والآخرة
من كيفية السياسة الحيلة في اجترار الناس إلى الألفة
قال أفلاطن الواجب على الملك أن يصرف عنايته إلى إيقاع الألفة والموافقة فيما بين أهل المدينة فإن كل مدينة لا محبة بين أهلها ولا وفاق فإنه لا نور فيها ولا نظام ولا ثبات لها ولا قوام قال وللألفة أسباب وللفرقة أسباب فأقوى أسباب الألفة المعاشرة ومن المعاشرة الإجتماع على الطعام وعلى المنادمة والسبب الثاني المناكحة والرغبة في طلب النسل والأولاد والسبب الثالث البر والملاطفة قال وأسباب الفرقة الإختلاف في المذاهب والمجادلة والمكاثرة بالمال والمفاخرة والعصبية من جهة تفضيل المحال والرحال قال والأصل في الألفة رفع اليمين وإيقاع المشاركة وذلك أن البلاء والفساد إنما يقع من الإختصاص والإنفراد بالطوبى والغبطة فالواجب أن يضع في نفس كل واحد من أهل المدينة أنه ليس لأحد أن يقصر عنايته أو ماله على أهله وولده بل الواجب أن يكون ما في يد كل واحد للآخر متى احتاج إليه في نفسه وأهله أو ولده أهلا للآخر ووالدا له حتى يجبر خلتهم وفاقتهم ويقوم بأودهم ويهتم بشأنهم وينبغي أن يمنع أشد المنع من أن يقول قائل هذا لي وهذا لك قال وقد يجب لما قلنا أن يشترك أهل المدينة في الأمور الإضطرارية وفي الأمور النافعة حتى يصيروا كبدن واحد فإن تألم الواحد منه تألم الآخر وعلى مثال الأعضاء والبدن فإن الإصبع الواحدة إن تألمت تألم لها جملة البدن والحسد داء عظيم فيجب أن يحتال في رفعه قال وليس يمكن أن يكون موازرة ونصرة عند المحاربة من غير أن يكونوا أصدقاء ومحبين بعضهم لبعض وليس يمكن أن يكونوا أصدقاء من غير أن يكونوا عدولا قال و الحيلة ومنع وقوع الإختلاف في المذاهب أن لا يترك الناس بأن يزولوا عن ظاعر السنة بنوع من التأويل وأن يجعل على من تأول تأويلا مستكرها نوعا من العقوبة فإن لم يرتدع نفاه من البلد من قبل أن يفسد غيره وإن لم ير نفيه حبسه قال وإن السنة إذا قوي أمرها في النفوس انقطعت الإطماع عنها وعن تغييرها ومخالفتها أو تركها قال وإن السنة إذا قويت قهرت الشهوة أ لا ترى أن الإنسان ليس يتوق إلى جماع والديه وإلى جماع ابنته أو أخته لتحريم السنة ذلك وإن كن في غاية الحسن ونهاية الملاحة وقال أفلاطن بالأدب يحصل للإنسان خير نفسه ويأمن شره وبالإلف يحصل له خير عمله ويأمن شره قال حب الثروة يحمل على طلب المال من غير وجوهه مثل الخيانة والجحود والمكابرة والغصب والسرقة وغيرها ويحمل أيضا على منعه من وجهه وأحسن أحوال المحب للثروة أن يصير تاجرا أو محترفا أو حراثا وأن الذي يحب الثروة لا يمتعض من القبيح ومن الذميم إذا حصل له الربح ولذلك نقول بأن الفاضل لا يجوز أن يكون غنيا وإن الغني خسيس وشرير وذلك من قبل أن الغني لا تكون له خيرات البدن ولا خيرات النفس لإفنائه زمانه وصرفه همته في جمع المال قال والمنافسة تولد المعاندة والملاحة والملاحة والماعندة يولدان التباغض والتباين وذلك يؤدي غلى التجاذب والتغالب ويؤدي ذلك إلى البوار والهلاك
ذكر الآفة التي تعرض على السياسة ولا يمكن الإحتراز منها
كان أفلاطن ينسب بعض الأشياء إلى الضرورة قال أبو الحسن والضرورة هي الإتفاقات الواقعة وكان ينسب بعضها إلى السياسة وقال جماعة أهل الفلسفة الضرورة هل الإتفاق وهي البخت وهي السياسة وهي فاعلة الكل به كان ما كان وبه يكون ما يكون وبه هو ما هو وقال أفلاطن البخت نطق عقلي [؟] الكل وقال بعضهم البخت هو قوة روحانية وهو نطق عقلي وهو الذي ينفذ في جوهو الكل وهو اسم الأثيري الذي هو زرع الكل وأقول البخت هو القسمة الذي سبقت من الله لخلقه وهو القدر الذي جرى به القلم وجفت عليه وقال أفلاطن في النواميس الإتفاقات والبخوت هو الناهية الآمرة في كل وقت وهي المغيرة للأحوال فإنها إذا وردت بحرب لم يمكنا أن نتمسك بالسلم وإذا وردت بالأمراض لم يمكنا أن نتمسك بالصحة وربما وقع الوباء الممرض وربما وقع الوباء المميت وربما وقع الجرب المهلك قال أفلاطن أقول إن أمور البشرية أكثرها بخوت على البخت يجري أمر الملاحة وأمر الطب والفلاحة والتجارة والفساد والإضطراب والصلاح والإستقامة إنما تجري على البخوت قال وأقول بأن الله جل وعز هو الذي يجري الأمور كلها ومن الله تكون الإتفاقات والبخوت وقال أرسطوطيلس إنما يقع ما يقع من الفساد بالبخوت النحسة [؟] مال الإستحالات الكثيرة وبالإتفاقات السيئة قال ونقول بأنها لا تضر الفاضل لأنه يعمل في كل حال تستقبله بما يوجبه الرأي فيه في وقته وقال سابور لابنه هومر إن التمست أن لا تحاول أمرا إلا تم على مشيئتك وإن لا تقصد عملا إلا أدركت منه مرادك فقد عظم جهلك لتوقعك وطلبك ما لا سبيل إليه لك ولا لأحد غير الله فإن الأمور إنما تجري بالمقادير والمقادير ليست إليك ولكنه ينبغي إذا التوى عليك جانب من الأمر أو تمنع أن لا تترك ما استحملت لك منه قال واعلم بأن الدنيا ربما أصيبت بغير حزم في الرأي ولا فضل في الدين فإن أصبت فيها حاجتك وأنت مخطئ أو أدبرت عنك وأنت مصيب فلا يحملنك ذلك على مجانبة الصواب ومعاودة الخطأ
القسم الرابع أقسام الرئاسات و العلل الفاسدة منها و أصناف المدن و صورها و أحوال اهلها
قال أبو الحسن
الحمد لله الذي ألذ بالمحبوب وأمتع به مرغما فيه وأوحش بالمكروه وأمض به زاجرا عنه ثم الحمد لله الذي خلق الدنيا بالحكمة البالغة الباهرة وجعلها مرآة للآخرة ومرقاة إليها لينتبه العاقل لمحبوب الآخرة بمحابه التي قد تعجلها ولمكاره الآخرة بالمكاره التي قد ارتمض منها وليعتبر متعظ فيسع في خلاص غيره شكرا لمن خلصه وسببا منه إلى تخليص نفسه فيما أمامه ثم الحمد لله الذي أعطى بما منع وأنس بما أوحش وأوعد بما كره حمدا ثابتا متزايدا وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم كثيرا وبعد فإن كتابنا هذا إنما هو في القسم الرابع من كتابنا في السعادة والإسعاد في السير الإنسانية و نريد أن نبين فيه أقسام الرياسات وعلل الفاسدة منها ونذكر فيه أيضا أصناف المدن وصورها وأحوال أهلها وبالله نستعين في كل أمورنا وإياه نستهدي
القول قي أقسام الرياسات
الرياسة إما أن تكون طبيعية وإما أن تكون عرضية وقال أفلاطن في النواميس الرياسات التي تكون بالطبع أقسام فمنها رياسة الآباء والأمهات على الأولاد ومنها رياسة السادة على العبيد ومنها رياسة الرجال على النساء ومنها رياسة ذوي الأسنان على دونهم ومنها رياسة ذوي النجدة على الضعفاء ومنها رياسة الفاضل على الناقص ومنها رياسة العالم على الجاهل والعرضية ما تكون بالتغلب والحيلة ومنها أن يكون العبد حرا بطبعه المضادة وأقول إن جميع الرياسات المضادة لما ذكرها عرضية كرياسة الأولاد على الآباء والأمهات وكرياسة الأحداث على ذوي الأسنان وكرياسة النساء على الرجال وكرياسة الجهال على العلماء ونقول من وجه آخر الرياسة إما أن تكون عامية وإما خاصية وإما متوسطة وهي التي تكون لها نسبة إلى الطرفين بالخاصية كرياسة الرجل على بدنه وعلى منزله والعامية الرياسة على البدن كرياسة الملك ومنها أيضا الرياسة على المدينة بأسرها والمتوسطة الرياسة على المحلة وعلى القرية ونقول من وجه آخر الرياسة إما أن تكون شريفة وإما خسيسة والرياسة تشرف بوجوه أحدها شرف الرئيس وفضله والآخر شرف المرؤوسين أو كثرتهم والثالث أن تكون جارية على الصواب والصواب أن تكون نحو نفع المرؤوسين واستصلاحهم والخسة يلحقها من الوجوه المقابلة للوجوه الموجبة للشرف وأخسها أن تكون همة الرئيس اجترار المنافع إلى نفسه والإضرار بالمرؤوسين
في أقسام الرياسات وزولاتها من كلام أرسطوطيلس
قال أرسطوطيلس أنواع الهيئة المدنية ثلاثة قال وزوالاتها إلى ثلاثة قال وأعني بزوالاتها فسادها قال فأولها الملك وغرضه ما هو خير لمن يكون تحت رياسته لأنه ذو كفاية في جميع الخيرات وفاضل قال وينتقل إلى المتغلب فإن الملك الرديء يصير متغلبا وغرض المتغلب ما هو خير لذاته في جميع الأمور قال والثانية رياسة الأخيار وغرضهم أن تكون خيرات المدينة مقسومة على الإستيهال والعدل قال وينتقل منهم إلى رياسة قليلين وهم الذين يجعلمون خيرات المدينة وأكثرها لذواتهم ويريدون أن تكون الرياسة أبدا لأقوام بأعيانهم قال والنوع الثالث رياسة الكرامة قال وتنتقل منها إلى رياسة العامة وهاتان متقاربتان وأقول النوع الثالث هو أن يصير الناس لوصي فيقدم في أول الأمر من له فضل يعني تحرما وتكرما ثم يقع التضجر ورغبة كل واحد أن تكون الرياسة له فتنتقل إلى رياسة العامة قال أرسطوطيلس وتشبه رياسة الملك رياسة الآباء على الأولاد لأن الآباء إنما يريدون ما هو خير للأولاد وأما التغلبية فتشبه رياسة السادة على العبيد لأن السادة إنما يريدون من العبيد ما هو خير للسادة لا للعبيد قال وتشبه رياسة الكرامة رياسة الإخوة لأنهم متشابهون وإنما يختلفون بالأسنان فقط قال والمحبة إنما تكون في كل واحدة من هذه على قدر العدل والإحسان وليس في رياسة التغلبية شيء من المحبة فإن كانت فقليل لأن الأشياء التي ليس فيها شيء مشترك للرئيس والمرؤوس ليس فيها محبة
في الأحوال التي تتقلب عليها الرياسات من قول أفلاطن
وقال أفلاطن الأحوال التي تتقلب عليها الرياسات خمسة واحدة منها صحيحة والباقي فاسدة فالصحيحة رياسة الملك وهي أولها والملك هو المحب للحكمة وغرضه إسعاد رعيته قال وإن الملك إذا لم يكن ذهبا خالصا ولكنه كان مختلطا بالنحاس أو الشبه أو الرصاص أو الفضة فإنه سينتقل إلى التجبر والتكبر لإفراطه في محبة الكرامة فإنه ليس يطيق أن يسمع لغيره حالة يستحق بها الكرامة فهو يجتهد في أن يغض ممن يجب أن يعزه وأن يضع ممن يجب أن يرفعه وهم ذو الأخطار والفضل والأقدار ولذلك نسميه صاحب غلبة الإسراف قال ثم أنه يتخبط إلى الشره والدناءة في الحرص على جمع المال قال فإنه ما شيء أسرع استحالة من استحالة الرجل الشاب المحب إلى محبة المال قال وإن المحب للمال ينسلخ من الفضائل كلها فيفارق العفة والنزاهة لحرصه ورغبته في الجمع ويفارق والنجدة لانحطاطه إلى مهانة التملق وإلى خساسة المكاسب الرديئة قال ويعدم الحكمة بواحده لأنه لا يستعمل فكرته إلا في جمع المال ولا يستخدم نفسه الغضبية إلا في جمع المال قال أبو الحسن وقد يجوز أن يقع هذه الإستحالات للواحد بعينه وقد يجوز أن تقع في نشوء بعد نشوء قال ثم إن الرياسة تنتقل إلى الجمع الكثير وغرضهم الحرية والخلاص من التعبد للسنة وللسادة حتى يفعل كل واحد ما شاء واشتهى غير متخوف من زاجر وآمر قال وسبب انتقال الرياسة إلى الجمع الكثير أنه إذا أحقد ذوي الأحساب ومن له تبع بالتجبر عليهم ثم يسلبهم أموالهم صاروا حربا له فقتلوه غيلة أو فتكا ومجاهرة لأنه لا منعة له فإذا قتلوه رفضوا السنن كلها المكتوبة وغير المكتوبة وسن كل واحد منهم لنفسه ما يشبهه قال وإنهم في أول أمرهم يستطيبون حالهم ثم إن الهناء ينقلب سريعا إلى الوحشة والكآبة والحسرة والعاهة ويقع لهم ذلك بزاول الأمن ووقوع المخافة لتباغي يعضهم على بعض حتى أن الأب يخاف ولده والسيد عبده والزوج زوجته قال ويعلمون حينيذ أن الرياسة من الأشياء الجارية بالطبع والواجبة بالضرورة قال ثم إنه تنتقل عنهم إلى المتغلب قال وذلك أن كل واحد من الجميع إذا خاف على نفسه وأهله وماله ورأى انتشار الأمر وتزيد البلاء تشاوروا فيما بينهم فلم يجدوا حيلة سوى أن يقلدوا واحدا على أنفسهم لأنا قد قلنا مرارا إن الرياسة من الأشياء الواجبة بالضرورة قال وإن المتغلب في أول أمره يجتهد في إدراك الصلاح وفي استدراك حسن الحال لهم والعلة في ذلك أن قوته في أول الأمر تكون بهم لأنهم السبب لرياسته فإذا قوي وذلك بأن يصير له التبع والخدم وعمل البعض لهم والبعض لنفسه ثم لا يزال متزيدا من حظ نفسه إلى أن يعمل في الحرية التامة وذلك بأن يعمل حميع ما يعمله على ما يشتهي لا على ما يعود بشيء من الصلاح عليهم فيصير حينئذ متغلبا وغرض المتغلب في الجملة ما هو خير لذاته وهو متلون لا يثبت على شيء واحد لأنه يحب أشياء كثيرة لحب الكرامة فيتجبر لذلك ويترفع ويتعظم ويحب المال فيشره لذلك ويجور ويظلم ويتشبه بالملوك مرة فيعدل قال وهو شر الجميع وبه يكون خراب العمارات وارتفاع البركات وقلة الأموال وكثرة العبرات والزفرات
ذكر السبب المولد للفساد
قال أفلاطن السبب المولد لتنقل الدول أولاد الملوك وذلك بأن يكونوا متشبهين لا مشبهين وسبب كون هؤلاء المتشبهين ترك الملوك رعاية حدود السنن وترخصهم في العدول عنها وذلك بأن لا يولدوا من السنية وهي ذات العقل والفطنة والخلق لكن من غير السنية وهي التي لا فطنة لها ولا خلق إما بالجمال والملاحة فيتولد منهما شيء مختلط كما يتولد من الذهب والنحاس شيء ثالث لا يكون ذهبا ولا نحاسا وكما يتولد من الفضة والحديد شيء ثالث ولا بد من أن يكون في الطبع شيء طبع لثالث الشيئين اللذين يكون منهما قال وإن المرأة إنما تربي أولادها على طبعها وتلقنها ما يكون في نفسها فتمدح المال والعز وتحببهما إلى الصبي وتثلب الولد وتذم جميع أحواله وأخلاقه فيصير الولد حربا للوالد من قبل أن يحارب غيره ثم إن تكمن من رياسة فانظر ماذا يصنع وأي شيء من السنن لا يغير قال وسبب آخر وهو أن يجعل تربيته تربية دلال وتربية إهمال ومن ينشأ على هذا لا يفلح أبدا وإن صب في إذنه ما صب وصور في عينه ما صور وذلك من قبل أن أضداد الخير قد تمكنت من نفسه ولهذا نقول بأن أولاد أكثر الملوك غير منجبين وإنه لا يهون تخليصهم إلا في النادر
في كيف يحدث الفساد
قال أفلاطن الفساد إنما يقع شيئا بعد شيء كالصلاح فإنه إنما يقع شيئا بعد شيء قال وأول ما يقع من الفساد الرغبة في الهزل مثل اللعب والمجون والبطالة قال ومتى جاء الهزل ذهب الجد قال ويتبع ذلك الميل إلى الشهوة واللذة قال ثم إنه يرتفع نظام الصلاح ويقع الفساد فتفشو الخيانة والكذب والحيلة والإفتعال بسبب الرغبة في المال والمنفعة لأستيلاء سلطان الشهوة ولفرط الميل إلى اللذة قال ثم إنه يتبع ذلك ارتفاع النصفة في المعاملة ويرتفع العدل من القسمة وتعدم النصيحة في الصناعة وتفتقد الصحة في المعاشرة والصدق في المخاطبة قال ويغلب التلبيس والغش والخيانة ويزول الأمن والثقة فإن باع الإنسان واشترى أو أودع أو قبل أمانة أو وديعة أو اخبر أو استخبر لم يكن على ثقة بل على خطر وغرر قال ويدرج ذلك مهنى ارتفاع الحياة في العيش وقال بعض الحكماء علامة الإقبال إقبال الرأي وعلامة الإدبار إدبار الرأي وعلامة إقبال الرأي توفر العناية في الجد وعلامة أدبار الرأي استحلاء الهزل
استيفاء القول في صفة المتغلب
قال أرسطوطيلس المتغلب عبد بالحقيقة وإن ظن به أنه ملك لأن شهواته قد استعبدته وهواه قد ملكه قال وهو فقير بالحقيقة وإن ظن به أنه غني لأنه لا يجتزى بما يناله ويطمع أبدا في مال غيره لشرهه قال وإنه لا وفاء لع ولا صديق لأن الشره قد تمكن منه فليس يمكنه لشرهه أن يثبت على وفاء ولا عقد ولا عهد قال وهو السكران التائه لغلبة الشره والحرص عليه قال وهو محشو من الآلام ومن الغموم والحسرات ويظن به أنه مغبوط قال وهكذا تكون حال كل شره وقال أفلاطن كل متغلب مغلوب من ذاته ومسترق قال وذلك أن نفسه الحيوانية قد استعبدت نفسه الإنسانية فليس له همة إلا في الإستيفاء من الشهوات وفي التمتع باللذات وغرضه من الرياسات التمكن من الشهوة واللذة قال وإنه يكون ليئما شحيحا بسبب محبته للمال فليس يبالي من أين اكتسب ويشتهي أن يكون نفقاته من مال غيره للؤمه وشحه قال وإنه يبغض السنن كلها ويقلب الفضائل بأن يعلى الرذائل عليها وذلك لأنه يسمي الحياء حمقا والعفاف جبنا والإقتصاد نذالة وقلة مروؤة ويجعل السرف كبر همة وشرفا وسخاوة ويسمي الحلم ضعفا والسفه رجلة ويسمي العدل سلامة ناحية والجور حسن فطنة قال وإنه يبغض كل جيد من أهل ويجتهد في أن يذلهم ويفقرهم وفي أن يفنيهم ويحب كل رديء ويشتهي أن يعزهم وأن يعينهم وأن يقويهم قال وذلك لأنه يبغض النجد الشجاع لأنه يخاف فتكه ويبغض الكيس الفطن لأنه يخاف تدبيره وحيلته ولأنه يعلم أنه ليس يذهب عليه ما يهم به فضلا عما يعمله ويبغض الكبير الهمة لترفعه عليه وذلك لأن همته لا تتركه أن ينحط إلى ما يليق بالحر قال ويبغض الغني المكثر لرغبته في ماله قال يمقت الناصح المشفق أشد من هؤلاء الذين ذكرنا هم لأنه لا يطيق أن يرى من يمنعه مما يريد قال فهم حريص على إذلال هؤلاء وإفقارهم وعلى قتل بعضهم فلا بد من أن يجمع على نفسه الجمع الكبير ليبلغ بهم إلى ما يريد والذي يريد إنما هو الفساد والرديء فهو لايطيعه فيه إلا رديء فاسد فهو إذن يستتبع كل رديء فاسد خبيث من لص وقاطع طريق وعيار خليع ومتهور فاتك يجمعهم على نفسه وإن الجمع لا يثبت معه إلا بأجرة فهو إذن يحتاج أن يأخذ من الأفاضل الجياد ويسخطهم ليدفعه إلى الأردياء الأنذال ويرضيهم قال ولذلك أقول بأن المتغلب مربوط بضرورة مغبوطة للجهل قال والضرورة أنه لا يمكن أن يعيش إلا بالأردياء فهو مضطر إليهم ويظن بنفسه أنه في غبطة لجهله وهوشقي منحوس بالحقيقة وكلما عاش أكثر كان شقاؤه أكثر قال وإنه يصير لشدة حرصه على الحرية إلى العبودية التامة وهكذا كل شيء له ضد فإنه سيستحيل إلى ضده إذا انتهى إلى منتهاه قال وذلك لأنه يحتاج أن يتعبد لمن تعزز بهم وأن يتسخر لمن اعتضد بهم لأنه يحتاج أن يسعى لكفايتهم ولما يربطهم عليه فهو كالأجير المستكد لهم وكالعبد الذليل
في حكمة وزير المتغلب وصفته
قال أفلاطن إنه ليست الحكمة عند من يريد أن يحظى عند المتغلب وينال مكانة عنده إلا معرفة ما يقر به من هواه وذلك بأن يعرف ما يرضيه ويسخطه ويحبه ويكرهه ويوحشه ويؤنسه وأن كيف ينبغي أن يدنى منه وكيف ينبغي أن يبعد عنه وبأي شيء يستدرك رضاه إذا غضب ويرد رأيه إذا نفر قال وإن الواحد من أهل الزيغ إذا عرف هذا ظن أنه الحكيم وخف الناس عنده فإن نال مع ذلك قربا منه فإنه يحتشى من الكبر والزهو ما لا غاية له ويستبطن كيسا لا محصول له وعجبا لا غاية له قال وإن الذي لا يعلم شيئا من الأشياء يظن أنه عالم بكل شيء ولذلك لا يستشير ولا يقبل الرأي إن ابتدئ به فإنه لا يسهل عليه استماع ما يخالف رأيه قال وإنه للرغبة في التقرب إلى هذا السبع الضاري والحيوان القاتل أعني المتغلب يسمي جميع الأشياء بحسب موافقة هذا الحيوان فيسمي ما يحبه خيرا و إن كان شرا وما يكرهه شرا وإن كان خيرا ويسمي الجور عدلا والعدل جورا
القول في أقسام المدن
المدن أقسام فمنها المدينة الفاضلة وهي التي تكون الغلبة فيها لأهل الفضيلة ومنها المدينة الخسيسة وهي التي تكون الغلبة فيها للمتمتعين باللذات البهيمية من المآكل والمشارب والمناكح ومنها والمدينة الحكيمة وهي التي تكون الغلبة فيها لأهل الحكمة ومنها المدينة الجاهلية وهي التي لم يعرف أهلها كبير شيء من العلوم الفاضلة وقال أفلاطن المدينة قد تكون شقية وقد تكون سعيدة وقد تكون عفيفة وقد تكون شرهة وقد تكون نجدة وقد تكون جبانة قال وفي الجملة إن أحوال المدن إنما تكون على قدر أحوال أهلها وسنصف بعد هذا المدن بصفتها إن شاء الله
صفة المدينة الشقية
قال أفلاطن المدينة الشقية مدينة أهل الزيغ والتغلب قال وإنها لا تكون مدينة واحدة لكن مدنا كثيرة قال وذلك أنه بالجملة تكون فيها الخيرات والشرور وأهل الفضائل والرذائل لكن الخيرات فيها تكون قليلة وما يكون فيها من الخيرات الخارجة فإنما يكون لأهل الردي والشرور تكون كثيرة ويختص ببلواها أهل الصلاح والخير قال وإنه يكون فيها الهزل والجد والعمل والبطالة والكفاف والقناعة والشره وفضل الحرص والرغبة والسرف والتبذير بسبب المفاخرة والشهوة والفرح والسرور مع الكآبة والحزن قال ويكون يعضهم مسرف الغنى وهم أهل الردى وبعضهم مسرف الفقر وهم أهل القضاء قال ويكون فيها أهل الفضل وصالحون ولصوص وسلالون ويكون فيها زناة ولوطيون وزهاد ومتعبدون
بقية القول في صفة المدينة الشقية
قال أنوشروان كان يقال إذا ولي الملك والجائر انحطت العلية وذلت الأخيار وغلب السفلة وعز الأشرار وصار لهم الأعمال فذهب البركات وظهرت المنكرات وكثرت الآفات وتعذرت المكاسب وقل ولاد الحيوان وجف ألبانها وشحومها ولحومها وذهب ريع الأرض والأشجار وفقدت منافع الأدوية المجربة وتحول القيظ شتاء والشتاء قيظا ويكثر الوباء والأمراض واستكلب الشره وتسلط الحرص وتمكن السرف وجهل القصد وانصرفت قلوب الأولاد عن محبة الآباء والأمهات وعن طاعتهم إلى البغضة وسوء الأدب وقلة الطاعة وذهب التواد والتواصل من ذوي القرابة والجوار والصحبة وفقد الصدق والأمانة وفشا الكذب والخيانة
صفة المدينة السعيدة
قال أفلاطن المدينة السعيدة هي التي تكون حكيمة ونجدة وعفيفة قال وليس ينبغي أن تكون كثيرة الأهل ولا كثيرة المال قال ولهذا نقول بأنه لا ينبغي أن تكون مجاورة للبحر ولا ينبغي أن تكون لها معادن ذهب وفضة فإنها إذا كانت كذلك كانت غنية والثروة سبب البلايا والشرور وإنها تكون مدينة واحدة وذلك لأنها مستعملة للصواب والصواب أن يتصرف كل واحد من أهلها فيما هو أهله ويواظب عليه وليس يتم له ذلك إلا بترك ما ليس له ويكون لغيره فإنه لا فرق بين أن يترك الإنسان عمله وبين أن يستعمل بعمل غيره والمدينة الحكيمة هي التي تكون في رؤسائها الحكمة وخاصة في الرئيس الأعظم ويكون مع ذلك في المرؤوسين حسن الطاعة وإن الحكمة هي الرأي الحسن والفكرة الجيدة ولن تحصل الحكمة إلا باكتساب الهيئات الفاضلة النفسية أعني الأخلاق الحسنة وباقتناء العلوم الرياضية أعني العدد والمساحة والنجوم والموسيقى وإلا بمعرفة علم المنطق والجدل وبمعرفة السنن المرسومة وبمعرفة الأمور الجميلة وبمعرفة السنن الماضية قال أفلاطن المدينة النجدة هي التي تكون في الحفظة جرأة على الأعداء ونصرة لمحاربتهم والنجدة هي الشجاعة قال والشجاعة هي المحافظة على إخلاص الرأي الذي سنح عن الأدب فيما أوجبته السنة في شدائد الأمور وأهوالها وآلامها في التعب المحمود وعند مجاذبة اللذات والشهوات قال والشجاع هو الذي يمكنه الثبات على الرأي الذي سنح عن الأدب عند اللذة والشهوة فلا يخذل الرأي بسببهما قال والمغلوب من اللذات أردى من المغلوب عند الأحزان والآلام فإن اللذات إذا هاجت حملت على الأمور القبيحة قال والمدينة العفيفة هي التي تكون كل واحد من أهلها ضابطا لنفسه من اللذات الرديئة والشهوات الضارة قال وإنها لا تكون عفيفة بأن تكون العفة في صنف من أهلها كما كانت حكيمة بحكمة رؤسائها ونجدة بشجاعة حفظتها لكن بأن تكون سياستها وحفظتها وصناعها وجميع من فيها أعفا قال والعفة هي موافقة صوت الأخس لصوت الأفضل بالطبع وذلك بأن تكون النفس الشهوانية تابعة للنفس الناطقة فلا تتحرك إلى اللذات والشهوات إلا إذا أطلق له ذلك و لا يهرب من الأحزان إلا إذا أطلق له النفس الناطقة وقال أرسطوطيلس في ريطوريقى العفة فضيلة بها تكون المرء في شهوات البدن على ما تأمر به السنة قال والفجور بخلاف ذلك
سؤال
قال أفلاطن قال لي قائل يشبه أن تكون هذه المدينة التي وصفتها موجودة في القول فقط فإنا لا نعلمها في موضع من الأرض قال وقلت إن لم تكون موجودة في الأرض فإن مثالها موجودة في السنة قال وأيضا فلا فرق بين أن تكون قد كانت وبين أن ستكون وذلك إن الذي قلناه ليس هو فيما لا يمكن أن يكون
صفة أفلاطن لأخلاق أهل زمانه
قال أفلاطن وحال ما نعلمه من أخلاق أهل المدن اليوم كحال لوح مملوء كتابة فاسدة فالواجب أن يغسل غسلا جيدا ثم يملأ كتابة جيدة وإن ذلك غير ممكن إلا بأن تقتلهم وهم أحياء ثم تجعلهم أزكياء بأن تعودهم العادات التي يرضاها الله
فيما يجب أن يجعل على أهل المدينة للمدينة
قال أفلاطن ويجب أن يفرض على كل واحد من أهل المدينة كرامة للمدينة وخدمة لها فإنها لهم بمنزلة الأم إذ كان بها تربيتهم
القسم الخامس ما يجب على الرئيس أن يأخذ به نفسه في السياسة لرعيته
قال أبو الحسن بن أبي ذر
الحمد لله الذي نظم بحسن التقدير بين المتباغي والمختلف وربط بحسن التدبير بين المتباين والمنتشر أركبنا من طبائع مختلفة وجعلها في المعاونة على صلاحنا كأنها مؤتلفة وجعل صلاح بقائنا بمعاونة ذوي الهمم المختلفة والطبائع المتباينة والأخلاق المتفاوتة وربط الكل برباط السياسة حتى صار سعى الجميع إلى شيء واحد وهو صلاح الحال عن غير علم منهم وبصيرة ولا فهم ودراية إلا من أكرمه الله بالولاية وأين هم وكم هم وجعل حصول هذا الإنتظام بالرئيس الفاضل فإنه جل ثناؤه جعله المصرف للكل والناظر والمؤلف والجامع فسبحان من ألف المختلف وحد الكثير المنتشر لا يعجزه شيء وهو الواحد القهار الكبير المتعالي وبعد فإن كتابنا هذا إنما هو في القسم الخامس من كتابنا في السعادة والإسعاد في السيرة الإنسانية ونريد أن تبين فيه ما يجب على الرئيس أن يأخذ به نفسه في السياسة لرعيته وبالله نستعيذ من الزيغ والزلل وإياه نستعين على صواب العمل فإنه لا حول ولا قوة إلا به
في أقسام السياسة على وجه آخر سوى الوجوه التي ذكرناها من قبل
قال أبو الحسن السياسة تنقسم إلى ثلاثة أقسام وكل قسم من الثلاث ينقسم إلى سبعة أقسام فالقسم الأول هو ما يحتاج أن يأخذ به الرئيس نفسه لرعيته وهذا القسم ينقسم إلى سبعة أقسام أحدها بيان أنه يحتاج أن يقوم نفسه من قبل أن يقصد إلى تقويم غيره والثاني ذكر السنن التي تختص بها الملك في سياسته والثالث بيان أنه يجب أن يجعل مبنى أمره على الحزم والرابع الوجوه والقوانين التي يكون بها الحزم والخامس سياسة الجياد من الناس وهو سياسة الرفق والإحسان والسادس سياسة الأردياء وهو سياسة العنف والهوان والسابع سياسة دفع مضرة الأعداء والقسم الثاني ما يجب أن يأخذ به رعيته وهذا ينقسم إلى سبعة أقسام أحدها التوليد على طريقة السنة والثاني التربية والثالث التخريج والتنشئة الرابع تأديب النساء والخامس تأديب الصناع والسادس تأديب جماعي الأموال والسابع تأديب حفظة المدينة والقسم الثالث هو ما يحتاج أن يعمله في أمر رعيته وهذا ينقسم أيضا إلى سبعة أقسام أحدها بيان أنه لا بد من إختيار العمال والثاني صفة من يجب أن يختار والثالث ذكر السنن والآداب التي يجب أن يؤخذ بها العمال والرابع بيان أنه لا بد للرئيس من معين في الرأي ومشير والخامس في صفة الوزير والمشير والسادس القول في الإختيار والسابع القول في الرأي وفي المشورة وفي القوانين التي يجري عليها الرأي
بأي السياسات ينبغي أن يكون الإبتداء بسياسة السلم أو الحرب
قال أفلاطن الإبتداء بسياسة السلم أولى ويشبه أن يكون ذلك كالشيء اللازم وكالأمر الضروري إذ كان لاسبيل إلى دفع شر الأعداء إلا باجتماع كلمة الأولياء قال ولذلك نقول بأن الواجب على السائس أن يصرف تدبيره أولا إلى استصلاح حال أهل المدينة فيما بينهم من الشرور التي تتولد فيهم بالبغضاء والتباين والحسد والتنافر قال وبعد فإنه ليس يجوز أن يحصل لهم الخيرات ما لم يقع الأمن لبعضهم من بعض قال والحرب حربان حرب فيما بين أولياء بعض من بعض وحرب فيما بينهم وبين أعدائهم وشر الحربين ما تكون بين الأولياء فلذلك نقول بأنه يجب أن يكون ابتداء عناية السائس اكتساب حسن الحال للأولياء
القول في كيفية السياسة على وجه آخر سوى الوجوه التي ذكرناها وفيه بيان أنه ليس يجوز أن يقوم غيره إن لم يتقوم السائس أولا نفسه بالحجج البينة والواضحة
وأقول من أول ما يجب على السائس أن يفعله في حق السياسة أن يلتزم الطاعة للسنة التي يريد حمل الناس عليها في جميع متصرفاته وأن لا يرخص لنفسه خلافها في شيء من الأشياء البتة وإن خف أمره وهان خطره وذلك أنه إن أقدم على خلافها كان ساعيا بفعله إلى إبطالها ومقدما بخلافه لها إلى عض حرمتها ومسهلا على غيره سبيل الجرأة على تركها بل على إبطالها في الجملة وقال أفلاطن وجود أنه متى سوغ الرئيس للناس رفض سنة واحدة صار ذلك ذريعة لهم إلى إبطال السنن كلها قال أبو الحسن لأنه ليس الثاني بأحق في الحق من الأول
دليل آخر لما قلناه
أقول إنه لما كانت السياسة حمل الناس على طريقة السنة وفبضهم على العدول عنها فلا بد من أن يكون السائس قائدا فيها ومستتبعا من يسوسه أو سائقا فيقدمهم أمامه فمتى تولى السائس بنفسه عن طريقة السياسة وأخذ بفعله إلى خلاف جهتها فقد اضطر الناس إلى التولى عنها وإلى التوجه إلى حيث توجه هو إليها فإنه القائد وبيده الزمام أو السائق وبيده السوط
دليل آخر
و أقول إنه متى رغب رعيته في فعل شيء بلسانه ولم يرغب هو فيه ورهب من مواقعة شيء بلسانه ولم يحقق هو الرهبة منه بنفسه ولكنه أظهر الرغبة فيه كان لمكذب لقوله بفعله وكالمزهد بعمله لما رغب فيه بلسانه كالمرغب بفعله فيما زهد فيه بلسانه
دليل آخر وهو قوي
أقول من البين أن المنفعة بعلم النافع إنما هي لأن يرغب فيه فيقتنى والمنفعة بعلم الضار إنما هي لأن يزهد فيه ويتقى فمتى صار المفيد للعلم بالنافع وللعلم بالضار زاهدا فيما ذكر أنه نافع وراغبا فيما ذكر أنه ضار كان كأنه قد غر وخادع ودعا إلى ترك شيء ورفضه ليخلص له فيأخذه وإلى فعل شيء ليتخلص هو منه إذا اشتغل به غيره
دليل آخر وفيه بيان معرفة علوم الأعمال في الأول إنما تقع على سبيل حسن الظن بالقائل
وأقول السبيل إلى معرفة علوم الأعمال في الأول إنما هو التسليم للخير على سبيل حسن الظن قال أبو الحسن وذلك أن هذه العلوم إنما تحصل بالتجربة والتجربة إنما تحصل بالحس والنظر وذلك أن التجربة إنما تكون في الجزئيات والجزئيات إنما تدرك بالحس والحس فإنما يدرك منها اللذة والأذى وذلك إنما يكون من بعد التسليم للأول فإنه ما لم يسلم لم يتعلم منه وما لم يتعلم لم يمكنه أن يأخذ به في العمل وما لم يأخذ في العمل لم يحصل له علم التجربة والتعقل إنما هو في معرفة الضار والنافع والخير والشر وهذه إنما تدرك بالنطق والنظر وهو السبب فيه وقال أرسطوطيلس ينبغي للأحداث أن يسلموا للمشايخ وللمتعقلين من غير برهان ويجب عليهم أن يسلموا لظنونهم من غير برهان كما يجب عليهم أن يسلموا للبرهان وينبغي للمتعقل أن يعرف الأبر والأفضل والأنفع والأضر ولذلك نقول بأن المجرب يحتاج أن يكون بصيرا بمعرفة وجوه العبرة والمقايسة ويحتاج أن يكون سليما من الآفة والعاهة فإنه من البين أن الممرور لا يجد طعم الأشياء على الصحة لكن إنما يجدها على الصحة الصحيح وأيضا فإنه قد يلتذ الإنسان من جهة العادة بما ليس بلذيذ كنتف اللحية وكأكل الفحم والطين ويحتاج المجرب إلى زمان كثير فإن التجربة لا تحصل بمعرفة شيء واحد لكن بمعرفة جميع الأشياء التي يحتاج إليها السعيد في حايته وقد يحتاج إلى الزمان الكثير لمعنى آخر وهو أنه ليس يكفيه أن يجرب الشيء مرة واحدة ولكن يحتاج أن يجربه مرارا كثيرة فإنه يحتاج أن يجربه على الأوقات المختلفة وعلى الأحوال المختلفة وعلى الوجوه المختلفة وأقول القاصد إلى التعرف إن كان صيبا فإن الذي مضى عليه من الزمان قليل وإن كان مسنا وعرفان زمان يقظته قليل والمجرب يحتاج إلى زمان طويل مع اليقظة فقد بان بما قلنا أنه لا سبيل إلى معرفة هذه العلوم في الأول إلا من جهة التسليم للمعلم بحسن الظن ومن البين أنه ليس يجوز أن يحسن ظننا بمن نراه بحاله على خلاف ما إليه يدعونا وذلك بأن يكون زاهدا فيما يرغبنا فيه و راغبا فيما يزهدنا فيه وبعد فإن كان قد دعانا بلسانه إلى فعل شيء فقد دعانا بفعله إلى تركه ودعاء الفعل أبلغ وأقوى لأن الفعل أشرف من العلم الذي يراد لذلك الفعل
سؤال
وقد يجب أن ينظر أنه هل يجوز أن يكون الإنسان عارفا بالخير وبالمنافع فيزهد فيهما ولا يرغب وأن يكون عارفا بالشر والضار فلا يزهد فيهما ويرغب
والجواب
بأنه ليس يجوز كون ذلك من غير علة أو آفة و ذلك أن الإنسان مجبول على محبة الخير والنافع وعلى الرغبة فيهما وعلى بغض الشر والضار وعلى الهرب منهما ولكنه متى وقعت الآفة على المعرفة كشك أو شبهة أو سهو أو غفلة وقع فيما كان سبيله أن يهرب منه وترك ما كان سبيله أن يرغب فيه وأما العلة فاعتراض شر أو مؤذي فيما بين العارف بالخير والخير وفيما بينه وبين النافع واعتراض لذة وشهوة فيما بينه وبين الشر والضار
في المثال
إن دفع العدو عن بلادنا والإنكاء فيهم خير لنا غير أنه يعترض بيننا وبين هذا الفعل المخافة من الآلام والأهوال التي لا بد من وقوعها لمن أراد إقامة هذا الفعل ومن البين أيضا أن الهرب من الأعداء شر وأن الإستسلام للأسر أيضا شر إلا أنه يعترض بيننا وبين هذا الشر لذة تعجل الراحة من النصب والتعب والخطر والأله وهذه اللذة تخدعنا فتوقعنا في الشر الذي لا نشك فيه فقد بان بما قلنا أن الإنسان ليس يذهب عن المؤثر إلى ما ليس بموثر ولكنه إنما يذهب عن الأبر والأفضل وأقول إن الجاهل ليس يوقع نفسه في الشر إلا من جهة المخافة من الشر لكنه يصير إلى ما هو أكبر في الشرية بسبب ما هو شر ويترك ما هو أكبر في الخير بسبب ما هو خير والفاضل يكون بخلاف ذلك ولذلك نقول بأن الفاضل هو المقياس والعيار لما يختار وقال أفلاطن وأحد الآفات على أهل المعرفة الرجاء الكاذب وذلك بأن يؤملوا أن لا يضرهم الضار وإن أخذوه ولا يفوتهم النافع وإن تركوه أو يظنوا بأنهم يتخلصون منه إن ضرهم قال والأماني لا يسلم منها أحد
في الآداب التي يحتاج الملك والسائس أن يأخذ بها نفسه
وقال أرسطوطيلس للإسكندر إن الذي يحبك الناس عليه التواضع ولين الجانب والذي يعظمون الجزالة وكبر الهمة فاجمع الأمرين تجتمع لك محبتهم وتعظيمهم
أدب آخر كبير
وقال أفلاطن ينبغي للملك أن يجمع إلى سلاسة القياد وأن يمزج بينهما فإنه ليس يتم الأمر بواحد منهما
آخر
وقال أرسطوطيلس للإسكندر ولا يرينك رأيك أنك إذا أحسنت القول فقد أبلغت من دون أن تحقق قولك بفعلك ومن دون أن تحقق علانيتك بسريرتك قال وإنه ليس ينبغي أن تثق بحسن ثناء الناس عليك إلا إذا كنت محسنا
آخر
وقال أرسطوطيلس للإسكندر أقبل المعذرة من الكاذب إذا أردت استبقاءه ودع الحجاج عن قدره وليس ينبغي أن تظهر غضبك وإذا أظهرت فليس يجوز أن تسكن إلا إذا أثرت الأثر العظيم
سياسة
كان الإسكندر إذا استبطأه الجند ضرب أعناقهم وإذا استبطأه ندماؤه زاد في الإحسان إليهم
وصية
وقال ملك لابنه با يرتفعن جهل أحد علم حلمك ولا ذنبه عن عفوك ولا طلبته عن جودك
أدب حسن
قال سابو ربن أردشير ينبغي للملك أن يقدر محده وذمه وترغيبه وترهيبه حتى لا يخرج بلسانه إلا ما يكون ملائما لفعله فإنه متى عرف بإرسال اللسان على الجزاف لم يجزل وعده ولم يروع وعيده قال وينبغي أن يعلم الناس أنه لا يعجل بالثواب ولا بالعقاب فإن ذلك أبلغ في رجاء الراجي وخوف الخائف
أدب
وقال علي للأشتر ليجتمع في قلبك الإفتقار إلى الناس والإستغناء عنهم حتى تزول عنك ذلة الخشع بالإستغناء عنهم وجفوة اللقاء بالإفتقار إليهم
أدب حسن
قال علي للأشتر استر عورة رعيتك ولا تكشف ما طوى عنك وادرأ الحدود ما أمكنك
أدب حسن
وقال أرسطوطيلس للإسكندر لا تستأنس إلى النساء أسنا يطمعهن ذلك في تزيين حديث عندك أو تقبيحه واجتهد في أن لا تقع الأحاديث إليهن
أدب
قال علي للأشتر لا يحملنك شرف امرئ عل أن تعظم من بلائه صغيرا ولا ضعة امرئ على أن تصغر من بلائه عظيما
تفطن وأدب وحزم
قال سقراط واجب على من خاف أن يمتحن بالرياسة أن يسوس نفسه على احتمال جهل الناس وسوء آدابهم فإنه ليس ينبغي للسائس أن يقلق من أخلاق العامة وجهلهم قال أبو الحسن ويجب مع ذلك أن يعود نفسه احتمال التعب والكد فقد قيل بأنه ليس شيء أكد من سياسة العامة وأنشد الجاحظ وإن سياسة الأقوام فاعلم لها صعداء مطلبها شديد
أدب وسياسة
قال أنوشروان لا ينبغي للملك أن يتتبع زلات رعيته قال أبو الحسن ليس المعنى فيه أن لا يقصد إلى معرفتها ولكن المعنى أن لا يقصدهم بالعقوبة فيها إذا كانت مما يجوز تسويغها واحتمالها وذلك بأن لا تكون موبقا للدين ول مؤثر في المملكة وقال بعض الملوك لولده إرض من رعيتك بالميسور وتجاف عن زلات أيديها وسقطات ألسنتها فيما لا يبكي في ملكك
تفصيل ما ينبغي للملك أن يتولاه مما لا ينبغي له أن يتولاه
قال أرسطوطيلس الأمر أمران كبير لا يجوز لك أن تكله إلى غيرك وصغير لا يجوز لك أن تباشره بنفسك وقال أفلاطن لا ينبغي للملك أن يتولى شيئا من الأمور الرذلة بنفسه والأمور الرذلة أمران أمر يكون حسن المبتدأ رديء العاقبة وأمر يكون حسن العاقبة رديء المبتدأ قال ولا ينبغي للملك أن يتولى بنفسه الرديء وقال علي للأشتر اعلم بأن من الأمور أمورا لا بد لك من مباشرتها منها إصدار حاجات الناس في قصصهم منها معرفة ما يرد إلى بيت المال ويخرج منه ومنها إجابة العمال فيما لا يجوز أن يستكفي فيه الكتاب
فيما يجب أن يعامل به الرئيس نظيره إذا دخل إليه
قال ابن المقفع الواجب على الملك إذا دخل إليه من يساويه في المنزلة أن يقوم له ويخطو خطا بين يديه وأن يجلسه في مجلسه ويجلس دونه وإذا نهض قام له وخطا خطا بين يديه وأمر حشمه بالسعي بين يديه وأن يركبوه بحيث يراه
في جلوس الملك للعامة أن كيف وبأي مقدار
وقال أرسطوطيلس للإسكندر اجلس للعامة في فصلى السنة ولا تجلس بغير سلاح ولا يكونن على أحد ممن يكون على رأسك سلاح وإذا جلست فاقض حوائج الداخلين إليك وقدم مجلس أهل الفضل وقال وينبغي أن تأخذ وؤساء المدن بتسهيل سبل الناس في الوصول إليهم وفي اقتضاء حوائجهم وقضائها لهم وقال علي للأشتر لا يطولن حجابك فيقل علمك بأمور رعيتك وقال سابور بن أردشير لابنه هرمز وينبغي أن تجلس للعامة في كل شهر مجلسا ينتصف فيه المظلوم من الظالم وقد قيل بأن الأكاسرة كانت تجلس في كل سنة مرتين فقط وكانت تأمر بأن ينادي من قبل جلوسها ألا إن الملك يريد أن يجلس في يوم كذا وكان إذا جلس أمر بأن ينادى أول من له على الملك دعوى أو مظلمة فإذا دخل المدعي عليه نحى تاج الملك وجاء فجثا بين يدي الموبذ وحاكم وكان أمرهم هلى هذا إلى أن ملك يزد جرد فامتنع من التحاكم وقال ليس للرعية أن ينتصف من الملوك فبينا هو في إيوان له إذ دخل فرس ملتجم مسرج فرمحه وقتله
كيف ينبغي للملك أن يقسط أيام حياته
قال أفلاطن ينبغي للملك أن يقسط أيام حياته أربعة أقساط قسط للنظر في كتب الحكمة وفي أحكام الناموس وقسط فيما يصلح أحوال الأغنياء وقسط في تنفيذ ذلك وفي إقامة الفضائل قال ولا ينبغي للملك أن يدخل وقتا في وقت وروي بأن الإسكندر كان جعل يوما لأهله ويوما لراحته وأنسه وكان الصيد أكثر أنسه وكان جعل يوما لدرس الحكمة ويوما للفكر في صلاح أمور العامة ويوما للفكر في صلاح أمور الخاصة ويوما للفكر في أمور الأعداء
فيما يجب على الملك أن يفعله في الغلط إذا وقع منه
قال سابور بن أردشير لابنه هرمز اعلم بأن أحدا لا يخلو عن هفوة ولا يسلم من زلة وإن كان بارعا فاضلا ومتيقظا حازما فإن زل لسانك عن خطأ أو مال رأيك إلى غير رشد فتدارك ذلك بسرعة الرجوع عنه ولا يمنعنك خشية الهجنة من التزام الحق في الرجوع إلى الصواب فإن ثباتك على الخطأ من بعد تبينه أعظم في الهجنة عليك وأشد في العار قال أرسطوطيلس للإسكندر إذا افتتحت أمرا على أنه صواب ثم تبيتت أنه خطأ فاجعل رجوعك عنه على تلبيس ما أمكنك ومن التلبيس أن تستتمه إذا لم يكن في استتمامه المضرة الشديدة ثم الواجب بعد ذلك أن تنقضه ولكن من بعد زمان
في كيفية السياسة على وجه آخر وفيه قوانين كلية كما يجب أن يأخذ به الملك نفسه لرعيته
قال أفلاطن من الواجب على الملك أن يوفي من عليه لهم من حق الحياطة والحماية والعدل والنصفة ثم يطالبهم بإيفائه ما عليهم له من حسن الطاعة والنصيحة قال أبو الحسن ويجب على الملك أن يطالب عماله بإيفاء ما عليهم للرعية إليهم وأن يأخذ رعية كل عامل بحسن الطاعة لرئيسه وبحسن النصيحة وقال أرسطوطيلس وينبغي أن يتفقد أمور رعيته تفقدا تاما والسبيل في ذلك أن ينصب أقواما يصلحون لذلك ويأمرهم بالتقاط أخبارهم صغيرها وكبيرها فإن للصغير حظا من التدبير ليس للكبير وقال أفلاطن وينبغي للملك أن يحقق وعده ووعيده فإن انسياق الناس إلى ما يسوقهم إليه ليس يقع بالوعد والوعيد لكن بتحقيق الوعد وبتحقيق الوعيد قال أبو الحسن ويجب أن يظهر ذلك ويشهره ليردع ما حل بالمسيء الرديء من الإساءة من الهم لينشط الجند على فعل الجميل والنافع وعلى الرغبة فيها وواجب عليه أن يتعرف أمور أعدائه وأعداء رعيته ليقابل كل مكيدة تكون منهم ومن إرادتهم بما يدفع به كيدهم ويرد به قصدهم وواجب عليه أن يصرف عنايته إلى عمارة وجوه المنافع المشتركة وإلى استدرار الأموال منها ثم يجب عليه أن يخرج ذلك فيما يعود بصلاح حالهم من عمارة القناطر والرباطات والأسوار والأودية والأنهار وفي تحصين الثغور والعورات وأشباه هذا ويجب أن يخرج من ذلك كفاية من قعدت به زمانة أو علة أو صغر سن أو ضعف كبر عن المكاسب إذا لم يكن له ذخيرة مال ويجب أن يقيم لكل مدينة حفظة وجندا وعمل الحفظة أن يحفظوا البلد من الآفات التي تتولد من أهله بالسرقة والنهب و قطع الطريق وسائر الجنايات وعمل الجند أن يحاموا عن البلد وعن أهله شر الأعداء وأضرارهم ويجب أن يقيم لجميع هؤلاء الكفاية من الأموال المشتركة وأقول مدار أمر السياسة على حفظ المستقيم على الإستقامة وصيانته من الآفة وعلى استصلاح الفاسد بإزالة الآفة ورده إلى الصحة وعلى التوقي من شر الأعداء ودفعها إذا وردت وأقول إن حفظ المستقيم على الإستقامة إنما يكون بصيانته عن جميع ما يزيله عن الإستقامة واستصلاح الفاسد إنما يكون برفع جميع الأسباب المولدة للعلة
باب في كيفية السياسة على وجه آخر وفيه بيان وجوه الحزم
أقول الحزم قاعدة السياسة ومبناه على التنبه للواقع بحسن التفقدوالتعهد وعلى استخراج ما لم يقع مما يجوز أن يقع باستقباله بالفكر فيه وبالتكهن من الواقع وبالتفرس والدرجة الثانية التثبت إلى أن يصحح ما قد بلغه ويستبين ما قد استخرجه والدرجة الثالثة الروية فيما يجب أن يعمل فيما بلغه واستخرجه وفي جميع ما يحتاج أن يعمله حتى يكون على مقدار ما ينبغي و بالمقدار الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي والدرجة الرابعة البدار إلى تنفيذ ما قد استبان وظهر وترك التأخير و من الحزم أن يعمل على الأشد فيما يحذر وعلى الأيسر والأخف فيما يؤمل وأن يصرف هزله إلى الجد وراحته إلى التعب وينبغي أن يعلم أن كثيرا من الأمور الضارة إذا لم يتقدم عليها باستعداد فوردت بغتة فجأة لا تمهل لاقتناء ما يتوقى به من شرها فتضر لذلك الضرر العظيم وربما أبادت وأتلفت
ذكر ما جاء عن الحكماء على معاني ما قلنا
سأل الإسكندر الملك حكيما أن يوصيه فقال اصرف عنايتك إلى التفقد حتى لا يذهب عليك شيء من أمرك واجعل عماد أمرك التثبت ولا تقدمن على أمر من الأمور إلا بعد الفكر فيما عليك منه ولك وإياك والتكهن بالأمر الصغير إذا كان محتملا للنماء وقال علي بن أبي طالب للأشتر إياك والإقدام من قبل التبين وإياك والتسويف من بعد التبين وقال بعض الحكماء أحزم الملوك من ملك هزله بجده وقهر هواه بلبه وأعرب عن ضميره بفعله ولم يختدعه رضاه عن خطأ نفسه ولا غضبه عن خطأ غيره وقال أرسطوطيلس كل الناس محتاج إلى التأني والتثبت والملك إليه أحوج لأن قوله ينفذ ويفعل كل ما يقول من غير تأخير ولا اعتراض وفي عهد ملك إلى ابنه استقبل الأمور بحسن الروية في أوائلها وبجميل الإستعداد لعواقبها وليكن أوثق شيء مما تدخره من أسلحتك وأفضل عددك صلح الرجال من أهل الفضل والبأس وقال أرسطوطيلس لا تؤخرن شغلا عن وقته طلبا للراحة فإن ذلك يسلبك الراحة ويزيدك مع ذلك الحسرة واعلم بأن الأمور إذا اجتمعت عليك دحتك وقال أفلاطن من أوجب الواجب على الملك أن يعرف الآفات الداخلة على الملوك قبله ليحترز منها وقال أفلاطن وينبغي أن يعلم السائس أن الفتن في المدن تكون أشد تمزجا من الأمواج في البحر فينبغي أن يكون حذرا من وقوعها وينبغي لذلك أن يتفقد أمر أهلها دائما وقال أفلاطن وليس ينبغي للملك أن يدع رياسات العامة تكثر وإذا كثرت قبحت أن يرفعها إلى رئيس واحد وقال أحق من ساء ظنك به من ساء بلاؤك عنده وأحق من حسن ظنك به من حسن بلاؤك عنده وقال أرسطوطيلس وينبغي للملك أن يسرع إلى الإصغاء وأن يبطئ إلى التصديق وقال أرسطوطيلس وينبغي للملك أن يحذر في كل شيء من أمره من الداني والقاصي والولي والعدو حتى في مطعمه ومشربه ولباسه ونومه وفي مستحمه وقال بعضهم الحزم هو حفظ ما كلفت وترك ما كفيت وقال ملك لابنه احذر أن يجوز عليك بغي باغ وسعاية ساع بالتدليس وذلك بأن يجعل لهما صورة النصيحة والشفقة وقال اتق نكبات الأيام وحسرات عواقب التفريط وقال أرسطوطيلس للإسكندر دار رعيتك مداراة من قد أنهكت عليه مملكته وتفقدهم جهدك تفقد من قد احتاج إلى مدافعتهم عنه وعامل أعداءك على أنهم في الدرجة العليا من القوة وإذا اجتمع الرأي والأنفة في الموضع الضيق فدع الأنفة للرأي وقال أفلاطن ينبغي للملك أن يستعمل الحذر عند الأمن والطمأنينة فإنه قل ما ينفع عند نزول البلية وقال معاوية ما بين أن يملك الملك رعيته أو تملكه إلا الحزم والتوافي
هذا من حقه أن يكتب بماء الذهب
قال سابور بن أردشير لابنه هرمز اعلم بأنه لن يمكنك القيام بما أوصيتك به إلا بكد عظيم ومضض شيديد وأنا أخشى أن تمل ذلك ولا سيما إذا لم تجد لنفسك موافقا وعلى أمرك معاضدا فخانك الأمين وغشك الناصح فإن عرض لك ذلك فانظر في الذي تمسك من عاقبة ما أنت صائر إليه فإنك إذا تأملت ذلك عرفت أن المضض والقلق مما أردت الهرب إليه أشد وأعظم مما أردت الهرب منه
ومن الحزم الواجب في الراي الوفاء بالعهد والعقد
وقال ملك لابنه حافظ على ما أعطيت من عهد وما عقدت من عقد فإنه أمان الله الذي أفاضه بين عباده حتى أمن به العدو وعدوه واستتام إليه الخائف من خوفه قال أبو الحسن وبه ينتظم رغد السلم وراحته ويندفع خطر الحرب وهوله وقال علي للأشتر إن الله جعل العهد أمانا بين عباده فلا تجرين على الغدر فإن الله مهلك كل من اجترى عليه ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا ثبات لك بنقمته وإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال
قانون كبير في الحزم
قال سابور لابنه هرمز اعلم بأنه لا بد للملك من خاصة جند يعدهم للنوائب ويصطنعهم للشدائد فينبغي أن تلتقط من جميع جندك لذلك الأفضل فالأفضل والخير فالخير
قانون
قال حكيم احذر التفريط في الأمور اتكالا على القدر فإن لكل قدر سببا يجري عليه فسبب الخزى والخيبة التفريط وسبب النجح والغبطة البدار والجد واعلم بأن القصد في الأمور في أوانها خير من إتعاب النفس فيها بعد تولى زمانها ومن الإستظهار التقدم عليه بالروية ثم بالإستعداد ويجب أن يكون مقدار الزمان الذي يتقدم به عليه مقدار ما يسع للفكر والإستعداد فإن جال الأمر كنت مستعدا له وإن تخطاك لم يضرك ما فعلت وقال بزرجمهر لأنوشروان اترك ما يتوقع بمنزلة الواقع وخذ له أهبته وقال أرسطوطيلس للإسكندر اعلم بأن الحذر من الأمر إنما يكون قبل أن يشرع فيه فأما ترك الأمور من بعد الإنغماس فيها فإنما هو الجور وفي جاويذان خرذ تقدمة الروية أبلغ من الإستظهار عند وقوع الأمر بالمشورة وأضعف الحيلة أبلغ من أقوى الشدة وأقل التأني أجدى من كثير من العجلة قال بعض الحكماء من لم ينتفع بظنه لم ينتفع بعقله
حيلة يتوصل بها إلى معرفة الأحوال المستبطنة
قال سابور لابنه وهو في خذا نامه ينبغي للملك أن يجعل أقوياء كل من يريد الوقوف على أخباره من عماله وأعوانه وأهل مملكته وخيرتهم عيونا عليهم ثم ينبغي أن يكرم من سمح بالتعريف وصدق ويعاقب من كتم أو كذب
قانون كبير في السياسة
قال علي بن أبي طالب للأشتر اعلم بأن سخط العامة يجحف برضاء الخاصة وبأن سخط الخاصة يغتفر مع رضاء العامة وفاعتمد لأعمها منفعة
قانون آخر كبير في السياسة
قال سابور لابنه هرمز لا تطلق لأحد من قواد عسكرك أن يتناول أحدا من أصحابه بضرب أو عقوبة وأوجب عليهم أن يرفعوه إلى صاحب مظالمك حتى يكون هو المعاقب إن أوجب الرأي العقوبة
قانون
قال أنوشروان ينبغي للملك أن يطلع على ما في غور البحار ولججها وعلى ما في أعالى الجبال ورؤوسها وذلك بأن يجتهد في معرفة ذوي الرأي والروية من رعيته وذوي الوفاء والأمانة منهم ثم أنه يجب عليه من بعد ذلك أن يسلط ذوي الرأي على تأديب رعيته وذوي الأمانة على القيام بأمور رعيته
قانون في الحزم
في خذاي نامه قال سابور لابنه هرمز من الواجب على الملك أن يتفقد أمور البلدان المتلاحمة للأعداء حتى يحصنها بالحراس والحفظة ويخصها بالنفقة ولا سيما إذا كثر أهلها فإن أهلها أضرى على العدو وأشد بأسا والفتنة إذا وقعت بها كانت أشد اشتعالا وأبطأ سكونا ثم إن كانت متنائية عنك كانت أعظم في البلاء ثم إنك لا تأمن أن يصيروا أعداء لك وأعوانا لأعدائك عليك من بعد أن كانوا لك أعوانا وأولياء
قانون آخر في الحزم
وقال أرسطوطيلس واجب على الملك أن يخاف من يصلح لمكانه فيداريه ويحذره وهكذا سبيل كل ما لا يمكن أن يكون فيه اثنان
قانون آخر في الحزم
قال أفلاطن إن الرئيس إذا دامت رياسته كبرت نفسه فترفع عن الخضوع لمن فوقه فلا ينبغي للملك أن يدع رياسة تدوم الزمان الطويل في حالات مختلفة
قانون آخر في الحزم
قال سابور لابنه هرمز أحذرك أن تسفعمل على الأرض الكثير خراجها البعيد صوتها أحدا من أعلام الناس ومن رؤساء قادة الجيوش فإنه إن خانك فسوغت له خيانة أفسد ذلك أمر ملكك وإن لم تسوغ له أفسدت وليا من أوليائك وأمكنك لكثرة دخله مناواتك
قانون آخر في الحزم
قال أفلاطن وينبغي أن يعرف حالات أهل المدن وأخلاقهم حتى يولي عليهم المشاكل لهم
قانون آخر في الحزم
قال أفلاطن ينبغي أن يخاف ويخشى ممن يستبطي الزمان والرأي في أمرهم أن يسقوا شربة فيفتقوا أو يبيدوا
قانون في الحزم
قال افلاطن ومن الآفات العظيمة الغفلة عن الطبع القوي الجيد فإن الطبع العظيم إن لم يصرف إلى خير عظيم لم يصبر على توليد الشر العظيم
قانون في الحزم
قال أرسطوطيلس للإسكندر إذا أردت الإستيذاء بمن له حال في نفوس العامة فلا تفعل أو تبلغ غيره مبلغه عندهم
قانون في الحزم
قال أفلاطن ينبغي للسائس أن يحفظ الخبر من التجار والرأي من القواد
قانون في الحزم
قال سابور لابنه هرمز اعلم بأن متى اتفق لك في أشياعك وقادة جيوشك من يرزقه الله النصر والظفر على أعدائك أو من وزرائك من يوفقه الله لصواب الرأي في أمور فإن ذوي الآفات سيحتالون في استفادتهم عليك بإفساد أحوالهم عندك والفاعلون لذلك ثلاثة أصناف أحدها حساد نعمتك وتعمتهم الثاني أعداء نعمتك ونعمتهم والثالث المائلون إلى العيث والخبط والهرج
قانون كبير في الحزم
قال سابور بن أردشير لابنه هرمز وهو في خذاي نامه ينبغي أن يضمن أهل كل كورة وناحية ما ترى أو ذهب في بلادهم مال أو سفك دم قال وينبغي أن تشرك أعداءك على المراصد وعمالك على المسالح في الغرامة معهم قال وينبغي أن تلزم أعوانك مع الغرم العقوبة بالحرمان والتوبيخ والهجر
بيان أن السياسة المستقيمة هي التي تجري على جهتي
العنف والرفق والترغيب والترهيب وأنه لا
سبيل إلى إجراء الأمر بأحد الوجهين قال أرسطوطيلس للإسكندر تشكل بأشكال مختلفة من لين سياسة وغلظة ليجتمع لك أمر الناس طوعا من بعض وكرها من آخرين قال واعلم بأن سياسة أهل الدناءة لا تستوي وتستقيم البتة إلا بالإخافة والهوان وبأن سياسة أهل الشرف لا تستقيم إلا بالكرامة والإحسان وكتب إليه أيضا في كتاب كن رؤفا رحيما ولا تكونن رأقتك فسادا على من لا يصلحه إلا الأدب وهم أهل الشر والغدر واعلم بأنك إن رحمتهم وعفوت عنهم فقد أعطبتهم وأعطبت غيرهم بتجريهم على الفساد قال فيجب لهذا إن تقرر في نفوس أهل الردى والخبث أن عقوبتك حالة بهم متى خالفوا أمر السنة وأمرك وكان أنوشروان يوقع في كل عهد سس خيار الناس بالمحبة وشرار الناس بالإخافة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وقال أرسطوطيلس إذا ارتقعت الإخافة عن الأراذل أشروا وبطروا وعاثوا وأفسدوا فواجب إذن أن يخوفوا ويجب ذلك من وجه آخر وهو أن الشرير لا يفعل الخير ولا يترك الشر من أجل الخيرية لكن من جل العقوبة والمخافة وقال أنوشروان واجب على الملك أن يشدد المستعصين وأن يمدح المقبلين على شأنهم ويكرمهم فإن في ذلك إيناسا للمجتهدين في الخير ولمجاهدي أنفسهم في منعها من الشر قال وينبغي أن يقرر في نفوس أصحاب الجرائم أنه سالب لأرواحهم إن لم ينتهوا عن الشر
بيان أن العقوبة والإهانة ضروريات في السياسة
قال أرسطوطيلس إن الذين قد استولت عليهم الشهوات واللذات لا سبيل إلى استصلاحهم بالكلام فإنه وإن أحب أن يفعل الجيد والنافع وترك القبيح والضار لا يمكنه ذلك لتمكن العادات الفاسدة منه قال وإن مخاطبة الجاهل بالعقل كمخاطبة العاقل بالجهل وفي التجاوز عن أهل الفساد توهين لأمر السنة والسياسة وإضرار بأهل الصلاح وقال أفلاطن إنه ليس كل أحد ينقاد بالرفق والكلام فلا بد من العقوبة ومن الهوان قال أفلاطن وينبغي إذا عاقب أن لا بعاقب بغلظة وقسوة لكن برقة ورحمة فإن أصحاب الفواحش والآفات أولى وأحق بالرفق والرحمة من أصحاب العلل والعاهات
أدب كثير
قال أفلاطن وكما لا ينبغي للصاحي أن يعظ السكران أو يعذله كذلك ليس ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له وقال سابور أردشين لابنه هرمز اعلم بأنه ليس يستفيض الأمن في العامة إلا بأن يكون الخوف شاملا لأهل الريبة والخيانة فينبغي أن تخيفهم وتشردهم وأن تقطع أطماع من له حق أو حرمة من تحرمك لهم فيهم عند وجوب العقوبة عليهم ولا ينبغي أن تداهن في أمرهم وقال أفلاطن واجب على الرئيس أن ينظف المدينة من الأخلاق السبعية وهي التي أفسدتها الطبيعة أو الغذاء الرديء فإنه إن لم ينظف البلد منهم بأن ينكل بهم ويشردهم أفسدت هي الأخلاق السليمة وقال الجاحظ أي رئيس كان خيره محضا فقد خالف الله في تدبيره وظن أن رحمته فوق رحمته فعدم الهيبة وأفسد الرعية ولو كان الناس كلهم يصلحون على الخير لكان الله بأن يقتصر بهم عليه أولى فإذا لم يقتصر بهم على ذلك فقد بان بأنهم إنما يصلحون على اللين والشدة والعفو والعقوبة والمنع والعطية قال وإذا كان الأمر على ما قلناه فقد عاد الشر خيرا والمكروه محبوبا والمنع عطاء قال ونقول خير الخير ما كان ممزوجا وشر الشر ما كان صرفا قال وقد قيل بعض العفو إغراء وقتل البعض إحياء ومنع البعض إعطاء فلا بد من الوعد والوعيد ومن البشر والعبوس قال ولو كان الشر صرفا هلك الخلق ولوكان الخير صرفا انقطعت المحبة ولو انقطعت المحبة سقطت الفكرة ومع عدم الفكرة عدم الحكمة ومع عدم الحكمة عدم الإنسانية ولولا الحكمة لكانت البهيمة أفضل لأنها ألذ عيشا وأرغد قال وإنه ليس بلية أعظم ضررا من ملابسة من لا يراقب الله ولا يتقيه ومن مقاربته ومجاورته فإنه إذا كان بالله عارفا وعليه مجترئا ولحقوقه مضيعا ولإحسانه كافرا فإنه عليك أجرأ ولحقوقك أضيع وبإحسانك أكفر وإن كان بحقوق الله جاهلا كان بحقك أجهل وقال عمرو بن العاص لمعاوية احذر طغيان اللئيم وخصاصة الكريم فإن اللئيم إنما يصول إذا شبع وأما الكريم فإذا جاع
البحث عما قاله أفلاطن بأنه ليس ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له وهو من قبل [؟]
فأقول وقد يجب أن ننظر فيما قاله أفلاطن من أنه ليس ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له إذ كان مخاطبة الجاهل ومن لا أدب له كالضروري تعليما وتأديبا وأمرا ونهيا وإعذارا وإنذارا ومراده عندي أنه ليس ينيغي أن يعتمد في أمر الجاهل ومن لا أدب له على المخاطبة وذلك بأن يظن أن الخطاب كافية ولكنه يجب أن يجوز المخاطبة إلى أخذه بالهوان والشدة
في الفصل بين عقوبة الأولياء المخالفين وبين عقوبة الأعداء المنابذين
قال أفلاطن واجب على السائس أن يفصل بين ما يستحقه الأعداء وبين ما يستحقه المخالفون لنا من الأولياء قال وأقول يجوز في الأعداء القصد إلى قتلهم وسبيهم وإلى تخريب عمارتهم وإحراق منازلهم وليس يجوز شيء من هذا في مخالفينا من الأولياء بل القصد في التغيير عليهم وفي مجاهدتهم تأدبيهم وتقويمهم وردهم إلى حسن الطاعة فقد بان إذن أن الواجب فيهم وفي أملاكهم الإستبقاء قال وأقول يجب أن يقبض أملاكهم وأن ينتفع بها ما داموا في طغيانهم فإذا استقاموا تابوا رددنا عليهم
في الجنايات التي لا يجوز احتمالها والحيلة في تعريفها
قالوا كانت الأكاسرة تتجاوز عن كل ذنب إلا ثلاث الطعن على الملك والخيانة في الحرم وإذاعة السر وكانت حيلتهم في معرفة المنحرف عن الملك والطاعن أنهم قد كانوا نصبوا رجلا في صورة المتألفين يداخل السلطان ويطعن على الملك ويسهل عليهم سبيل الطعن ثم إنه كان يرجع إليهم بخبر من يساعده وبخبر من يرد عليه مقالته ولا يساعده وكانت حيلتهم في معرفة الخيانة في الحرم أنه كانوا يحولون من يريدون اختياره إلى الدار وكانوا يوكلون به من يحفظه ثم يدسون إليه بجارية رائعة الجمال مليحة المقال قد أعدت لذلك على سبيل السفارة وكانوا يأمرون الجارية بأن تؤنسه من نفسه وبأن تبرز له محاسنها وأن تطعمه في نفسها شيئا فشيئا على الأوقات وكانت حيلتهم في معرفة من لا يكتم سرهم أن ينظروا من الذي يصافيه الذي يريدون اختياره ثم يقولوا له إن الملك على قتل صاحبه ثم يتأملوا وجه الذي قيل بأن الملك يريد قتله فإن رأوا فيه تغيرا علم الملك أنه قد أخرج سره إليه
ومن الجنايات التي لا تطلق السنة احتمالها والتجاوز عن عقوبتها
قال أفلاطن الكاذب والجاني لا أمن عليهما لأنه لا عقد لهما ولا عهد فليس يجوز تركهما في المدينة ولكن الواجب نفيهما عن البلد وإقصاؤهما إلى حيث ينقطع عن أهل البلد شرهما قال وينبغي أن يعلم أن الكاذب بغير إرادة مجنون والكاذب بإرادة ليس بإنسان فإن الإنسان باللسان فإذا ذهب اللسان ذهب الإنسان
القول في صفة الذين لا يجوز استبقاؤهم في البلد وفي صفة من يجوز استبقاؤهم وإن كانوا أردياء
قال أفلاطن أهل الردى صنفان أحدهما أهل غباوة وسلامة والرأي في هؤلاء أن يستبعدوا فيما يعود نفعه عليهم وعلى أهل المدينة قال والصنف الآخر أهل خبث ورداءة والرأي في هؤلاء أن يفنيهم أو ينفيهم من البلد وينظف البلد منهم قال وقد قيل آخر العلاج الكي ومن أهل الخبث الذي لا يجوز التجاوز عن عقوبتهم السعاة قال أرسطوطيلس نكل بالساعي حتى يرتدع الناس من السعاية فإن النظر في كل ما يرفع إليك مشغلة وأقص من تقرب إليك بالملق وإن جر من ينزع بالوقيعة في الناس وأيضا قال علي بن أبي طالب للأشتر ليكن أبعد الناس عنك أطلبهم لمعايب الناس
بيان قوام السياسة بالإحسان وإن أشرف الآلات الرفق
أقول من البين أن قوام كل شيء إنما هو بغرضه وقد بينا أن غرض السياسة تحصيل حسن الحال للمساسين فقد ثبت إذن أن قوام السياسة بالإحسان وأيضا فلما كان لا بد من التغريب والترهيب كان لا بد من تصديق الوعد والوعيد وأيضا فلما كان المسيء والرذل يستحقان الإهانة والحرمان كذلك الفاضل والمحسن يستحقان العطية والإكرام وأقول الرفق خير بذاته كالغذاء وأما العنف فإنما يصير خيرا بالعرض كالدواء
ذكر ما جاء من الترغيب في الرفق والإحسان
كتب أرسطوطيلس إلى الإسكندر اعلم بأن الواهب لم يرض من الناس في معاملة من دونهم إلا بمثل الذي رضي لهم له من نفسه فإنه رحمهم وأمرهم بالتراحم وجاد عليهم وأمرهم بالجود وعفا عنهم وأمرهم بالعفو فليس يقابل منهم إلا مثل الذي أعطاهم ولا أذن لهم في خلاف ما أتى إليهم فإن رغبت في رحمة من هو فوقك وهو الله تبارك وتعالى وفي جوده وعفوه فارحم من هو دونك وجد عليهم واعف عنهم قال واعلم بأن الأيام تأتي على كل شيء فيخلق وتمحى الآثار وتذهب إلا ما رسخ في القلوب من المحبة التي يتوارثها الأعقاب عن الأسلاف وذلك إنما يكون بالإحسان وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه قال الله جل وعز عبادي إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا عبادي وعن رسول الله صلى الله عليه أنه قال من لم يرحم أهل الأرض لم يرحمه أهل السماء وقيل للإسكندر بم نلت هذا الملك فقال بالإحسان إلى الأصدقاء وباستمالة الأعداء ويقول أوميروس إنه لا ينبغي للرئيس أن ينام الليل كله وقال الجاحظ إنه ليس من أحد دعى الناس إلى الإنسياق له بالعنف إلا تعنف عليه الفتوق وعن رسول الله صلى الله عليه أنه قال إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس كما أمرني بالفرائض قال ونهاني عن معاداة الرجال كما نهاني عن عبادة الأوثان وقال حكيم إياك ومعاداة الرجال فإن معاداة الرجال كمواثبة السباع التي إن غلبتها لم تنفعك وإن غلبتك أهلكتك أنس وأبو هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف وقال رسول الله صلى الله عليه من حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من خير الدنيا والآخرة وإذا أراد الله لأهل بيت خيرا فتح عليهم باب الرفق وقال عيسى بن مريم عليه السلام الرحيم في الدنيا عو المرحوم في الآخرة قيل للإسكندر ما ألذ شيء وجته في ملكك فقال إنه لم يغلبني أحد في اصطناع المعروف وقال رسول الله صلى الله عليه عند الله خزائن الخير وخزائن الشر ومفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر وويك لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير و عن معاذ بن جبل قال رسول الله صلى الله عليه ما عظمت نعمة الله على أحد إلا كثرت عليه حوائج الناس ومؤناتهم لم يحتمل مؤناتهم فقد عرض النعمة للزوال وقال جابر بن عبد الله قال علي بن أبي طالب إن حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملواها فيتحول النعم نقما قال ثم أنشأ يقول ما أحسن الدنيا وإقبالها
إذا أطاع الله من نالها من لم يواس الناس من فضله
عرض للإدبار إقبالها فاحذر زوال الفضل يا جابر
وابذل من الدنيا لمرسالها فإن ذا العرش جزيل العطا
يضعف بالحبة أمثالها وأبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه إن الله خلق المعروف وخلق له وجوها من خلقه ثم إنه جوه إليهم بطلاب الحوائج فمن قبلهم حي بهم وأحياهم ومن ردهم هلك بهم وأهلكهم وقال رسول الله صلى الله عليه إن مثل أهل المعروف مثل الأرض الجدبة وإن الله إذا أراد إحياءها وجه إليها بالغيث فإن قبلته حيت وحي بها أهلها وإن لم تقبل هلكت وهلك بها أهلها وقالت أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه المعروف يقى مصارع السوء والصدقة تطفي غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأنس قال رسول الله صلى الله عليه من أصبح وليس همه المؤمنون والمسلمون فليس منى ولست منه والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ومن مشى في حاجت أخيه كتب له بكل خطوة سبعين حسنة ومحى عنه سبعين سيئة وميمون بن مهران قال سمعت الحسن بن علي يقول قال رسول الله صلى الله عليه من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله سبعة آلاف سنة يصوم نهاره ويقوم ليله وأبن عمر قال رسول الله صلى الله عليه عجبت لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه وقال رسول الله صلى الله عليه إن الله إذا أحب عبدا استعمله على قضاء حوائج الناس وقال الحسن لأن أقضي لمسلم حاجة أحب إلي من أن أصلي ألف ركعة متقلبة وأبو قلابة قال رسول الله صلى الله عليه من سعى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له عبادة ألف سنة قيامها وصيامها قضيت له أو لم تقض وأبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه اشفعوا تؤجروا ويقضي الله علي لسان بنيه ما شاء
ما جاء من عظم حرمة المؤمن
قال ابن عباس نظر رسول الله صلى الله عليه إلى الكعبة وقال ما أعظم حرمتك ثم قال وإن المؤمن أعظم حرمة منك وعبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه من نظر إلى أخيه المسلم نظرة ود غفر الله له وقال رسول الله صلى الله عليه النظر إلى المسلم على شوق إليه خير من اعتكاف سنة وعن رسول الله صلى الله عليه إنه قال من نظر إلى مسلم ىظرة عنف لم ينظر الله إليه يوم القيامة
تفصيل وجوه الإحسان
ونبدأ الآن بوجوه منها قال سابور بن أردشير تقدم إلى أمنائك بإحصاء ذوي الحاجة والمسكنة من أهل الأدواء والزمانة الذين لا يستطيعون الإحتراف لأنفسهم ولا يرجعون إلى كفاية بأموالهم ثم أجر عليهم الكفاية السابغة فإن الملوك أحق بمؤونتهم من الرعية وقال علي بن أبي طالب للأشتر تفقد أهل اليتم والزمانة والرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه وأقم لهم كفايتهم وجه آخر قال أرسطوطيلس ينبغي للملك أن يصرف همته إلى تفقد حال من لا يمكنه رقع ظلامته إليه من ضعيف وفقير ومسكين ومبتلى وقال علي بن أبي طالب للأشتر تفقد أمر من لا يصل إليك ممن تحتقره النفوس ووكل في العناية بأمورهم وتفقد أحوالهم وإنهائها إليك أهل الحسبة والتواضع
وجه آخر
وقال سابور لابنه هرمز اعلم بأنك وإن اجزلت العطاء ووسعت الأرزاق لا تنال مودة أصحابك إلا بأن تتعهدهم يالصلة والحباء واعلم أنه قد يكون فيهم من يشره إلى الطلب فيسئل ومنهم من يطوى عنك حاجته ويصبر والصواب أن تحتمل الحريص على حرصه وأن تزيد من جاملك في أمره ووفرك بتركه النظر له بك واعلم بأن بذل المال لذي رأي تستضيء بذاته أو مبارز تصول بشجاعته أو وزير تثق به ويكفيك طائفة من عملك بحسن قيامه أو شريف في سلطانك تتزين به تأبيد لملكك ورفعة لأمرك وعايد إليك به أكثر ممما بذلت لأن ذلك يبعثهم على صدق الموالاة وحسن المعاونة لك في شأنك قال وإذا أمرت لأمرئ من هؤلاء أو غيرهم بحباء أو صلة فاسم بنفسك عن أن يكون حيث يناله بصرك وجه آخر من الإحسان قال أرسطوطيلس للإسكندر ينبغي للملك أن يعلم أن من الناس ناسا لا يهنئهم قضاء حوائجهم من دون مخاطبتهم الملك فينبغي أن يمكنهم من ذلك وإن بعد ذلك من نعم الله عليه وقال علي للأشتر اعلم من الناس من لا يقنع منك بأن تقضى حاجته من دون مشافهتك إياه بها وذلك ثقيل على الولاة والحق كله ثقيل قال فينبغي أن تجعل لذوي الحاجات قسطا من سخطك وذهنك وأن تسهل عليهم كلامك ومراجعتك قانون قال أنوشروان ليكن اجتهاد الملك في إرضاء الله بحسن الطاعة له وفي أحياء الرعية بحسن النظر لهم وينبغي مع ذلك أن يجتهد في إعلاء ذكره ومما يرفع الذكر ويبقيه إحداث المدن وعمارة بيوت الله وإقامة البيمارستانات لإقامة المرضى وإقامة الأطباء لعلاجهم ومنه قال أنوشروان المرحمة ثمرة كل حكم و علم هي الجامعة لكل بر وصلة وقلة الرحمة قائد إلى فاحشة وعظيمة وفظيعة .
ذكر الأسباب التي تتولد منها الآفات المفسدة للساسة المؤدية إلى خراب العمارة وإلى فقر الرعية
في خذاى نامه قال سابور أردشير لابنه هرمز أصل ما يفسد به الولاة والعمال فيخربوا العمارة ويفقروا الرعية ثلاث أحدها مشاركة الملك إياهم في الشره وفي فضل الحرص على جمع المال وعلى اجترار المنافع إلى أنفسهم من غير وجوهها فيقع الظلم وبالظلم يرتفع البركات وتخرب العمارات وتقل الأموال والثاني ترك العدوى على العمال وترك استخراج الظلامات منهم لإيجاب أو حرمة أو ألف أو هوى والثالث الإهمال والإضاعة وذلك بأن يترك تفقد أحوالهم وأمورهم ومعرفة سيرتهم وأفعالهم
ذكر شيئين آخرين
قال سابور لابنه هرمز وأحذرك أمرين آخرين يكسبانك المقت ويحملانك على اظلم وعلى إفقاد الرعية وتخريب العمارة وإفساد الملك والمملكة ونماء الشرف والمفاخرة بما يتباهى به المتنافسون ويتبذخ به المسرفون من جميع الأشياء فإن الناس الذين هم حاشيتك وعمالك وأعوانك إذا رأوا ذلك منك تقيلوا بك واستنوا بسنتك ورغبوا في تغيير أحوالهم وفي الزيادة في مروؤاتهم من الأبنية والبساتين والآلات والعبيد والمراكب والأثاث وغير ذلك وإذا أرادوا ذلك لم يكفيهم ما تعطيهم وتجريه عليهم فيتسخطوا إحسانك ويستقلوا معروفك ولم يقنعوا بجرايتك ورزقك وبعطائك وصلتك وإن أضعت ما تعطيهم وأضعفت لأنه ليس للمسرف الشره حد فيقف عنده فإن رمت إرضاءهم لم يحتمله دخلك وإن حرمتهم صاروا حربا لك وفتحوا مع ذلك أبواب الخيانات والجنايات عليك وتركوا نصيحتك في أمورك وتربصوا الدوائر عليك وبك قال اعلم بأنه إنما يفاخر المرء أقرانه وأكفاءه والملك فلا شبيه له ولا نظير
ذكر الأسباب المؤدية إلى الإهمال
قال أفلاطن آفة الملك الإهمال والأسباب التي تولد الإهمال ثلاث أحدها استهتار الملك بالشرب والثاني الشغف باللعب والسماع والثالث الولوع بالنساء وهذه كلها مفسدة للفكر ومقطعة للزمان ذكر سبب آخر للإهمال وقال أرسطوطيلس وأحد أسباب الإهمال الأمن فإن الأمن يؤدي الناس إلى ترك استعمال الآداب والسنن ويؤدي الملك إلى ترك أخذهم بإقامتها وباستعمالها فإن فجئهم الأمر لم يجدوا أنفسهم قال وأيضا فإنهم إذا استطابوا لذة العطلة وسلموا من العقوبة في ترك سنة تجروا على ترك السنة جملة قال ولذلك أقول بأن التقلب في الخيرات أصعب من مقاسات السرور قال ولهذا أقول مدة من حنكته التجارب تكون في الملك أطول ذكر سبب آخر من أسباب الإهمال وقال أرسطوطيلس وأحد أسباب الإهمال التهاون بالأمر الصغير للإعتماد على فضل القوة وتوفر العدة قيل لمروان بن محمد وكان من أشهم ملوك بني أمية وبه ختمت دولتهم كيف فجعكم الأدبار فقال لإستخفافي بما كان يكتب به نصر بن سياد قال وذلك أنه كان دائما يكتب فسدت الدولة فغاظني ذلك منه وأردت أريه القدرة فرأيت القدرة قانون وقال أرسطوطيلس للإسكندر إذا وليت أحدا فحذره الخلاف وأقسم عليه بالوعيد
القول في سياسة دفع مضرة الأعداء عن الأولياء
الواجب على السائس في كل سياسة أن يعمل على ما توجبه الحال في الوقت والأحوال الدائرة فيما بين الأولياء والأعداء وإن كانت كثيرة فإنها تنحصر في قسمين أحدهما الذي يوجب المدافعة والآخر الذي يوجب المناجزة ورأس الأمر تقدمة الروية وملاكه العمل بالحيلة وقوامه في التاني ورفض العجلة وعلى أنه لا بد من العدد ومن العدة وتمام الأمر بكتمان ما تريد أن تعمله حتى لا يقف عليه عدوك وحسن التلطف في استخراج ما يريد أن يعمله من يناويك و في جاويذان خوذ وهو من جياد كتب الفرس أضعف الحيلة أبلغ من أقوى الشدة وأقل التأني أجدى من كثير من العجلة وتقدمة الروية أبلغ من الإستطهار عند وقوع الأمن بالمشورة وفي جويذان خرذ أيضا ثلاث تبطل مع ثلاث الشدة تبطل مع الحيلة والعجلة تبطل مع التأني والإسراف يبطل مع القصد وقال النملي وجد في بعض بلاد الهند صورة أسد منحوت من حجر على جبينه مكتوب الحيلة خير من الشدة والتأني أفضل من العجلة والجهل في الحرب خير من المنعة وقال وجد حجر مكتوب فيه بالحميرية إيها الشديد احذر الحيلة أيها العجول احذر المتأني أيها المتأني لا يمنعنك من الصواب الفكر في العاقبة
خبر جليل في بيان أن الشر ما هو من قول قيصر ملك الروم وشهر إيران الفارسي وفيه الحض على كتمان الرأي
قال عكرمة كانت امرأة بفارس لا تلد إلا الأبطال وكانت من أهل بيت كسرى فدعاها كسرى وقال لها إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا وأردت أن أستعمل عليهم أحد بنيك فصفيهم لي قالت أما فلان فإنه أروع من ثعلب وأحذر من صفرد وهذا فرخان هو أنفذ من السنان وهذا أشهر إيران هو أحلم من الحليم فاستعمل الآن أيهم شئت قال عكرمة فاختار الملك شهر إيران وولاه قيادة العسكر وضم إليه أخاه فرخان فسار شهر إيران حتى ورد بلاد الروم فغلبهم وتمكن منهم وخرب مداينهم حتى بلغ الخليج وذلت الروم له قال فبينا فرخان يشرب يوما مع أصحابه إذ قال رأيت كأني قد جلست على سرير كسرى فرفع الخبر إلى كسرى فكتب إلى شهر إيران إذا أتاك كتابي هذا فابعث إلي برأس فرخان فكتب إليه أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان في شجاعته وإقدامه وحسن بلائه وبعد صوته في أعدائك فلا تفعل فإنك تندم أن قتلته فكتب كسرى إن في رجال فارس خلافاء منه فعجل إلي برأسه فراجعه شهر إيران فأغلظ له كسرى وكتب إليه بكتاب ثالث وجه إلي برأس فرخان ودع عنك التسويف والمراجعة فلم يأتمر شهر إيران للملك كسرى فبعث كسرى بريدا إلى عسكره إني قد نزعت عنكم شهر إيران واستعملت عليكم فرخان وقال للبريد إذا ولى فرخان الأمر وانقاد له العسكر فأعطه الصحيفة وكان كتب صحيفة صغيرة وفيها إذا استتم لك الامر فوجه إلي برأس شهر إيران فلما وصل البريد إلى شهر إيران وعسكره قال شهر إيران السمع والطاعة لأمر الملك ونزل عن سريره وأجلس فرخان مكانه فدفع البريد الصحيفة إلى فرخان فإذا فيها وجه إلي برأس شهر إيران فقال فرخان اضربوا عنق شهد إيران فقال له أخوه شهر إيران أمهلني مقدار ما أكتب وصيتي قال قد فعلت فدعا بالسفط الذي كان فيه صحائف كسرى فأخرج إليه ثلاث صحائف في كلها أمر كسرى بأن يضرب شهر إيران رأس فرخان وبأن يوجه إليه برأسه فناوله الكتب ثم قال له راجعت الملك في أمرك حتى أسخطته على نفسي ودافعت عن روحك جهدي وغررت بأمري وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد فنزل فرخان عن سريره ورد أخاه إليه وقال قد ونزعت الأمر الذي وليته إلى أخي فاشهدوا ثم أن شهر إيران كتب إلى قيصر إن لي إليك حاجة لا تحملها الببرد ولا تبلغها الصحف فالقني بنفسك في خمسين من أصحابك فقط فإني ألقاك مثلهم فسار إليه قيصر والتقيا فقال له لما خلوا إن كسرى أمرني أن أقتل أخي فلما أبيت عليه خلعني وملكه وأمره بقتلي فلما عرف أخي ما كان منه إلى في أمره رد أخي الأمر إلي وقد رأينا أن نكون لك عليه وأنت تكون لنا قال قد فعلت فتعاقدا وتحالفا ثم قال أحدهما لصاحبه إنما السر ما كان بين اثنين فإذا جاوز الإثنين فشا قال له صاحبه أجل فأشار الأول إلى الثاني أن يقتلا الترجمان ولم يكن مع كل واحد منهما غير سكين واحد فقتلاه سكينيهما وسأل بعض الملوك حكيما أن يوصيهم فقال له أجعل التاني إمام عجلتك والحيلة إمام شدتك واجعل عفوك المالك ولقدرتك وأنا ضامن لك الظفر فيما تريد من أمرك قال أبو الحسن الوصايا التي ذكرناها في العمل بالتأني والحيلة متقاربة في المعنى وإنما تكثرت بقائليها وملنا إلى روايتها على الوجه ليعلم أن الوصية بها كالمتفق عليه من أصناف الأمم وكالثابت الذي لا يتغير من القديم إلى الحديث وقال أفلاطن حزم الرأي أنكى في العقد من كثرة العساكر وكتب أرسطوطيلس إلى الإسكندر دع المحاربة واستعمل المكايدة فإن فتوحها أهنى وأقول ليس التأني أن لا يعمل بما بوجبه الرأي لكن أن يسوف بالعمل حتى يستبين له الرأي بالتصفح والتدبر فإذا استبان وجب التنفيذ ولم يجز التأخير إليه وقال أفلاطن أحمد الأمور الصبر عند كل نائية وربما كان عجزا وقال أرسطوطيلس للإسكندر لا تسأمن مطاولة عدوك فإن في الإنتظار تمكنا من فرصة أو بصرا لعورة قال ومتى أمكنتك فرصة فاهتبلها فإن ترك المبادرة عند مصادفة العزة معقب للحسرة وإنما الدنيا دول قال وإذا اشبت حربا فانقطعها وإذا ألهبت نارا فاشعلهاقال وإذا وقعت بين أمرين فاعمد لأشدهما عزما وأعجلهما حزما وقال إياك أن تغرر أو تخاطر إلا إذا لم يمكنك التمسك بالحزم ومنه أن تخاف سبق عدوك إلى منزل ريف أو إلى فسحة سبيل قال واجعل الحرب آخر أمرك فإن التفقد فيها من الأنفس وليس يستوي المدافعة مع هذا كله إن لم تكن للمتحصن حيث يتحصن فيه كفاية ما يحتاج إليه في مدة المدافعة والزيادة عليه والرجال فلا بد منهم في كل حال لأن الحريم إذا لم يذب عنه أمكن العدو يلوغ ما يريده وإن كان وثيقا ولا بد للرجال من الآلات وربما احتاج السور إلى ما يوقي به مما يرمي إليه وربما احتاج إلى آلات يقاتل بها مكايد العدو كمنجنيق ينصب بإزاء منجنيق وعرادة تنصب إزاء عرادة
قانون كبير
قال أرسطوطيلس قال أنوشروان ينبغي للملك أن يحذر البغي ولا يتعاظم ملاينة من لاينه
من الأعداء وإن كان مهيبا والرفق به وإن كان ضعيفا وينبغي أن يجتهد في اجترار العدو إلى الموافقة لا في حمله على المكاشفة
وفي مثله
العاقل لا يثير عداوة وإن كان خصمه ضعيفا اعتمادا على القوة فإنه ليس يجوز أخذ السم اعتمادا على الترياق
وفي مثله
قال علي للأشتر لا تأتين صلحا فإن فيه راحة لهمومك ودعة لجندك وأمنا لبلادك
ذكر الأسباب التي بها تمكن المدافعة وذكر الأسباب التي بها يطمع في الغلبة عند المناجزة
وأقول السبب الذي به تمكن المدافعة هو السبب الذي يمنع العدو من إيقاع المناجزة بالقهر والضرورة والمانع هو الذي يحول بينه وبين الوصول إلى الأولياء فجميع الأسباب الحاجزة للأعداء من الأولياء هي أسباب للمدافعة ومنها الخندق المحيط بالموضع ويجب أن يكون واسعا عميقا ممتنعا على الكبس وعلى اتخاذ قناطر فيه بسرعة ومنها الماء الذي يكون محيطا بالبلد ومنها السور وسبيله أن يكون مأمونا من ثلم العدو إياه ومن هدمه له وذلك فإما أن يقع له بنفسه كالمبني من الحجارة أو بعرض مفرط وإن كان من الطين وإما أن يكون له ذلك بسبب يمنع من وصول العدو إليه كأنه يكون على شاهق جبل أو من وراء مضيق أو خندق أو ماء وأسباب المناجزة الرجال الشجعان البصراء بمحاربة من يريدون محاربته والآلات التي يحتاج إليها في المحاربة وفوق أسباب المدافعة والمناجزة الرئيس الحازم الداهي المجرب للحرب فإنه ليس شيء مما ذكرنا يفيد بنفسه ما يحتاج إليه منه ولكنه متهيء لأن يستفاد به والرئيس هو الذي يمكنه تحصيل ذلك دون غيره وأحوج هذه الأسباب إلى الرئيس الرجال فإنهم إن لم يجعلوا آراءهم تحت رأي واحد تفرقت ويؤديهم ذلك إلى الإختلاف والإختلاف سبب الشقاق والشقاق سبب البوار ولا بد مع حصول جميع ما ذكرناه من حسن طاعة الورؤوسين والمعاونين فيما يراه لهم ويأمرهم به الرئيس وذلك أن الفائدة بالرئيس إنما هي معرفة طريقة النجاة من الشر ومعرفة طريقة الفوز بالخير وعلى قدر الأحوال والعوارض تكون الطرق حتى أنه ربما انقلب طريق الخير فصار طريقا للشر والحاجة إلى ومعرفة الطريق إنما هي للحاجة إلى السلوك والسلوك فإما للهرب من الشر وإما للذهاب إلى الخير وأقول المعرفة بما يجب أن يعمل لا ينفع من دون أن يطاع المعرفة وماذا يغني العطشان العلم لمواضع الماء إن لم يذهب إلى الماء وماذا يغنيه الذهاب إلى موضع الماء إن لم يأخذ منه الماء وأيضا فماذا يغنيه أخذ الماء من الموضع إن لم يشربه والشرب أيضا لا يغنيه ما لم يشرب مقدار ما يرويه وأقول الرأي إذا لم بعمل به كان كأنه لا رأي ولذلك قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إنه لا رأي لمن لا يطاع وقال أرسطوطيلس للإسكندر اعلم بأن الأمور التي يستظهر بها على الأعداء ثلاثة أحدها دهاء الرئيس والثاني كثرة الأجناد الشجعان والثالث توفر العدة ولما قال الحسين بن علي لعبيد الله بن الحسن انصرني بنفسك فقال إنه ضائري وليس بنافعك فقال وكيف فقال لأنك ضيعت أسباب النصر فقال وما هي أسباب النصر قال العدد والعدة
ذكر الرياسات التي بها ينتظم أمر العسكر
وقال يعضهم يجب على أمير العسكر أن يجعل في عسكره صاحب شرطة وقائد طليعة وصاحب مظالم وصاحب تعبئة وصاحب دراجة للعسكر وولي ساقة وحامية من بعد الساقة وينبغي أن يجعل والي علافة وولي سوق العسكر
ذكر عمل صاحب الشرطة
قال عمل صاحب الشرطة هو كف تعادي بعض العسكر على بعض وتفقد سلاحهم ودوابهم والمطالبة بأرزاقهم قال ويجب أن يكون ضاربا مجربا
صفة قائد الطليعة
قال وينبغي أن يكون صاحب الطليعة رجلا عظيم الصوت مهيبا نبيه الذكر شجاعا قال ومن الواجب على قائد الطليعة أن يظاهر بين الطلائع حتى يكون الآخر متصلا بالأول وذلك أنه إن لم يظاهر بينها فقد غرر واليسير الذي يصاب من الطلائع كثير الضرر فإن ذاك يحدث للعدو جرأة وللعسكر انخزالا
وصية في أمر الطلائع والعيون
اجعل عيونك من تثق به وبكلامه فإن الظنين لا ينفعك خبره وإن كان صادقا والمتهم عين عليك لا لك
عمل والي التعبئة
وعمل والي تعبئة العسكر أن يركب مع أصحابه في السلاح إذا أراد العسكر التحمل حتى ينهض آخر هم ويستقلوا بأمرهم ثم يسير هو بعدهم
عمل صاحب السياقة وصفته
قال وينبغي أن يكون صاحب السياقة أوثق أهل العسكر في نفس السائس أن يكون نظيرا له في الحال والمرتبة والخطر وعمله أن يسير من بعد العسكر ويكون أبدا بعدهم بمرحلة ومن عمله أن يحمل من قامت به دابته وأصابته علة ولهذا يجب أن يكون معه فضل ظهر ومال ومن عمله أن يستوثق ممن يريد الهرب من أهل العسكر ويوجه به إلى الرئيس
عمل دراجة العسكر
قال سبيل دراجة العسكر أن تسير أمامهم لمرحلة لتهيئ الطرقات للعسكر وتطلب المخاوض قال ومن عملها أيضا حفر الخنادق للعسكر وإجراء المياه لهم قال ومن عملها أيضا إخراجهم إلى مصافهم عند الحرب قال وينبغي أن يأخذ لدراجة العسكر رجالا من كل قائد
عمل صاحب العلافة وصفته
قال ينبغي أن يكون صاحب العلافة غليظا شديدا حذرا متيقظا ومن عمله أن لا يترك العلافة يأخذوا ما ليس لهم ولا يدعهم يتفرقوا في الشعاب فيطمع عدوهم في التقاطهم
عمل والي سوق العسكر وصفته
قال ينبغي أن يكون صاحب سوق العسكر أمينا متأتيا لحفظ ما يدخل إلى سوق العكسر من الطعام والعلف وغير ذلك فيتولى صيانته ويتولى تفرقته على العسكر بسعر مثله قال وينبغي أن يتولى هو أخذ الأثمان ممن يدفعه إليه وأن يسلمها إلى أربابها
وصية
وقال سابور أردشير لابنه هرمز اجعل على كل مائة رئيسا واجعل على كل خمسين قائدا و لا تطمع أحدا في الإنتقال من قائد إلى قائد
قوانين
قال أرسطوطيلس للإسكندر حصن العورة واضبط الضيعة واذك العيون واجتهد في الإحتراس
مكيدة
قال أرسطوطيلس للإسكندر كاتب أشد قواد عدوك بأسا وأوفرهم نصيحة لعدوك لتوقع وهمه في قلب عدوك على صاحبه الناصح له واعمل على أن يقع كتابك بيد حراس عدوك
وصايا في الحزم
وقال أرسطوطيلس للإسكندر ضع أمر عدوك على أنه في الدرجة العليا من القوة ثم عامله بقدر ذلك واقصده من قبل أن يطول وارتق الفتق من قبل أن يتمكن منه فاتقه
وصية
لا تطالب ما بعد عنك حتى تسوي ما قرب منك
وصية وتحذير
وقال أرسطوطيلس للإسكندر إياك واللقاء ببدنك فإنك إن سلمت كنت مخاطرا والخطر لا يجوز للملوك وإن نكبت كنت قتل خرق
وصية
لا تحارب من لا علم لك لمحاربته وابدع أنت إذا حاربت فإن القليل من البدعة أحرى من كثير من المعروف
وصية
قدم في الحرب الكهول وأصحاب المرة والسوداء فإنهم أجرأ وأثبت ولا تقدم شيخا ولا حدثا ولا من ولد على العبودية
وصية جليلة
لا تطلب منهزما أكثر من يوم وليلة
وصية أجل منها وأعظم
وقال أرسطوطيلس للإسكندر لا تأذن لأحد أن يتناول شيئا من الغنيمة يوم اللقاء فإنه تغوير وقد جرى على من قبلنا منه آفات كثيرة
مكايد
قال أرسطوطيلس للإسكندر أدخل المكايد على عسكر عدوك بإفساد مياههم وبإلقاء البذور
التي تهلك الدواب في مروجهم
وصية
وقال اتق شغب الجند فإن نارهم شديدة التوهج واي ملك تطاول على جنده وقواده لم يأمن الحتف
في الرسل
قال أرسطوطيلس للإسكندر قلل رسلك فإن أكثر الآفات منهم وليكن جاهلا بخبرك إن قدرت على ذلك وينبغي أن لا يكون محبا للكلام وأن لا يكون معجبا ولا شرها ولا مستهترا بالشرب وأعزم عليه أن لا يشرب عند عدوك وفي بلاده غير الماء
وصية وسياسة
قال أرسطوطيلس رتب الأمناء بين الصفين ليكتبوا ما يكون من أصحابك في الحرب يوم اللقاء وأعط من أبلى الجوائز فإنهم إنما يبذلون أنفسهم بسببها
وصية في أمر الرسل
وقال إذا وجهت برسلك فأنفذ عليه عينا من عيونك فكم من حرمات قد انتهكت ومن دماء قد سفكت وعساكر هزمت بكذب رسول
بقية الوصية والسياسة
ووبخ من قصر وضع من مرتبته وانقص من رزقه وأجر أرزاق الجرحى ما داموا في جراحتهم الأمن كانت الجراحة على ظهره ومن قتل منهم في المعركة أجريت على عياله وورثته من بعده
وصية
قال ارسطوطيلس لا تجب كتب الملوك بالغلظة ولا ترد عليهم شيئا من الجواب يوم ورود كتبهم ولا تقرأ كتبهم على رؤوس الأشهاد فإن بذخهم يضعف قوما وصدقهم يكسر آخرين
وصية
وقال أرسطوطيلس لا تحاج رسل الملوك فإنك إن ألزمتهم الحجة لم يكن في ذلك فخر وإن ألزموك شأنك ذلك
وصية عظيمة
قال دابرا بن دابرا للإسكندر لما أخذه اعلم بأن الدنيا دول وأن المقادير جارية بما لا نعلم فلا تهابن ملكا لملكه ولا تحقرن ذا فاقة لفاقته وانظر كيف منت وكيف أنا الآن فخذ بحظك من الإعتبار
وصية
اجتهد في الوقوف على ما يريد أن يعمله عدوك حتى تكون مستعدا لمقابلته
وصية
قال أفلاطن ينبغي للملك أن يستبدل رأس الجيش في الزمان الطويل بأحسن الوجوه
وصايا
لا تأمنن معاودة عدوك إن نأى عنك ولا مواثبته إن دنا منك ولا كمينه إن ولى عنك
وصية في الحزم
إذا قربت من عدوك فخندق حول عسكرك خندقا كلما نزلت منزلا
وصية
من أراد المطاولة فناجزه ومن أراد المناجزة فطاوله
وصية
قال وينبغي أن تستعرض جندك في كل شهر مرة على دوابهم وبسلاحهم وينبغي أن لا ترخص أحدا في التخلف عن العرض إلا للخطر العظيم قال وينبغي أن ينشطهم عند اعتراضهم وأن يتفقد أرزاقهم فلا يبخسوا وينبغي أن يصلهم عند غلاء السعر وفي الأعياد وينبغي أن يذكر نفسه ما يلحقهم من التعب والأذي عند توهج الحر وشدة البرد والمطر والثلج وما يلحقهم من المخافة ومن الآلام عند المحاربة فتخف على قلبه مؤوناتهم وتبسط نفسه بصلاتهم
المدة التي يجب بها رد العسكر إلى أوطانهم
قال وينبغي أن ينقل العسكر إلى أوطانهم في كل ثلاث سنين مرة ولا ينقلهم حتى يصل إليهم من يخلفهم
قاونون
قال اعلم أن فساد العسكر يكون من أمرين أحدهما إفراط القعود عن الحرب والثاني إفراط التهجيز في البعوث فأحسن النظر في ذلك واجعل الغزو والمرابطة عقبا بين جنودك ودولا بين فرسانك واجعل الأمر أيضا في حزن ذلك وسهله ونوبا
وصية عظيمة
اجعل في كل ثغر مرابطة من أهلها فإن مؤونتهم أيسر لأن لزومهم لذلك الموضع يكون عليهم أهون فإن لك يكون من أهلها من يصلح فمن أقرب الأماكن إليها ولا تخل مع ذلك ثغرا من بعث يكون عندك
وصية
الأحقاد مخوفة وخاصة أحقاد الملوك فإنهم يعدون الدرك بالوتر مكرمة
وصية
لا تغرنك بشاشة عدوك ولا لين لسانه فإن دفائن الناس في صدورهم وخدعهم في ألسنتهم ووجوههم
وصية
وقال أفلاطن لا ينبغي للملك إذا حارب بأن يستبقى فإنه إنما يحارب رؤساء الشجعان فسبيله أن يسكن بإهلاك الواحد الكثير من أهل الشعب فأما المدني فسبيله أن يستبقى لأنه إنما يحارب شجاعا واحدا
وصية في مثل معنى الأول
قال أفلاطن رقتك على عدوك غلظة على نفسك ويجب أن تعلم تأسفك على قتله أهون من تحسرك على تخليته
قانون وسياسة
قال ويجب أن يجعل بين الصفين مذكرين ومحضضين يرغبون العسكر على المجاهدة ويحملونهم على المصابرة ويهجنون عندهم الجبن والفزعة
القسم السادس السبيل الى التزكية الأنفس و إحيائها من مبدأ مفتتحها إلى تمام غايتها
قال أبو الحسن
الحمد لله الذي خلق الأولى وجعلها فانية عن أهلها بسعادة أو شقاء ووعد الأخرى للبقاء والجزاء بنعيم مقيم أو عذاب أليم وجعل في الدنيا إلى الأخرى طريقين طريقا لأهل الشقوة وطريقا لأهل السعادة وجعل لكل طريق سببا ويوصل إليه من تعلق به ثم دعانا إلى الإستقامة على طريقة السعادة وأمرنا بأن نسأله الهداية إليها فقال قولوا إهدنا الصراط المستقيم ثم أنعم به علينا إنعاما ويينه لنا تبيانا فقال وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وسماه صراطه إذ كان الموصل إلى رضوانه وكرامته وحذرنا من العدول عنه فقال ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وعرفنا جميل صنعه بنا وجميل محبته لنا ليفوز بالشكر من شكره ويشقى بالكفر من كفر به ولتكون له الحجة البالغة ولا يكون لأحد من خلقه عليه حجة فقال لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقال وهديناه النجدين وهما الطريقان وقال فألهمهما فجورها وهو الكفر وتقويها وهو الشكر وهما السنتان وبين ذلك فقال إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا وقال قد أفلح أي صار إلى الفلاح وهو الفوز بالبقاء في النعيم المقيم من زكاها أي نفسه بطاعة الله شكرا وقد خاب أي خسر الرحمة وصار إلى العذاب الأليم من دساها أي نفسه بالمعصية كفرا وأنزل المعرفة بإنزال الكتاب وهي اجل موهبة وأشرف خلعة وكرامة وأنزل البيان وهو علم اللسان وجعله الطريق إليها وقال علم بالقلم جاء في التفسير أي بالكتاب وقال خلق الإنسان علمه البيان جاء في التفسير أنه علم اللسان والفائز في الدنيا والآخرة من أطاع ربه فأحيا نفسه بنور الهداية وبصيرة المعرفة والفاضل الكامل من أحيا غيره بما حي به في نفسه الشقي من أعرض عن ذكر ربه فطغى وآثر الحياة الدنيا فصار إلى ضنك المعيشة في الدنيا وحشر في الآخرة أعمى وكان الجحيم هي المأوى ونحن بالله نستعيذ من الشقوة وإياه نسأل الفوز والرحمة وبعد فإن كتابنا هذا إنما هو في القسم السادس من كتابنا الذي يميناه السعادة والإسعاد في السيرة الإنسانية ونريد أن نذكر فيه السبيل إلى تزكية الأنفس وإخيائها من مبدأ مفتتحها إلى تمام غايتها وبالله نعتصم وعليه نتوكل وإليه نرغب وإياه نسأل العون والتيسير ونصلي على نبينا محمد وعلى آله الطيبين
فيما يجب أن يأخذ به الملك نفسه ورعيته في معرفة الله
قال اليونس الغرض المقصود به من الحياة إنما هو إخراج النطق من القوة إلى الفعل والغرض من إخراج النطق إلى الفعل معرفة الحق فمن أجل ذلك نقول بأن الغرض من الفلسفة إنما هو معرفة الله وقال أفلاطن أول ما يجب على الملك أن يأخذ به رعيته الإيمان بالله قال وذلك بأن يعلموا أن لهم صانعا لا تخفى عليه خافية ولا يفوته شيء والثاني أن يعلموا أن وراء هذه الدار دار أخرى فيها يثاب الناس وفيها يعاقبون والثالث أن يعلموا أن الله لا يرضى عن أحد من عبيده إلا بأن يجتنب السيئات والمحارم كلها فأما من خلط السيئات بالحسنات فإنه لن ينال رضاء الله وإن كانت حسناته أكثر وسيئاته أقل قال وينبغي أن يقرر قفي نفوسهم أن الله لا يقبل من النجس صلاة ولا أضحية ولا قربانا قال والنجس هو الذي غلبت عليه اللذات واستولت عليه الشهوات قال وينبغي أن يتقدم إلى أهل الفضيلة بأن لا يقبلوا من النجس كرامة ولا برا قال ويجب أن يقرر في نفوسهم أن الله جل وعز سبب الخير فقط فإنه لا سبب لخيراتنا غير الله وأما الشرور فإنما تنالنا بسوء أفعالنا قال وينبغي أن يقرر في نفوسهم بأن الله تعالى لا يهلك قوما إلا بسوء أفعالهم وسأل الإسكندر ذيوجانس الحكيم أي خصال الخير أحمد عاقبة فقال الإيمان بالله وبر الوالدين وقبول الأدب وقال أوميرس يجب أن يعلم كل أحد بأن الله مطلعا عليه حيث كان ومن عرف أن الله مطلعا عليه حيث كان لم يختلف أفعاله بل كانت سيرته متشاكلة قال أفلاطن وينبغي أن يؤخذ الناس باعتقاد أنهم يخلدون في النشأة الثانية قال وسبب الخلود اعتدال المزاج وزوال التباغي من الطبائع فإن الفساد إنما وقع في هذه الحياة بزوال الإعتدال وإنما زال الإعتدال من قبل تباغي الطبائع
من كتاب الكون بتفسير الإسكندر
قال أرسطوطيلس والقول بأن الكل واحد وأنه غير متحرك وأنه غير متناه شبيه بالجنون والوسواس وذلك أنه ليس أحد من المجانين ومن سلب عقله يظن بأن النار والثلج واحدا ولكن إنما يظن هذا من لا يفرق بين الأشياء التي هي جميلة بالطبع وبين الأشياء التي هي جميلة بالعادة قال الإسكندر الجميلة بالطبع مثل تعظيم الله وتبجيله وأن يؤتي بالعدل ولا يظلم أحدا وأن يكرم الناس ويستحيي منهم وأما الجميلة بالعادة فمثل أن لا يؤكل في السوق قال أبو الحسن وقال ينبغي للملك أن يأخذ رعيته باعتقاد أن لله أنبياء وأولياء قال الإسكندر في تفسيره بحرف اللام كان أفلاطن يقول بأن الله يتجلى بالنور الإلاهي ويوعز بالآيات للأفاضل من عباده قال وكان يقول وإنه ليس يتجلى هذا النور ولا يوعز بالآيات إلا للذين قد قضى لهم بذلك من قبل أن يكونوا فإن الأشياء إنما تجري على ما سبق من قضاء الله لخلقه وإنه لن يصل أحد إلى الله ما خلا الذين قد قضى لهم بالوصول إليه
علة أخرى في إمكان الخلق للأبدان
قال الإسكندر في تفسير الكون والفساد في إمكان الطبيعة أن تحلل حميع أجزاء المادة التي تقع بها الحياة ووقع الخلود من قبل ما أصف لأن ما كان ينحل يتجدد ثم يكون كذلك أبدا
ذكر ما روي عن الفلاسفة في صفة الله
قال أفلاطن الله هو الواحد البسيط الذي لا علة لوجوده قال وكذلك نقول بأنه القائم بذاته لأن القائم بذاته هو الذي لابدوية له لأن هويته تكون من تلقائه لا من خارج قال وهو الوحدة على الحقيقة قال وهو الأول والآخر لأن الأشياء كلها منه بدت وإليه انتهت قال وذلك نقول بأنه العقل لأن الأشياء كلها ينتهي إلى العقل قال ونقول بأن الله هو العقل المفارق للصورة المتبرئ من كل عنصر ومادة وهو أعلى بالشرف وبالقوة من الجوهر وهو الذي يعطي الأشياء الجوهرية كلها والوجود وهو سبب الحق والحكمة وسبب كل معرفة وذلك أنه المهئ لجميع الأشياء التي تدركها المعرفة لأن تعلم وقال الينس الله واحد أولى غير متحرك وهو العلة لكل موجود وكل مكون وهو المحرك للأشياء المكونة على أنه علة كونها وعلى أنه السبب المتمم لها ويحرك الأشياء الموجودة على أنه العلة المتممة لها قال وإنه زين هذا العالم بجوده وقدرته وحكمته وقال بعضهم الله واحد أزلي وإنه لا شبيه له ولو كان له شبيه لم يكونا اثنين بل واحد ولو باينه الآخر في شيء لم يكن بسيطا لكن مركبا ولو كان مركبا لم يكن قديما بل محدثا قال ويجب أن يعلم بأنه لا ضد له فإنه لو كان له ضد لكان له فناء ولو كان له فناء لم يكن أزليا فإن الضدين شأنهما أن يبطل كل واحد منهما الآخر ويفسده إذا اجتمعا قال ويجب أن يعتقدوا بأنه حي حكيم قال ويجب أن يأخذ الملك الناس بالإيمان بالله وبأن الملائكة حق
ذكر الحقوق التي يجب على الناس اعتقادها
قال أردشير الحقوق التي يجب على الناس اعتقادها والقيام بها أربعة فأولها حق الله والواجب فيه شكره على آلائه ونعمائه والمصير إلى ما أمر به والإنتهاء عن كل ما نهى عنه والرضا بكل ما قدر قضى والثاني حق السلطان وذلك في حسن الطاعة له والنصيحة والثالث حق النفس وذلك في رعايتها بما ينفعها وإنالتها ذلك وفي حمايتها عما يضرها وصرف ذلك عنها والرابع حق الناس وذلك بأن يعمهم بالمودة وبالشفقة وبالمعونة وبالنصيحة وقال على بن الحسين حق الإمام على الناس أن يطيعوه في ظاهرهم وباطنهم على توقير وتعظيم وحق السلطان أن يطيعوه في الظاهر فقط قال وحق العلم أن تفرغ له قلبك وتحضره ذهنك وتذكي له سمعك وتشحذ له فطنتك بترك اللذات ورفض الشهوات
ذكر معان آخر يجب على الناس اعتقادها ومعرفتها
قال أفلاطن واجب على الناس أن يعتقدوا الطاعة للسنن وللرؤساء وينبغي أن يقرر في نفوسهم بأن الخير والسعادة إنما تكون لهم في الطاعة للسنن والأكابر لأن الأكابر هم الذين يبلغونهم إلى السعادة ويجعلون لهم الخيرات ويضعونهم على الطريق بحسن التأديب والطريقة والأدب هو السنة المسنونة حتى إذا وجدوا أمرا استبشروا به استبشار من قد وجد خيرا قال ويجب أن يقرر في نفوسهم بأنه ما يحل لأحد أن يهين نفسه ويذلها وأنه ما شيء أبلغ في إهانتها وفي مذلتها من مخالفتها للسنة وللأكابر ومن ميلها إلى الراحة فأن الخير والطوبى إنما هو في استعمال النفس وإتعابها في التعب المحمود قال ويجب أن يقرر في نفوسهم بأنه ليست الحياة محمودة على كل حال لكن المحمود هو الحياة الفاضلة وقال الإسكندر فيما أوحي إليه أيها الإنسان اعرف ذاتك ومعرفة الإنسان إنما تكون بمعرفة نفسه قال وقد يجب معرفة النفس لشيء آخر وهو إنما تكون حياة الإنسان جارية على الأمر الطبيعي متى عرف الإنسان ذاته قال أفلاطن وينبغي أن يأخذهم باعتقاد وجوب الصدق وأداء الأمانة واستعمالها على كل حال وبتحريم الكذب الخيانة واجتنابهما على كل حال قال وينبغي أن يعلم أن الخيانة نوع من الكذب وأن الأمانة نوع من الصدق قال وينبغي أن يخرج من البلد من اجترأ على الكذب والخيانة قال وليس يجوز استعمال الكذب إلا لرئيس مع الأعداء كما يجوز له إهلاكهم وسقيهم السم ومع الصبيان ومع الحمقى الذين لا بد أن يخادعوا بالكذب إذ كان لا مقدار للصدق عندهم قال وسبيله في هذه المواضع سبيل الدواء
في أخذ الناس بالتعبد لله
قال أفلاطن في كتاب السياسة ينبغي أن يأخذ الناس ببناء مساجد الله وقال في النواميس ببناء هياكل الله قال وينبغي أن يأمرهم بالصلاة لله على التمجيد الحسن والثناء الجزيل والخضوع والخشوع قال وينبغي أن يأمرهم باتخاذ الضحايا الحسنة والقرابين الحسنة لله وقال أرسطوطيلس وينبغي للكيس النفس أن يتقرب إلى الله بالقرابين السنية بالنفقات العظيمة وأن يتقرب إلى الناس بالصلات وبالجوائز وبإطعام الطعام للخاص والعام وبالإحسان إلى الغرباء فإن الإحسان إلى الغرباء وإلى الناس نوع من القربان
القول في المزاوجة وفيه ما ينبغي لكل صنف من الرجال أن يتزوج به من النساء
قال أفلاطن ونقول في باب المزاوجة أن ينظر إلى طبع الرجل وطبع المرأة فلا تجمع بين مؤتلفين في الطبع ولهذا نقول إنه يجب أن يكون نساء الحفظة على طبع الحفظة ونساء أهل الحكمة على طبع أهل الحكمة
القول في الإيلاد
قال أفلاطن وأما الإيلاد فإنه يجب أن يكون من كل واحد منهما في عنفوان الشبيبة قال فإن الذي يكون من قبل ذلك أو بعده لا يكاد ينجب
في عنفوان الشبيبة ما هو
قال وعنفوان الشبيبة للمرأة من عشرين إلى ثلاثين وللرجل من ثلاثين إلى خمسين قال وذلك أن المنتهى من البدن ومن العقل لكل واحد منهما إنما هو هذا
القول في المباضعة كيف ينبغي أن تكون
قال النبي صلى الله عليه لو أن أحدكم إذ أتى أهله قال بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان وقال مجاهد إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على أحليله وقالت أم سلمة كان النبي صلى الله عليه إذا جامع غمض عينيه وغطى رأسه وقال للتس تكون تحته عليك بالسكينة والوقار قال أفلاطن ولا ينبغي لمن أراد أن يولد ولدا أن يشرب شيئا من المسكر في تيك الليلة لأن المواقعة من بعد الشرب تجعل الولد أرعن
في مدة نشوء الإنسان
قال أفلاطن ينبغي أن تكون العناية بتسوية الأبدان إلى أن ينتهي النشوء قال والنشوء ينتهي لسبع عشرة ولثمان عشرة قال ومن بعد انتهاء النشوء ينبغي أن يؤخذوا بالرياضة ويكون فيها سنتين وثلاثا حتى تشتد قوى أبدانهم
في الأسنان
قال أفلاطن عنفوان العمر للمرأة من عشرين إلى ثلاثين سنة وللرجل من ثلاثين سنة إلى خمس وخمسين سنة قال العارف ويكون من خمسين سنة في حد الإكتهال إلى خمس وثمنين سنة فإذا جاوز ذلك كان شيخا قال وإن الإنسان يزيد إلى خمسين سنة في بدنه وعقله وقال أهل الأدب إن المولود من حين يولد إلى أن يبلغ يكون صبيا ثم يكون شابا إلى ثلاثين سنة ثم كهلا إلى خمسين سنة ثم يكون من بعد ذلك شيخا
في الفرق بين التأديب وبين السياسة
التأديب هو أخذ السائس المساس بفعل ما يؤديه إلى حسن الحال حتى يعتاده والسياسة إنما هي إجراء أمر المساس على ما يؤديه إلى حسن الحال فهما يجتمعان وفي أن كل واحد منهما إنما هو لصلاح حال المساس ويفترقان من جهة أن التأديب هو أخذ المساس بأن يعمل بما يسعده والسياسة لا يقتضي ذلك ولكنها يقتضي فعل السائس بما يسعد به المساس
في الفرق بين التربية على الأدب وبين التأديب
التربية على الأدب هو أن يفعل المربي بمن يربيه على الأدب بما يؤديه إلى الأدب وأما التأديب فإنه أخذ المؤدب من يؤدبه بفعل ما يثمر الأدب
في الأدب إنه ما هو
قال أفلاطن الأدب هو أن يعرف الإنسان كيف بتعبد لغيره إذا تأدب وكيف يستعبد غيره إذا أدب وقال ذويجانس الأدب هو حسن الطاعة للرؤساء وللسنن وأقول الأدب هو أن يعرف كيف يغلب ذاته حتى ينقاد لمن ينبغي له الخير والنافع ويجنبه الشر والضار وهو أيضا معرفة أن كيف يحمل غيره على حسن الطاعة لمن يسوس أمره وأقول الأدب أدبان أدب فعلي وأدب عملي وأرسطوطيلس يسمي الأدب الفعلي وهو الذي يعرف به الإنسان صلاح حاله في عيشه التعقل وأفلاطن يسميه الحكمة وسنقول فيها فيما بعد إن شاء الله
في الأدب وفي الحكمةالإنسية
أقول الأدب هو الحكمة الإنسية والحكمة الإنسية هي معرفة السيرة المؤدية إلى السعادة معرفة عبارة ومشاهدة وبيان ما أقول أن العلوم العملية لا يوقف على حقائقها ودقائقها بالصفة من دون مشاهدتها لمباشرة الأعمال وإن كان الواصف مقتدرا على العبارة وغير [ضنين؟] بالإفادة وأقول الحكيم هو الذي عرف ما نطقت به السنة المسنونة المستقيمة وأرشد إليه السائس الناصح ثم سلك الطريقة فعرف بالمشاهدة ما قصرت عنه عبارة السنة وبيان السائس وقال بعضهم من أحب الحكمة فلبيغض الدنيا وذلك هو المال والنساء وقال أفلاطن ليس شيء أخص بالحكمة من الصدق فينبغي لمن يريد الحكمة أن يلزم الصدق
في الحكمة لبعضهم
قال أجزاء الحكمة المودة وحسن الروية علل الحكمة التحفظ والتحرج عمل الحكمة تمييز الخير من الشر والضار من النافع والصدق من الكذب لواحق الحكمة الفهم والعفة قال وتقابل الحكمة الرعونة قال وأجزاء االرعونة الطيش والخفة علل الرعونة النسيان والغمودة أعمال الرعونة التغطرس في الأشياء والتخبط لواحق الرعونة البلادة والبله
في المتأدب
قال أفلاطن المتأدب هو المقتدر على أن يزمر ويرقص زمرا حسنا ورقصا حسنا أعني أن يكون متحرك بصوته وببدنه الأخلاق الفاضلة وذلك بأن يكون قوله عند العوارض على ما ينبغي وبأن تكون حركة أعضائه عندها على نظام وترتيب مستوي وأقول المتأدب عنده هو الذي قد عرف كيف يتعبد لغيره وكيف يستعبد غيره وصار ذلك حالا فيه وأقول المتأدب هو المتخرج في الحكمة والمتخرج فيها هو الذي فهم عنها لطائف ما تفيد من المهنا وجانب ما تصرف من البلوى وهو الذي يفقه لحقيات الزيغ عنها والزلل وينبه لوجوه الإستدراك والعمل
في الأدب
الأديب قد يقال على المتأدب وقد يقال على المؤدب والمتأدب البالغ في الأدب هو الذي يستحق أن يؤدب وقد مر القول فيه وأقول المتأدب قد يقال على من ابتدئ في تعلم الأدب وقد يقال على على المتخرج فيه وقال فرفوريوس كل أديب في شيء فإنه يكون قاضيا في ذلك الشيء والأديب الكل هو القاضي في كل شيء قال ومن عادة هؤلاء القوم أن يسموا الأدب في الشيء من كان عنده من علم ذلك الشيء ما يمكنه الحكم فيه على ما بعده وقال غيره الأديب في الشيء من كان عنده العلم بمبادئ ذلك الشء وكان مع ذلك منطقيا وأقول الأدبي هو الحكيم بالحكمة الإنسية البالغ في الحكمة
في الغرض من الأدب
قال أفلاطن الغرض من الأدب هو أن يصير الإنسان خيرا والخير هو الذي ملك نفسه والمالك لنفسه هو الذي يمكنه أن يضبط نفسه عن اللذات وعلى الأحزان وعند الغم وعند الفرح وعند سائر العوارض والخواطر فلا يطلق لها الحركة في شيء ولا السكون عن شيء إلا ما أطلقه الفكر بالعقل فإن أكثر الأفات إنما تجيء من العمل بالخاطر الذي لم يصححه الفكر قال وأقول الأدب يكسب صاحبه الغلبة قال وأما الغلبة فإنها تولد سوء الأدب وهو العجب والعجب يولد الخرق قال أبو الحسن قوله يكسب صاحبه الغلبة يريد أنه يكسب صاحبه أن يغلب ذاته وقوله وأما الغلبة فإنه يريد وأما غلبة ذاته فإنه تولد العجب على نحو ما قاله
الأدب الذي يربى به الصبيان وهم لا يعقلون هو الأدب الذي ينبغي أن يؤخذوا به وهم يعقلون أمر غيره
قال أفلاطن وأقول الأدب الذي يربى به الصبيان وهم لا يعقلون هو الأدب الذي ينبغي أن يؤخذوا به وهم يعقلون قال وهو الذي ينبغي للكهل أن يستعمله وللشيخ أن يعقله لا فرق فيه إلا في وجه من العمل وذلك أن وجه العمل في تأديب من لا يعقل خلافه مع من يعقل
في أن الأديب هو الحر ومن ليس بأديب فإنه عبد
قال الحر هو الذي يستمر بدنه على العادات الجميلة والأخلاق الفاضلة وأما الذي لم يستمر بدنه على ذلك فإنه يكون في عذاب وقلق وذلك إن فعل ما تدعوه إليه شهوته ببعض يلذ به وندم كيف لم يطع النطق والسنة وإن فعل ما تأمر به السنة أقلقته الشهوات فجزع فلا العقل يهينه الشهوات ولا الشهوات تهينه العقل وذلك أن نفسه في بعض الأشياء أمة وفي بعضها حرة وإنما السعادة في أن تصير النفس بكمالها حرة قال ولذلك نقول بأن الأمر كله إنما هو في اعتياد العادات الحسنة قال وأقول إن الذي لم يقتن الأدب [؟] بين كل قليل ويصرع على غير ترتيب فإن أمسك نفسه [فيحفظا؟] فإنه لا يصبر [ويظفر؟] من الرأس
في عدم الأدب
قال أفلاطن عدم الأدب هو عدم النطق فإن المتأدب هو الناطق قال وعدم النطق يكون على وجوه أحدها الجنون الثاني الجهل والثالث هو إهمال العلم قال والجنون هو فساد القوة الناطقة بالبنية أو بالآفة والجهل هو إهمال القوة الناطقة وترك إخراجها إلى الفعل وإهمال العلم وهو ترك العمل به من بعد الوقوف عليه قال وهذا شر الثلاثة والمجنون أصلحها حالا وقال الإنسان بالنطق فمن ليس بناطق فإنه ليس بإنسان إلا من جهة المجاز للصورة الظاهرة وقال أرسطوطيلس من لا عقل له أفضل من الذي له علم وهو لا يعمله وأقول الجاهل بهيمة بالحقيقة وشر من البهيمة وذلك من قبل أن أكثر البهائم نافعة للناس وغير ضارة والضارة منها متشردة ومنتبذة فأما الجاهل فإنه كبير الجناية على نفسه وعلى غيره ويتعذر الإحتراز من شره لإلتباس أمره ولمخالطته الناس وتوسطه فيما بينهم ولأنه بمقدار ما معه من قوة النطق تنبه لوجوه ابتغاء الشر وللحيل في مضار الناس من حيث يخفي أمره لأنه يهتدي للتدليس والتمويه وللإخفاء والتلبيس فلذلك قلنا بأنه شر من البهائم ومن المجانين ولا سيما إذا كان سبعي الطبع أو خبيث الهمة وأما العالم المستعصي على العلم فإنه شر من المجنون ومن الجاهل لأن الخسارة بفساد القوة الناطقة وبترك أحيائها على من كانت قوته النطقية سليمة إنما هو من قبل ما يستفاد بالعلم من اجتلاب المنافع ودفع المضار وقد فات المستعصي على العلم ذلك وبعد فإن الجاهل قديرجى حسن حاله في نفسه وحسن الحال به في ثان وذلك بأن يرغب في العلم فيأخذه و يعمل به فإذا علم ولم يعمل فقد ذهب الرجاء منه ووقع الناس من خيره ومن استصلاحه بالعلم ثم كانت جنايته على نفسه وعلى غيره بإيقاعه إياها فيما يضرها عن علم منه بالمضرة وإخساره إياها ترك اقتناء ما ينفعها عن علم منه بالمنفعة ومع القدرة أعظم في الهجنة والسماحة وإنما صار المجنون أحسن حالا من الثلاثة لأنه أوسعهم عذرا وأقلهم جناية إنما أوسعهم عذرا فإنه قل ما يكون سببا لحياته وإما أقلهم جناية فمن قبل تسهل كف عاديته بالإستيثاق منه لزوال الشبهة عن أمره ولسقوط الحشمة فيه وقال أفلاطن من ليس بأديب فإنه كالحالم في اليقظة
في أصناف التربية على الأدب والتأديب
قال أفلاطن التربية على الأدب قسمان أحدهما القسم الخداع والآخر النوع الجدي قال والإبتداء من النوع الخداع لأن الصبيان لا يحتملون الجد ما داموا صغارا لضعف عقولهم وذلك لأن الضعيف العقل لا يرغب في الجد لأنه لا يعرف قيمته وأقول التربية على الأدب وكذلك التأديب يكون بوجهين أحدهما بالقول والآخر بالفعل وكل واحد من هذين يكون بوجهين أحدهما أن يحملوا على الفعل وعلى القول حتى يقولوا و حتى يفعلوا والآخر أن يقال ليسمعوا أو يفعل ليبصروا حتى يتأدبوا وأقول أيضا التربية على الأدب تكون بوجهين أحدهما ما ينبغي أن يؤخذ به الصبي والآخر ما ينبغي أن يؤخذ به غيره وذلك مثل أن يأخذ الدايات والحواضن في التخويفهم وفي أن يجنبوهم بسمع الأشياء القبيحة ورؤية الأشياء القبيحة ومثل ما يؤخذ الصناع في أن لا يفعلوا الأشياء القبيحة لكن الحسنة
القول في تربية الصبيان على الأدب بالنوع الخداع
قد قلنا إن ابتداء التربية على الأدب إنما تكون من المخادعة وذلك بأن يصور الجد في صورة الهزل أن يتفق الصدق في صيغة الكذب قال أفلاطن وذلك بأن يصاغ لهم ألغاز يكون حشوها الأدب وظاهرها الكذب قال ومن جنس الألغاز الأشعار التي تمدح الفضيلة والعفة لا المجون واللذة قال وينبغي أن يؤخذ الأمهات والحواضن بأن يحرفوهم بها ولا يحرفونهم بغيرها قال وينبغي أن تكون العناية بتسوية أنفسهم بالألغاز أشد من العناية بتسوية أبدانهم بالقمط قال ولذلك نقول بأن الإبتداء إنما هو من الموسيقى الكاذب قال وأما اللعب فينبغي أن يجعل فيما يثمر الجد كاللعب بالكرة والثقافة
القول في تربية الصبيان على الأدب بالنوع الجدي
قال أفلاطن ابتداء الأمر من النظافة ومن أن يحملوهم على ألف الأشياء الحسنة وعلى النفار والبغض للأشياء السمجة وذلك بأن تصان أبصارهم وأسماعهم من القبيح والذميم وأن يبذر في أنفسهم الحسن والجميل قال فينبغي أن يحملوهم على النظافة في البدن واللباس وفي كل شيء حتى في تقصيص الشعر قال وينبغي أن يجنبوهم المواضع الذي يجري فيها المري والخنى وأن يصونوا أعينهم من الصور القبيحة ومن الأشكال الرديئة فإن الرديء من كل شيء يولد الرداءة والحسن من كل شيء يولد الحسن قال وينبغي أن يجري على أسماعهم وعلى أبصارهم الأقاويل الحسنة والأفعال الفاضلة والصور الأنيقة والأشكال الحسنة قال ولهذا نقول بأنه ينبغي للسائس أن يمنع الصناع والمصورين من أن يتخذوا آنية أو شيئا بشكل رديء أو يصوروا على شيء صورة سمجة قال وينبغي للسائس أن يخرج من البلد من لم يمتنع من فعل القبيح قال وإنهم إذا أحبوا الحسن والنافع وأبغضوا الذميم والضار يسهل علينا دعوتهم إلى فعل الحسن والنافع وإلى ترك القبيح والضار قال وتهون عليهم الإجابة قال فقد يجب لهذا أن نمدح الفضائل بحضرتهم وأن نزينها في نفوسهم وخاصة الصدق والوفاء وحسن الطاعة للأكابر والعفة والشجاعة والعدل والحكمة قال ويجب أن نذم الرذائل والشره والخيانة والجبن والجهل وأولاها بالتهجين الإستعصاء على الأكابر فإن هذا أسمج الرذائل وأقبحها وأضرها وذلك أن الخير كله إنما هو في حسن الطاعة للسنن وللسياسة والشر كله والضرركله إنما هو من الإستعصاء على السنن وعلى السياسة قال أفلاطن وأقول إن الصلاح كله إنما هو في محبة الحسن والنافع وفي بغض القبيح والضار فإن الذي يحب الحسن والنافع ويتوق إلى أن يكتسبهما والذي يبغض القبيح والضار يهرب من الوقوع فيهما
أدب كبير وهو في اكتسابهم الحياء
قال أفلاطن وينبغي أن يحملوهم على الحياء وذلك بأن يصور في أنفسهم سماجة الرذائل ومهانة من يكسبها وبأن يعظموا حرمة الأكابر والأفاضل في نفوسهم قال وأقول الذي يحدث الظفر شيئان أحدهما الخوف من الأصدقاء وهو الحياء والآخر الجرأة على الأعداء وهو الشجاعة
أدب كبير يجب أن يؤخذوا به
قال وينبغي أن يمنعوا من أقران السوء وأن يحفظوا من أن يقع أعينهم .....فإن الشبيه مائل إلى الشبيه وكل يجر إلى مثل حاله ويفعل فيه وإن لم يعرف المنفعل ذلك ولم يختبر به قال أبة الحسن وقد أحسن الشاعر في قوله وكل قرين إلى شكله
كأنس الخنافس بالعقرب ترى الطفل يفهم عن قرنه
كفهم الفصيح عن المعرب
سياسية في تربية الصبيان على الأدب
قال أفلاطن وينبغي أن يشغلوا الصبيان أبدا فإن الراحة العطلة فساد على من لا تمييز له قال وهذه حالة الصبيان و العبيد قال أبو الحسن يعني بالعبيد الذين هم عبيد بالطبع
سياسة أخرى في تربية الصبيان على الأدب
قال أفلاطن وإنما الأمر كل الأمر في تجريد التربية على طريق الإستقامة فإن التلون في كل شيء يولد الإضطراب والإضطراب يولد الفساد
أصل في السياسة
قال ولا ينبغي أن يعاتب النساء والصبيان وقد قيل من الجهل العظيم معابتة الصبيان والنساء ولو جاز ذلك جاز معاتبة المجنون والسكران قال ولا ينبغي أن يظهر التضجر منهم قال أبو الحسن وقول أفلاطن ولا ينبغي أن يعاتب الصبيان يريد به الذين لم يبلغوا في التمييز مبلغ فهم ما يراد منهم بالعتاب فيصيرون إليه وقال شاعر العرب وعاتب ذوي الألباب إن عتابهم
يسبب صلحا أو يكف عن الرغم و من عاتب الجهال أسقم نفسه
فلا تعظ الجهال وأبرأ من السقم وليس يقر الجاهلون بحكمة
كما لا يقر الصعب بالذم والخطم فأمأ من فطن وعقل فإنه لا بد من معاتبته وإن كان بعد على حكم الصبي من قبل سنه
في أن الأمور بمباجئها وأن المبدأ أعظم شيء يكون في الأمر
فال أفلاطن ينبغي أن يعلم أن ابتداء كل أمر أعظم شيء فيه وأن الأمور بمبادئها قال وإذا وقع الإبتداء على الواجب يزيد على التداول وأثمر ثمرات عظيمة ونافعة وأخرج ناسا جيادا قال وإن الصبيان يكونون سراع القبول والإئتمار لما يؤمر به فينبغي أن يؤخذوا من الصبى بما ينبغي أن يؤخذوا به وإنما الأمر كله في اعتياد العادات الحسنة
القول في مبدأ التأديب
قال أفلاطن ابتدأ التأديب من التعويد وذلك بأن يؤخذ الصبيان باعتياد العادات النافعة الحسنة وأن لا يتركهم بأن يزولوا عنها البتة ولا أن يخالفوها في شيء البتة قال وينبغي في الجملة أن يأخذوهم فيما يفعلون بالإحتذاء بما ملؤوا منه أسماعهم وأوقعوا عليه أبصارهم وبامتثال ذلك إلى أن يصير ذلك عادة لهم
في كيف يؤدب
قال أفلاطن ينبغي أن يجعل ابتداء أمره من الرفق فإن لك ينفع فبالعنف قال وأقول سبيل السائس أن يتسلط على المساس تسلط مسالمة ويصافحه برأي وثيق وجد وحزم فإن استعصى صبر عليه واحتال له وعليه فإن أعياه الرفق استعمل حينئذن المخاشنة
القول في التأديب
قال أفلاطن التأديب هو التربية الجارية على الصواب في اللذات والأحزان وفي الفرج والغموم حتى يمتنع مما لا ينبغي من اللذات وحتى يصير على ما ينبغي في الصبر عليه من الأحزان وأن يفرح بما ينبغي ويغتم بما ينبغي أن يغتم عليه ولا يفرح بما لا ينبغي الفرح فيه ولا يغتم بما لا ينبغي الغم فيه قال وليس فيما قلناه فقط لكن وفي جميع العوارض حتى تكون حركاته ومتصرفاته على ما ينبغي وبالمقدار الذي ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي وقال أرسطوطيلس والتحرج في الأخلاق والصناعات إنما يكون بالعادات غير أن الأخلاق الفاضلة والصناعات المحمودة إنما تكون بالعادات الحسنة والرديئة قالوا ولذلك نقول بأن الخير كله إنما هو في العادة الفاضلة
في العادة ما هي وفي الجودة والردا
قال أرسطوطيلس العادة إنما هي أفعال متكررة على جهة واحدة والأفعال منها جيدة ومنها رديئة والجيدة منها تولد الجيدة والرديئة منها تولد الرديئة قال الردا كله إنما يتولد من جهة الإفراط والقلة والجودة إنما تتولد من التوسط
القول في اللذات المحمودة وفي اللذات الذميمة
قال أفلاطن الذي ينبغي أن يفرح به من اللذات هو كل ما كان حسنا ونافعا قال وذلك هو الذي يجري على الطبيعة المستقيمة وعن العادات الحسنة قال وما كان كذلك فإنه قبيح ومذموم قال وينبغي أن يعلم أنه ربما كانت الطبيعة مستقيمة والعادة فاسدة قال أبو الحسن وربما كانت الطبيعة فاسدة والعادة مستقيمة
في تعويد التعب والكد
قال أفلاطن وينبغي أن يعودوا التعب بسبب الجميل والنافع ولن يتم ذلك إلا باعتياد الصبر عن لذة الراحة وباعتياد الصبر على قلق النفس وجزع البدن من أذى التعب والنصب قال ونقول إنه ليس ينبغي أن يربى الأولاد على الدلال والدعة فإن تربية الدلال لا يصبر على مفارقة الشهوة ولا تطيق احتمال النصب والمشقة قال ونقول إنه الخيرات العظيمة من العلوم الشريفة والأخلاق الفاضلة الصناعات الكريمة إلا بالتزام الكد والتعب قال ونقول إن النوم والراحة يفرقان في الدنيا والآخرة ومن لم يصبر على تعب التعلم احتاج أن يصبر على ذلة الجهل ومن لم يصبر على تعب حسن الخلق احتاج أن يصبر على تعب سوء الخلق
في تعويد الصبر والحلم
قال وينبغي أن يؤخذوا بالصبر عند النوازل والمصائب وبالحلم عند الغضب قال وينبغي أن يقرر في نفوسهم بأن الجزع والقلق والترف والتواني والكسل إنما يكون من الدناءة ومن الجهل قال وإنما الحلم كله في السكوت والسكون قال وأصل الأدب الرزانة والوقار وأصل الرعونة السفه والطيش والخفة
في تعويد حسن الطاعة للرؤساء وللسنن
قال وينبغي أن يؤخذوا الأحداث من أول العمر على الإعتقاد بأن الخير والسعادة إنما يكون لهم في الطاعة للسنن والأكابر حتى إذا وجدوا سنة أو أمرا استبشروا استبشار من قد وجد خيرا قال وذلك لأنهم قد اعتقدوا بأن الرؤساء والمؤدبين هم الذين يبلغونهم إلى السعادة ويجعلون لهم الخيرات بحسن التأديب قال وينبغي أن يقرر في نفوسهم بأن الإستعصاء أصل الشر كله وأن البلايا كلها من الإستعصاء تتولد وبالإستعصاء تفوت الإنسان السعادة التي هي أشرف الخيرات ويحصل في الشقاء الذي هو مجمع الشرور قال وينبغي أن يعلم أن القلب يتقلب دائما ويتردد بين الشر والخير ومادة الخير طاعة الرؤساء ومجانبة السفهاء ولزوم الأفاضل ومادة الشر اتباع الهوى ومساعدة أخدان السوء ومفارقة الأفاضل
في صفة حسن الطاعة
قال أفلاطن حسن الطاعة هو أن يطيع فيما يشتهي وفيما لا يشتهي وفيما يعلم معناه وفيما لا يعلم معناه قال وذلك لأن الحدث لا يشتهي الخير بل الشر وليس في الإمكان أن يعلموا ما داموا صغارا وأحداثا ما يضرهم وينفعهم لأن ذلك إنما يحصل بالتجربة والتجربة إنما تحصل في الزمان الطويل بالرصد والرعاية
في فضيلة الطاعة
قال حكيم من حكماء العرب إنه ليس يصلح للرياسة إلا من أطاع الرياسة ومن لم يطع الرؤساء والسادة فإنه غير مطيع للرياسة وكانت سبب كلمته هذه أنه لما حضرته الوفاة أراد أن يعقد لأحد أولاده الرياسة وكان له عشر بنين فدعا بالأكبر وقال له إني قد تضجرت من الحياة فخذ هذا السيف واطعن به في صدري حتى تخرجه من صلبي فقال له ابنه وكيف يجوز للإبن أن يقتل أباه فدعا بالذي يليه وقال له مثل ذلك ورد عليه قريبا منه فلم يزل على ذلك يدعو يواحد واحد إلى انتهى إلى الأصغر فلما قال له ذلك قال هذا عار علي في الدنيا وهلاك في الآخرة ولكن هل لك فيما تأمرني به فرج قال نعم فأخذ السيف وهم به فقال حسبك ثم دعا بنيه وعرفهم ما كان منهم ومن أخيهم الأصغر وقال الثقول الذي قدمناه وعقد له عليهم الرياسة وقال النبي صلى الله عليه المؤمن كالجمل الأنف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ في رواية أخرى المسلمون هينون كالجمل الآنف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ وقال ذيوجانس لتلامذته من جمع لكم مع المحبة رأيا فاجمعوا له مع المحبة طاعة
في تهوين الموت
قال أفلاطن وينبغي أن يهون الموت في نفوس الأحداث حتى يصيروا شجعانا ولا ينبغي أن يفزعوا فيجبنوا ولا ينبغي أن يقال لهم بأن الأشياء لها صور هائلة تدور بالليل وبالنهار فإنهم يجبنون بمثل هذا إذا سمعوه
آداب يجب أن يؤخذ بها الصبيان
قال وينبغي أن يعلموا الرماية والكتابة والسباحة
أدب
قال وينبغي أن يؤمر الصبيان بالإقبال على من أقبل عليهم
أدب
قال وينبغي أن يؤخذوا ببر من غشي منازل آبائهم من معارفهم وينبغي أن يممنعوا من صدر المجلس وكان أفلاطن يقول صدر المجلس موضع قلعة
أدب
قال وينبغي أن يمنعوا بأن يبتدروا بمعانقة من هو أكبر منهم وبمصافحته
أدب
وينبغي أن يمنعوا من التعيير أدب وينبغي أن يمنعوا من الإعتذار مما لا ينبغي الإعتذار منه
أدب
قال وينبغي أن يمنعوا من تتبع معايب الناس والتقاط سقطاتهم فإن ذلك نذالة وجهل
أدب
وقال حكيم لابنه ضع نفسك يا بني دون غايتك في كل مجلس ومقام ومقال
أدب
قال وينبغي أن يؤخذوا بالسلام قبل الكلام وفي السنن الفاضلة من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه
أدب حسن
قال وينبغي أن يؤخذوا بالإستيناس من قبل دخولهم إلى حيث لا يحتاجون فيه إلى استئذان والإستيناس التسبحة أو التمحيد أو التكبيرة أو التنحنح يؤذن به من في البيت أنه يريد الدخول عليهم
أدب
قال وينبغي أن يؤخذ الصبيان بخفض الصوت ومشي القصد وسكون الزلج وقلة الإلتفات وقلة التلون في الجلوس وينبغي أن يمنعوا من التقلب ومن العيب ومن كثرة الضحك فإنه من تعود شيئا من هذا صعب عليه الإقلاع عنه
أدب الدخول إلى بيت خال
قالوا وينبغي أن يؤمروا بأن يقولوا السلام على أهل البيت من الجن وملائكة وعلى عباد الله الصالحين السلام علينا من ربنا قالوا وكذلك إذا دخلوا مسجدا
أدب من يدخل بيته
قالوا والصواب أن تقول السلام عليكم إذا دخل إلى أهله
في أدب الأكل
ينبغي أن يؤخذوا بغسل اليد قبل الطعام وبعده فإن ذلك من السنن الجيدة وينبغي أن يؤخذوا بتسمية الله في الإبتداء وبحمده في الآخر وبنبغي أن يؤمروا بذلك في كل لقمة وينبغي أن يمنعوا من تعظيم اللقمة ومن مد اليد إلى سوى ما يكون أمامهم وقريبا منهم قال ولا ينبغي أن يغسلوا أيديهم بحضرة الأكابر
في أدب شرب الماء
ينبغي أن يمنعوا من الشرب فيما بين الأكل ولا ينبغي أيضا أن يشربوا من بعد الفراغ من الأكل إلى أن تمضي ثلاث ساعات وأقله ساعتان ينبغي أن يجعلوا الشربة بثلاثة أنفاس ويسموا بعد كل نفس إذا ابتدؤوا ويحمدوا الله إذا قطعوه في كل نفس وروي أن النبي صلى الله عليه كان يشرب الشربة في ثلاث شربات وثلاث تسميات وثلاث تحميدات قال وينبغي أن يؤخذوا بصب الماء وبترك العب فإن النبي عليه السلام قال الكباد من العب
القول في المسكر وشربه
قال المسكر دواء كبير يعين على حرافة الشيخوخة ويعين على التسلية قال فإنه ينفع من الجبن ومن الخوف ومن القحة ومن الردا قال والسكر حرام وذاك أنه يورث القحة والجور والفزع ويوقع في كل شر قال ولهذا نقول بأن المسكر حرام على من لم يمكنه أن يمتنع عن شرب ما يسكره إذا دبت الأريحية فيه وشرهت نفسه إلى التزيد قال وينبغي أن يمنع عن الشرب بالنهار جميع الناس قال ويمتنع بالليل من أراد أن يحضر مجلسا للرأي ويمنع أيضا من أراد أن يواقع امرأته ليولد ولدا فإن المواقعة من بعد الشرب تجعل الولد أرعن وذكر جالينوس عن أفلاطن أنه قال ليس ينبغي أن يطلق لأحد شرب الشراب بالنهار البتة إلا على سبيل التداوي من أجل المرض قال وليس ينبغي أن يطلق للعبيد وللإماء أن يشربوه البتة قال وليس ينبغي لأحد من أهل العسكر أن يشربه ما دام في وجه حرب هكذا ذكر عنه جالينوس والذي ذكره في النواميس إنه ينبغي أن يحرم المسكر على الجند
القول في شرب الصبيان للمسكر أن كيف ينبغي
قال أفلاطن ينبغي أن يمنع الصبيان من الشرب إلى أن يبلغوا ثماني عشرة سنة والعلة في ذلك أنه لا حاجة بهم إلى الشراب لأن الشراب نار والصبي ما لم يبلغ ثماني عشرة سنة نار وليس يجوز أن يزيد نارا على نار قالوا وإذا بلغوا ثماني عشرة سنة أطلق لهم شربه على سبيل التداوي وبالليل من دون النهار قال ولا ينبغي أن يطلق لهم الإجتماع عليه ما لم يبلغوا ثلاثين سنة
القول في الولاة والقضاة إنه هل ينبغي لهم أن يشربوا وأن كيف إن جاز لهم ذلك
ذكر جالينوس في الكتاب الذي يقول فيه بأن النفس تابعة لمزاج البدن عن أفلاطن أنه قال ليس ينبغي للقضاة والولاة والتنا وجميع من يقصد للمشورة أن يشرب قال جالينوس وقال أفلاطن فأقول في الجملة بأنه ليس ينبغي لمن أراد أن يكون صحيح العقل أو مستقيم السنة أن يشرب الشراب البتة
في أدب النوم
قالوا ينبغي أن يمنع الصبيان من نوم أول النهار وآخره قال أبو الحسن ينبغي أن يمنع الكل منه إلا من كانت به علة وكانت العرب تقول نوم أول النهار خرق ونوم آخره حمق والنوم فيما بين ذلك خلق وينبغي أن يمنع الكل من النوم من بعد الطعام إلى أن ينزل الطعام من فم المعدة إلى قعرها وينبغي أن يؤمروا بالنوم على الشق الأيمن وأن يجعلوا أيمانهم تحت خدودهم
ذكر ما يجب أن يفرض على الاولاد للوالدين
قال أفلاطن يجب أن يقرر في نفوس الأولاد أنه ليست حرمة من بعد حرمة الله أعظم من حرمة الأمهات والآباء لأنهم سبب الكون وسبب خيرات الأولاد فواجب عليهم قضاء حقوقهم بقدر طاقتهم قال وأول ما يجب عليهم من حقوقهم أن يشربوا قلوبهم تعظيمهم وإجلال أقدارهم واستشعار الذلة لهم واعتقاد طاعتهم فيما ساءهم وسرهم قال ويجب عليهم أن يعتقدوا الرضا بجميع ما يكون منهم إليهم قال ويجب عليهم خدمتهم بوسعهم وجهدهم قال ويجب أن يلزمهم القيام بين أيديهم على البعد ويجب عليهم غض البصر عنهم للتعظيم قال ويجب عليهم السكون والسكوت بين أيديهم وبحضرتهم قال وينبغي أن يتركوا الإلتفات وكثرة الحركة ما داموا بمشهد منهم وكان أفلاطن يوصي الأحداث بثلاث بغض البصر وبالصمت وبالعفة وقال أرسطوطيلس ما شيء أصعب من السكوت وقال أبن المبارك منزلتان شريفتان سهت القلوب عنها الصمت وتجنب باب السلطان قال ويجب أن يفرض عليهم كفاية الآباء والأمهات وأن يعرفوا بأن ذلك أوجب عليهم من كفاية أنفسهم وواجب على الأولاد الحماية عن أبدان الوالدين وأرواحهما وبذل أبدانهم وأرواحهم بسبب سلامتهما قال أفلاطن ويجب على الأولاد الإستسلام لما يريد الآباء والأمهات إيقاعه بهم في حال غضبهم قال ويجب أن يعتقدوا بأنه ليس يحل لهم الهرب مهم إذا أرادوا تأديبهم قال وينبغي أن يتركوا الإضطراب والكلام وقت غضبهم ووقت ما يؤدبونهم قال وينبغي أن يتركوا الإعتذار في ذلك الوقت قال ويجب أن يكون اعتذارهم إليهم وقت سكون غضبهم وأن يظهروا التوبة والإنابة قال وليس ينبغي لهم أن يجلسوا بحضرة الآباء والأمهات فإن أجلسوهم جلسوا مقعس قال وليس ينبغي أن يرضي من أحد من الأولاد مخالفة الوالدين في شيء البتة قال وليس ينبغي أن يمتخطوا أو يتبزقوا بحضرتهم ولا بحضرة الأكابر قال وللآباء والأمهات حق المادة وحق تربية الجسد والنفس
في حق الداية والحاضنة
قال أفلاطن ويجب أن يفرض على الأولاد حق سائر من أحسن إليهم في صغرهم من داية وحاضنة ومؤدب ومعلم
فيما يجب أن يأخذ الملك الناس به في أمر الأكابر والسادة
قال أفلاطن واجب على الملك أن يرتب الناس المراتب في البر والكرامة وأن يجعل ذلك على قدر أحوالهم في الفضيلة لا على قدر الثروة والنعمة قال وثم يجب عليه أن يأخذ العامة بأن ينزلوا أهل كل مرتبة في مرتبته وأن يعاملوا في برهم وإكرامهم عبى قدر ما رتبه الملك لهم وينبغي أن لا يرضي منهم بأن يخالفو ترتيبه فيقدموا مؤخرا قال وينبغي أن يأخذهم بتوقير أهل الفضل وبالإستحياء منهم وبالتأسي بهم وينبغي أن يحظر عليهم تنقصهم بالقول أو الغرض منهم في حال وينبغي أن يعاقب من تنقصهم أو غض من حرمهم وقال أرسطوطيلس دافع عن أهل المروءات ومن له قدم في الخير وإن تضعضعت أحوالهم ولا تكشف أستارهم وإن زلت أقدامهم واعلم بأن الضيم في المراتب أشد منه في الأبدان والأموال لأن الناس قد يبذلون أموالهم ويخاطرون بأبدانهم لئلا يضاموا في مرؤاتهم وقال زياد بن أبيه للناس في خطبته إني قد عاهدت الله أن لا يأتيني شريف بوضيع لم يعرف له حق شرفه ولا ذو سن بحدث لم يعرف له حق سنه ولا عالم بجاهل لم يعرف له حق علمه إلا عاقبته وأبلغت في عقابه ثم أنشأ يقول لا يصلح الناس فرضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم لم سادوا
وفي عهد ملك لابنه
ألزم نفسك إقامة طبقات الناس على حدودها ومراتبها حتى يبين ذو الحرمة ممن لا حرمة له وذو البلاء ممن لا بد له فإنه ليس شيء أفسد للرعية وأدل على سوء السياسة من أن يجمع المحسن والمسيء منزلة واحدة
في الآداب التي يحتاج إليها المرؤوس إذا أصحب الرئيس
قال ابن المقفع يجب على من دخل إلى رئيس أن لا يجاذبه مقبلا إليه ولا منصرفا عنه قال وليس ينبغي أن يرفع صوته في كلامه بأكثر مما يسمعه قال وينبغي أن يكون على إلتماس الحظ بالسكوت أحرص منه على إلتماسه بالكلام قال وكان يقال بأن مسئلة الملوك تحية النوكي وذلك بأن يقول كيف أصبح الملك وكيف حال الملك فإن السؤال يوجب الجواب وليس للأدنى أن يوجب شيئا على من هو أعلى منه قال وينبغي أن يسرع النهوض من بين يديه وإن حدثه وهو سائر فينبغي أن يسير حيث لا يحتاج الرئيس أن يلتفت إليه ويكفيه في ذلك أن يتقدم بمقدار رأس دابته قال وليس من الأدب أن يضحك بين يديه إن حدث الملك بنادرة أو عثر الملك وليس من الأدب أن يظهر تعجبا من حديث ولا سيما إذا كان الملك وهو المحدث قال وينبغي أن يهدي كل تابع إلى رئيسه المهرجان والنيروز ويجب أن تكون هدية كل إنسان مما يحبه المهدي قال وكاتب الملوك تثيب ذلك وتعوض منه قال ويجب على المرؤوس أن يجانب الظنين والمتهم والمسخوط عليه قال وليس يجوز أن يظهر غدرا للمسخوط عليه ما لم يبلغ الرئيس ما يريده من الإنتفاع منه قال ومن أخلاق الملوك فمتى حدث ذلك فينبغي أن يزيد في الخدمة والنصيحة قال وإن ربح العز تبسط اللسان بالشتم والأغلاظ من غير غضب فليس ينبغي أن يعد شتم الرئيس شتما ولا أغلاظه أغلاظا إذا كان في نفسه طاهرا وقال معاوية تغلب الملوك حتى تركب بشئين الصبر عند سورتها وحسن الإصغاء إلى جديتها وقال ابن المقفع إذا زادك السلطان تقريبا فزده إجلالا قال وكذلك ينبغي أن يفعل بجميع من تتصل به لا تساعد السلطان على الخطأ ولا في مجالسه وفي مجلسه الخطا وإن استبان النجح برأيك فلا تمنن عليه وإن خالفه رأيك فاستقبله ما لا يحب فلا تقل له أ لم أقل لك قال وإن أجلسك السلطان على مائدته فلا تستوفين الطعام وإن احتجت إليه إلا أن تكون في حساب الندماء وإن وضع بين يديك شيئا فلا تستوفينه وإذا أكلت فانهض إلى موضع لا يراك واغلس يدك وانصرف إلى منزلك إلا أن يجلسك وإذا أكلت معه فلا ترفعن عينك إلى أكله إذا يسأل الوالى غيرك فلا تكن أنت المجيب قال ويجب أن تعلم أن من صحب السلطان بالنصيحة أكثر عدوا ممن صحبه بالغش والخيانة لأنه يجتمع على عداوة الناصح عدو الوالى وصديقه الصديق لمنافسته والعدو لمباغضته قال ويجب أن تعلم أن المعترف لك بالفضل بغير حضرة السلطان ربما نافسك بحضرة السلطان ولم يسمح نفسه بأن يعترف لك فاعرف هذا الباب واحذره
في صفة من يحب أن يخرج في الحكمة
قال أفلاطن إنه ليس يجوز أن يؤخذ بتعليم الحكمة إلا من له طبع فيها قال والمطبوع هو الذي يسهل عليه تعلم ما تعلم وحفظه ويسهل عليه استخراج ما لم يتعلمه بما قد تعلمه
في أدب التعلم
قال أفلاطن وأول ما ينبغي أن يؤخذوا به أدب التعلم ومن آداب التعلم حسن الإقبال على المعلم وحسن الإصغاء وترك الإلتفات ما داموا بحضرة مؤدبيهم وترك الفكر فيما سوى ما يعلمون وقت ما يعلمون وقال وهب بن منبه أدب الإستماع سكون الجوارح وغض البصر وقطع الفكر عما سوى الذي يسمع والعزم على العمل وقال من استمع كما يجب نال بركة ما يسمع
كيف ينبغي أن يعلموا
قال أفلاطن ليس ينبغي أن يستكرهوا على التعلم فإن الذي يؤخذ على الإستكراه يكون قليل البقاء واللبث وذلك من قبل أن يستجروا إلى التعلم بلطف ورفق ويجعل كأنه لعب وإذا ملوا تركوا وأجموا قال وإذا زلت ألسنتهم وأخطؤوا نبهوا بلين ولطف وهكذا ينبغي أن يفعل في خطايا أفعالهم فإن العنف يؤدي إلى المحل وكان أفلاطن يقول إذا عاتبت صبيا أو شابا فبق له للعذر موضعا
بأي سن يجب أن يكون المتعلم
قال أفلاطن ليس ينبغي أن يؤخذ الصبيان بتعلم العلوم والصناعات إلا من بعد انتهاء نشوء الأبدان ورياضتها وذلك يكون بأحد وعشرين سنة قال وليس يجوز أن يؤخذوا بالتعلم من قبل انتهاء نشوء الأبدان لأن التعب يوهن القوى وينهك الأبدان قال المبرد كان أهل الفضل يقولون لا ينبغي أن يسلم الصبي إلى المكتب من قبل أن يشتد عظمه ويصلب لحمه ويقوى وأنشد المبرد وإياك أن تدعو لطفلك مكتبا
فتكربه والكرب يورثه الحمق متى أغتم طفل خامر الداء قلبه
فعاد ثخينا دائم الموق والرهق بديء فساد الطفل من عرق أمه
وحاضنه يغذوه بالود والملق قال المبرد وكان أهل الفضل فيما مضى يقولون ألعبوا أولادكم سبعا وعلموهم سبعا وخذوهم بمجالسة أهل الفضل سبعا قال أبو الحسن ما ذكره المبرد عن أهل الفضل قد وجدناه مرويا عن أبن عباس وكان بعضهم يقول بادروا بتعليم الصبيان قبل اتصال الأشغال وتفرق المال
بأي شيء يجب أن يكون المعلم وبأي حال
قال أفلاطن الواجب على السائس أن يأخذ المتولين لتربية أبدان الصبيان أن يقوموا على تربية أبدانهم عشرين سنة ثم الواجب على السائس أن ينقلهم إلى من ينشي أنفسهم بتخريجهم في العلوم عشرين سنين ثم يأخذهم بتعلم علم الجدل وبتركهم فيه خمس سنين ثم يأخذهم بالتمهر فيما تعلموه خمس عشرة سنة فإذا خلفوا الخمسين كان عليهم أن يجعلوا الخير مثالا لأنفسهم فيؤدبوا غيرهم ويعلموهم على سبيل ما أدبهم وعلمهم غيرهم حتى يصلحوا الأهل والأصدقاء خاصة وأهل المدينة عامة وليس ينبغي أن يفعلوا هذا على أنه حسن وجميل لكن على أنه لازم وضروري قال وإنه يجب أن يباشروا الأمور الإنسية من بعد خمس وثلاثين إلى أن يبلغوا الخمسين فإذا خلفوا الخمسين أدبوا غيرهم وعلموهم
في العلم الأول الذي ينبغي أن يؤخذوا بتعلمه
قال أفلاطن أول ما ينبغي أن يؤخذوا بتعلمه علم العدد قال وذلك من قبل أن علم العدد يمتد مع جميع الآراء والمعارف والصناعات قال وإنه لم يمكن إدراك الحق ومعرفته إلا به قال ذلك أن رؤيتنا لما هو بعينه روية يرى بها معا كأنه واحد وكأنه لا نهاية له في الكثرة وهذه صورة الواحد فإن الواحد مساو لكل واحد وإنه لا نهاية له لأنه ليس له حد قال وأقول في الجملة من أزمع على يصير إنسانا فإنه لا بد له من العدد قال وليس ينبغي أن يقلعوا عنه من دون أن ينتهوا إلى روية نفس طبعة الأعداد بالعقل نفسه قال وأقول الحاسب بالطبع يقوى على تعاهد العلوم كلها ومن لم يكن حاسبا بالطبع فإنه يزداد به قوة وحدة ذهن
العلم الثاني
قال أفلاطن وينبغي أن يؤخذوا من بعد تعلم علم العدد بعلم المساحة فإن علم المساحة يعين على رؤية الجوهر وذلك أن معرفة المساحة هو معرفة بما هو موجود أبدا قال فقد يجب لذلك أن يكون جاذبة للنفس إلى الجوهر وهذا العلم يجعل نظر الإنسان إلى فوق
العلم الثالث
قال وينبغي أن يؤخذوا مت بعد علم المساحة بعلم المكعبات
العلم الرابع
قال والعلم الرابع علم النجوم قال وبهذا العلم يصير إلى معرفة الخير وهو العلة الأولى فإنه إذا رأى آثار الحكمة ولطائف العناية علم أن للسماء خالقا قال أبو الحسن يريد بعلم النجوم علم الهيئة
العلم الخامس
قال والعلم الخامس هو علم الموسيقى قال والإنسان هذا العلم يهذب وبجملة هذه العلوم يستبين
العلم السادس
هو علم الجدل والمنطق وينبغي أن يكونوا في هذا العلم خمس سنين قال ويجب أن يكونوا في العلوم الأول عشر سنين قال ويجب أن يؤخذوا بالتمهر فيما قد تعلموا خمس عشرة سنة إلى أن يبلغوا الخمسين
في الفرق بين صناعة المنطق وسائر الصناعات
قال الفرق أن سائر الصناعات مبنية على آراء موضوعة مصطلح عليها قال وليس في شيء منها قوة أن يرفع تلك الآراء إلى مبادئها فيصححها وصناعة المنطق تمكنه ذلك في مبادئ جميع الصناعات قال وفرق آخر وهو أن مبادئ صناعة المنطق ليست بآراء موضوعة ولكنها مستخرجة بقوة المنطق من الموجودات قال وأيضا فإن هذه الصناعة لا يجعل ما يستخرجه مبادئ لكن جوامع ونتائج قال ثم إنها تصير بها إلى المبدأ ثم تنحط إلى المنتهى من غير أن تستعمل شيئا محسوبا قال وإن النفس بهذا العلم تقوى على أن تنظر في ماهية كل واحد من الأشياء وبأن لا تفارقها من دون أن يتناول بعقله إلا من الذي هو الخير وبهذه الصورة تصير إلى تمام المعقول
بيان أنه يجب أن يجربوا من قبل أن ينقلوا إلى العلم السادس
قال ومن بعد الثلاثين ينبغي أن ينقلوا إلى العلم السادس ولكنه يجب أن يجربوا أولا ويمتحنوا قال وسبيل المحنة إنه هل يمكنهم أن يصيروا إلى نفس الأمر الموجود مع الحق من دون استعمال الحواس فإن أمكنهم ذلك نقلوا إلى العلم السادس
ذكر المقدار الذي يجب أن يكون التعليم إليه
قال أفلاطن ينبغي لمن أراد الحكمة أن يصبر عليها حتى يبلغ إلى غايتها فإن شرف الأشياء كلها إنما هو في كمالاتها وهي غاياتها قال ويجب إذا ضجر أن يتفكر فيما يريد الإنصراف عنه إليه أن يعلم بأنه إن انصرف عنه من قبل البلوغ إلى الكمال فإنه يكون قد ضيع جميع أيامه التي مضت له فيها
القول في سياسة النساء ونريد أن تبين أن طبعهن في العلموم والصنائع لا أنقص عن طبع الرجال ولكنه يكون أضعف
قال أفلاطن إنه ليس في الأعمال عمل يختص به الرجل من قبل أنه رجل أو يختص به المرأة من قبل أنها امرأة فإنها بطبعها تصلح لجميع ما يصلح له الرجل غير أنها تكون في جميع الأعمال أضعف قال وقد نجد فيهن من تكون قوية على المحاربة ونجد فيهن من تكون ححبة للحكمة قال وقل ما ينهى عنهن حرفة
فيما يجب أن يمنعوا منه
قال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه لا تعلموا النساء الكتابة وعن عمر قوله له مثله
المواضع التي لا ينبغي أن يسكن فيها
وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه لا تسكنوا النساء الغرف وعن عمر بن الخطاب قوله مثله
السياسة في كسوتهن وطعامهن
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال استعينوا على صيانة النساء بالجوع وبالعرى فإنها إذا عريت لزمت بيتها
سياسة أخرى
وقال عمر بن الخطاب باعدوا بين أنفاسهن وأنفاس الرجال
الحيلة في استدامة مودتهن
قال الحكيم استدامة المودة بالفرق والهيبة أسلم من استجرارها بالتعطف والذلة قال وإن الذي يداريك قصارى أمنيته أن يسلم من شرك والذي تداريه يطمع فيك ثم لا يقنع منك إلا بطمعه فإن لم تسمح به صار حربا لك
سياسة
قال أرسطوطيلس حصنوا النساء من وقوع الأعين عليهن ومن وقوع الأحاديث إليهن
أدب وهو في مثل المعنى الأول
قالت الحكيمة فورباغورس ينبغي للمرأة أن تحمى سمعها من حديث الناس فإنه لا خير في ذلك وربما أدى إلى الشر قالت وذلك أنه يجري فيه الجيد والرديء وكما أن الجيد من الكلام يدعو إلى الصلاح ويعين عليه كذلك الرديء من الكلام يدعو إلى الفساد ويحمل عليه بل الرديء أشد تأثيرا ذلك من قبل أن الإنسان مايل بالطبع إلى الشر وإلى الفساد قالت وأيضا فإن المرأة إذا سمعت بأن حال غيرها أحسن من حالها تنغست بعيشها وتسخطت نعمة الله عليها وما شيء أضر من كفران النعمة
وصية في التمسك بحسن الأدب
قال فيثاغورس ينبغي أن يقرر في نفس المرأة أنها مشينة عند الكل والدليل على أنه مشينة أن الكل يغتم بها إذا ولدت ويفرح بالإبن فواجب عليها أن تزين نفسها بحسن الأدب حتى تزول وحشتها عن النفوس قال وأول الأدب العفة ثم الألف وحب الكل فواجب عليها أن تعف في عينها وفمها ولسانها وأن تألف أهل بيتها وتحبب نفسها إليهم بفعل البر وأن تستكد نفسها في الخدمة في صلاح العيش قدقيل بأن زينة المرأة المذهب لا الذهب
في الحقوق التي يجب على المرأة اعتقادها ورعايتها
أول الحقوق حق الله ثم حق الوالدين وحق من يتصل بالوالدين ثم حق الزوج وحق من يتصل بالزوج وليس ينبغي أن يوقع خللا وتقصيرا في حق بسبب حق
فيما يجب على الوالدين بتقريره في نفس الإبنة
قالت الحكيمة الواجب على والدة الإبنة ووالدها أن يقررا في نفس الإبنة أن المرأة إنما تراد لشيئين للولد وللمعونة على صلاح العيش
ذكر على المرأة من حقوق الزوج
قال رسول الله صلى الله عليه من حق الزوج على المرأة أن تبر قسمه وأن تطيع أمره
آخر
وقال رسول الله صلى الله عليه لا يمين لامرأة مع زوج ولا لولد مع والد ولا لمملوك مع مالك
آخر
قال رسول الله صلى الله عليه ويجب عليها أن لا تصوم إلا بإذن زوجها
آخر
قال رسول الله صلى الله عليه ويجب عليها أن لا تعطي من بيت زوجها شيئا إلا بإذن زوجها
آخر
قال رسول الله صلى الله عليه ويجب عليها أن لا تمنع نفسها من زوجها ولوكانت على تعبير
آخر
قال رسول الله صلى الله عليه وليس يجوز لها أن تدخل إلى بيت زوجها أحدا إلا بإذن زوجها
آخر
قال رسول الله صلى الله عليه ويجب عليها أن لا تخرج من منزلة إلا بإذنه
آخر
قال رسول الله صلى الله عليه وليس يجوز لها أن تهجر فراش زوجها
آخر
قال رسول الله صلى الله عليه وليس يحل لها أن تضع خمارها في غير بيت زوجها وروي ذلك أيضا عن عائشة
ذكر ما قالته فيثاغورس الحكيمة في حقوق الزوج
قالت الحكيمة يجب على المرأة إذا زوجت أن يقرر في نفسها وجوب طاعة الزوج عليها ووجوب نصيحته عليها ووجوب خدمتها له ووجوب معونتها إياه على حسن العيش قالت وأولى الأمور عليها بالتقديم الألف وتعظيم الحرمة والصدق قالت وذلك بأن لا تخونه في نفسه وماله ولا في نفسها ومالها قالت وواجب عليها أن لا تكتمه شيئا من أمرها ولا تأسف عليه بكدها وبخدمتها
في سياسة حسن العيش
قالت الحكيمة وواجب عليها أن تصرف همتها وفكرتها إلى تدبر ما يقع به حسن عيش زوجها في كل وقت لا في بعض الأوقات دون بعض من المطعم والمشرب حتى تعده من قبل وقت الحاجة لوقت الحاجة حتى تكون مستظهرة في أمرها
أدب
قالت ويجب أن تفعل ما تفعله بتنقية ونظافة
أدب
قالت ويجب أن تفعل ما تفعله على شهوة الزوج لا على شهوة نفسها
سياسة
قالت ويجب أن تكون بمقدار ما يصل إلى سائر من يكون في عيال الزوج وفي عيالها
سياسة في حق الزوج وأدب
قالت الحكيمة ومن أعظم الواجبات على المرأة لزوجها تسليته عند الوحشة وتسكين غضبه عند الفورة فإنه لا بد من أن تعتري الإنسان فورة الغضب وكدورة الضجر والوحشة من العوارض المؤذية
فيما يجب عليها لأهل زوجها
قالت الحكيمة ويجب عليها من أجل زوجها أن تعم أهل بيت زوجها وقرابته بالتعهد وأن تتودد إليهم بالبر وللطف قالت وكذلك يجب عليها لإخوان زوجها وأصدقائه
ذكر حق من حقوق الزوج
قالت ويجب على المرأة أن لا تحدث بحديث زوجها إلا ما يزينها وأن لا تشرف بأحد على شيء من أمر زوجها
في سياسة المرأة من تكون تحت يدها
قالت الحكيمة ويجب على المرأة أن تعم بالتعهد حميع من يكون تحت يدها وأن تستعمل كل واحد فيما يصلح له ويجب عليها أن تجازي المحسن بالبر والكرامة وأن تنال المسيء بالجفاء والمهانة
أدب حسن في التأديب
قالت الحكيمة ويجب عليها أن تحرم على نفسها العقوبة وقت هيجان غضبها فإن الغضبان ليس يمكنه أن يجعل الأدب بمقدار الذنب
في أنه ليس يصلح بالأدب كل أحد
قالت ويجب أن تعلم أن الناس ناسا لا يصلحهم التقويم وأنه لا علاج في أمرهم غير النفي قالت ومن كان هكذا فإن سبيله أن تبادر إلى نفيه من قبل أن يفسد غيره
في سياستها للأولاد
قالت ويجب أن تحملهم على الحياء وأن تبغض إليهم الوقاحة وأن تجعل عدم الحياء في نفوسهم بمنزلة عدم الحياة
في تفصيل أحوال الأولاد
قالت ويجب أن تعلم أن من الأولاد أولاد ينقادون للأدب محبة له ومنهم من ينقاد للأدب حياء لا محبة له ومنهم من لا ينقاد له إلا رهبة قالت وسبيل من هو هكذا أن يهدد وأن يعاقب
السياسة في أمر لباسها وزينتها
قالت الحكيمة وينبغي أن تقتصر في أمر لباسها وزينتها على القصد إلا أن يشتهي زوجها نوعا من اللباس والزينة فتفعل ذلك من أجل شهوته لتسر زوجها به
سياسة
قالت الحكيمة ويجب أن تقرر في نفس زوجها أنها إنما تحت زوجها لنفسه لا لشيء آخر
وصية والد لإبنته وقت إهدائها
أوصى رجل ابنته وقت إهدائها فقال لها صوني سمعه وعينه وأنفه كي لا يبلغه منك نصوح أو ترى عيناه عليك القبيح ويشم أنفه منك نتن ريح واعلمي أن أطيب المفقود الماء واحذري أن تفرحي إذا كان كئيبا أو تكتئبي إذا كان فرحا فإن الأولى شماتة والثانية تكدير وتعاهدي وقت منامه وطعامه وكوني له أمة يكن لك عبدا وزيدي في إعظامه إذا زاد في إكرامك ولا تمليه بلزومك ولا تتباعدي فيستجفيك
في سياسة الصناع ونبدأ بإبانة ما ينبغي أن يجعل لهم من المال
قال أفلاطن في كتاب السياسة ويجب أن تكون أحوال جميع الصناع متوسطة في الفقر والغنى وذلك أن الغنى يخرجهم إلى ترك العمل وأما الفقر فإنه يقطعهم عن تجويد العمل لتعذر اقتناء جميع ما يحتاجون إليه لتجويد العمل
في أنه ينبغي أن يخرج كل واحد فيما يصلح له
قال أفلاطن من البين أنه ليس يصلح كل واحد من الناس لكل صنعة بل قد يصلح هذا الشيء لا يصلح له ذاك ويصلح ذلك لشيء لا يصلح له هذا فمن الواجب أن يخرج كل واحد فيما يكون مطبوعا فيه وينبغي أن يجنب ما لا يكون له فيه طبع
في أنه يجب أن يقتصر كل واحد على صنعة واحدة
قال أفلاطن من البين أن الصنعة الواحدة لا تستجيب للواحد على ما ينبغي إلا بأن يستمر عليها من الصبى ويتفرد لها ولا يخلط بها غيرها قال ولهذا أمرت السنة أن ينفرد كل واحد بصنعة واحدة يكون فيها من الصبى قال فالواجب على الواحد إذا أخذ في شيء أن يلزمه ولا يعدل عنه إلى غيره فإنما الأمر كله في الثبات على الشيء وفي المواظبة عليه وفي أن يشرع فيه من الصبى
هل ينبغي أن يترك في البلد من لا يجود العمل
قال أفلاطن وينبغي أن يمنع من العمل من لا يجود العمل فإن لم يمتنع أخرج من البلد
في صفة المطبوع وغير المطبوع
قال أفلاطن المطبوع في الشيء هو الذي يمكنه أن يأخذ ما يلقن وأن يفهم ما يعلم وأن يحفظ قال وينبغي أن تكون أعضاؤه مؤاتية لممارسة ما يريد أن يمارسه قال وليس يكفي ما قلنا دون أن يمكنه استخراج ما لم يتعلمه بما تعلمه قال وغير المطبوع هو الذي بخلاف هذه المعاني
في أن طبع الأولاد يكون كطبع الآباء والأمهات
قال أفلاطن وإن طبع الأولاد على الأمر الأكثر يكون على طبع الآباء والأمهات قال وقد يجوز أن يولد للذهبي نحاسي وللنخاسي ذهبي
بأي سن ينبغي أن يؤخذوا بالتعلم
قال وليس ينبغي أن يؤخذ الحدث بتعلم الصنعة من قبل أن ينتهي البدن إلى كمال النشوء ومن قبل استكمال القوة وذلك يكون في عشرين سنة وأحد وعشرين سنة قال وليس يجوز أن يؤخذوا بها من قبل هذا الوقت فإن التعب ينهك الأبدان
سياسة
قال أفلاطن وينبغي أن يؤخذ الصناع وجماعو الأموال بالعفة والنصيحة والقصد والكفاية قال ومن العفة أن يلزم عمله ولا ينتقل عنه إلى غيره
سياسة
قال على بن أبي طالب للأشتر استوص بالتجار خيرا فإنهم جلاب المنافع إلى بلدك من البر البحر والجبل والسهل احفظ حرمتهم وآمن سبلهم وخذ لهم بحقوقهم
في سياسة الجند ونبدأ بمساكنهم أنها أين يجب أن تكون
قال أفلاطن في كتاب السياسة ويجب أن يجعل مساكن حفظة المدينةخارج المدينة بحيث لا يتعذر عليهم حفظ المدينة ممن يريدها بسوء من خارج ولا يتعذر عليهم حفظها ممن يبغيها السوء من داخل
هل ينبغي أن يباح لهم اتخاذ المساكن الفاخرة واقتناء الضياع
قال وينبغي أن يحظر عليهم اتخاذ المساكن الفاخرة واقتناء الضياع المستغلات
هل يجوز أت يطلق لهم اتخاذ الزينة والذهب والفضة
قال وينبغي أن يحظر عليهم اتخاذ آلات الزينة وادخار الذهب والفضة قال وينبغي أن لا يكون في منازلهم ما يخافون عليه إذا سافروا
القول في جراياتهم أنه بأي مقدار يجب أن تكون ومن أي شيء يجب أن تكون
قال وليس ينبغي أن يوسع عليهم أرزاقهم قال وينبغي أن يجعل جراياتهم الحب من الطعام والقصد من الأدام وينبغي أن ينظر لكسوتهم ولسائر ما يحتاجون إليه بالقصد
في المسكر إنه هل يباح لهم
قال وينبغي أن يحظر عليهم شرب الشراب البتة فلا يشربوه في ليل ولا نهار إلا على سبيل التداوي والعلاج
كيف ينبغي أن يكون طعامهم
قال وينبغي أن يكون أكثر ما يطعمون الكباب والشواء
الشرب في آنية الذهب والفضة
قال أفلاطن وينبغي أن يحرم عليهم شرب الماء في آنية الذهب والفضة
بقية القول في أمر جراياتهم
وكتب أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس لا توسعن على جندك العطاء فيستغنوا عنك ولا تضيقن عليهم في يضجروا منك ووسع عليهم الرجاء ولا توسع عليهم العطاء
ذكر شواهد بصحة ما قاله في أمر الحفظة
قال أفلاطن قال لي قائل إنك قد حرمت الحفظة أكثر اللذات والخيرات قلت صدقت وإنما فعلت ذلك لما اقتضاه حق السياسة في صلاح حالهم وحال أهل البلد قال وكيف فقلت أما صلاح حالهم فمن قبل أنهم إذا ألفوا الدلال والتنعم ثم اضطروا بورود العدو إلى الكد والتعب وإلى خشونة العيش والجدوبة لم يجدوا أنفسهم ولكنهم افتقدوها فركبهم الأعداء واستذلوهم ونالوا منهم مرادهم ضربا وقتلا وأسرا فأي الأمرين أولى بحسن النظر لهم أن يلزمهم من قبل الشدة ما يكون به صلاح أحوالهم في الشدة وسلامة أبدانهم عند النازلة أم أن تسوي لهم رغد العيش الذي يؤديهم إلى الهلاك قال وأما صلاح حال البلد فلأنهم إذا اعتقدوا العقد واقتنوا الأموال صاروا أربابا ولم يكونوا حراسا ولا أعوانا قال واخلق بهم إذا تمادى الزمان عليهم أن يحتاجوا إلى حفظة يحفظونهم
قانون كبير في السياسة أن كيف ينبغي أن توزع الخيرات على أهل المدينة
قال ونقول ليس سبيل السائس أن يجعل جميع الخيرات لكل واحد من أهل المدينة أو لكل صنف لأن هذا لا يمكن أن يكون قال ولكن الواجب أن يجعل جملة الخيرات لجملة أهل المدينة حتى لا يفتقد أهلها شيئا من الخيرات قال ثم إنه يجب أن يعطى كل واحد من أهل المدينة ما يستحق مثله أن يعطى فإنه ليس بحسن أن يلبس الحراث أو الفاخراني والطيان ثياب الزينة وأن يوضع على رأسه إكليل الكرامة ثم يستخدم في عمله وليس يجوز أيضا أن تعطيه شرف الرياسة ولا ترفع عنه التصرف في اكتساب المعيشة
بقية القول في القانون
قال فإن كان هذا لا يصلح بل لا يمكن فكذلك أمر الحفظة ليس يجوز أن تعطيهم الدلال والقنية والقدر ثم تأمرهم بأن يكونوا حراسا ومحاربين قال وسبيل النظام والصلاح أن يعطى كل صنف من أصناف أهل المدينة ما ينبغي أن يعطى مثله ثم لا يترك بأن يزول عن حالته فيطلب ما ليس له ولا يقنع بما هو له قال فإنه إن ترك وذاك زال النظام ووقع الإضطراب والإختلاف والتجاذب والتمانع وبوقوع هذه المعاني يزول الصلاح وحسن الحال ويقع الفساد وسوء الحال
سياسة في أولاد الحفظة
قال وينبغي أن يشهد أولاد الحفظة الحروب التي لا يكون فيها الخطر العظيم وينبغي أن يجعلوهم بمعزل مع قوم شجعان قد باشروا الحروب وعرفوا أحوالها بحيث يرون المحاربة ليتشجعوا برؤية ذلك ويمرنوا عليه ومتى أوجب الرأي الهرب بهم هرب بهم من يكون معهم
سياسة
قال ولا ينبغي أن يفادى من استأسر جزعا من الموت قال وينبغي أن يخرج من الحفظة من ألقى سلاحه أو ولى العدو ظهره وينبغي أن يلزم بعض الحرف الخسيسة عقوبة له وتحذيرا لغيره من أن يفعل مثل فعله وينبغي أن يتوج بتاج الكرامة من أبلي في الحرب وأن يشهر أمره في الكرامة
سياسة كبيرة في الحزم
قال وليس ينبغي أن يباح لهم أخذ شيء يكون مع الأعداء إذا انهزموا من قبل أن يمضي على هزيمتهم يوم وليلة فإنه قد هلكت عساكر بسبب الشره إلى تناول ما كان الأعداء يلقونه قال ولا ينبغي أن يطلق لأحد تشليح قتلاهم
ذكر الأعمال التي يجب على الحفظة القيام بها
قال ويجب أن يعرف الحفظة أنهم لحفظ المدينة من الأعداء الخارجين من المدينة ولحفظها من الأردياء الذين يكونون في المدينة ولحفظ السنن من أهل المدينة فإن عداوة الكثير من أهل المدينة للسنن أشد من عداوة المخالفين لأهل المدينة لميلهم إلى الراحة والبطالة ولرغبتهم في اللذة الشهوة
كيف ينبغي أن يحفظوا البلد من الأعداء وكيف ينبغي أن يحفظوا السنن
قال والسبيل في حفظ المدينة من الأعداء تشريدهم وإبعادهم عن المدينة والسبيل في حفظ السنن أن يؤخذ أهل المدينة باستعمالها وبأن لا يتركوا التقصير فيها قال وإنه قد يكفي في أمر الأعداء أن يجعل المدينة بحال أن لا يقدروا الأعداء على إيقاع السوء بها فأما في أمر السنن فليس يكفي هذا ولكن يجب أن يؤخذوا بإقامتها وهذا أيضا لا يكفي ولكنه يجب أن يصيروا بحال أن لا يريدوا سوء بها
كيف يجب أن يكون الحفظة
قال ويجب أن يكونوا محبين لمدينتهم ثابتين على آرائهم لا يزيلهم عن ذلك السراء ولا الضراء قال وهكذا يجب أن يكون ولاتها
في التدبير
قال بعض الحكماء إحكام الأمور إنما يكون بالتدبير والتدبير إنما يكون بالمشورة والمشورة بالعزم والعزم بالوزراء الجامعين لأداة التدبير من الخصال الخمسة وهي إسعاد وإنجاح واتباع وتقدير وحويل والإسعاد المساعدة على الأمر مؤازرة ومظاهرة والإنجاح ابتداء الملتمس ما يستدل له على نجاحه من تباشير اليسر واعتقابه بشواهد السهولة والإتباع المساعدة على قدر حال الزمان والبلاد جريا على ما يمكنان منه والتقدير الإقتصاد في الأمر على كفاء القوة والعجز والعمل بحسبهما والحويل الإحتيال في الأمر بالمكايد والحمل بما يرجو به العلو على المناوين في نوازل الأمور وملماتها
في الرأي
أقول الرأي هو رؤية القلب للمعلوم والرؤية رأي العين للمحسوس غير أنهم ميزوا أحدهما من الثاني بالمصدر فقالوا في فعل العين رأي يرى رؤية وقالوا في فعل القلب رأى يرى رأيا وأقول الرأي هو إدراك القلب للمرئي وهو المعلوم حتى يحصله والرأي أيضا قد يوقع على المرئي وهو ما يتحصل في النفس من رؤية القلب كالعلم فإنه قد يقال على إدراك القلب للمعلوم وقد يقال على المعلوم الحاصل في النفس وقال الإسكندر الرأي هو إجماع نطقي ويتبعه لا محالة تصديق الشيء الذي يجمع عليه فإن من رأى رأيا فقد أجمع على أن تلك حاله وأقول الإجماع هو عقد القلب في الشيء أعني أنه موجود وأنه بحال كذا أن بصفة كذا وقوله يتبعه لا محالة تصديق يريد يلزمه وذلك أنه ما لم يصدق به لا يجمع عليه وأقول التصديق إنما يكون للدليل والإجماع إنما تقع على المدلول عليه وأقول لرأي قد يوضع موضع الإرتاء والإرتاء هو إجالة الرأي ومن ذائع الكلام قد احتجت إلى رأيك ويقولون حتى نرى كيف هذا يعنون حتى يرتأى كيف هذا ويشبه أن يكون جعلوه مصدرا للإرتاء كما جعلوا بأن مصدر [؟] وكما جعلوا الكلام مصدرا على معنى التكليم قالوا كلمته كلاما وكلمته تكليما وقال أبو زيد البلخي أحمد بن سهل الرأي قياس أمور مستقبلة على أمور ماضية فجعله بمعنى الإرتاء وقد يجب أن ننظر هل بين الإرتاء والفكر فضل وإن كان فما هو وإن لم يكن فكيف هو وأقول الإرتاء بالأمر الفكر وليس به وذلك أن الإرتاء هو تردد الفكر بين الشيئين كما يتردد بين الإثبات والنفي وبين الضار والنافع واللذيذ والمؤذي والآثر والأدنى وما أشبه هذا وأما الفكر فإنما هو غوص القوة المفكرة في طلب المعلوم وقال العارف الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم وقد يجب أن ننظر في الإرتاء والإختيار أ هما لمعنى واحد او لمعنيين وأقول قد قلنا بأن الإرتاء هو إجالة الرأي والإختيار قد يوقع على هذا المعنى ثم ينفصل الإختيار بأنه يكون إرتاء فيما سبيله أن يعمل به وأما الإرتاء فقد يقع أيضا على ما يراد للعلم فقط وينفصل من وجه آخر وذلك أن الإختيار قد يقع على الرأي المختار وهو الذي قد حصل بالإختيار ولذلك قالوا في حده بأنه شوق يتميز وبأنه إرادة وتمييز قال أرسطوطيلس الإختيار شوق يتميز إلى فعل شيء من أجل شيء آخر وذلك أن ما كان سبيله أن يعمل به إذا أحس لزمه الشوق لا محالة فيكون لذلك شوقا يتميز إذ كان سبب الشوق فيه التمييز قال أبو الحسن وإنما قال من أجل شيء آخر لأن الإختيار لأن يكون في التمام قال أرسطوطيلس وذلك أنه ليس يجبل أحد الرأي في الصحة ولا في الجمال ولا في الشدة ولا في العفة ولا في النجدة وسائر التمامات إنه هل ينبغي أن يفعل ذلك ولكن هذه توضع ثم ننظر كيف تفعل وبأي شيء تفعل وذلك هو معنى الإختيار قال أبو الحسن فقوله من أجل شيء آخر يريد به التمام أي من أجل التمام
في جودة إجالة الرأي
قال أرسطوطيلس ونقول جودة إجالة الرأي هو مصادفة الجيد بالذي ينبغي أن يصادف قال وذلك أنه قد يصادف الجيد بالظن وبالحزر وليس ذلك بالجودة بال الجودة أن تؤلف المقدمات على ما ينبغي ثم تنتج ولا بد لكل نتيجة من مقدمة كلية ومقدمة جزئية قال وإنما يفضل الإنسان الحيوان بتأليف المقدمات وبالمقدمة الكلية خاصة فإن السباع لها الجزئية وليس لها رأي كلي قال والحيوان إنما يتبع التخيل الحسي لأنه لا يمكنها التفتيش والقياس وأما الإنسان فإنه يتبع التخيل النطقي وهو التخيل المحصل فإنه يقيس أولا بعضها إلى بعض ويعير بعيار واحد كما يستعمل في كم الذراع والشبر وقال ثامسطيوس ولما كان الرأي منه الأثر الكلي كقولنا اللحوم الخفيفة جيدة الإنهضام وفيه للأمر الجزئي وهو كقولنا والفراريج خفيفة فقد ينبغي أن ننظر أي الرأيين موروث التحريك قال ونقول الرأيان جميعا يحركان لكن الكلي يحرك وهو أولى بالتسكين والجزئي يحرك وهو مقترن بالحركة وأقول المقدمة الكلية إنما تتقوع بالجزئية وذلك أنا من جهة التجربة نعلم أن اللحموم الخفيفة جيدة الإنهضام والتجربة إنما تقع بالجزئية ومن أجل هذا لك يجز أن يكون الشاب متعقلا قال والتعقل مقابل بالوضع للعقل فإن العقل هو للأوائل والتعقل للأواخر قال وإنه ليس يكون متعقلا ولا حكيما بالطبع فإن التعقل والحكمة إنما يكونان لذوي الأسنان وأما الشباب فيكون فيهم ذهن عقل قال والتعقل إنما يكون للأشياء الجزئية التي إنما تصير معروفة بكثرة التجربة وإنما يصنع كثرة التجربة طول الزمان قال والمقدمة الكلية وحدها غير نافعة وذلك أن الذي يعلم أن اللحوم الخفيفة جيدة الإنهضام إن لم يعلم أن الفراريج لا يكون نافعا وأما الذي يعلم أن الفراريج خفيفة قد يعقل الصحة وإن لم يعلم بالمقدمة الكلية ومن أجل أن التعقل إنما يحصل في الزمان الطويل قيل بأنه يجب على الأحداث أن يسلموا للمشايخ وللمتعقلين ولظنونهم من غير برهان كما يسلم للبرهان
في الداهي والذهن والجربز والمتعقل
قال المتعقل هو المتفطن لما ينبغي أن يعقل كالذهن غير أن الذهن له حدة فطنة ليست للمتعقل فأما الداهي فإنه الذي يتأتى له أن يصنع ما يصير به إلى الغرض المحمود بلطف من حيث لا يؤبه له فإن كان الغرض رديئا كان مذموما وسمي جربزة
القول في صحة الإختيار وفساده إنه من أين يكون
أقول إنذ صحة الإختيار شيء وصحة الذي لا يكون له الإختيار شيء آخر والفعل لا يجوز إلا بصحتهما معا وأقول اما الإختيار فإنما يصح بالتعقل وأما ما يكون له الإختيار فإنما يصح بالفضيلة الشكلية كالعفة والنجدة والحرية والمحبة وما أشبه هذه فإن الفضيلة تصير الغرض مستقيما وأما التعقل فإنما يصحح ما يصار به إلى الغرض مثال ذلك أن العفة إذا حصلت صارت شهوات العفيف في المطاعم والمشارب والنكاح على ما ينبغي وينبغي المقدار والوجه والحال والوقت فيكون تصحيح ذلك إلى التعقل فإن لم تكن الهيئة الشكلية فاضلة ولكنها كانت رديئة وكان صاحبها شرها يشتهي ما لا ينبغي ثم التسبيب لما يشتهي حتى يناله توهم أنه اختيار ولا يكون اختيارا لأن الإختيار ما كان بنطق والنطق لا تسبيب ما يضر لكن ما ينفع وقال أرسطوطيلس الإختيار لا يكون من غير عقل ولا يكون أيضا بعقل من غير هيئة شكلية فاضلة فإن الهيئة تصير الغرض مستقيما وأما التعقل فيصحح ما يؤدي إلى الغرض قال كان سقراط يقول الفضائل كلها إنما تكون بالمعرفة وإنما هي المعرفة قال نحن نقول إنها لا تكون بغير معرفة من أجل أن الفضيلة الخلقية تقوم التمام وأما المعرفة فتقوم ما يصير إلى التمام وقال أرسطوطيلس ليست الفضيلة معلمة الخيرات ولكن الفضيلة هي علة صحة الرأي في البدو والبدو هو الذي يكون من أجله الفعل قال وما يفعل من أجله هو غرض للفاعل في فعله وابتداء للقوة الصانعة قال والفاضل يرى الخير الذي هو خير والشرير يرى ما أدرك وذلك من قبل ما فيه من الرداءة فإن الرداءة تقلب الأشياء وتصيرها كاذبة ويشبه أن يكون الطغيان في أكثر الناس من أجل اللذة والأذى فإن اللذة والأذى تفعل الأغراض التي هي المبادئ فاسدة وأقول قد يجب أن ننظر هل للضابط اختيار وإن كان فكيف وهيئته الشكلية ليست فاضلة ولذلك ما يتيسر عليه الأشياء الضارة والقبيحة ومن أجل ذلك احتاج إلى الضبط وإن كان له اختيار فما معنى قوله الإختيار لا يكون من غير عقل ولا يكون أيضا بفعل من غير هيئة شكلية فاضلة وأيضا فما معنى قوله إنه ليس يجبل أحد الرأي في التمام كالصحة والثروة والغلبة لأن هذه مشتهاة ومختارة ولكن يوضع التمام ثم يروى أن كيف وبأي شيء فإن قيل التمام الموضوع للضابط الصحة فلذلك صح له الإختيار قيل لوكان هذا هكذا لم يكن يحتاج إلى الهيئة الفاضلة فإنه ليس أحد لا يشتهي الصحة وإذا كان الضابط له شهوات رديئة ولكنه يضبط نفسه عنها فقد بان أن الإختيار قد يكون في الغرض الأوفى وهذا يصار به إلى الغرض
في الإجماع
قال الإجماع قسمان أحدهما ما ليس هو إلينا قال الشيخ ولكنه يقع بغير إرادتنا قال وذلك هو الذي يكون في الأشياء البسيطة من أن الشيء موجود أو غير موجود قال وذلك أن هذا الإجماع إنما يتبع الحسن والتخيل والثاني الأمر فيه إلينا وذلك هو الذي يكون حدوثه عن النظر في الأمور التي ينبغي أن تفعل وذلك أن إيثار الشيء والروية والإجماع عليه الأمر فيه إلينا قال وهذا الإجماع ليس يكون عن تخيل إنما سببه النطق قال أبو الحسن هذا الإجماع هو الإختيار وقال في موضع وليس تجري الروية فيما ينبغي أن يفعل ما لم يتبعها عزيمة وهي سوء ورأ] يعني بالعزيمة الإختيار
في الذي يجال له الرأي
قال أرسطوطيلس قال بعضهم إن الذي يجال له الرأي هو الخير قال ويلزم من قال بهذا أن يكون كل من يجيل الرأي مريدا للخير ومصادفا للخير قال وبعض يقول الذي يجال له الرأي ليس بخير بل الذي يرى أنه خير ويلزم من قال بهذا أن لا يكون مجالا له الرأي بالطبع
يقية القول في الإختيار
قال أنوشروان الإختيار مقصود إليه في كل شيء والذي فضلنا به نحن جودة الإختيار وإيثار المختار
في الإجماع
الإجماع قد يكون إجماعا على التثبيت وقد يكون إجماعا على الفعل والإجماع على الفعل قد يكون باختيار وقد لا يكون باختيار وإنما يكون باختيار متى كان من بعد النظر فيه والروية ومن بعد إيجاب النظر لفعله فليس الإجماع إذا باختيار ولكن الإختيار هو شوق بتمييز إلى فعل شيء من أجل شيء آخر وأما الإجماع فإنما تقربوا النية على فعله قال ونحن نقول الذي يجال له الرأي على الإطلاق بالحقيقة هو الخير الذي يراه كل أحد لكن الفاضل يرى الخير الذي هو بالحقيقة خير وأما الشرير فيرى ما أدرك كالأراء التي تكون في الأجسام فإن الصحيح يرى الأشياء على ما ينبغي وأما المريض فيرى المرة والحلوة والحادة والثقيلة على غير ما ينبغي فالفاضل له فضل كثير لأنه يرى الحق في كل واحد وهو كالمقياس والقدر ويشبه أن يكون الطغيان في أكثر الناس لحال اللذة والأذى لأنهم يختارون اللذيذكأنها خير ويهربون من الموذية ومن المحربة كأنها شر قال وللحس اللذيذ والموذي وللقوة الناطقة العملية الخير والشر والضار وهو شر أيضا والنافع وهو خير وللقوة الناطقة النظرية الحق والباطل
في الإختيار
الإختيار قسمان أحدهما يكون أحد قسمي إجالة الرأي والقسم الآخر يكون أحد قسمي الإجماع وأما القسم الأول فهو أن يروى وينظر في الآثر والأفضل وأن كيف وبأي حال وبأي وقت وهذا هو أحد قسمي إجالة الرأي والآخر أن يؤثر ما يظهر بإجالة الرأي وهذا هو أحد قسمي الإجماع قال وإن الإحساس أو التخيل أو الروية ليست بكافية في أن تفعل من دون أن تقترن ذلك النزاع فإنه ما لم يتشوق إلى ما رأى أو أحس أو تخيل لا يتحرك للعمل
إجالة الرأي
قال الرأي إنما يجال في الأشياء التي ليست ببينة فإذا استبانت وظهرت كان حينئذ الإختيار وأقول هذا الإختيار إنما هو اختيار من جهة الإجماع عليه وأقول الإجماع يكون في الأشياء العملية العزيمة على فعلها وفي الأشياء النظرية العقد على إثباتها أو نفيها قال وإن الرأي ليس يجال فيما يكون بالضرورة أو بالطبع ولكن فيما إلينا فعله ولا يمكن أن يكون أبدا على حالة واحدة وأقول هذا الذي قاله إنما هو في الأشياء العملية وأما الأشياء النظرية فقد يجال الرأي فيها فيما يكون يالضرورة وبالطبع ليعلك ثبوتها ووجوبها فيعتقد ذلك أو بطلانها وزوالها فيعتقد نفيها قال وليس يجال الرأي في التمام كالصحة والثروة والغلبة ولكن يوضع التمام ثم يروى كيف يكون وبأي شيء يكون قال أبو الحسن يفهم من التمام معنيان أحدهما تمام فعله في الوقت والآخر التمام المتفق على اختياره من الكل وإنما يريد بأنه لا يجال الرأي في التمام التمامات التي لا يشك في فضلها وفي وجوب إيثارها قال فإن استبان أن الرأي يكون بأشياء دخل حينئذ الإختيار من بعد وأن يعلم بأنها يكون أهون وأجود قال وأقول المختار هو الذي حصله الرأي بالإثبات الحكم والقضاء قال وإنما يقع التحصيل بإجالة الرأي قال ونقول إنه ليس يجال الرأي في الأمور الجزوية لكن في الكلية وقال في ريطوريقى الرأي قضية ليست في الأمور المفردة لكن في الكلية وليس في كل كلية لكن فيما إلينا فعله وأقول الجزوية يفهم فيه معنيان أحدهما المفردة كما قال في ريطوريقى وهذه فإنما تكون إلى الحس لا إلى الرأي والآخر أن تكون نوعية لا جنسية مثال الجنسي اللحوم الخفيفة جيدة الإنهضام ومثال النوعي والفراريج خفيفة ومثال الفردي وهو الشخصي فهذا الفروج وقال في موضع آخر وإنه ليس يجال الرأي في الأشياء الجزءية مثل هل هذا خير هل هذا يصلح هل هذا على ما ينبغي فإن هذه إنما تدرك بالحس ولو فعل ذلك أيضا مر إلى غير نهاية
في التعقل
قال التعقل إنما يكون للأشياء الجزءية التي إنما تصير معروفة بكثرة التجربة قال وإنما يصنع كثرة التجربة طول الزمان ونحتاج أن نعلم الجزءية مع الكلية ونقول قوى النفس ثلاثة نظرية وفكرية وحسية وأقول التعقل هيئة فكرية مميزة للخير من الشر والأفضل من الأرذل والضار من النافع والجيد من القبيح بقوة التجربة وأما العلم فإنه هيئة نظرية مميزة للحق من الباطل بالقوة البرهانية وأما الشهوة فقوة حسية مميزة للذة من الأذى قال والتعقل إنما هو جودة إجالة الرأي قال ونقول اللذيذ إنما يكون لذيذا عند شيء والخير يكون خير الشيء والحق حق على الإطلاق وكذلك الباطل فالنظري تسير المطلق والعملي الذي هو لشيء وعند شيء
في التصديق للمشير والتكذيب
قال العارف التصديق إنما يكون بالتثبيت وذلك أنا إنما نقر بالشيء إذا ظننا أنه قد ثبت عندنا قال وقد يصدق دون التثبيت لعلل ثلثة اللب الفضيلة الألفة قال وأما التكذيب فإنه يكون لعدم اللب لعدم الفضيلة لعدم الألفة قال وذلك أن اللبيب يصيب الرأي فيصدق بكا يقال له من غير أن يثبت عليه فأما الجاهل فإنه لا يصيب الرأي بجهله وكذب ولا يصدق من أجل ذلك قال وقد يصيب الواحد الرأي بلبه ولكنه لا يعرف بالصواب لخبثه وفساده فأما ذو الفضيلة فإنه يعترف به قال وذو الفضيلة أيضا ربما لم يعترف إذا لم يكن ذا إلف ومريدا لمن يستشيره الخير قال والرأي يتبعه لا محالة تصديق بالشيء الذي يجمع عليه
في الآفات التي تدخل الرأي من أين تدخل
قال أبو زيد البلخي الفساد يدخل الرأي من أربعة أوجه اثنان من قبل الزمان وهو أن يعجل بإمضائه من قبل أن يختمر أو يدافع به من بعد أن يختمر حتى يفوت واثنان من قبل الإنفراد والإشتراك وذلك أن يشتد به أو يدخل فيه من ليس من أهله فيفسده
في هيولى الرأي
قال أفلاطن هيولى الرأي إلى ماذا ينتهي وصورة الرأي الجواب كقولك إلى كذا وقال أفلاطن الظنون مفاتيح اليقين وتوهم الأمور مقدمات للإيضاح وقال أفلاطن ما يغلب من جهة المحسوس فطلبه إنما يكون بالفكرة وقال العارف الفكر قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم وقال ابن المقفع الخاطر إنما هو بمنزلة اللحظ واللمح والفكر بمنزلة التحدق وقال أفلاطن إذا شككت في أمر فدعه أو اعمل على ما لا تشك فيه فكفى بارتياب اليقين لك مخبرا وكفى بالظن لك مفضحا
في الحض على الإستشارة والتحذير من الإستبداد وفيه بيان الحاجة إلى الوزير
قال أرسطوطيلس يجب على الملك أن يستعين برأيه على الشورى وبالشورى على رأيه فإن الرأي الفذ بمنزلة الخيط الشجيل والرأيان كالخيطين المبرمين والآراء الثلاثة لا يكاد نتقص فإن قوة الآراء إذا اجتمعت كقوة الرجال إذا اجتمعوا وقال سابور بن أردشير لابنه هرمز العمل عملان الحزم في أحدهما مظاهرة الشركة فيه والحزم في الآخر الإفراد فما احتيج فيه إلى الرأي فالسبيل فيه الشركة وما احتيج فيه إلى الحفظ والأمانة فالسبيل فيه الإفراد قال أرسطوطيلس وإنه ليس يجوز للملك أن يشرع في حل ولا عقد إلا بعد فراغه من محل الرأي لأوله ولآخره ويجب أن يعلم أن صحة الرأي إنما تكون بصحة النظر وصحة النظر إنما تكون بالعقول المتأيدة بالتجارب المتبرئة من الأهواء السليمة من الآفات وصحة العمل إنما يكون بصحة الرأي وبصحة العمل يكون صحة أمر الملك وقوامه فلا بد للملك من الإستعانة بالآراء الصافية ولا ينبغي أن يخطر بباله أنه إذا استشار أزرى ذلك به فإنه لم تزيده الإستشارة عند ذوي المعرفة إلا رفعة وبعد فلو شانه كان الذي يفوز به من تبين الخطأ ويسعد به من درك الصواب أعظم من كل نقيصة لو لحقته قال وأحق الناس أن يتهم رأيه ولا يستبد الملك فإنه ينفذ له كل ما قال أو فعل لأنه ليس فوقه أحد يأخذ على يده قال والملك إن كان ذا رأي فإنه سيستزيد برأي أهل الرأي كما يزداد البحر بمواده من المياه وكما أن الملك لا يصلح بالشركة كذلك الرأي لا يصلح بالإنفراد وقال حكيم مجمع الحزم كله في أمرين أحدهما الإستشارة والآخر تحصين الأسرار وفي جاويذانخرذ وإذا استبد الملك برأيه عميت عليه المراشد وقال بزرجمهر حسب ذي الرأي ومن لا رأي له أن يشاور عاقلا ثم يطيعه وقيل لملك من بعد ما زال ملكه بم زال ملككم فقال إنما أدبرت دولتنا بالإستبداد وبالثقة بالدولة وبالإعتماد على الشدة وترك الحيلة وقال أرسطوطيلس للإسكندر إذا اجتمع الرأي والأنفة في الموضع الضيق فدع الأنفة للرأي
ذكر ما جاء في الحض على الإستشارة من كلام الله وكلام الرسول عليه السلام
قال ألله تعالى لنبيه وشاورهم في الأمر في التفسير أي فيما لم يأتيك فيه وحي فإذا عزمت أي فإذا ثبت على أمر وقطعت عليه فتوكل على الله يقول اعتمد على الله واطمئن إليه إن الله يحب المتوكلين أي الواثقين به وروى طاووس وعمر بن دينار عن ابن عباس أنه قال في قوله وشاورهم في الأمر قال قال رسول الله صلى الله عليه إن الله ورسوله لغنيان عن المشورة ولكنه جعل المشورة رحمة لأمته فمن شاور منهم لم يعدم رشدا ومن ترك لم يعدم عناءا وسعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ولن يهلك أمرؤ عن مشورة وإذا أراد الله أن يهلك عبدا كان أول ما يهلك رأيه وقال أبو هريرة إنه لم يكن أحد أكثر استشارة من رسول الله صلى الله عليه استشار أصحابه في الذي يجمعهم على الصلوة واستشارهم يوم بدر ويوم الخندق ويوم أحد
ما جاء في الحض على الإستشارة من كلام الصحابة والتابعين
قال علي بن أبي طالب الإستشارة عين الهداية ومن استغنى برأيه فقد خاطر وقال عمر بن الخطاب الرجال ثلثة ورجل ونصف الرجل ولا شيء فالرجل هو الذي له رأي ويستشير ذا الرأي ونصف الرجل الذي له رأي ولا يستشير ولا شيء الذي لا رأي له ولا يستشير وقال الأوزاعي من نزل به أمر فشاور من هو دونه في الرأي والعلم تواضعا عزم الله له على الرشد واستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه في موضع دفنه وفي الصلوة عليه وترك عمر أمر الخلافة شورى وقال الحسن في قوله وأمرهم شورى يينهم أي فيما لم يأتهم فيه وحي فإذا جاء الوحي ذهب التشاور كان عمر بن الخطاب يستشير حتى المرأة قال أبو الحسن المرأة تستشار فيما ينبغي فيه وتختص بمعرفته وذلك في مثل مسئلتها حفصة كم تصبر المرأة عن زوجها وفي مثل مسئلة نساء الجاهلية عن امرأة ولدت من بعد أن استبرأت من الزوج الأول تمام الإستبراء ومن بعد أن أقامت من بعد استبرائها سنين ثم تزوجت بزوج ثان فظهر بها ولد في بطنها فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك
في صفة الوزير من قول أنوشروان
قال أنوشوران الوزير يجب أن يكون شريف الحسب مجتمع اللب صحيح الذهن حاضر البديهة لا تدهشه النائبة قليل الضجر عند المكروه صابرا عليه فلا يستعجل أمرا قبل حينه ولا يؤخره عن حينه عارفا بالسنة بصيرا بالسياسة محبا للرعية بعيد الغور مستعملا للأناة مع الروية عارفا بمصادر الأمور ومواردها عالما بطبقات الناس ومراتبهم وأحوالهم وقديمهم وحديثهم خبرا بالبلاد وبالأعداء المجاورين لها ولا يجوز أن يقع فيها من أعدائها ومن عدوان أهلها وبما يحض البلاد ويدفع معرة أعدائها عنها ويجب أن يكون باحثا ان البغية الحيلة غير ملول للمناظرة متداركا للهيج معرضا عن السوء مغضبا على الزلة إن تكلم فببيان وإن سكت ففي أوان سكت ليس بشديد الحجاب ولا عسر اللقاء قال ويجب أن يكون مؤثرا لمحبة الملك على كل محبوب مراعيا لقلبه محصنا لأسراره محاميا عن منزلته إن أعطاه شكر وإن منعه صبر وإن عنفه أعتب لا يبطر إذا أكرمه ولا يجترئ عليه إذا أقر له ولا يتغير عليه إذا أبعده ولا يطغى إذا سلطه
في صفة من يستشار وهو الوزير
قال أرسطوطيلس للإسكندر وينبغي أن يكون المستشار عالما بما يستشار فيه وأن يكون فاضلا وذا كلف بمن يستشيره فإن الجاهل كثير الخطأ والزلل والشرير لا ينطق بالصواب وإن كان به عالما والبغض يحمل على الخيانة وأقل أحوال من لا ألف عنده أن لا يخبر بالنصيحة وإن كان بها عالما وأنشد بعضهم لأكثم بن صيفي وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه
ولا كل مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند واحد
فحق له من طاعة بنصيب وقال أرسطوطيلس ولا تستوزر أحدا إلا من بعد أن تختبره قال ولا ينبغي أن ترقيه إلى مرتبة الوزارة وإن صلح لها من غير توسط وقال استنصح من نصح نفسه واحذر رأي من لم ينصح لنفسه قال وبهاء الزمان إنما يكون بالملك العادل ونضارته إنما تكون بالوزير الفاضل قال أرسطوطيلس رأي المستشار أفضل متى كان غير مشوب بالقوى وفي خذاى نامه قال سابور لابه هرمز إنه لن يصلح للوزارة إلا من قد اجتمعت فيه خلال ثلثة أولهن العلم بأعمال الملك والبصر بوجوبها والمعرفة بلطائف ما فيها وبغوامضها والثانية إخلاص النصيحة والثالثة العفاف عن الأموال قال واحذر أن تستوزر احدا من قبل المعرفة بحاله وبصلاحه لما تتخذه له وذلك بأن كان يكون مع الملوك قبلك أو مع وزرائهم واحذر كل الحذر أن تستوزر أحدا لميلك إليه ولمكانه من قلبك ولجلالته في نفسك من دون أن تختبره فتعرف فضل رأيه ونزاهة طمعته قال واعلم بأن كل إنسان إنما يشير بقدر حاله في نفسه كالمرآة فإنها إذا كانت نقية أراتك وجهك على لون وإذا كانت صدية وسخة أراتك وجهك على لون آخر وقال ابن المقفع أكثر ما يولد الآفة في الرأي المقت والمحبة فإنهما يقبحان الحسن ويحسنان القبيح ويريان العدل جورا والجور عدلا وليس ينبغي أن يكون المستشار شابا ولا شيخا قال مصعب بن بن عبدالله كانت قصي وسائر قريش إذا أرادت أمرا وتجارة أو سفرا اجتمعت في دار الندوة وتوامرت وتشاورت وكانوا لا يدخلون في مشورتهم إلا من بلغ أربعين سنة فصاعدا وأتاهم ابن الزعبري يوما وهم في رأي فردوه لأنهم استحدثوه وقال والزبير العوام لعمر بن الخطاب إنك تدخل هذا الغلام في المشورة مع مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه فقال إني وجدته سديد الرأي يعني ابن عباس وكان عمر إذا جربه أمر قال غص يا غواص لابن عباس ولما اجتمعت رؤساء سعد بن زيد مناة إلى أكثم بن صيفي وقت اجتماعهم لمحاربة رسول الله صلى الله عليه فقالوا له أشر عليهنا يا با بحر فقال إن وهن الكبر قد شاع في بدني وإن قلبي بضعه فليس معي من حدة الخاطر ما ابتدئ به الرأي ولكنكم تقولون وأسمع ولأعرف الصواب إذا مر بي وقال أرسطوطيلس للإسكندر استوزر من ناصح نفسه واحذر أن تستشير من لم ينصح لنفسه قال واعلم بأن كثيرا من الناس لا يشير بما ينفع المستشير ويشاكله لكن بما يشاكل المشير وينفعه فلا تقبلن من أحد رأيا أو تعلم سداده وصحة مخرجه وقال علي بن أبي طالب للأشتر لما وجهه إلى مصر لا تدخلن في مشورتك جبانا ولا بخيلا ولا حريصا فإن الجبان يحملك على الجبن وعلى الخور والضعف وأما البخيل فإنه يحملك على الشح ويمنعك من الإفضال وأما الحريص فإنه يزين لك الجور قال وكانت العرب تقول رأي الجبان جبان أيضا واعلم بأن الحرص والبخل والجبن غرائز شتى مجمعها سوء الظن بالله
في الحض على اقتناء من يستشار وهو الوزير
في خذاى نامه قال سابور بن أردشير لابنه هرمز اعلم بأنك لن تضبط الأمور إلا بحسن معونة وزرائك فاتخذهم واعلم بأن الوزير من الملك بمنزلة سمعه وبصره ولسانه فإنه المتشرف على أعماله وعلى عماله وهو المنهي إليه ما يعرض في أعماله وما يقع من عماله وهو المجيب عن لسانه وقال أنوشروان الملك وإن كان مكتفيا بحزمه وعزمه فإن من توفيق الله له استراحته إلى من يزيده رأيا إلى رأيه وعزما إلى عزمه ويؤنس وحدته وانفراده ويزيله عن خطأ الرأي إن وقع له فإنه ليس يجوز أن يعرى أحد من الزلة والهفوة ولا سيما من فدحته الأمور العظام وتواترت عليه الأشغال وقيل إنه لا ينتفع بعقل من لا ينتفع بظنه
في التحذير من الهوى ومن مزين الهوى
قال سابور بن أردشير لابنه هرمز واحذر أن تستدعى من وزرائك متابعة الهوى فإن الحاجة إليهم إنما هو سبب الرأي فإذا صار هوى الملك متبوعا صار الرأي معطلا وإذا صار الرأي معطلا ذهب معنى الوزراء وذهبت فائدة الإستشارة وقد كان من الملوك من ذوي الحزم من كان رغب في الرأي وحذرا من اتباع وزرائه هواه ربما أظهر لوزرائه الهوى في الأمر الذي يعظم ضرر الهوى فيه فمن تابعه على رأيه حطه عن منزلته ومن خالفه وحذره من موافقة ما أظهره الملك من رأيه شكر له وزاده في منزلته وبره
وجه العمل والرأي في الوزير إذا أخطأ
قال أرسطوطيلس اعلم بأن المستشار ليس بكفيل وأن الرأي ليس بمضمون بل الرأي كله غرر فإنه ليس في شيء من أمور الدنيا ثقة وقال سابور بن أردشير لابن هرمز اعلم أنه لا يكاد يسلم أحد من الخطأ ومن الزلة والهفوة فإن زل أحد منهم في الرأي فلا تجبه بالرد وارفق به في الوقت إلى أن يستتم قوله ثم عرفه موضع خطائه قال أرسطوطيلس إذا انكشف لك من وزراذك بعض ما تكره فوبخه على غير مواجهته فإن عاد مثل تيك الزلة كانت عقوبته الإمساك عن استشارته وروي أن رسول الله صلى الله عليه استشار أبا بكر وعمر في أسارى بدر فأشار أبو بكر بالفدية وقال هم بنو العم والعشيرة وأشار عمر بضرب أعناقهم فمال رسول الله صلى الله عليه إلى رأي أبي بكر وأمر بالفداء ونزل العتاب على رسول الله وهو قوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة فلما نزل ذلك على رسول الله صلى الله عليه بكى رسول الله وبكى أبو بكر وفي خذاى نامه لا تعاتبن أحدا من وزرائك في أمر يعظم ضرره وخطره وإذا عاتبت فاجعله على لسان من تعتمده ولا تجعله شفاها واحتمل وزيرك فيما تحتمل فيه أخاك وولدك العزيزين عليك [؟] عندك وفيه وإن عاد للذنب عدت للأستصلاح فإن عاد ثالثا أنزلته حيث أنزل نفسه
في كيف يستشير
في التاج ولا ينبغي للملك أن يستشير أحدا إلا خاليا به فإنه أموت للسبر وأجمع للذهن وأحزم للرأي وقال أرسطوطيلس للإسكندر صير استشارتك بالليل فإن الفكر فيه أجلى وأجمع وقال ابن المقفع إذا اجتمع أمران فقدم الأهم وإذا ورد أمر وأنت في آخر فدعه ولا تقطع الأول حتى تستتمه إلا أن تخاف دخول ضرر بالتأخير في الأمر الثاني وقال ابن المقفع ويجب أن تحذر المشاجرة في الوقت الضيق وقال ابن المقفع إذا طلب منك رأي فانظر إلى حال المستشير فإذا عرفت أشرت بما يصلح له وفي خذاى نامه ينبغي أن تعود نفسك الصبر على خلاف ذي الرأي والنصيحة
كيف ينبغي أن يعامل وزراءه
قال سابور بن أردشير لابنه هرمز وهو في خذاى نامه لا تمنعن أحدا من وزرائك عن الوصول إليك وعرض الأعمال عليك ولا توجهه في ذلك إلى غيرك فإن ذلك يحمله على التجافى عن رأيه وعلى ستر معايبه عليك لحاجته إليه قال واعلم أنه متى اتفق لك وزير ناصح فإن الناس ينصبون له الحبائل فاحذر هذا الباب ولا تقبل قول أحد فيه إلا أن تبين لك صحة ما قاله
فيما يجب على المستشار إذا استشير
قال رسول الله صلى الله عليه المستشار بالخيار إن شاء سكت وإن شاء قال وإذا قال فينبغي أن ينصح
في الإستشارة على معنى التألف
قال الحسن في المستشارة ضرب من التألف فإنه يقول لم يشاورني إلا ولي في قلبه موضع واستشار رسول الله صلى الله عليه يوم بدر لما بلغه خبر قريش إليه فأشار أبو بكر بالحرب ثم استشار فأشار عمر بالحرب ثم استشار فقالت الأنصار إنه ما يريد غيركم فقال المقداد بن عمرو إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى اذهب أنت وربك فقاتلا أنا ههنا قاعدون ولكنا نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا ونحن لكم متبعون
في الإبتداء بالمشورة
روي أن رسول الله صلى الله عليه لما أنزل أصحابه يوم بدر قال له الحباب بن المنذر وكان يسمى ذا الرأي لفضل رأيه أ هذا منزل أنزلكه الله فليس لنا خلافه أم الرأي والمكيدة فقال بل الرأي والمكيدة قال فإن هذا ليس بمنزل ولكن نصير إلى قليب كذا ونخلف ما وراءها وراء ظهورنا ونغورها فنادى ملك الرأي رأي الحباب فسيروا وقد رأيت مصارع القوم وقد روي غير هذا وهو أن رسول الله صلى الله عليه قال لأصحابه أشيروا علي في المنزل فقال الحباب حينئذ جوابا لرسول الله صلى الله عليه ما قال فقال رسول الله افعلوا ما قال الحباب وأبشروا فإن الله قد وعدكم أحدى الطائفتين إنها لكم
في أن الوزير والمستشار يجب أن يكون أكثر من واحد
كتب أرسطوطيلس إلى الإسكندر اجعل وزرءك سبعة وسو بينهم في المرتبة ولا تجمعهم في المشورة فإن ذلك يولد اللجاج والأحنة قال ويجب أن تمزج بين آرائهم فإن الملك هو الذي يحتاج أن ينظم الرأي وقال ابن عباس في قوله وشاورهم في الأمر إنه يعني وشاورهم أبا بكر وعمر قال وكان رسول الله صلى الله عليه يستشيرهما وقال لهما أما أنكما لو اتفقتما علي ما خالفتكما وقال القسم بن محمد كان أبو بكر يستشير من أصحاب رسول الله الذين كانوا يفتون في أيامه وهم عمر وعبدالله الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وفي التاج للآراء مواضع فمنه ما يجب أن يدخل فيه الرهط ومنه ما يجب أن يقتصر فيه على واحد وفي خذاى نامه قال سابور لابنه هرمز يا بني لا بد لك من أثني عشر وزيرا سبعة يلون أمورك ودواوينك وخمسة لما سوى ذلك فأحد السبعة كاتب الرسائل والثاني والي ديوان الجند والثالث والي نسخته والرابع والي ديوان الخراج والخامس والي تسخته والسادس والي ديوان ما يرد بيت المال وما يخرج منه بالنفقات والصلات والسابع والي الخاتم قال وأحد الخمسة صاحب الشرط والثاني والي الحرس والثالث الحاجب والرابع القاضي والخامس والي النظر في المظالم قال ويجب أن يفرد كل واحد من هؤلاء في عمله ولا يشرك معه غيره في عمله فإن العمل عملان الحزم في أحدهما المظاهرة فيه بالشركة وذلك هو الرأي فإن السبيل في الرأي الشركة فيما احتيج إلى الرأي فيه وما احتيج فيه إلى الحفظ والأمانة فالسبيل فيه الإفراد
في الأسباب التي ينبغي أن يرتاى فيه ويستشار
قال أرسطوطيلس الأمور التي يتشاور فيها المتشاورون خمسة بالعدد أحدها العدة الثاني ما يدخل ويخرج والثالث الحرب والسلم والرابع حفظ البلد والخامس سنن [السياسة؟] قال ويجب أن يكون المستشار في العدة عارفا بغلات أهل المدينة ونفقاتها وبضياعها وببطالتها فإنه ليس بالزيادة في المال يزداد الغنى لكن بنقصان النفقة قال وينبغي أن يستعمل الصناع وينحى البطالين قال وينبغي أن يكون المشير فيما يدخل ويخرج عارفا بما ينبغي له أن يطلق في دخول البلد وعارفا بما ينبغي له أن يطلق إخراجه من البلد قال وأما المشير في الحرب فإنه ينبغي أن يكون عارفا بحال مدينته وبحال مدينة أعدائه وينبغي أن يكون عارفا بحال الجند وعارفا بسبل المحاربة وبالحروب الماضية قال وأما في حفظ البلد فينبغي أن يعرف أنواع الحفظ ومواضع المسالح قال وأمر السنن أصعب قال وينبغي أن يكون الناظر عارفا بأنواع السياسات وبمنفعة كل واحد منها ومضرتها وينبغي أن يكون عالما بما يخاف عليها من الأسباب التي تفسدها وأقول الفساد في الجملة إنما يعرض من الطرفين فإنها إن استرخت وضعفت فسدت وإن اشتدت وعنفت فسدت
في المشورة
قال الفراء أصل المشورة مشورة مسكن الشين لأن الأصل فيها مفعلة ونظيره مثوبة فإن الأصل فيها مثوبة قال أبو الحسن فتكون على هذا مصدرا لشار وفي كتاب الخليل المشورة مفعلة وهي مشتقة من الإشارة قال وتقول أشرت بكذا وكذا قال والفراء والشورى أصله فعلى وقال غير الفراء المعنى في المشورة استخراج الآراء بالعقول والتجارب قال أبو الحسن هذا القائل جعله مشتقا من شار كما قلنا لا من أشار وقال غيره أصل المشورة الإستخراج واستعمل ذلك في الرأي وفي العسل وفي الدابة تقول العرب شرت العسل أي استخرجته من موضعه واحتلبته وكذلك أشرت العسل فهو مشور ومشار ويقولون شرت الدابة وأشرتها إذا استخرجت جريها ويقال للمكان الذي يستخرج فيها جري الدابة المشوار ويقال للذي يستخرج ذلك منه المشور وقال أبو عبيدة أصل المشاورة الإجتماع في الأمور وهو مفاعلة وتقول شاورت مشاورة وشوارا قال ويقال للقوم الذين يتشاورون الشورى سموا بالمصدر كما قيل للقوم الذين يتناجون النجوى وقال غيره وشاورهم في الأمر قال يقول استنطقهم واستمع منهم قال أبو الحسن المعنى استخرج الرأي منهم بالستنطاقهم قال وأما قوله فبما رحمة من الله لنت لهم فإنه يعنى برحمة وما صلة لنت وقوله ولو كنت فظا الفظاظة خشونة الكلام تقول فظظت يا رجل تفظ فظا وفظاظة وقوله غليظ القلب يريد شديد القلب أي قاسي القلب لانفضوا من حولك يقول اي لتفرقوا من عندك قال والفضض الشيء المتفرق وأصل الفض الكسر وتقول فضضت الحلقة فضا إذا كسرتها فاعف عنهم أي في الزلة تكون منهم واستغفر لهم من الزلة
في أنه لا بد للملك من الأعوان
وقال أرسطوطيلس للإسكندر الأمر أمران كبير لا يجوز أن تكله إلى غيرك وصغير لا يجوز لك أن تياشره بنفسك فلا بد من أن توظف أعمالك على الكفاة وأن تأخذ نفسك باستيفائها منهم وينبغي أن تسهل سبيل وصولهم إليك لتطالبهم بما كان منهم فيما أسندته إليهم وينبغي أن تصغي إلى ما يقولون وأن تحمد المصيب وتذم المخطئ وقال أنوشروان لا بد للملك من أعوان لينتظم بهم أمره ويحتاج إلى أحد وعشرين رجلا يرؤسون له في الأعمال
في الحض على اختيار العمال ذكر ما يجب على الملك أن يوليه وهو باب اختيار العمال
قال أرسطوطيلس للإسكندر الواجب على الملك أن يكون شديد العناية والحرص في تفقد أحوال من يريد أن يوليه عملا من أعماله ما كان فإن صلاح الأعمال والمداين إنما يقع ويكون بصلاح من يتولى سياسة الأعمال وسياسة المدائن وكذلك الفساد وذلك أن الرئيس في كل شيء هو المصرف له وعلى قدر التصريف تكون حال المصرف فواجب أن تكون حال المصرف شبيهة بحال المصرف له وهو فاعل على التصريف قال وأقول إن صلاح الأعمال والمدائن إنما يكون بصلاح العمال ذلك أن من لا صلاح عنده فلا سبيل إلى أن يصلح شيء به فلتكن عنايتك باختيار من يصلح للعمل أكثر من عنايتك يكثرة من ترتبط فإن الجوهرة خفيفة المحمل رزينة الثمن والحجارة فادحة المحمل خفيفة الثمن قال علي بن أبي طالب للأشتر أصطف لولاية أعمالك أهل الورع في الدين والعلم بالسياسة والحياء والألف وأهل التجربة من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام فإنهم أكرم أخلاقا وأنزه أطماعا ثم أغنهم عن المطامع بالتوسع عليهم واجعل عيونا عليهم من ثقاتك ليوردوا عليك أخبارهم وجميع ما يجري منهم في أعمالهم وقال أنوشروان أحق ما تفقد الملك فيمن يستعين به العقل وأفضل ما تخيروا عليه الخيرقال والعقل يكمل جميع الفضائل وثمرة الفضائل كلها الخير وأفضل مواهب الله العقل ومشية الله من الخلائق كلها الخير
لقول في صفة المختار
قال أرسطوطيلس ويجب أن يكون من أول ما ينظر في أمره أنه هل يصلح لما تريد أن توليه فإنه لك ينفعك فضله وصلاحه في غير ما تريد أن توليه واحذر من أن يميلك حب رجل أو فضله إلى الإستعانة له فيما لا يصلح له ومقته وعيبه إلى ترك الإستعانة به فيما يصلح له فإنه لن يخلو أحد من عيب ومن نقيصة ومن فضل وخلة محمودة ثم الواجب أن تنظر حاله في النزاهة والعفة فإن فساد العمال إنما يقع على الأكثر من أن يصرفوا هممهم إلى تعجل اللذات البدنية وتؤثروا جر المنافع إلى أنفسهم وإن عاد ذلك بالمضرة على سلطانهم وعلى رعيتهم ويجب أن يتفقد حاله في الجد وفي الهزل فإن الهرب من تعب الجد يؤدي إلى الإهمال ومن الإهمال يكون البوار قال أبو الحسن وبجب أن يكون لبيبا فاضلا ووادا لمن يتولى له قال أرسطوطيلس ويجب أن يتأمل حالهم فيما تولوه لمن قبلك وحالهم في أنفسهم وفي معاملتهم ومجاورتهم ومعاشرتهم قال فإنه ليس يجوز أن تطمع في استصلاح أمر جندك وضبطهم بمن لم يحسن سياسة عبيده وخدمه ولم يضبطهم وليس يجوز أن تطمع في توفر خراجك بمن لم يحسن عمارة ضيعته وعلى هذا يجب أن يكون بناء أمرك في سائر أسبابك وأمورك قال ويجب أن تعلم أن أعوانك بمنزلة أعضائك وهم جنتك وسلاحك فواجب عليك أن تلزم نفسك العناية بصلاح أحوالهم وأمورهم ومعاشهم إذ كان في صلاحهم صلاحك وفي اختلال صلاحهم اختلال حالك وقال علي بن أبي طالب للأشتر من ضيع حق الله فلا تأمنه على حق عباد الله وكتب أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس لا تول شيئا من أمورك قليل التجارب ولا المعجب ولا من يقع في خلدك أن زوال سلطانك خير له ولا من أصبته بعقوبة فاتضع لها ولا من أطاعك بعد ما أذللته ولكن يجب أن تولي أمرك رجلا وجدته مهتضما فرفعته أو ذا شرف فاصطنعته وإذا وليت أحدا فأقسم عليه بالوعيد وقال أرسطوطيلس للإسكندر لا تثقن بحال من لم تجربه في الولاية فإن الولايات هي التي تظهر أحوال الناس وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أشر على بقوم أستعين بهم فكتب إليه أما بعد فإن أهل الدين لا يريدون عملك وأهل الدنيا ما ينبغي أن تريدهم أنت لعملك ولكن عليك بذوي الأحساب فإنهم يصونون أحسابهم ولا يدنسونها بالخيانة وقال أبرويز لابنه شيرويه وإذا وليت أحدا فحذره وأقسم عليه بالوعيد
في أن الواجب على الملك اختيار عمال الأعمال
قال سابور بن أردشير لابنه هرمز واعلم بأنك وإن بالغت في انتقاء وزرائك وأعوانك غير مستكمل منفعتهم حتى يكون من يلي من أعوانهم وخلفائهم ومدبري أمورهم أهل بصر وكفاية وأمانة فلا تدع تفقدهم والفحص عن أحوالهم وعما يكون منهم في أعمالهم واجعل لهم حظا من عنايتك وتعهدك ونصيبا من تفقدك ومن الوصول إليك ومن رفع حوائجهم إليك فتبسط بذلك آمالهم وتطيب به نفوسهم وتزيد في نشاطهم وفي نصيحتهم واقصد إلى سد خلتهم وإلى التوسعة عليهم في أرزاقهم حتى يستغنوا بعطائك عن الرشى والمصانعات ويذبوا أنفسهم عن مذاق الأطماع وتجب لك به الحجة عليهم في جرم إن اجترموه وإن بلغك عن أحد منهم حسن قيام في عمله وعفاف في مطعمه قرظته عند صاحبه وحضضته على زيادة بر ولطف وصلة ليشرف بها على نظرائه وليرغب من سواه في الإيتساء به
يقية القول في اختيار العمال وفي تفقد أمور العمال وأحوالهم
قال وينبغي أن تفقد أمورهم وأحوالهم حتى لا يذهب عليك أمر ظاهرهم وباطنهم وأن تعرفهم ذلك بلطف بأن تشكر لهم على ما يكون منهم من حسن وتوبخ على السيئ حتى يجدوك عند همتك فضلا منك عند لسانك وقال سابور لابنه هرمز إياك أن تستعين بمن لا معرفة له في الأمور بنفسه فإن مستبين الأمور برأيه كالبصير ومستبين الأمور بغيره كالأعمى المقلد وفي عهد ملك لابنه إياك أن تسود غير أهل السؤدد أو تشرف غير أهل الشرف فإنا في أول أمرنا أدخلنا عدة من الطبقة الدنيئة في أهل الولايات ورقيناهم إلى سنى المنازل فلم يعتقدوا لأنفسهم ولنا صنيعة يتحمل بها ملكنا ولم يطلقوا لنا عقدة حقد ولم يستفتحوا لنا باب إحسان ولم يتجاوزوا بما وسعنا عليهم من نعمتنا أن اتخذوها ملاهي وملاعب لبطونهم وفروجهم واستفسدوا علينا قلوب رعيتنا وخربوا [empty pages] من الإنسان أنه لن يستطيع أحد أن يعيش بغير الأصدقاء وإن مالت إليه الدنيا بجميع رغائها وأحوج الناس إلى الأصدقاء من بلي بأمور العامة فإنه لن يكفي المبتلى بذلك أذنان وعينان فإنه ليس في الإمكان أن يبلغ الواحد بنفسه كل موضع وأن يلحق بنفسه كل أمر فبالإخوان يمكن الإطلاع على الغائب في الأقصى وبالأخوان يمكن الوقوف على المعائب المندفنة في نفسك والآفات الخفية عليك وإنه ليس شيء أعز وأنفس من المودة الصافية ولا شيء أضر من المودة المموهة وفي القطع من بعد الوصل وحشة فمن الواجب أن تميز وتختار من قبل أن تواصل ووجه النظر أن يتبين كيف كان حاله مع أبويه وأقاربه وجيرانه وكيف ساس نفسه وأهله وبيته وخدمه وأخص شيء بالإنسان وأعزه عليه نفسه فمن لم يكن لنفسه فإنه ليس يجوز البتة أن يكون لغيره فقد ينبغي لهذا أن ينظر في هديه وتقلبه وأخلاقه في الحسد والغضب ومحبة العز المال فإن محب المال لا يفعل الجميل وإن مال لفصله ومحب العز لا يمكنه أن تحسن العشرة وإن أحب ذلك لتيهه وكبره ومن أحب الرياسة لم يصف لمن يخافه على مكانه وإن كان من يخافه صافيا له وغير طالب لما يطلبه ولا راغب فيما يرغب فيه وينبغي أن يعلم أن كيف حاله في الميل إلى التعب وإلى الراحة وفي لذات الباطل فإن الذي تنحط فؤاده إلى ذلك يشغله عن الجد كله واعلم بأن من لم يعرف الفضيلة والرذيلة فإنه ليس يمكنه أن يعرف الفاضل فيختاره وأن يعرف الخسيس والنذل فيجتنبه واعلم بأن الشر لا يوافق بعضه بعضا وإن راج فإنما يروج بأن يمازجه شيء من الخير فإن السفيه لا يوافق السفيه ولا يلائمه وكذلك الكسلان والكسلان والمتكبر والمتكبر والبخيل والبخيل وأما الخير فإنه يوافق بعضه بعضا ويلائم ما خالفه وإذا تبينت من يصلح لمودتك فتلطف في مواصلته وينبغي أن تقاربه أولا وأن تظهر له في ملاقاتك بشرا وبشاشة وأن تلاطفه بقولك وتكرمه عند مخالطتك بأن تذكره بالجميل عند غيبته عنك وأن تبر إخوانه وأولاده وخدمه ومن يتصل به بما يليق بكل واحد منهم من برك حتى تستجرهم إلى قبولك وإلى حسن الثناء بحصرة صاحبهم عليهم وأعظم ما يصطاد به الرجال المشاركة في ضبرائهم وسبرائهم ورعاية ما يعود بمصالحهم والعناية بصغار حوائجهم وكبارها والنصح لهم والإبتداء بمواساتهم وإعفائهم عن سؤال ما يحتاجون إليه من قبلك ومساعدتهم فيما ينتفعون فيه بمعونتك وينبغي أن تغمس إخوانك فيما يحدث لك من سلطان أو غنى فإن زهدوا في ذلك لم تعرض عنهم وداريتهم وإن قعدوا عنك عند رياستك استدنيتهم وزدت في تواضعك لهم وفي برك بهم وقاربتهم جهدك وطاقتك وينبغي أن تعلم أن إفساد المودة من بعد عقدها أضر من إهمال أمرها من قبل وصلها فإنك إذا لم تتعرض للوصل ففاتتك المنفعة سلمت من المضرة وإذا استفسدت من قد واليته انقلب لك عدوا معاديا فإياك ثم إياك أن تتعرض لذلك والأسباب المؤدية إلى الفساد الجفاء والإستهانة والمرآء والملاحاة وينبغي إذا ماراك أن تستخذى له ولا تصول عليه بقوة علمك وجدلك وأكثر الفساد إنما يتولد من أن تغير المعهود من برك فاجتهد أن لا تفعل ذلك ولا تظن بأنه يخفى ما تضمره فإنه لن يخفى وينبغي أن تستشعر بأنه لا بد من اعتراض العوارض فيما بين الأصدقاء فكن متهيئا مستعدا لإزالة ما يعرض من قبل أن يقوى ويعظم فإن الأمور تكون صغيرة في مبادئها وإن احتجت إلى العتاب فعاتب فإن العتاب خير من القطع وامزج عتابك إذا عاتبت بالحكمة وموعظتك بالملاطفة وكن في ذلك كالطبيب الماهر الذي يكسر مرارة دوائه ببعض الحلاوة احذر النمام فإنه الآفة العظمى والبلية الكبرى على الأصدقاء واعلم بأن النمام في الإبتداء إنما يحك سور المودة بأطراف ظفره فإن ترك وذلك ضربه حينئذ بفأسه ومعوله فالصواب أن تقيم حراسا على سور المودة وأن لا تترك أحدا يدنو من سمعك بالوقيعة في وديدك
في الغضب من كلامه
قال الغضب داء عظيم من أدواء النفس فإنه يزيل العقل كالسكر والجنون وهو بجباياته وبأحوال من عرض له في التغير صورته وهيجانه أشبه بالجنون منه بالسكر والمجنون اعذر من الغضبان فإنه إذا هاج سد مسالك الفهم والنظر كالدخان الثائر في البيت من النار الموقدة بالحطب الرطب ويشبه من هاج به الغضب السفينة التي رفعتها الرياح في البحر بالأمواج قال واعلم بان الغضب إنما يهيج من ضعف العقل والرأي والدليل على ما قلنا أن النساء أكثر غضبا من الرجال وكذلك الشباب والسفهاء من الناس وكذلك كل من رهقه أمر غير حال عقله وتمييزه كالمريض والجائع والحرير ويؤيد ما قلناه أن أكثر الأسباب المولدة للغضب صغار وأن الغضوب لضعف عقله وسخافة رأيه يظنها كبارا فيغضب وأكثر الأسباب المهيجة له فساد الإعتقاد لضعف الرأي كالإفراط في حب المال والعز والثروة والعجب هو الأصل فيه فإن الإفراط في الحب والبغض إنما يكون من إعجاب الإنسان يرأيه ووجه العلاج له في نفسه أن يقبض حركاته كلها ويكفها فيغض بصره فلا ينظر وبخاصة إلى المغضوب عليه ويمسك لسانه عن الكلام فلا ينطق وينكس رأسه ويطرق وسبيل من يريد علاج الغضبان أن لا يكلمه عند فورته بشيء ولا يعظه فإن العظة عند هيجانه تزيد في ثورته وينبغي أن تعلم أن الغضب قد يعرض على الصديق والقريب والعدو والغريب وعلى من لا يعقل ولا يجوز أن يغضب عليه فقد حكي أن ناسا عضبوا على الجبال الخشنة والبرارى الوعرة والسيول الهائلة وأما الغضب على همج الحيوان كالذباب والبرغوث والبعوض فيكثر من الناس السفخاء فقد يجب لما قلناه أن نتقدم بالفكر فنقرر في نفوسنا من يجوز أن نغضب عليه ومن لا يجوز أن نغضب عليه ثم نقرر فيها ما يجوز الغضب منه وما لا يجوز الغضب منه وإذا حصلت الجناية ممن يجوز أن نغضب عليه فيما يجوز أن نغضب منه أفكرنا السبب الباعث له على ما فعله والموقع له فيه فإنه من البين أنه قد يكون للجنايات أسباب كثيرة لا يجوز عتاب الممتحنين بها فضلا عن عقابهم كالخطأ والنسيان والحهالة وربما جنى الجاني للثقة بعفو من يجني عليه لحلم المجنى عليه أو للدالة عليه أو للإعتماد على تجاوزه لمحله عنده وأكثر جنايات الأصدقاء إنما تكون للدالة اعتمادا على محلهم ويشبه أن تكون أكثر جنايات العبيد إنما يقع لثقتهم بعفو مواليهم لا لإستخفافهم بأمورهم أو لتهاونهم بأحوالهم فإذا أوجب الرأي العقوبة كان الصواب التأني لتبين مقدار العقوبة ببيان مقدار الذنب وليقع التأديب في وقته وعلى وجهه وينبغي مع هذا كله أن ل لا يكون التأديب من أجل التشفي لكن من أجل الإستصلاح لتقويم الجاني وقد يجب على من أراد أن لا يغضب أن بقلل حوائجه وشهواته جهده وطاقته وأن لا يقتني ما يعز فيتعذر وجود مثله
في الأدب من كلامه
قال اعلم بأن العقل الغريزي لا يظهر ولا يستبين إلا بالأدب وأن الأدب لا يلزق بأحد ولا يثبت في نفس إنسان ما لم يكن له عقل غريزي ويشبه أن يكون أحدهما بمنزلة الروح والآخر بمنزلة الجسد وينبغي أن تعلم أن الفطنة الغريزية إن لم تخرج بحسن الأدب فإنها لا محالة تكتسب سوء الأدب كالأحتيال والحسد والشره والغضب وحب المال وحب الكرامة وحب المال ذل كبير وكذلك حب الكرامة وكل من أساء أدبه يصير في خر أمره كالبهيمة الوحشية والسبع والضاري وينبغي أن تعلم أن العظيم في نفسه يعظم ضرره إذ أهمل و يعظم نفعه إذا روعي وتعوهد واستصلح وينبغي أن تعلم أن كثيرا من الناس لم يباينوا البهائم والسباع إلا بالصور والأشكال ومن كان كذلك فإنه شر من البهائم والسباع وعدمه خير من وجوده وموته خير من حياته
في الأدب ما هو من كلامه
قال الأدب هو المقوم للنفس البهيمية بالأخلاق الحسنة والصنائع المحمودة وإنه ليس يوجد شيء من الخير للنفس البهيمية إلا بالأدب والسبيل إلى التخرج الإعتياد بالعادات الحسنة فإن العادة تلين الخشن وتسهل الوعر وتحبب كل مشقة ممقوتة وبالعادة ألف الناس الأعمال الوعرة الشاقة والحرف الذميمة والأسباب المخيفة وبالعادة خف على الحمالين ما يحملونه على ظهورهم وعلى الحدادين ما يعملونه بأيديهم وعلى الفيوج والمترددين في الأعمال دوامهم على مشيهم وبالعادة يصلب جلد قدم الإنسان حتى يصير كخف البعير في الصلابة وبالعادة يعمل الإنسان بشماله عمله بيمينه وبالعادة ألف الناس البرد الجافي والحر المؤذي فقد رأينا من يقطع الشتاء في البلدان الباردة بالقميص الواحد وأمر الزراع في صبر على الحر ظاهر بين وبالعادة يستلذ الطعام الخشن والشراب البشع
الآفة المؤذية إلى سوء الأدب
إهمال السائس أمر من يسوسه وكسل المسوس في نفسه لميله إلى الراحة ولألفه للبطالة ولاغتراره باللذة والشهوة وللهرب من تعب الرياضة وينبغي أن نعلم أنه ليس يجوز أن يسمى حياة الشهوات حياة لذة ولا حياة راحة وكيف يجوز ذلك وليس لأصحاب الشهوات هدوء ولا سكون من الشبق والشره والنزق والحدة هذا سوى ما يلحقهم بجنايات الجهل من الآفات والأهوال والعاهات والأمراض وينبغي أن لا ييئس من التأدب والتأديب والتخرج والتخريج إن كانت النفس كريهة والفطنة بليدة فإن المداومة على الإجتهاد تنجح وتغور بغيته وطلبته وإن كان شاقا عصيا قال وقد حكي أن ملكا جبارا اعتقد جسرا في البحر قال فإن المداومة مع الغاية يغلبان كل شيء ويغلبان الجواهر فإن الحديد يلين بالمعالجة وإن الصخرة قد تنقب بتقطر الماء عليها على المداموة وإن الخشبة الجافة الغليظة المستقيمة قد تنحنى بالمعالجة وقد تستقيم المنحنية منها بالتثقيف والتقويم وإن البهائم والطير قد تتعلم منطق الإنس وكثيرا من الأداب الحسنة بالرفق والرياضة وينبغي أن يعلم أنه لم يبلغ أحد رياسة في صناعة ولا فاز بطلبة لها خطر وقيمة إلا باحتمال التعب والنصب في المجاهدة وبترك النوم والراحة وبالإقدام على نوع من الغرر والمخاطرة هل فاز النساء بالأولاد من غير احتمال ثقل الحمل ومشقة الولادة ومن غير معانقة الغرر فإنه ربما أشرفت المرأة بالولادة على الموت وعاينته وهل حصل الناس السلامة من الأعداء عند هجومهم بغير احتمال ألم الجراح والكسر والرض ومن غير الإقدام على العدو وقد ذكر أن حكيما من الحكماء لم يظفر سبعة وخمسين سنة
Bilinmeyen sayfa