Sabeel al-Muhtadeen ila Sharh al-Arba'een al-Nawawiyyah
سبيل المهتدين إلى شرح الأربعين النووية
Yayıncı
الدار العالمية للنشر - القاهرة
Baskı
الأولى
Yayın Yılı
١٤٤٢ هـ - ٢٠٢٠ م
Yayın Yeri
جاكرتا
Türler
- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَيفَ الجَمْعُ بَينَ حَدِيثِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» (^١) مَعَ الأَحَادِيثِ الكَثِيرَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي فِيهَا كِتَابَةُ أَجَلِ الإِنْسَانِ عَلَيهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ المَرْفُوعُ فِي الصَّحِيحَينِ الَّذِي فِيهِ «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَومًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيهِ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ» (^٢)؛ وَذَلِكَ فِي كَونِ الأَجَلِ مَكْتُوبًا، وَفِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ بَيَّنَ أَنَّهُ قَابِلٌ لِلزِّيَادَةِ (^٣)! وَكَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [يُونُس: ٤٩]؟
الجَوَابُ مِنْ أَوجُهٍ:
١ - أَنَّ هَذَا أَمْرٌ غَيبِيٌّ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ، فَيَجِبُ إِثْبَاتُ كِلَا الأَمْرَينِ، فَنَقُولُ: العُمْرُ مَكْتُوبٌ؛ وَهُوَ قَابِلٌ لِلزِّيَادَةِ بِسَبَبِ هَذِهِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
٢ - أَنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ دَلَّتْ أَصْلًا عَلَى إِمْكَانِيَّةِ حُصُولِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ فِي الأَعْمَارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ [فَاطِر: ١١] (^٤).
(^١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٩٨٥)، وَمُسْلِمٌ (٢٥٥٧) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا.
(^٢) البُخَارِيُّ (٣٣٣٢)، وَمُسْلِمٌ (٢٦٤٣).
(^٣) وَإِذَا كَانَ قَابِلًا لِلزِّيَادَةِ فَهُوَ أَيضًا قَابِلٌ لِلنَّقْصِ.
(^٤) وَفي شَرْحِ هَذَا التَّعْمِيرِ وَالنَّقْصِ أَقْوَالٌ أَشْهَرُهَا أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ -بِاخْتِصَارٍ وَتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ مِنْ تَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ (١٤/ ٣٣٣) -:
الأَوَّلُ: أَنَّ التَّعْمِيرَ هُوَ كِتَابَةُ كَمْ يَكُونُ لَهُ مِنَ العُمُرِ، كَمْ سَنَةً وَكَمْ شَهْرًا وَكَمْ يَومًا وَكَمْ سَاعَةً، وَالإِنْقَاصُ هُوَ كِتَابَةُ تَنَاقُصِ عُمُرِهِ البَاقِي حَتَّى يَسْتَوفيَ أَجَلَهُ. كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ: يُكْتَبُ عُمُرُهُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، ثُمَّ يُكْتَبُ فِي أَسْفَلِ ذَلِكَ: ذَهَبَ يَومٌ، ذَهَبَ يَومَانِ، حَتَّى يَاتيَ عَلَى آخِرِهِ. قُلْتُ: وَالضَّمِيرُ فِي قَولِهِ: ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ يَعُودُ إِلَى نَفْسِ الشَّخْصِ.
الثَّاني: أَنَّ المُعَمَّرَ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً مَثَلًا، وَالمَنْقُوصَ مِنْ عُمُرِهِ مَنْ يَمُوتُ قَبْلَ سِتِّينَ سَنَةً، فَالتَّقْصِيرُ لَهُ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ كَانَ عُمُرُهُ أَطْوَلَ مِنْهُ. قُلْتُ: وَالضَّمِيرُ فِي قَولِهِ: ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ يَعُودُ إِلَى غَيرِ الأَوَّلِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ اللهَ كَتَبَ عُمُرَ الإِنْسَانِ مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا إِنْ أَطَاعَ، وَتِسْعِينَ إِنْ عَصَى، فَأيُّهُمَا بَلَغَ فَهُوَ فِي كِتَابٍ. أَي: أَنَّهُ يُكْتَبُ فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ: عُمُرُ فُلَانٍ كَذَا سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ زِيدَ فِي عُمُرِهِ كَذَا سَنَةً، فَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوضِعٍ آخَرَ مِنَ اللَّوحِ المَحْفُوظِ إنَّهُ سَيَصِلُ رَحِمَهُ، فَمَنْ اطَّلَعَ عَلَى الأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ظَنَّ أَنَّهُ زِيَادَةٌ أَو نُقْصَانٌ.
قُلْتُ: وَالضَّمِيرُ فِي قَولِهِ: ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ يَعُودُ إِلَى نَفْسِ الشَّخْصِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ النَّقْصَ هُوَ النَّقْصُ مِنَ العُمُرِ المَكْتُوبِ، كَمَا يُرَادُ بِالزِّيَادَةِ الزِّيَادَةُ فِي العُمُرِ المَكْتُوبِ، وَالتَّغْيِيرُ يَكُونُ فِي صُحُفِ المَلَائِكَةِ دُونَ مَا فِي عِلْمِ اللهِ تَعَالَى.
قُلْتُ: وَالضَّمِيرُ فِي قَولِهِ: ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ يَعُودُ إِلَى نَفْسِ الشَّخْصِ.
وَالقَولُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ قَرِيبَانِ، وَالرَّابِعُ أَرْجَحُ لِمُوَافَقَتِهِ صَرِيحَ الحَدِيثِ وَكَلَامَ السَّلفِ كَعُمَرَ ﵁؛
كَمَا سَيَاتِي.
1 / 73