عن البكاء بعد أن كسبت المعركة، وسمعت صوت حذاء زوجة أخي في الصالة، ثم صوت صفق الباب الخارجي. وساد الصمت. ظللت ممددا أتطلع إلى السقف، ثم غادرت الفراش وفتحت النافذة، وكان الجو غائما ينذر بمطر. انطلقت إلى الحمام فحلقت ذقني واغتسلت، وعدت إلى الحجرة فجففت وجهي وساويت فراشي. مضيت إلى المطبخ. وجدت إفطاري معدا على المائدة ، لكنني لم أشعر برغبة في الأكل. أعددت كوبا من القهوة حملته إلى الصالة، وجلست أحتسيها أمام التليفون. كانت الصحف ملقاة بجواره فتناولتها، ثم أعدتها مكانها، ووضعت كوب القهوة على الأرض. قمت إلى حجرة أخي فتفحصت فراشه وملاءته بدقة، وفعلت المثل بفراش زوجته، ثم عدت إلى الصالة واستأنفت احتساء قهوتي. أشعلت سيجارة، وتحركت أمعائي، فذهبت إلى الحمام، ثم عدت إلى الصالة. جلست أكمل سيجارتي، ثم قمت فأخذت قرصين من الأسبرين وعدت فأمسكت بسماعة التليفون. طلبت زوجة أخي في الشركة وقلت لها إني أريد أن أراها الآن. قالت: تعال إلى الشركة. قلت: لا، تأتين أنت. قالت: كيف؟ قلت: خذي إجازة أو اعتذري أو أي شيء. قالت: مستحيل فالمدير طلبني الآن والدنيا بدأت تمطر. قلت لا بد أن أراك الآن. قالت: لكننا سنلتقي على الغداء. قلت: سيكون أخي موجودا. قالت: إذن بالليل. قلت: سأذهب إلى الجريدة. سكتت، ثم قالت: الخادمة قد تأتي هذا الصباح. قلت: كانت هنا بالأمس. قالت: أنت مجنون. وسمعتها تضع السماعة في عنف. ظللت أنظر إلى السماعة في يدي، ثم وضعتها فوق جهاز التليفون، وبعد لحظة دق الجهاز ورفعت السماعة فقالت إنها ستأتي بعد عشر دقائق، وليس معها نقود للتاكسي. قلت إني سأنتظرها في الشارع لأدفع له. ارتديت ملابسي بسرعة ونزلت إلى الشارع، وكان خاليا بسبب المطر الذي شرع يتساقط. وقفت تحت شجرة وأنا أزيل قطرات المطر التي وقعت على ملابسي، ولمحت تاكسيا يقترب وهي بداخله. توقف التاكسي، فاقتربت منه وفتحت الباب. وجدتها تدفع أجرته للسائق، وقالت إنها عثرت على بعض النقود في حقيبتها. وغادرت السيارة. وكانت عيناها محتقنتين. قالت إني ما زلت صغيرا. صعدنا إلى المسكن ودخلت تتفقد الغسيل المعلق في شرفة المطبخ، بينما وقفت أنتظرها على بابه. ثم جلسنا في مقعدين متقابلين في الصالة. قلت لها إني ظللت مستيقظا طول الليل أنتظرها، قالت إنها بالأمس كانت متعبة، وإنها أصبحت تخشى المجيء إلى حجرتي بالليل فقد يبحث عنها أخي ولا يجدها في حجرتها. قلت إنها تغيرت في الأيام الأخيرة ، وإذا كانت تريد أن ننتهي فلننته بهدوء ودون كل هذا. قالت إنني عبيط، وإنها لو أرادت ذلك لفعلته على الفور بالطبع. ظللنا صامتين ونحن نتبادل النظرات، ثم بدا أنها شردت في شيء آخر. قامت فجأة وانحنت علي وقبلتني في فمي بشفتين باردتين. قالت إنها لم تقبل المجيء الآن إلا لأنها شعرت أني في حاجة ملحة إليها. وانطلقت إلى الداخل. قمت إلى باب الشقة وأغلقته بالمزلاج، وعندما عدت إلى حجرتي وجدتها في فراشي وقد التفت بالأغطية، وكان جسمها باردا ولم تدب فيه الحرارة إلا بعد فترة. ورقدت ساكنة على ظهرها بلا حراك، وجسدها مبسوط حتى نهايته كما تفعل دائما. انتهيت بسرعة وتمددت بجوارها. وبعد قليل ضحكت وقالت إن المدير اليوم تعمد أن يلمس ذراعيها وقال لها إنهما جميلتان. وقالت إنه يغازلها من زمن. دق جرس التليفون فسألتني ما إذا كنت سأرى من المتحدث. كنت أتطلع إلى السقف. وقلت: لا. قالت إنه ربما كان أخي وقد كلمها في الشركة ولم يجدها. قلت: ربما كان
فهمي . قالت: ماذا تعني؟ قلت: إنه يزورنا كثيرا هذه الأيام دون زوجته. قالت إنه لم يعد بينها وبينه شيء. قلت: لم تذكري لي من قبل أنه كان هناك بينكما شيء. قالت: كيف؟ ألا تعرف؟ الجميع كانوا يعرفون، وقد أوشك أن ينتحر مرة. وقالت إن أخي يحبني كثيرا. قلت: وأنا أيضا أحبه. قالت: بودي لو نذهب نحن الثلاثة إلى مكان ما سويا. استدرت بوجهي ناحيتها فضحكت. قلت: ماذا يحدث لو جاء الآن ووجدنا هكذا؟ هزت كتفيها وقالت لا أعرف. ومدت يدها وتحسستني ولكني كنت هادئا. سألتها: من الذي كان يكلمك أمس في التليفون؟ قالت: هذا شاب كان يحبني وأنا صغيرة جدا، ثم تزوج وفوجئت به يسأل عني. لا أدري كيف وجد طريقي ونمرة التليفون. وقالت إنها غضبت مني أمس لأني رفضت أن أذهب معها لتشتري حذاء. قلت: كان أخي معك. قالت: وماذا في هذا؟ قلت: أنت تريدين أن تسحبينا جميعا خلفك أينما ذهبت. سألتني عن الساعة. وكان موعد عودة
نهاد
من المدرسة يقترب، فقالت إنها لا بد وأن تقوم. وقالت: الذي يسمعك في الصباح يتصور أنك كنت ستفعل الأعاجيب. وقامت إلى الحمام. ارتديت ملابسي وساويت شعري، ثم غادرت المسكن. عبرت الشارع إلى البقال وأخذت منه علبة سجائر، وتأملت وجهه المشرع بالبكاء. سرت في الشارع وكان المطر قد توقف. مرت بي سيارة مسرعة نثرت رذاذا من ماء الطريق على ملابسي فلم أعبأ، وانطلقت إلى محطة الأوتوبيس فركبت إلى وسط البلد. شققت طريقي وسط الزحام، ووقفت إلى جوار امرأة، وكان هناك رجل قصير خلفها، وكان كثير الحركة. وبدأ الواقفون ينظرون إليه وإلى ما بين جسديهما. أعطيتها ظهري فأخفيتها بذلك عن أعين الواقفين بجواري، وبعد قليل استدار الرجل وأعطاها ظهره. لمحتها تتطلع بطرف عينها تحاول أن تفهم ما حدث. وخلا مقعد أمامها فلم تجلس، وأشرفنا على محطتي لكني لم أنزل وظللت واقفا بجوارها، وشعرت أنها ستهبط في المحطة التالية فتحركت لأهبط وراءها. وعندما أصبحت خلفها شعرت بها تبرز مؤخرتها في محاولة للمسي فالتصقت بها. حاول شخص خلفي أن يحتل مكاني لكني تمسكت بموقفي وسقتها دفعا في الزحام نحو الباب. غادرنا السيارة فعبرت الطريق، وأخذت سيارة أخرى عادت بي إلى محطتي. صعدت إلى مكتبي وكان
سامي
جالسا إلى مكتبه وقد نشر أمامه ورقة كبيرة وأخذ يرسم بعناية خطوطا متوازية بالعرض، تقطعها خطوط متوازية بالطول. أرسلت في طلب طعام. اقتربت مني
مايسة
وقالت إنها متعبة، وإنها تذهب إلى فراشها مبكرة دائما، وتظل تبكي حتى تنام. تأملت شفتيها المكتنزتين. قالت إن الزواج هو الحل، ولكن لم يعد هناك من يبغي الزواج. نادتها صديقة لها ذات عظام عريضة وقد بدت غاضبة. جاءني الطعام فأكلت. ودق جرس التليفون. كان
فؤاد
وسألني لماذا لم أذهب إليه كما وعدته، وقال إنه يريد أن يريني عدة تماثيل لقطط وأرانب انتهى منها بالأمس. اتفقنا على أن نلتقي بعد يومين. ودق الجرس مرة أخرى. وجدتها
Bilinmeyen sayfa