وتقدمنا صامتين كأننا نشيع ميتا حتى شارفنا ميدان المستشفى الفرنسي فتمتمت: بوسعي أن أفعل ما تشير به علي.
فقلت في استسلام نهائي: لا أشير عليك بشيء، حسبي شعوري بالإثم على ما ضيعت من عمرك.
وكان المساء يهبط بثقله في كثافة مركزة لا تخففها المصابيح الملونة بالأزرق تنفيذا لتعاليم الدفاع الجوي. وكان علينا أن نفترق قبل أن نصل إلى شارع العباسية، الفراق النهائي الذي يجرف معه كل شيء. وقفنا، سألتها بصوت غريب: هل أستحق في نظرك أي لوم يا ملك؟
هزت رأسها دون أن تنبس، تلاقت يدانا، وآخر ما قلت كان: سأدعو لك دائما بالسعادة.
وذهبت وبصري منغرز فيها، ما فعل اللقاء إلا أن جدد الأحزان، ونكأ الجرح. وتضاعف سخطي على كل شيء حتى إنني صرت من قراء صحف المعارضة بلا أدنى اهتمام حقيقي بالسياسة. وقلت لعلي يوسف: خبرني يا خبير، أمامي عزوبة أبدية، فما العمل مع المشكلة الجنسية؟
فضحك عاليا ونحن نتجول في حديقة الأزبكية، وقال: جرب من جديد.
فقلت يائسا: لا أطيق المحترفات ولا الخمر!
فإذا به يقول: لم يبق لك إلا أم عبده!
هتفت بذهول: أم عبده؟!
قال ببساطة: تربت عندكم، منكسرة، وفيها رمق، لم لا؟ - إنها تكبرني بعشر سنوات. - لم أقترح عليك الزواج منها يا أستاذ!
Bilinmeyen sayfa