نظرت إليه ذاهلا، فقال: قد ترى حياتي سخفا، ولكني هكذا أرى حياتكم! - على أي حال لن تأخذ المال معك إلى قبرك؟ - المهم أن يسند ظهري في هذه الحياة.
طالما أحنقني لتمرده على نظرياتي. طالما توقعت أن يقع في حب ليخلقه من جديد ولكنه لم يقع في حب. طالما تصورت أنه سيندم في شيخوخته على ما فاته في شبابه ولكنه لم يندم. أصر على أسلوبه في جمع المال، وشرب الوسكي الفاخر، وتناول الطعام اللذيذ، والزيارة العابرة للغانية الأثيرة، والبعد الكلي عما يكدر الصفو من شئون الدنيا والآخرة. ومرة على الأقل تنبه إلى أن راقصة تعامله بحنان خاص، وتلاحقه بالتليفونات، وتفاجئه بالهدايا، وترجم ذلك باللغة الوحيدة التي يتقنها، وهي أنها ترمي شباكها لتغتال ماله، وقطع علاقته بها دون مقدمات، ولديه جرأة على ذلك لا تبارى. واقتحمت عليه مجلسه في الأوبرج ذات ليلة لتصارحه بأنه بلا قلب، فقال لها ساخرا كعادته: أعرف للقلب وظائف كثيرة ليس بينها الحب!
وتشفعت المرأة إليه ببعض معارفه، فقال: الكرم نفسه أقرب إلي من الحب!
فإذا سئل عن سر الحب الذي وقع فيه كثيرون من شلتنا قال: إنه الحرمان، هذيان الحرمان وخيالاته.
فسألته متحديا: وملك إنجلترا الذي تنازل عن العرش من أجل امرأة مطلقة؟ - الجنون حقيقة موجودة، يجب أن نسلم بهذا!
غير أنه اعترف في شيخوخته بأن الجنس الميكانيكي يضعف ويدركه الخمود.
ولعله لم يعرف الخوف إلا بعد قيام ثورة يوليو. أجل، لم يكن من ملاك الأراضي ولا من رجال السياسة، ولكنه على أي حال ينتمي إلى الطبقة الغنية التي ترمقها الثورة بريبة وعداء. ومن أجل ذلك، وبمعاونة بعض أصدقائه من اليهود، هرب بعض أمواله إلى الخارج. ومضى يهتم بالسياسة وأخبارها لأول مرة في حياته، وجعل يقول لنا صراحة: جلا الإنجليز عن البلاد وأخذوا معهم القانون والأمن!
وتعالت الاعتراضات في ركن المقهى، فقال بإصرار: نحن لا نصلح لحكم أنفسنا، وإذا لم يكن بد من أن يحكمنا جيش فمن الأفضل أن يحكمنا جيش متحضر.
لذلك اعتبر يوم 5 يونيو عيدا في حياته، ومضى يقول شامتا ساخرا: المسألة أن الجيش لا يجوز أن يحارب في جبهتين، وقد انتصر الجيش علينا في الداخل فله العذر إذا انهزم في الخارج!
وجاء الانفتاح فكان عيدا آخر، وتنوعت أعماله وتضاعفت أرباحه، وكان يقول: يقولون إننا نرتمي باختيارنا في حضن الاستعمار الأمريكي، فاللهم بارك خطانا!
Bilinmeyen sayfa