ونحن في الشرق مطبوعون على التشبه وتوارث المهن، ولهذا ترى أن العلم يكاد ينحصر في بيوت وأسر دون سواها. وفي كلمة قالها صروف عن منافسته للشميل: «وكان كل واحد منا يتشبه بابن بلده؛ أي الشدياق واليازجي»؛ أصدق برهان على ما قلت، أما الآن فقد حان أن نعرفك بالرواد «المنقطعين» واحدا فواحدا.
الرواد العتاق
شعراء نساك ومتصوفون
بلا عنوان
لقد احترت في تبويب هذا الكتاب؛ لم أستطع فصل الشعراء عن الكتاب، لأن كل من حمل قلما قال شعرا ... فمن يدريني، بعدما قرأت قصيدة لفرح أنطون قال إنها «بيضة الديك»، أن ليس لكتابنا الآخرين بيوض ديكة، ولكنهم آثروا أن يكنوها، كما كن الحجاج أهل الشام ...
وإني لأخرج من هذا - بعد هذا - مصدقا قول من زعم: أن الأندلسيين جميعا، نساء ورجالا، قالوا الشعر، ومؤيدا قول الآخر: أن الشعر أسبق من النثر في آداب الشعوب. وأخيرا خرجت من ظلمات هذه الحيرة، فأحصيت كل «رائد» حيث وجدته أبعد أثرا، وأخطر شأنا ...
وإني أنذرك - منذ الآن - بألا تنتظر مني ذاك النقد المر الصارم؛ لأن عيوب الأوائل منهم كثيرة.
وإقرارا بفضل هؤلاء أزيد: أن الأدباء كمنارة الشاطئ، فهي تضيء أبدا، ولا يقر جيرانها بفضلها الذي يعرفه القادم من بعيد ... (1) القافلة الأولى (1-1) المطران والخوري
المطران جرمانوس فرحات
هو أول رائد أعجبته خضرة الدمن، وإذا ما تحدثنا عن فجر النهضة الأدبية فلسنا نعني البلاغة العربية، فالعالم العربي لم يخل قط من الفصحاء، بل ممن هم أفصح وأبلغ من أكثر هؤلاء الذين نسميهم الرواد العتاق، فعندما يتكلمون في الأدب عن أثر النصارى في نهضتنا الأدبية فما يعنون ولا نعني نحن إلا هذا العنصر الجديد، الذي أحدثه فيها نصارى الأمس، كما أحدثه من قبل نصارى العصر العباسي، وبخاصة السريان منهم، فأوضح آثار أولئك كان بما نقلوه إلى اللغة العربية، وها إن هؤلاء ينحون نحوهم؛ فأول من ترجم كتابي هوميروس كان من أولئك، وهو تاوفيل بن توما الرهاوي الماروني رأس منجمي الخليفة المهدي، وقد كتب عنه صديقي البحاثة الأديب نور الدين بيهم.
Bilinmeyen sayfa