فقال المعلم: لأ يا جدي الخوري، اصبر علينا.
فأجاب جدي، وهو ممتعض: آخذه جمعة وأرده. اتركني.
وقعد جدي على المصطبة، وقرفصت أنا أمامه، فشرع يعلمني الألف باء، فضحك والدي وقال لأبيه: الصبي راضع حليب بقر ... لا تتعب قلبك.
وقرصت تلك الكلمة والدتي - لأنها لم تكن التي يقال لها: لله درها - فاستعبرت. أما جدي فهز لوالدي العوجا - اسم عصاه الموسوية - وقال له: أنتم ما تعلم أحد منكم، اترك الصبي يتعلم!
وما أصبحنا وأمسينا حتى كنت تعلمت: الألف والأبجد والقدوس. فتهلل جدي للفتح الجليل ... فجاء بالمزامير، وشرع يعلمني «الطوبى» و«لماذا». وبعد جمعة صرت في المزمور الثامن: «أيها الرب، ربنا ما أعجب اسمك في كل الأرض»، فشكر جدي الله، وأخذ بيدي كما يأخذ الراعي بأذن شاته، وما بلغنا سنديانة الكنيسة حتى دفعني دفعا فوقعت في حضن المعلم، فقال له جدي: افحصه. ولما رآني جدي، عند الامتحان، كما يعهد قال للأولاد: وسعوا له.
فأجاب المعلم طنوس: لا توسيع يا جدي، محله فوق ...
وشاء الوالد أن يختبرني في إحدى الأمسيات فقعد على عتبة «برطاش» الباب، وأقعدني أمامه، وقال: أين صرت؟ ففتحت مزاميري، وقلت: هنا، في المزمور التاسع عشر. فقال: اقرأ. فقرأت: يا رب بقوتك. قرأت «بقوتك» كأنها كلمتان، فاستضحك الوالد، وقال: قم عني. المزامير ما فيه تكوك
2
فخجلت، ونمت تلك الليلة حزينا، وأظنني لم أتعش.
وانتهت القراءة العربية وجاء دور السريانية، فكان التنافس بين الآباء. كان جدي يعلمني السريانية في الليل، ويعاونه علي والدي وعماي، حتى حسبتني «خروف مور» يعلف للمرافع ... وهكذا ظللت محافظا على الأولية الضارية، وطابت نفس جدي.
Bilinmeyen sayfa