لم يتزحف «أوغست باشا» في يوم من الأيام إلى استنداء مركز، ولم يكن في عهد من العهود صنيعة أحد، وقد يكون هذا الخلق الأنوف مدعاة إلى تنحيه عن المناصب زمنا طويلا.
يستشعر اللين والشدة في سياسته، ويؤخذ بالمحض من الطرفين، إلا أن جرثومة من التشبث في الرأي تذر على لينه كبريتا من الشبهة.
نزيه، فهو يذهب في مذهب «لاروشفوكو» إلى أن الفضائل تضيع في مسارب الفائدة الشخصية كما تضيع الأنهر في البحر، وقد يصبح هذا المذهب خطرا عليه، فيسقطه عن رئاسة الوزارة ليقول له إن الإباء والتجرد مرقاة إلى محض الثقة، ولكن في بلد غير هذا البلد وفي سياسة غير هذه السياسة، وإن الرجل من يستشعر الأثرة في كل شيء وينقاد إلى أهوائه في كل حين.
ليس «أوغست باشا» بالسياسي الخطير؛ لأن الأيام لم تر عليه سمة الدهاء، ولم تخلع على منكبيه بردة الحيل.
إذا سبرت قرارة هذا الرجل عرفت فيه عناصر متباينة يستعدي بعضها على البعض الآخر: الشدة واللين، التشبث والعناد في سياسة هزيلة، والإخلاص والأنفة في نفس حرة مقهورة.
إميل إده
بركان من الذكاء ينفجر في هيكل بشري.
وجه محام خطيب ضائع في مجاهل السياسة.
جبين فسيح الأرجاء، بعيد ما بين الصدغين، تنفتح في أسفله عينان سوداوان مرتعشتان يندلق منهما نور غريب كأنه فلذة من عنصر العبقرية، وتتجمد في منحدري محجريهما خميرة بنية قد تكون صبابة من إكسير التعب أو السهر.
أنف ينفر قليلا إلى الجهة اليمنى.
Bilinmeyen sayfa