شارل دباس
وجه نفور تلطفه نفس عذبة وخلق كريم، يطفوان على قسماته في كثير من الاستقامة والجدارة.
جبين هادئ كأديم السماء في فجر أيلول، يخيل للناظر إليه أنه لم يألف التفكير لولا بعض سحابات كخيوط من الحرير أو كغشاء نعجة تبطن صفحته فتعيره خيال فكرة عميقة.
مقلتان كئيبتان هما مقلتا رجل عرف الآلام وسبر غورها، وفم عذب دقيق يمد على ضفتي شفتيه ابتسامة غريبة لن تستطيع أن تصفها بسوى ابتسامة «الدباس»، يعلوه شاربان نسيقان هبطا قليلا فتركا فناء عاريا بينهما وبين الأنف.
قامة بدينة تتحير بين الاعتدال والقصر ، وكأن اتساع صدره وما دونه دليل على ما تبطنه ذلك الجسم من أسرار السياسة اللبنانية.
أما مجمل هيكله من قمته إلى أسفله، مع نواتئ شعره، وانحدار جبينه، ونور فمه وغموض ابتسامته؛ فشبيه بهيكل «تيير» رئيس الأمة الفرنسية الأول، إلا أن هذا كان يحمل أنفا مستقيما دقيقا.
درج في عالم الصحافة فكان صحفيا، وصاهر القانون فكان محاميا، ومشى معه الحظ إلى جانب الأهلية والجدارة، فزجى عنه المحاماة بعد أن زجى الصحافة، أو زجى هذه بعد أن زجى تلك، وإذا هو ناظر للعدلية، وإذا هو رأس الأمة الناشئة.
لم يزل «الدباس» في مرح الغلواء على ما في قمته من البياض، سوى أن هذا المرح المترف لم يدلف به إلى الزهو بالنفس كبعض من أترفتهم الحظوظ في هذه البلاد، فهو وإن أمرع إلا أنه لم ينزل منزل الأجلاف، وهذا لعمري شيمة الرجل الذي يحترم رجولته فيحترم الرجال.
يتلثم بالصمت، فهو قارورة أسرار، وقد يكون صمته وصمت العميد السامي من منجم واحد.
على أن إمعانه في حجب مخبآته لا يدلج به في ظلمة الشبهة والشك، ولا ينفي عنه الإخلاص لشعبه، ف «الدباس» يسعى للقضية اللبنانية بسلامة فطرة مقرونة إلى علم راسخ وعزم صادق، ويعمل إلى جنب الانتداب قصارى ما يستطيعه رجل يحب وطنه ويخدم بلاده.
Bilinmeyen sayfa