من حولنا بادية الخشوع
والزهر في السماء كالشموع
قد أوقدت لعرسنا البديع
والليل قسيسا لعقد السر
ثلاثة مقاطع من قصيدته الساحرة «ليالي النيل» أراها على فقري أغلى ثمنا من جواهر شاه العجم، وأرفع رأسا من ناطحات السحاب في مدينة العجائب!
إلا أن المقطع الأخير جنى على الشاعر فحرمه لذة الأبوة، والحكاية أن إكسير الزواج سرى يوما في عروق الأستاذ «فياض»، فصحت عزيمته عليه، وإذ هو يبحث عن عروس من لحم ودم عثرت مقلتاه بهذا المقطع، فانتبه إلى أنه لم يبق أعزب، وأن ليلا من ليالي النيل المقدسة عقد له السر على غزال من بني الإفرنج، فحال عن فكرته عملا بالآية الكريمة هذه:
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة .
ولكن هذا الإكسير ما لبث أن دار دورته الثانية في عروق الشاعر فملكها، على أن القسيس الذي عقد له في هذه المرة لم يكن من نسل الليالي، ولم تكن الشموع التي أوقدت له من هيكل السماء، ولم تصمت القصور والدور في عرسه، ولم تهتز موجات النيل سرورا به، ولم يتنهد الماء وترجع الشواطئ وتترجرج «الذهبيات»، ولم يغضب «فياض» في هذه المرة على الصباح الغادر كما غضب عليه في عرسه الأول، ولم يعرض عليه شاعر «مفلس» خمسمائة جنيه جزاء زواجه كما عرضها عليه «خليل مطران» في المرة الأولى.
حبيب جاماتي
درج في لبنان وتدرج في مصر، فهو يناصي بخلقه أعنان إباء الأرز، ويجاري بسباطة قلمه سباطة ماء النيل.
Bilinmeyen sayfa