392

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Türler

فأطبق أندريا عينه الوحيدة وكتب: إني إذا عميت أعرف أعدائي باللمس بل بالوحي. - إذن تمرن على الكتابة وأنت مغمض العين.

ثم تركه وعاد إلى الطبيب وقال: اشرع في معالجته، فلا حاجة له بالبصر.

5

بعد هذه الحوادث المتقدمة بشهر كان أندريا في قصر روكامبول الذي يقيم فيه مع شقيقته وصهره، وقد وفى الطبيب بما تعهد به وأصلح وجه أندريا إلا أنه أعماه.

ودخل روكامبول إليه وجعل يعزيه لفقد بصره، غير أن أندريا كان قد قنط من كل شيء، فلم يعد له عزاء إلا بفوز تلميذه والانتقام له من أعدائه، فقال له روكامبول: إني لا أعلم إذا كنت تفتكر كما أفتكر، إلا أني لو كنت في مقامك لكنت أقول في نفسي إني قد تمتعت بجميع ملاذ الدنيا، وطالما انتصرت على الناس وفتكت بهم كما شاءت مطامعي، إلى أن ظفر بي أعدائي فشوهوا وجهي، وقطعوا لساني، وأعموا عيني مما يحلو معه القنوط والموت، غير أني لا أحب الموت قبل الانتقام من هؤلاء الأعداء.

فهز أندريا رأسه إشارة إلى الموافقة على هذا الكلام، فتابع روكامبول: إني سأنتقم لك من أعدائك وهم أعدائي أيضا متى لاحت لنا فرصة الانتقام، والآن فإني أصبحت بفضل أوراقك كما كنت أنت في أول عهدك؛ أي رجلا في مقتبل الشباب، وافر المطامع، لا يروق لي غير المسابقة في حلبة هذه الحياة والبلوغ إلى أقصى ما توحيه إلي الأماني، فإذا أرشدتني بمقياس ذكائك وأوضحت لي السبل بدهائك، فزت بفوزي وسررت لسروري؛ فأكون عزاء لك وسلوى عما أنت فيه.

فهز أندريا رأسه أيضا مرات كثيرة إشارة إلى المصادقة، فقال له روكامبول: إنما يجب أن تعلم أني إذا كنت قد أنقذتك من الملعب بصفتي روكامبول، أي تلميذك القديم، فقد أحسنت بعمل ما تدعوني إليه واجبات الإخلاص، فما أسأت أيضا فيما صنعت بصفتي المركيز ألبرت دي شمري، ولو كان رجل سواي فعل ما فعلت لقال في نفسه إني قد أخطأت فيما صنعت؛ إذ لا يجب أن يقف أحد على سري الهائل، إلا أني أرى سوى هذا الرأي، وأقول إن السير فيليام رجل شديد الدهاء وافر الذكاء، فإذا كان مرشدي في ما أطمع بنيله من الآمال بلغت ما أريد، وربما وصلت إلى منصب السفارة والوزارة، بل ربما بلغت إلى العرش، فإن أطماعي لا تقف عند حد وذكاؤك لا ينتهي عند غاية.

فاختلج أندريا على كرسيه عند سماع هذه الكلمات، وظهرت على وجهه علائم الرضى، فتابع روكامبول: والآن أيها الصديق، بل أيها الأستاذ المرشد، إني سأقص عليك مشروعاتي وأنت تشير علي، ولا أخرج عن آرائك، غير أنه لا بد لي قبل الشروع بذلك أن أبدي لك فكرا جديدا ربما كان صوابا، لقد كنا نجري في أعمالنا السابقة على قاعدة تبين لنا خطؤها بعد الاختبار، وهي أننا كنا نستعين على الشر برجال الشر، وعندي أن خير كفيل للفوز بصنع الشر أن نستعين على تنفيذه برجال الخير والصلاح؛ فإن ذلك أضمن في الفوز وفي نيل الأغراض لبعد الشبهات.

فتهلل وجه السير فيليام وهز رأسه كأنه يقول أحسنت.

وتابع روكامبول: إني منتحل اسم المركيز دى شمري، ومنذ أربعة أشهر تحيط بي شقيقتي وهي من النساء الأشراف، وزوجها رجل شريف، ومعظم أصحابي من نخبة الأسرات النبيلة، وسأقص عليك علائقي مع هؤلاء الأشراف، فتجد بعد ذلك سبيلا إلى استخدامهم فيما تريد، فإن الشر والمكائد لا يخطران لهم في بال، وأبدأ بذكر قصتي فأقول: إني حين أتيت باريس ماتت أمي المركيزة، فكان موتها من حسن حظي؛ لأن الأم قد تعرف ابنها ولو غاب عنها عشرين عاما، وكانت شقيقتي مخطوبة، ولما مضت ثلاثة أشهر على وفاة أمي تزوجت شقيقتي خطيبها، وأقام الاثنان عندي إلى أن تنتهي مدة الحداد، أما أنا فإني تصرفت تصرف النبلاء، كأني خلقت مركيزا من بطن أمي، ولا جرم لقد مثلت على مسرحك كثيرا من الأدوار، وأصبحت علائقي كثيرة مع أشهر أسرات باريس وغيرها من الأسرات العريقة بالنسب، كعائلة الدوق دي ساندريرا الإسباني، فإن هذا الدوق من عظماء الإسبان وليس له سوى فتاة في نضارة العمر، وهي التي سترث أمواله التي لا تحصيها أقلام الحاسبين.

Bilinmeyen sayfa