وبينما كانت باكارا عند المركيزة، كان السم قد أثر بشاروبيم فجعل يبوح للكونت أرتوف بجميع أسرار حياته وهو يضحك ويتعب شأن السكارى، ودام على ذلك مدة ساعة إلى أن باح بجميع مكنونات فؤاده، ثم استحال هذا الزهو والسرور إلى انقباض شديد عقبه نزاع أليم وصراخ شديد، فما طال به الأمر حتى سقط صريعا على الأرض، فعلم الكونت أن الفتاة اليهودية قد صدقت بجميع ما قالت، وأن الزجاجة لم يكن عطرها غير سم هائل .
فلما عادت باكارا والمركيزة وعلمتا من الكونت أن شاروبيم قد مات من السم، قالت باكارا للمركيزة: إننا قد صفحنا عن حياته، ولكن الله أراد أن يرميه بالفخ الذي كان يريد لي الموت فيه، فلنستغفر الله.
ثم ركعتا بالقرب منه وجعلتا تصليان عن نفس هذا الأثيم المنكود.
48
تركنا المركيز فان هوب في الغرفة التي خبأه فيها فانتير خادم الأرملة، فأقام فيها متربصا وبيده المسدس لقتل امرأته التي كان هائما بحبها منذ اثني عشر عاما، فكان يحس بالعرق البارد ينصب من جبينه حين يسمع أقل حركة بالقرب منه.
وقد خطر له لفرط ما أصابه من العذاب أن يقتل نفسه، ولكنه تراجع عن هذا القصد لاعتقاده أنه يخدم امرأته وعشيقها أجل خدمة بانتحاره، إذ تتزوج به بعد موته. فهاجت بصدره الغيرة حتى عول قتل الاثنين.
ودقت الساعة الثامنة، وهو الأجل المضروب، ولم تحضر حتى فرغ صبره، وعزم على الخروج من مخبأه، فسمع أن الباب قد فتح، ونظر من ثقب باب الغرفة التي هو فيها، فرأى امرأة علم من ملابسها أنها خادمة المنزل.
وكانت هذه الخادمة فاني، وقد أدخلها أندريا في خدمة الأرملة لأنها كانت منخرطة في سلك العاصبة، فجلست تلك الخادمة على كرسي بالقرب من باب الغرفة المختبئ فيها المركيز وجعلت تناجي نفسها بصوت يسمعه المركيز، وبلهجة المتأففة المغضبة، فتقول: أف لهذه الخدمة ما أتعبها وما أكثر مشاقها! فإنه إذا كانت هذه الأرملة تمتهن شر المهن فإني أمتهن أيضا أشدها تعبا، وذلك لأني أضطر أن أنتظر على الباب ساعة كل ليلة، وماذا علي الآن إذا ذهبت، فإن هذه المركيزة قد تعرف أن تدخل وحدها، فقد كاد يقتلني البرد.
فأجفل المركيز وعض شفتيه من الغيظ، لأنه علم أن سر امرأته بات مضغة في فم خادم وخادمة، فذهب من فؤاده كل حنو لامرأته وعزم على قتلها بفظاعة منكرة، وفيما هو على ذلك فتح الباب ودخلت امرأة فقالت: هي ذي المركيزة.
ولكنها ما لبثت أن رأتها حتى تراجعت منذعرة إلى الوراء، وكادت تسقط من الخوف.
Bilinmeyen sayfa