فتنهدت باكارا وقالت: نعم، هو بعينه، وإني أحبه أكثر مما تحبين أنت ليون، وقد رأيته ثلاث مرات من هذه النافذة فلم يعرني انتباها، ولم يتدان إلى النظر إلي، أنا التي ينطرح على قدميها أصحاب الملايين.
وأنا لا أحضر إلى هنا إلا لأراه، وأنت ترينني كيف أنتفض عند ذكره انتفاض العصفور بلله القطر، وهو غير عالم بحال قلبي، وبما يكابده من الصبابة، وأخشى إذا طال بي الأمر أن أكتب إليه أو أذهب إلى منزله، فأركع أمامه وأقول: فرناند ألا تعلم أني أحبك؟
ثم مسحت الدمع عن خديها وهو يتساقط كاللؤلؤ، وقالت: أليس من العار على المرأة أن تستسلم لرجل لا تعرف اسمه ولا شيئا من أمره، وتألف السهاد في حبه، فإذا نامت لا تحلم إلا به، ولا يتملل لعينيها سوى خياله؟
نظرت إليها سريز نظرة العجب، وقد أنكرت صدور مثل هذه العواطف عن أختها. - أنت تحبين إلى هذا الحد؟ - نعم، وإني أكاد أجن بهواه، وها أنا منذ ساعة عندك ونظري لا يحول عن النافذة، وقلبي شديد الخفوق، أليس هو بمنزله الآن؟ - إنه يرجع إلى منزله في الساعة الثانية. - حدثيني عنه يا سريز، وقولي لي من هو هذا الرجل؟ وماذا يشتغل؟ وكيف تعرفينه؟ - عرفني به ليون. - كيف ذلك؟ - إنه اشترى أثاث منزله هذا من المعمل الذي يعمل فيه ليون، وهو الذي فرشه، وقد عرف ليون في عسر مالي فساعده، والتحمت بينهما عرى الصداقة، ثم عرفني به، وأكثر الأحيان يسلم علي من نافذته. - إذن هو أعزب؟ - نعم. - ألا ترين أحدا يزوره؟ - كلا. - إذن فسيحبني كما أحبه.
وفيما هي تقول ذلك إذ فتحت النافذة وأطل منها فرناند، فاختبأت باكارا خلف أختها، وقالت لها: هذا هو.
فجعلت سريز تحرك روافد نافذتها حتى استلفتت أنظار فرناند، فسلم عليها، ثم أظهر انذهاله لما رأى أختها وراءها، وأنها تشبهها مشابهة تامة، فقالت له سريز: هذه هي أختي.
فانحنى فرناند مسلما عليها، أما باكارا فإنها انحنت على أذن أختها وتوسلت إليها أن تدعوه.
وقد أثر توسلها على فؤاد سريز بما أنساها موقفها وخطورة هذا السلوك، فأشارت إلى فرناند ودعته إلى الحضور إليها، فشكرها واعتذر عن عدم تمكنه من قبول هذه الدعوة؛ لاضطراره إلى الذهاب إلى مكتبه، ثم سلم مودعا وأغلق النافذة.
فقالت باكارا: إنه سيذهب ولا ريب إلى زيارة امرأة، ولكني سأعلم أين يذهب، وسأكون شديدة الغيرة من هذه المرأة، كثيرة الحنق عليها. - وبأي حق تغارين؟ فإن فرناند لا هو زوجك ولا محب لك. - سيصير أحد الاثنين. - أتتزوجين به؟
فهزت باكارا كتفيها وسكتت، فقالت سريز: أذكر أن ليون قال لي إن فرناند عازم على أن يتزوج. - فرناند يتزوج؟ - نعم، وماذا يمنعه؟ - يمنعه أني لا أريد أن يتزوج. - وبأي حق؟
Bilinmeyen sayfa