فقال بستيان وقد طار فؤاده شعاعا لهذا الخبر: أيها التعيس، إذا أحببت أن ترى ابنك، وأن لا يدنس اسمك بما عندي من البراهين، فأرجع تلك الثروة التي تتمتع بها إلى ذلك الشاب، واكتب بيدك أنك سرقتها منه، وأنا أجده. - لا حاجه إلى ذلك؛ إذ لا يحق لي أن أرث أرمان دي كركاز إذا كان ابنه حيا، فما عليه إلا أن يظهر حقيقة مولده، فيرجع إليه الشرع ذلك المال. - ذلك لا ريب فيه، ولكن كيف يتسنى له أن يثبت كونه ابن كركاز؟
فأشار فيليبون بيده إلى صندوق أمامه، وقال: إني لما رأيتني على فراش الموت تذكرت سابق أيامي، فندمت على ما فرط مني، وكتبت تاريخ ذنوبي مضيفا إليه جميع الأوراق التي تثبت نسب أرمان؛ ليكون هذا الإقرار كفارة عن ذنبي.
فأخذ بستيان الصندوق، وأعطاه لفيليبون ففتحه بيد ترتجف، وأخذ منه ملفا من الورق فأعطاه لبستيان.
أما بستيان، فإنه أخذه والفرح ملء فؤاده، وقال: طب نفسا فسأجد الولد، والآن فإني أسامحك عما أذنبت به إلي، وسترى ولدك.
ثم تركه وانصرف فركب في مركبة، وقال للسائق: أسرع إلى فندق بيكال. (وهو المنزل الذي كانت فيه حفلة الرقص.)
وبقي فيليبون وحده يقاسي ألم النزاع وهو يلتهب شوقا لرؤية ولده، فلم يمر على انتظاره ساعة حتى فتح الباب ودخل أندريا وهو بالملابس التي وصفناها، وكأنما الله اراد أن ينهي حياة هذا المجرم بالعذاب، فإنه لم يكد يرى ابنه بملابس الرقص حتى أدار وجهه إلى جهة الحائط، فتأوه وأسلم الروح قبل أن يتمكن ابنه من الوصول إليه.
فأخذ أندريا يده فلقيها باردة، فوضع يده على قلبه فوجده بغير حراك، فابتسم وقال: ها قد مات أخيرا، وصارت لي وحدي تلك الأموال.
ولم يكد يتم عبارته حتى فتح الباب ودخل منه اثنان، أحدهما بستيان والآخر أرمان، فنظر إليه بستيان شذرا، وقال: إن هذه الأموال ليست لك، بل لك السجن الذي ينتظره أولاد مثل أبيك أيها التعس، فاعلم الآن أيها الفيكونت، أن أباك قد قتل زوج أمك الأول، ثم رمى بأخيك الأكبر إلى البحر وهذا هو أمامك. أما أبوك، فقد ندم وهو على فراش الموت على ما اقترفه من الذنوب، فأرجع الأموال المسلوبة إلى صاحبها، وأما أنت فلست الآن في منزلك، بل في منزل أرمان دي كركاز؛ فاخرج من هنا.
فنظر أندريا نظر الباهت المنذهل إلى أرمان، فأخذه أرمان ومشى به إلى شرفة تطل إلى الطريق فقال: انظر إلى باريس التي أردت أن تستخدم ثروتك بها لإغراء النساء وإضلال الرجال، أما أنا وقد رجعت إلي تلك الثروة، فسأنفقها لخير الأعمال، فاخرج الآن من هنا فإني سأجتهد أن أنسى كوننا ابني أم واحدة، كي لا أذكر إلا ذنوبك وتلك المرأة التي قتلتها، فاذهب من هذه المدينة واحذر أن أراك.
فمشى أندريا، وقد شعر بالغلبة، إلى أن بلغ الباب، فالتفت إلى أخيه وقال: إن الأيام بيننا، فإذا أردت أن تكون مثال الفضيلة، فسأكون رسول جهنم على الأرض، وستكون باريس معترك القتال.
Bilinmeyen sayfa