وكان هذا حاله منذ شهر حتى بات لهزاله كالخيال، فكان يقضي جميع مهامه الرئيسية على استفحال مرضه، ولكنه لا يفرغ من قضاء هذه المهام حتى يشعر أن التعب قد أضنكه وأنهك قواه.
وكان في خلال مرضه إذا اعتدلت الحرارة خرج من الدير متنزها إلى دكان داغوبير، فيجلس عنده وهو يتأمل محاسن تلك الفتاة، فيعود إلى تذكار الماضي وتتقد عيناه ببارق الشباب، ثم يطرق برأسه ويبتسم ابتسام السويداء.
وفي ذلك اليوم كان الطقس معتدلا فكان داغوبير يرجو أن يزوره الرئيس، ولكنه انتظر عبثا إلى أن حانت الساعة الرابعة، فجاءه أحد الرهبان وقال له: إن المرض قد اشتد بالرئيس وهو يدعوك إليه لشأن خطير.
فامتثل داغوبير وذهب مع الراهب إلى غرفة الرئيس، فأشار الرئيس إلى الراهب بالانصراف وبقي وحده مع داغوبير، فبدأ الأب جيروم الحديث وقال له: إني أشعر بضعف شديد، ولكني أعرف أعراض هذا الداء وما أنا في خطر منه، غير أني دعوتك إلي يا بني لأحدثك بشأن خطير فاجلس بجانبي.
فجلس داغوبير وقال له: مر يا سيدي بما تشاء.
فقال له الرئيس: لا بد أن تكون علمت بأني أريد محادثتك بشأن حنة.
فأطرق داغوبير برأسه وقال: نعم. - إن هذا الداء الذي ألم بي حمى بطيئة سرت إلي عدواها في زمان الشباب من بلاد بعيدة، حين كنت جنديا، ثم عاودتني الآن بعد أعوام كثيرة.
وقد عاودتني مرة منذ خمسة عشر عاما، وكنت راهبا في هذا الدير فلزمت الفراش ستة أشهر، ولكني كنت راهبا بسيطا في ذلك العهد فلم ينتبه لأمري أحد.
أما الآن فإن جميع الأنظار متجهة إلي، وأرى كثيرين من الطامعين في منصبي ينتظرون موتي بفارغ الصبر.
فإن الطمع يدخل في نفوس رجال الدين كما يعلق بسواهم من الناس، فإن الإنسان إنسان كيفما كان.
Bilinmeyen sayfa