حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
ولكنه كان يزدني جفاء في كل يوم، وآخر ما كان منه أنه علق ببائعة زهر لقيها على باب أحد المراسح فشنفت قلبه، وانقطع اليها حتى سئمت الحياة، وعزمت عزما ثابتا على الهرب، ولكن كيف أفر؟ وإلى أين؟
6
ولا بد لي قبل أن أذكر لك أمر فراري أن أوضح لك شيئا عن أخلاق هذا الرجل وشراسته، فمن ذلك أنه اختصم يوما مع ضابط نمساوي فآل بهما الأمر إلى المبارزة.
وكان من شروط المبارزة أن يكون لكل من المتبارزين الحق بالإطلاق على خصمه متى شاء، فأطلق الضابط أولا فلم يصبه، فصرخت الشهود بأندريا كي يطلق النار، ولكنه لم يصغ إليهم بل تقدم إلى خصمه - وقد أيقن من فراغ غدارته - حتى صار منه على قيد خطوة، فوقف الضابط مكتوف اليدين باسم الثغر، ولكن ذلك اللئيم لم يتأثر لتلك البسالة، بل تقدم منه أيضا إلى أن وضع غدارته بصدره، وقال: إنك لا تزال بريعان الشباب، وسيكون حزن أمك عليك شديدا.
ثم قهقه ضاحكا وأطلق عليه الرصاص، فسقط المسكين يخبط بدمائه.
وقد كان مولعا بالقمار وفاتحا منزله للمتقامرين، فكان كثير التوفيق يربح في كل يوم أرباحا عظيمة، ولكن حظ المقامر لا يدوم ولا يثبت على حال.
وقد اتفق يوما أنه خسر مبالغ طائلة أربت على كل ما ربحه، فانصرف جميع المدعوين، ولم يبق منهم إلا البارون سبولتي، وهو كثير العناد في اللعب شديد الحظ فيه، فأقام يلعب وحده مع أندريا.
وكان أندريا قد امتقع وجهه، وأخذ العرق البارد يتصبب من جبينه؛ لفرط ما خسر في تلك الليلة المشئومة، فكان يلعب بحدة ويأس، بعكس البارون الذي كان يلعب بمنتهى البرود كمن هو واثق من حظه.
وكان قد ذهب أكثر الليل فلم يبق أمام أندريا سوى ورقة واحدة بألف فرنك فخسر، ولما لم يعد لديه شيء، وأحس بعزم البارون على الانصراف قال له: أيها البارون إن الدراهم قد نفدت مني، ولكن أبي وافر الغنى، وإني أريد أن تلاعبني على الشرف بمائة ألف ريال فقط.
Bilinmeyen sayfa