فلما رأى الرئيس داخلا إليه اصفر وجهه، ولم يجسر أن يسأله عن شيء.
فقال له الأب جيروم: أين هي الفتاة؟
فأجابه بصوت مضطرب: إنها فوق، في الغرفة. - ألا تزال نائمة؟ - نعم.
فصعد الرئيس السلم المؤدي إلى تلك الغرفة، وتبعه داغوبير وقلبه يخفق خفوقا شديدا، فإن قلبه ما حن في حياته على أحد حنوه على هذه الفتاة.
ووصل الرئيس إلى الغرفة فوقف عند بابها كأنه لا يجسر على الدخول، ثم مشى إلى ذلك السرير الذي كانت نائمة عليه وهي لا تزال تبتسم وتحلم خير الأحلام.
فما لبث أن تمعن في وجهها الصبوح حتى تجهم وجهه.
ولعله رأى أن البنت تشبه الأم فاضطرب هذا الاضطراب، ولكن عواطف الكاهن انتصرت على عواطف الرجل، فأشار إلى داغوبير كي يدنو منه، ثم قال له همسا: لعلك تشفق على هذه الفتاة وتريد لها الخير؟ - إني أسفك دمي من أجلها. - إنك رجل طاهر القلب يا داغوبير، ورجائي أن تقضي المهمة التي انتدبتك إليها بشأن هذه الفتاة.
فارتعش داغوبير وقال: دون شك يا سيدي فمر بما تشاء. - إن هذا الفارس الذي جاءك بها وقرع باب الدير دون فائدة يجهل بلا شك نظام الدير، ولكنك تعلم أن النساء لا يدخلن إلى ديرنا ولو كن في عهد الحداثة. - نعم يا سيدي إني أعرف هذا النظام. - ومع ذلك فإن هذا الفارس الذي بعد الآن عنا وقد لا يعود عهد إلي بالعناية بهذه الفتاة، وسافر وله بي ملء الثقة، فهل تجد نفسك خليقا بأن تحبها كما تحب أختك لو كان لك أخت؟ - دون شك يا سيدي، بل أحبها كما أحب نفسي وأحنو عليها حنان الأمهات على الرضيع. - أتتعهد بحمايتها وبالدفاع عنها حين الاقتضاء؟ - لقد قلت لك يا سيدي، إني منذ بضع ساعات لم أكن أعرفها أما الآن فإني أسفك دمي من أجلها. - إذن فاعلم الآن أن منزلك قد بات منزلها، فإني عهدت بها إليك.
ثم أعطاه محفظة الأوراق المالية والخاتم، فأشار إلى الموضع الذي يفتح في الخاتم وقال له: إني أصبحت كهلا عرضة للموت في كل حين، فإذا مت فافتح هذا الخاتم تجد فيه ورقة مطوية، تبدو لك لأول وهلة أنها بيضاء لا كتابة فيها، فإذا عرضتها لحرارة شمعة ظهرت الكتابة جلية وقرأت جميع ما تحتويه، فعلمت أنه لا بد لك من السفر في خدمة الفتاة إذا كنت في ذلك الحين فارقت الحياة.
فأخذ داغوبير المحفظة والخاتم فوضعهما في خزانته؛ حيث يضع ما يقتصده من الأموال وعاد إلى الرئيس.
Bilinmeyen sayfa