غير أنه يعلم سر الكتابة المخفية التي كانت شائعة في ذلك العهد، فأدنى الورقة البيضاء من نور الشمعة وصبر قليلا، فظهرت كتابة دقيقة بحروف سوداء، فقرأ فيها ما يأتي:
عزيزي موري
أول ما أبدأ به سؤالك المعذرة عما أثقل به عليك بعد انقطاعك عن العالم وانصرافك إلى خدمة الله، وإنما كتبت لك هذه السطور لما كنت أخشاه من استحالة الاجتماع بك.
لقد مضى على افتراقنا أيها الصديق عشرون عاما، ولكن مهما بلغت من العزلة والانقطاع إلى الله، فإنك لا تنسى ذلك الصديق القديم.
ألم نحب حبا واحدا ونتعذب عذابا واحدا، غير أنك لجأت إلى الدير فأمنت الشقاء وبقيت أنا عرضة للعواصف.
وها أنا آتي اليوم إلى أخي بالسلاح، ذلك الصديق القديم الذي اتشح الآن بثوب الرهبان فأقول له: هلم أيها الأخ لمساعدة أخيك، تعال أيها الصديق لنصرة صديقك.
إنك أردت أن تنسى الماضي فهربت منه ولكنه تبعك، وأنا الآن أسألك أيها الصديق، باسم الصداقة القديمة وباسم تلك التي أحببناها سوية أن ترأف بهذه الفتاة التي لا نصير لها سواي في هذا الوجود، ولكن حين تقرأ هذه السطور أكون قد برحت هذه البلاد فلا يبقى للفتاة سواك.
إني مسافر إلى البلاد الأميركية، ولا أعلم إذا كنت أعود منها، أما هذه الفتاة التي أستودعك إياها فإن جميع الناس يعتقدون أنها ميتة، وهذه خير وسيلة لإنقاذها من الموت.
إنك سترى بعد ساعة على بعد ثلاث مراحل من الدير الذي تقيم فيه قصرا يحترق لا يدركه أهل النجدة إلا وقد التهمته النار.
وغدا يقول الناس الذين شاهدوا الحريق إن صاحب هذا القصر وامرأته وابنته البالغة من العمر تسعة أعوام قد ماتوا بالنار، فدعهم أيها الصديق يقولون هذا القول ولا تكذب موت الفتاة، فإنها تلك الفتاة التي ائتمنتك عليها وهي «ابنتها»، ولا حاجة لي أن أخبرك بشقاء تلك الأسرة، التي طالما أخلصنا لها وسفكنا في سبيلها دمنا، فإنك خبير به مثلي.
Bilinmeyen sayfa