كتاب الطهارة
Sayfa 129
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
(كتاب الطهارة) (وأركانه أربعة):
(الأول (1): في المياه) جمعه باعتبار تعدد أفراده، والمراد بها الأعم من الحقيقة والمجاز (والنظر في المطلق والمضاف والأسئار. أما المطلق) وهو ما يستحق إطلاق الاسم من دون توقف على الإضافة، ولا يخرجه عنه وقوع التقييد بها في بعض الأفراد (فهو) مطلقا (طاهر) في نفسه (مطهر (2)) له ولغيره بالكتاب والسنة والاجماع، قال الله تعالى: " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " (3) وقال أيضا: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " (4).
والمناقشة فيهما بأخصيتهما من وجهين (5) من حيث إن الماء فيهما مطلق فلا يعم جميع مياه السماء مع اختصاصهما بمائها فلا يعمان غيره، فلا يعمان المدعى مدفوعة (6) بورودهما في مقام الامتنان المناسب للتعميم - كما صرح به جمع - مضافا
Sayfa 130
إلى عدم القول بالفصل، فيندفع به أحدهما ويندفع الآخر بالاجماع المزبور وبما (1) يستفاد من الكتاب والسنة من كون مياه الأرض بأجمعها من السماء، صرح به الصدوق في الفقيه (2) وغيره. قال الله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون " (3) وروى القمي في تفسيره عن مولانا الباقر - عليه السلام - قال: " هي الأنهار والعيون والآبار " (4) وقال تعالى أيضا: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه " (5) وقال تعالى أيضا: " هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر " إلى قوله: " ينبت لكم به الزرع " (6) فتأمل.
وفي الأخير بعدم جواز حمل الطهور على بابه من المبالغة في أمثاله: بناء على أن المبالغة في " فعول " إنما هي بزيادة المعنى المصدري فيه ك " أكول " وكون الماء (7) مطهرا لغيره أمر خارج عن أصل المعنى، فلا بد أن يكون بمعنى الطاهر مدفوعة أيضا، إما بكون المراد منه المعنى الاسمي، أي " ما يتطهر به " الذي هو أحد معانيه، كما هو المشهور بين أهل اللغة - نقله جمع من الخاصة والعامة - وإن احتيج في وصفه به حينئذ إلى نوع تأويل. أو بكونه بمعنى " الطاهر المطهر " كما هو المصرح في كتب جماعة من أهل اللغة، كالفيومي وابن فارس - عن ثعلب - والأزهري وابن الأثير. ونقل بعض: أن الشافعية نقلت ذلك
Sayfa 131
عن أهل اللغة، ونقله عن الترمذي وهو من أئمة اللغة. ويستفاد من الأول كون الأكثر عليه. بل وعن الشيخ كونه متفقا عليه بين أهل اللغة، قال: وليس لأحد أن يقول: إن الطهور لا يفيد في لغة العرب كونه مطهرا، لأنه خلاف على أهل اللغة، لأنهم لا يفرقون بين قول القائل: " هذا ماء طهور " و " هذا ماء مطهر " (1) ثم دفع القول بعدم كونه بمعناه - من جهة عدم تعدية اسم فاعله والمتعدي من الفعول في لغة العرب مستلزم لكونه فاعله كذلك - بعدم الخلاف بين النحاة في أنه موضوع للمبالغة وعدم حصول المبالغة على ذلك الوجه لا يستلزم عدم حصولها بوجه آخر، والمراد هنا باعتبار كونه مطهرا.
وبما ذكرنا يظهر ما في الاعتراض عليه بأنه إثبات اللغة بالترجيح، وذلك لأنه اعتمد حقيقة على اتفاق أهل اللغة، وإنما ذكر ذلك تعليلا بعد الورود، وغرضه في ذلك الرد على أبي حنيفة لانكاره ذلك معللا بما ذكر (2).
وإنكار وروده في كلام أهل اللغة بهذا المعنى - كما وقع لجماعة من متأخري الأصحاب - لا وجه له بعد ملاحظة ما ذكرنا، وخصوص صحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام - قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا، الحديث (3). مضافا إلى قولهم عليهم السلام - في تعليل الأمر بالتيمم: جعل الله التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (4).
ومما ذكرنا ظهر الدليل على أصل المطلب من جهة السنة. مضافا إلى قول مولانا الصادق - عليه السلام - فيما رواه المشايخ الثلاثة: الماء كله طاهر حتى
Sayfa 132
تعلم أنه قذر (1).
وهذه الأدلة سوى الأخير عامة في ما ذكرنا من المطهرية لنفسه ولغيره.
إلا أنه ورد في بعض الأخبار: أن " الماء يطهر ولا يطهر " وهو مع الضعف بالسكوني - على الأشهر - وعدم المقاومة لما تقدم قابل للتأويل القريب، بحمله إما على أنه لا يطهره غيره، أو على حصول التطهير له مع بقائه على حاله، وهو في تطهيره به مفقود.
والمراد بمطهريته أنه مطلقا (يرفع الحدث) وهو الأثر الحاصل للانسان عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل المانع من الصلاة المتوقف رفعه على النية (ويزيل الخبث) مطلقا وهو النجس - بفتح الجيم - مصدر قولك: نجس الشئ ينجس فهو نجس (بالكسر) بالنص والاجماع.
(وكله) حتى ما كان عن مادة توجب عدم الانفعال بالملاقاة (ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه) الثلاثة المعروفة - أعني اللون والطعم والرائحة - بالاجماع والنصوص المستفيضة العامية والخاصية، دون غيرها - كالحرارة والبرودة - بلا خلاف عندنا على الظاهر، تمسكا بالأصل والعمومات واختصاص ما دل على التنجس به بما تقدم.
ويظهر من بعض نوع تردد في حصول النجاسة له بالتغير اللوني (3) لما تقدم واختصاص النصوص بما سواه. وهو ليس في محله، للاجماع ووقوع التصريح به في النبوي (4) المشهور المعتضد ضعفه في المقام بالاجماع وغيره من المعتبرة.
Sayfa 133
منها: الصحيح المنقول عن بصائر الدرجات عن الصادق - عليه السلام وفيه: وجئت تسأل عن الماء الراكد، فما لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة - قلت:
فما التغيير؟ قال: الصفرة - فتوضأ منه (1).
ومنها: الرضوي، وفيه: كل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات، إلا أن يكون فيه الجيف فتغير لونه وطعمه ورائحته، فإذا غيرته لم يشرب منه ولم يتطهر (2).
ومنها: رواية العلاء بن الفضيل عن الصادق - عليه السلام - عن الحياض يبال فيها؟ قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول (3).
واحترز با لاستيلاء عن المجاورة وبالنجاسة عن المتنجس، وهو كذلك على الأشهر الأظهر، لما تقدم. خلافا لمن شذ في الأخير، ولعله لعموم النبوي.
وضعفه بعد ضعف السند وعدم الجابر في المقام ظاهر، فتأمل. ولكنه أحوط.
وهل التغير التقديري كاف أم لا بد من الحسي؟ الأكثر على الثاني، للأصل والعمومات، وكون المتبادر من " التغيير والغلبة " في الأخبار الحسي تبادرا حقيقيا أو اطلاقيا. وقيل: بالأول (4)، وهو شاذ ومستنده مضعف، والاحتياط معه غالبا.
ولا فرق في ذلك بين حصول المانع من ظهور التغير - كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر أحمر دم مثلا - وعدمه، كما إذا توافق الماء والنجاسة في الصفات.
وقول البعض: بالفرق (5) لا وجه له، فتأمل.
وعلى الأول يشترط بقاء الاطلاق وعدم حصول الاستهلاك، وأما مع
Sayfa 134
عدمها فنجس قولا واحدا، كما صرح به بعض الأصحاب (1). وليس بمطهر مع فقد الأول خاصة قطعا. وفي زوال طهارته حينئذ احتمال مدفوع بالأصل السالم عن المعارض، لتعارض الاستصحابين من الجانبين. ومراعاة الاحتياط أولى.
(ولا ينجس الجاري منه) وهو النابع عن عين بقوة أو مطلقا ولو بالرشح، على إشكال في الأخير (بالملاقاة) للنجاسة مطلقا، ولو كان قليلا على الأشهر الأظهر، بل عن ظاهر الخلاف (2) والغنية (3) والمعتبر (4) والمنتهى (5) الاجماع عليه، وربما أشعر به عبارة الذكرى (6) والدليل عليه بعده الأصل وعموم قوله - عليه السلام -: " كل ماء طاهر " (7) وخصوص الصحيح في البئر: ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه، لأن له مادة (8).
والتمسك به إما بناء على رجوع التعليل إلى الحكمين فيه - كما هو الظاهر - أو بناء على ثبوت الأولوية لعدم تأثر الماء با لملاقاة من جهة المادة لو اختص بالرجوع إلى الأخير، لظهور أنها لو صلحت لرفع النجاسة الثابتة للماء بالتغير، فصلوحها لدفعها ومنعها عن التأثر بالملاقاة أولى، فتأمل.
ويخرج ما قدمناه من الأدلة على طهورية الماء شاهدا عليه. مع سلامة الجميع عما يصلح للمعارضة، بناء على عدم عموم فيما دل على نجاسة القليل
Sayfa 135
واشتراط الكرية في الماء، لفقد اللفظ الدال عليه. وغاية ما يستفاد منه الاطلاق والمقام غير متبادر منه، مضافا إلى عدم شيوع القليل منه وما هو مورد للترديد بالكر وعدمه في زمان الصدور.
ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بالحاقه بالراكد، كما نسب إلى العلامة (1) والسيد في الجمل (2) ومستنده.
(ولا) ينجس (الكثير من) الماء (الراكد) أيضا في الجملة إجماعا للأصل والعمومات السالمة عن المعارض وخصوص ما يأتي في القليل من المعتبرة، ومطلقا على المشهور بل كاد أن يكون إجماعا. خلافا لمن شذ حيث خص ذلك بما عدا مياه الأواني والحياض، لعموم النهي عن استعمال ماء الأواني. وهو مع كونه أخص من المدعى معارض بعموم ما دل على عدم انفعال الكر مطلقا، وهو أقوى، لقوة احتمال ورود الأول على ما هو الغالب في مياه الأواني من نقصها عن الكر. ومع التساوي فالترجيح لجانب الأول يحتاج إلى دليل، مع أن الأصول والعمومات الخارجة على ترجيح الثاني أوضح دليل.
هذا، مع أن المفيد الذي نسب إليه هذا القول عبارته في المقنعة (3) وإن أوهمت ذلك، إلا أن ورودها - كمستنده - مورد الغالب محتمل، بل لعله ظاهر، كما فهمه تلميذه الذي هو أعرف بمذهبه في التهذيب (4)، ولا يبعد أن يكون غيره كذلك.
ثم إنه هل يعتبر في عدم الانفعال تساوي سطوح الماء؟ أم يكفي الاتصال مطلقا؟ أو مع الانحدار خاصة دون التسنيم؟ احتمالات بل أقوال خيرها
Sayfa 136
أوسطها، إما بناء على اتحاد الماءين عرفا وإن تغايرا محلا فيشمله عموم ما دل على عدم انفعال الكر، أو بناء على عدم العموم فيما دل على انفعال القليل نظرا إلى اختصاص أكثره بصور مخصوصة ليس المقام منها وظهور بعض ما لم يكن كذلك في المجتمع وعدم ظهور غيره في غيره بحيث يشتمل المفروض، فيسلم حينئذ الأصل والعمومات المقتضية للطهارة بحالها.
وما استدل به للأول: من ظهور اعتبار الاجتماع في الماء وصدق الوحدة والكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمنة لحكم الكر اشتراطا أو كمية وتطرق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة في كثير من الصور، منظور فيه.
أولا: بأن ظهور اعتبار الاجتماع مما ذكره ليس ظهورا بعنوان الاشتراط وإنما الظهور نشأ عن كون مورده ذلك، وهو لا ينافي ما دل على العموم الشامل لغيره.
وثانيا: بأن ظهور الاجتماع وصدق الوحدة والكثرة عرفا أخص من التساوي الذي اعتبره، لصدق المساواة باتصال مائي الغديرين مع عدم صدق الأمور المذكورة عليه عرفا ، فلا يتم المدعى.
وثالثا: بأنه كما دل على اعتبار ما ذكر في الكر منطوقا فانقدح منه اعتبار المساواة فيه، كذا دل على اعتباره فيما نقص عنه وينقدح منه اختصاص التنجس بصورة الاجتماع دون ما إذا اتصل بما يصير معه كرا، فيكون المفروض حينئذ خارجا عن عموم ما دل على تنجيس القليل، فيتعين فيه القول بالطهارة، للأصول السليمة عن المعارض.
وما ذكرناه من الوجه لعدم اعتبار المساواة وإن اقتضى إلحاق ما يشابه المفروض من القليل في الحكم، إلا أن ثبوت التنجس في المجتمع منه يوجب ثبوته فيه بطريق أولى، مضافا إلى الاتفاق على نجاسة القليل بأقسامه.
(وحكم ماء الحمام) أي ما في حياضه الصغار ونحوها في عدم الانفعال
Sayfa 137
با لملاقاة (حكمه) أي الجاري أو الكثير (إذا كانت له مادة) متصلة بها حين الملاقاة، بالاجماع منا على الظاهر والمعتبرة.
منها: الصحيح، عن ماء الحمام؟ فقال: هو بمنزلة الجاري (1).
ومنها: ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة (2). ومثلها الرضوي (3).
ومنها: ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا (4).
ومنها: ماء الحمام لا ينجسه شئ (5).
ومطلقها يحمل على مقيدها، وقصور الاسناد فيما سوى الأول منجبر بالشهرة.
وفي اعتبار الكرية في المادة خاصة (6) كما نسب إلى الأكثر أو مع ما في الحياض مطلقا كما نسب إلى الشهيد الثاني (7) أو مع تساوي سطحي المادة وما في الحوض أو اختلافهما با لانحدار ومع عدمهما فالأول كما اختاره بعض المتأخرين وربما نسب إلى العلامة جمعا بين كلماته في كتبه (8) أو العدم مطلقا كما هو مختار المصنف (9) أقوال، ما عدا الأخير منها مبني على ما تقدم من الاختلاف في اعتبار تساوي السطوح في الكثير وعدمه، وحيث قد عرفت عدم الاعتبار ظهر لك صحة القول الثاني، فيتحد حينئذ حكم
Sayfa 138
المفروض مع غيره، كما نسب إلى الأكثر. ومستنده الأخير إطلاق ما تقدم من الأخبار. وهو ضعيف، لفقد ما يدل فيه على العموم، وضعف دلالته الاطلاق عليه من حيث قوة احتمال وروده مورد الغالب، وهو زيادة مواد الحمامات عن الكر غالبا .
ثم إن هذا لدفع النجاسة عن مياه الحياض. وأما لتطهيرها لو انفعلت بالملاقاة، فلا، بل لا بد في المادة من اعتبار الكرية بلا خلاف حتى من المصنف (1)، على ما قيل.
وهل يكفي مقدار الكر فيها؟ أم لا بد فيها من الزيادة بمقدار ما يحصل الامتزاج لما في الحياض؟ قولان مبنيان على الاختلاف في اعتبار الامتزاج بالماء الطاهر في تطهير القليل أو الاكتفاء بمجرد الاتصال، ولا ريب أن الأول أحوط وأولى لو لم نقل بكونه أقوى. وابتناء القول الأول على الثاني دون الأول مبني على ما هو المشهور: من اعتبار الدفعة العرفية، وأما مع عدم اعتبارها - كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا بناء على عدم الدليل عليها - فيكفي مقدار الكر فيها ولو قلنا بالأول، كما لا يخفى، وهو غير بعيد. والله العالم.
وفي نجاسة ماء الحياض بالملاقاة حين الاتصال بالمادة مع الشك في كريتها بناء على اعتبارها فيها خاصة أو مع ما في الحياض وجهان، بل قيل: قولان (2).
وينبغي القطع بالطهارة لو طرأ الشك بعد تيقن الكرية فيها لاستصحابي (3) بقاء الطهارة والمادة على الكرية وعمومي الأصلين البراءة و " كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر " (4). ولو طرأ بعد تيقن نقصها من الكر بكثرة مجئ
Sayfa 139
الماء إليها فلا يبعد ذلك، لتعارضهما من الجانبين، فيبقى الأصلان سالمين عن المعارض. ومنه يظهر الحكم فيما لو طرأ مع فقد اليقينين.
وأما لو انفعل ما في الحوض ثم اتصل بالمادة المزبورة المشكوك كريتها، فالأقرب البقاء على النجاسة لاستصحابها السليم عن المعارض وإن احتمل الطهارة أيضا في الجملة، بمعنى عدم تنجيسه ما يلاقيه بامكان وجود المعارض من جانب الملاقي الطاهر لمثله، إلا أن الظاهر كون الاستصحاب الأول مجمعا عليه.
(وكذا) حكم (ماء الغيث) مطلقا (حال نزوله) من السحاب حكم الجاري في عدم الانفعال إذا جرى من ميزاب ونحوه إجماعا ظاهرا حتى من المعتبر للكرية فيه (1) وعبارته في بعض كتبه وإن أوهمت في بادي النظر خلافه وإلحاقه بالجاري مطلقا، إلا أن عبارته فيما بعدها تدفع ذلك وتنبئ عن صحة ما ذكرناه. وكذلك إذا لم يجر على الأشهر، للأصل، واختصاص ما دل على الانفعال بغير موضع النزاع، وللمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: عن رجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه، هل يصلي قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه ولا رجليه، ويصلي فيه ولا بأس (2).
وفي آخر: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب؟
فقال: لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر منه (3).
وفي المرسل: كل شئ يراه المطر فقد طهر (4).
Sayfa 140
خلافا للشيخ في التهذيب (1) والمبسوط (2) وابني حمزة (3) وسعيد (4) لأخبار أخر.
منها: الصحيح، عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس (5). وفي معناه غيره.
ومنها: الحسن، في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك (6). وفي معناه غيره.
وهو ضعيف، لأن اختصاص مورد الثاني بالجاري لا يستلزم اشتراطه، وثبوت البأس في مفهوم الأول مع عدم الجريان أعم من النجاسة، فيحتمل الكراهة. مضافا إلى ضعف الدلالة من وجوه أخر، أظهرها احتمال إرادة الجريان من السماء المعبر عنه بالتقاطر في كلام الفقهاء. ويقوي هذا الاحتمال أن حمل الجريان على ما فهمه الشيخ - من الجريان من الميزاب ونحوه - يوجب خلو ما ذكروه - من اشتراط التقاطر من السماء في عدم الانفعال - من نص يدل عليه، وهو بعيد. ومحصل هذا الجواب إجمال متعلق الجريان، فكما يحتمل ما يستدل به للشيخ فكذا يحتمل ما ذكرنا مما لا خلاف فيه.
وربما يتردد بعض المتأخرين في إلحاقه بالجاري مع ورود النجاسة عليه مع عدم الجريان (7)، التفاتا إلى اختصاص الروايات المتقدمة النافية للبأس عنه بعد
Sayfa 141
الملاقاة بوروده على النجاسة، ولا دلالة فيها على الحكم المذكور مع العكس، فينبغي الرجوع فيه إلى القواعد.
وهو ضعيف بما قدمناه من الأصول وعموم المرسلة وإن تضمن صدرها ما في سابقيها، لعدم تخصيص العام بالمورد الخاص، فتأمل. مع أن قوله - عليه السلام - في الصحيح المتقدم: " ما أصابه من الماء أكثر منه " في حكم التعليل، وظاهره جعل العلة خصوص الأكثرية، ولا يختلف فيها الحال في الصورتين بلا شبهة.
هذا، مع أن الصحيحة السابقة صريحة في رده من حيث وقوع التصريح فيها بصب الخمر في ماء المطر من دون تفصيل بين قلة ذلك الماء وكثرته. وإطلاق كثير من الأخبار النافية للبأس عنه من دون تقييد بورود الماء شاهد أيضا.
وقصور الأسانيد فيما عدا المرسلة وفيها غير ضائر بعد الاعتضاد بعمل الأصحاب.
مع أن القول بما قاله كاد أن يكون خرقا للاجماع، إذ لم نقف على من نص على ما ذكره هنا، بل كل من ألحقه بالجاري ألحقه بقول المطلق.
وثبوت القول بالتفصيل المذكور في القليل لجماعة في غير المقام لا يستلزم ثبوته هنا، لتغايرهما. هذا، مع أن القول به ثمة إنما نشأ عند محققيهم - وتلقاه المورد في جملة من تحقيقاته بالقول - من عدم العموم فيما دل على نجاسة القليل با لملاقاة، بناء على اختصاص أكثر أخبارها بصور مخصوصة ليس صورة ورود الماء على النجاسة منها، وفقد اللفظ الدال على العموم في المطلق من أخبارها، والاكتفاء في دفع منافاة الحكمة بثبوت الحكم بالانفعال في بعض أفراده - وهو ورود النجاسة عليه - وهذا كما ترى يقتضي عدم التفصيل في المقام، لكون الصورة المفروضة هنا ليس من أفراد الأخبار الخاصة أيضا والمطلق من أخبارها لا عموم فيه، فيكفي في دفع منافاة الحكمة بثبوت الحكم بالانفعال في غير ماء المطر. فالمتجه فيه الرجوع فيه بأنواعه - سوى ما فيه الاجماع على قبوله النجاسة كما إذا انقطع وكان قليلا وإن كان جاريا - إلى ما اقتضى الطهارة: من الأصل والعمومات، فما ذكره الأصحاب هو الوجه. والله العالم.
Sayfa 142
(وينجس) الماء (القليل) الناقص عن الكر (من الراكد بالملاقاة) بالنجاسة مطلقا (على الأصح) وفاقا للمعظم، للاجماع المستفيض نقله عن جماعة من أصحابنا - وخروج من سيأتي غير قادح في انعقاده عندنا، بل وفي الجملة عند غيرنا - وللصحاح المستفيضة ومثلها من المعتبرة، بل هي بحسب المعنى متواترة، وقد صرح به جماعة، ويفصح عنه تتبع الأخبار الواردة في الموارد الجزئية.
كالصحاح المستفيضة وغيرها في بيان الكر اشتراطا ومقدارا.
منها: الصحيح، عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب؟ قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ (1) ومثله آخر (2) ومنها: الصحيح الآخر، عن قدر الماء الذي لا ينجسه شئ؟ فقال: كر، الحديث (3).
والصحاح والموثقات المستفيضة في يد قذرة، أو وقوع قطرة من دم أو خمر فيه، أو شرب طير على منقاره دم أو قذر.
ففي الصحيح: عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثم تدخل الماء، يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إلا أن يكون الماء قدر كر (4).
وفي آخر: عن رجل رعف وهو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا (5).
وفي الموثق: عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس
Sayfa 143
يقدر على ماء غيره؟ قال: يهريقهما جميعا ويتيمم (1).
وكالصحاح وغيرها المستفيضة في الأواني التي شرب منها نجس العين أو وقع فيها ميتة.
ففي الصحيح: عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال: اغسل الإناء (2) ومثله الآخر: إلا أن فيه: واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (3).
وفي آخر: عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات (4).
وغير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع، وقد جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث. ووجه دلالتها على المرام لنهاية وضوحه لا يحتاج إلى تطويل في الكلام، فالوجه الانفعال.
خلافا للعماني، فقال بالعدم مطلقا (5) لأخبار أسانيد أكثرها قاصرة، وهي مع ذلك غير صريحة الدلالة، بل ولا ظاهرة، فأقواها: الحسن، عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال: يضع يده ويتوضأ ثم يغتسل، الحديث (6).
والاستدلال به يتوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية في كل من " القذر " و " القليل " في المعنى المعروف، ومع ذلك تضمن الوضوء مع غسل الجنابة، ولا يقول به، وعلى تقدير سلامة الكل عن الكل فهي لمقاومة ما مر من الأدلة غير صالحة وإن اعتضدها الأصل والعمومات، لكون الأخبار الأولة خاصة معتضدة
Sayfa 144
بعد التواتر بعمل الطائفة.
وفي دعوى تواتر النبوي الحاصر لنجاسة الماء فيما إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة نظر، إذ لم نجد لحديث منه في كتبنا المشهورة عينا ولا أثرا، ومع ذلك فهو كمثله مخصص بما تقدم من الأدلة. وقيل في انتصار هذا القول اعتبارات ضعيفة ووجوه هينة لا جدوى في التعرض لها والجواب عنها.
وخلافا للشيخ فما لا يكاد يدركه الطرف من النجاسة مطلقا، كما في المبسوط (1) أو من الدم خاصة كما في الاستبصار (2)، للصحيح: عن رجل رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه؟
فقال: إن لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس (3)، ولعسر الاحتراز عنه.
وهو شاذ، والصحيح غير دال، والأخير ممنوع. ومع ذلك فهو لتخصيص ما تقدم غير صالح.
وللمرتضى وبعض من تأخر فيما إذا ورد الماء على النجاسة (4)، لاعتبارات ضعيفة يدفعها عموم المفهوم فيما اشترط فيه الكرية، وخصوص الصحيح وغيره المتقدم في المبحث السابق الدال بمفهومه على عدم التطهير بماء المطر الوارد على النجاسة إذا لم يكن جاريا، فغيره بطريق أولى، لكنه على قول أو احتمال، وأما على غيرهما فهو نص في المطلوب، وحصول التطهير بالمتنجسات حال التطهير كحجر الاستنجاء وغيره، مع إشعار الصحيح الآمر بغسل الثوب في المركن مرتين (5) بذلك، لكون الغالب في غسله فيه وروده عليه، والمركن - على ما في الصحاح - الإجانة التي تغسل فيه الثياب.
Sayfa 145
(وفي تقدير الكر) (1) وزنا (روايات أشهرها) المنقول عليه الاجماع المستفيض المرسل كالصحيح - على الصحيح - الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ (ألف ومائتا رطل) (2) وفي حكمه الصحيح المؤول إليه بالنهج الصحيح.
وغيره المخالف له باعتبار التقدير بحب مخصوص أو قلتين أو أكثر من رواية (3) - مع شذوذه وضعف سند أكثره - مطروح أو مؤول.
(وفسره) أي الرطل المشهور ومنهم (الشيخان بالعراقي (4) الذي وزنه على المشهور المأثور مائة وثلاثون درهما - وعلى قول شاذ موافق لبعض العامة مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم - (5) للأصل والعمومات وخصوص " كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر " والاحتياط في وجه، ومناسبة الأشبار وما تقدم من التقادير الأخر، والصحيح المقدر له بستمائة رطل (6) لوجوب حمله على المكي المضعف على العراقي بمثله مرة بالاجماع وشهادة حال الراوي الذي هو من أهل توابعه، وفيه شهادة أخرى على إرادة ذلك من المرسل من حيث كون السائل فيه عراقيا لمراعاة حال السائل فيه هنا مع كون الإمام مدنيا، فكذلك هناك.
ويؤيده تقديره في الأغلب بذلك، بل ربما يستفاد من بعض الأخبار شيوع ذلك، ففي رواية في الشن الذي ينبذ فيه التمر للشرب والوضوء: وكم كان يسع الماء؟ قال ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك، قلت: بأي الأرطال؟
Sayfa 146
قال: بأرطال مكيال العراق (1).
وآخرون بالمدني الذي يزيد عليه بنصفه - كما في الخبر - للاحتياط، ومراعاة بلد الإمام - عليه السلام - وأصالة عدم تحقق ما هو شرط في عدم الانفعال.
والأول مع عدمه كونه دليلا معارض بمثله، وكذلك الثاني مع أرجحيته بما تقدم، ومثلهما الثالث بناء على أن اشتراط الكرية في عدم الانفعال ملزوم لاشتراط عدمها في ثبوته، فأصالة عدمها بناء على صحتها هنا معارض لمثلها في الحكم، وبعد التساقط وبعد التسليم فحكم ما دل على حكم الطهارة عن المعارض سليم.
وفي تقديره بالمساحة أيضا روايات وأقوال أشهرها: ما بلغ كل من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا، للموثق (2) وغيره، والاجماع المنقول.
وأسقط القميون النصف، للصحيح (3) وغيره.
وفي الصحيح: أنه " ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (4) ومال إليه بعض (5).
والراوندي: ما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا (6). وأول بما يرجع إلى الأول بحمله على ما إذا تساوت الأبعاد.
والسيد بن طاوس اكتفى بكل ما روي جمعا وأخذا بالمتيقن (7). ويرجع إلى الثاني، فالزائد مندوب.
والأول لو لم نقل بكونه الأقرب فلا ريب في كونه الأحوط في الأغلب.
Sayfa 147
(وفي نجاسة) ماء (البئر) وهي مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ولا يخرج عن مسماها عرفا (بالملاقاة) للنجاسة من دون تغيير (قولان) مشهوران (أظهرهما) عند المصنف تبعا للمشهور بين القدماء بل المجمع عليه بينهم كما عن الانتصار (1) والغنية (2) والسرائر (3) والمصريات للمصنف (4) لكن في الأخيرين عدم الخلاف (التنجيس) لورود الأمر بالنزح في وقوع كثير من النجاسات فيها - وهو فرع كونه للوجوب وثبوت التلازم بينه وبين النجاسة، وهما هنا في محل المنع، مضافا إلى وروده فيما ليس بنجس إجماعا - وللصحاح وغيرها أقواها الصحيح: عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة والفأرة والكلب والهرة؟ فقال يجزيك أن تنزح منها دلاء، فإن ذلك يطهرها إن شاء الله (5).
ويتلوه في القوة الآخر: عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر القطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها؟ فوقع بخطه في كتابه: ينزح منها دلاء (6).
وغيرهما ضعيف الدلالة جدا، وهما وإن قويت الدلالة فيهما، إلا أن الاكتفاء بنزح الدلاء المطلق للمذكورات فيهما مع اختلاف تقاديرها إجماعا يوهن التمسك بهما. مع كون الثانية - مضافا إلى كونها مكاتبة - غير صريحة الدلالة بل ولا ظاهرة، من حيث وقوع لفظ التطهير في كلام الراوي، والتقرير حجة مع عدم احتمال مانع من الرد، وهو في المقام ثابت، لاحتمال كون الوجه فيه التقية، بناء على كون النجاسة مذهبا لأكثر العامة، ويشهد له كونها مكاتبة.
Sayfa 148