الشاهد الآخر كان طبيبتها الخاصة «أوكتافيا ويلبرفورس» وهي من سلالة «وليم ويلبرفورس». وكانت في تلك الآونة تدير مزرعة لمنتجات الألبان في منطقة قريبة في الجوار، وكانت تمد آل وولف بمؤن من الزبد والقشدة والألبان في تلك الشهور العجاف بسبب الحرب. كانت تزور منزل فرجينيا الريفي بانتظام منذ يناير 1941م، لكن الزيارة الرسمية بصفتها المهنية كطبيبة لم تبدأ إلا منذ 17 مارس. قبل ذلك بثلاثة أيام كانت فرجينيا تناقش إحدى قصصها القصيرة مع د. أوكتافيا وقالت لها إن تلك القصة قد تركتها محبطة ويائسة إلى أقصى العمق.
د. ويلبرفورس عملت بعد ذلك كطبيب منتدب في مصحة «جرايلينج ويل»،
46
لكن معلوماتها في الطب النفسي كانت، مثل كل الأطباء آنذاك، أولية برغم أنها قرأت كثيرا في فرويد. وبناء على طلب ليونارد فحصت الطبيبة فرجينيا يوم 27 مارس، أي في اليوم السابق على انتحارها. كانت الطبيبة مريضة بالإنفلونزا وغادرت فراشها خصيصا من أجل هذا الفحص . وبادرتها فرجينيا بأن زيارتها لم تكن ضرورية على الإطلاق، ولم تجب على أسئلتها بصدق. كانت عنيدة ومقاومة للغاية وطلبت وعدا بأنها لن تجبر على الراحة في الفراش - وهو الشرط الأول لدخول المصحات الرسمية - قبل أن تخضع للاختبار النفسي.
بدا من رسائل أوكتافيا التالية أنها بوغتت وصدمت من حادثة الانتحار. وهاتفت طبيبا صديقا لهما كي تتأكد من الواقعة. في 28 مارس كتبت: «أنا مسكونة بشبح فرجينيا ومسكونة بعجزي عن مساعدتها.» وزارت ليونارد الذي أخبرها أنه حين تزوجها لم يكن على علم بطبيعة مرضها، وبأن من طبيعة هذا المرض المعاودة كل فترة بعد الشفاء، وأخبرها كذلك عن كل الآراء التي قيلت لهم خلال فترة زواجهما من قبل الأطباء والمحللين. وفي يوم 29 مارس زارته ثانية، وأخبرها ليونارد أن فرجينيا بدت سعيدة ومختلفة جدا، بل مرحة أيضا بعد زيارتها الأخيرة لهما. على أنها كانت قبل ذلك محبطة طوال الوقت. ليس فقط في فترة الأيام العشرة التي كثف فيها ليونارد ملاحظته عليها. جاء في يومياتها ليوم 8 مارس: «أعمل علامة على جملة «هنري جيمس»:
47 «لا تتوقف عن المراقبة.» فأراقب العمر الذي يتقدم. أراقب الجشع. أراقب نوبات الكآبة والقنوط التي تنتابني، بهذه الوسيلة سوف يمكنني توظيف المراقبة.»
بدأ ليونارد يشدد الاهتمام بها منذ 17 من مارس. وكانت بارعة في المداراة وإخفاء المرض. حتى بعد هذا التاريخ كانت تكتب خطابات مبتهجة ومتماسكة وواضحة لعدد من أصدقائها. ربما كانت تروم إخفاء حالة الاكتئاب والأفكار الانتحارية عن زوجها وطبيبتها.
بعض النقاد والمحللين عولوا كثيرا على الحرب وحال التهديد والخوف من الغزو كأسباب مباشرة لانتحارها. ليونارد ود. أوكتافيا ويلبرفورس فكرا - بعد موتها مباشرة - أن الحرب الثانية ربما أعادت إلى فرجينيا ذكرى مرضها أثناء الحرب العالمية الأولى، وأن الأحداث الجارية ربما تكون قد حولت عقلها وأفكارها صوب الموت، لكن ليس صوب الانتحار.
قبل موتها بستة أشهر فقط، أي في 2 أكتوبر 1940م، كتبت فرجينيا وولف بنفسها افتتاحية جريدتها، أثناء الغارات الجوية، متخيلة كيف يمكن للمرء أن يموت في إحداها ببساطة، وقالت: «سوف أفكر .. أوه .. كلا ، أحتاج عشر سنوات أخرى .. ليس هذه المرة ...»
سجلت فرجينيا آراءها حول عملية الانتحار، بينما كانت في الثلاثينيات من عمرها وقد كانت في حال صحية جيدة آنذاك، خلال إحدى رسائلها مع المؤلفة الموسيقية «إيثيل سميث»،
Bilinmeyen sayfa