إِنك إِنْ لا تُطعِمَنْه يَغضَب
وقالوا:
عندي دواءُ الهُدَبِدْ
كُشْيَة ضَبٍّ بكَبِدْ
وقال رجل من بني سعد أتى جبلًا يقال له طمرة فأرك به وأكل من ضبابه:
واللهِ لولا أَكلةٌ بِمِرَّهْ ... بِكُشْيَةٍ بكَبِدٍ بظَهْرَه
لقد خَلا مِنَّا قَفَا طِمِرَّه
وأما اليربوع، فهو في الوطن مسبوع. نفق ورهط وعنق لنفسه وقصع، واتخذ لنفسه دممة وسابياء، وكل ذلك هرب مما قدر وهيهات! " ببقة قضى الأمر ". " لا المرء في شيء ولا اليربوع ".
ومشهور عند رواة الأخبار أن طوائف من العرب تأكل الفأر. وقد ادعوا ذلك على " أبي وجزة السعدي " وكان أحد القراء والمجيدين من الشعراء.
وقيل لبعض الأعراب: ما تقول في لحوم الحيات؟ قال: أنا منها بين شواء وقدير، وما أكره نيئها إن أعجلني سفر! وهم الذين عمدوا لبنات اللجة بالحيل، فرموها من المأمن بالغيل.
وأي شيء من أحناش الأرض لم تنزل به من القوم شصية! إنهم إما أكلوه وإما قتلوه. وكثير من الهوام يتخذونها في الأشفية، وخطوبهم ليست بالمصفية. يحرقون الشبوات في بعض الهنوات، ويستعملونها في الأدوية، وإنما ذلك لحكمة غير المغوية.
فهذا كله تأسية لك على ما تلقاه في دأبك من أين، والله محصي الأثر وبادي العين. ألست رائيًا ما نزل الجوارس في الأيام الومدة والقوارس؟ بكرت في كحلاء وسحاء تكتسب من غير لحاء، ما رزقها ربها لغرض مطلوب، وقضاء الصمد غير مغلوب. جمعت الضرب من شت، وأيقنت أن الأمل غير منبت، لأنها سمت بالأرى المكتسب إلى جبال سامقة، تشحط عن العيون الوامقة. فلما ظنت أن القدر عنها غافل، أشب لها من الشارة غوى قافل. فلما طلع بالمسأب وخرصه، وهجم على التلف الناس حرصه، جلاها بالإيام فتفرقت، وفجع الثول بقوت، وأصبح إلى الخشرم جد ممقوت وكم قتل قبل ذلك من الدبر، وما أذاتك صاحبك بخسيس من الشبر.
إن خطب الزمان لجلى، تكسب النحل ويشتار " الهذلي " قدر من ربك بدي، تجنى الأرية عن الأنوار، ما يلسب فقير أزدي، - " يعقوب " يختار السين فيقول: أسدي - وقد وصف ذلك جماعة من القالة، وذكروا ما يلقى دون ذلك من سوء الآلة. قال " أبو ذؤيب ":
وما ضَرَبٌ بيضاءُ يأْوِي مَليكُها ... إِلى طُنُفٍ أَعيا بِرَاقٍ ونازِل
تُهالُ العُقَابُ أَن تَمُرَّ بِرَيْدِه ... وترمِي درُوءٌ دونَه بالأَجَادِل
تَنَمَّى بها اليعسوبُ حتى أَقَرَّها ... إِلى عَطَنٍ رَحْبِ المَباءَةِ عاسِل
تدَلَّى عليها بالحِبَالِ مُوَثقًا ... شديدُ الوَصاةِ نابلٌ وابنُ نابِلِ
إِذا كان حَبْلٌ من ثمانينَ قامةً ... وخمسينَ باعًا، نالَها بالأَناملِ
فَحَطَّ عليها والضلوعُ كأَنها ... من الخوفِ أَمثالُ السهامِ النَّواصِل
إِذا لَسعتْه النحلُ لم يرجُ لَسْعَها ... وخالَفها في بيتِ نوبٍ عَواملِ
فشَرَّجَها من نطفةٍ رجَبِيةٍ ... سُلاسِلةٍ من ماءِ لَصْب سُلاسِل
وقال " ساعدة بن جوية ":
فما ضَرَبٌ بيضاءُ يسقى دبوبهَا ... دَفاقٌ فعروانُ الكَراثِ فضِيمُها
أُتيحَ لها شَثْنُ البنانِ مُكدَّمٌ ... أَخو حُزَنٍ قد وقَّرتْه كُلومُها
رأَى عارضًا يَهوِي إلى مُسْبطِرَّةٍ ... قد احجَمَ عنها كلُّ شيءٍ يرومُها
قليلُ الأَتاءِ غيرَ قوسٍ وأَسهمٍ ... وأَخراصه يغدو بها ويُقيمها
فما بَرِحَ الأَسبابُ حتى وضعنه ... إلى الثوْلِ يَنْفِي جَثَّها ويَؤومُها
فلما دنا الإبرادُ حَطَّ بِشَوْرِه ... إِلى فَضَلاتٍ مستحيرٍ جُمومُها
إِلى فَضَلاتٍ من حَبِيٍّ مُجَلْجَلٍ ... أَضَرَّتْ به أَضواجُها وهُضومُها
فَشَرَّجَها حتى استمرَّ بنُطفةٍ ... وكان شِفاءً شَوْبُها وصَميمُها
فذلك ما شبَّهت يا أُمَّ مَعْمَرِ ... إِذا ما توالى الليلُ غارت نجومُها
وقال " نابغة بني جعدة ":
وكأَنما أَنيابُها اغتبقتْ ... بعد الكَرَى من طيِّبِ الخمْرِ
1 / 16