لَطَائِف لِنَشْرِ الكُتُبِ والْرَسَائلِ الْعِلْمِيَّةِ
دَوْلَةُ الكُوَيْت
رِسَالَةُ العُكْبَري فِي أُصُولِ الفِقْهِ
تَأْلِيفُ العَلَّامَة
أَبِي عَلِيّ الحَسَنِ بن شِهَابِ بن الحَسَنِ العُكْبَرِيّ الحَنْبَليّ
(٣٣٥ - ٤٢٨ هـ)
تَحْقِيقُ وَتَعْلِيقُ
بَدْرِ بن نَاصِر بن مِشْرِعِ السُّبَيْعِيّ
أَرْوِقَة
1 / 1
رِسَالَةُ العُكْبَري فِي أُصُولِ الفِقْهِ
تَأْلِيفُ العَلَّامَة
أَبِي عَلِيّ الحَسَنِ بن شِهَابِ بن الحَسَنِ العُكْبَرِيّ الحَنْبَليّ
(٣٣٥ - ٤٢٨ هـ)
تَحْقِيقُ وَتَعْلِيقُ
بَدْرِ بن نَاصِر بن مِشْرِعِ السُّبَيْعِيّ
أَرْوِقَة
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 3
* رسالة العكبري فِي أصول الفقه
تأليف: العلامة أبي علي الحسن بن شهاب بن الحسن العكبري الحنبلي
تحقيق: بدر بن ناصر بن مشرع السبيعي
الطبعة الأولى: ١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
جميع الحقوق محفوظة باتفاق وعقد
قياس القطع: ١٧ × ٢٤
الرقم المعياري الدولي: ٢ - ٣٩٥ - ٦١ - ٩٩٥٧ - ٩٧٨: ISBN
رقم الإيداع لدى دائرة المكتبة الوطنية (٣٧٧٧/ ٧/ ٢٠١٧)
لَطَائِف
لِنَشْرِ الكُتُبِ والْرَسَائلِ الْعِلْمِيَّةِ
لصاحبها د. وليد بن عبد الله بن عبد العزيز المنيس
دولة الكويت - الشامية - صندوق بريد ١٢٢٥٧
الرمز البريدي ٧١٥٦٣
أَرْوِقَة لِلدِّرَاسَاتِ وَالنَّشْرِ
هاتف وفاكس: ٤٦٤٦١٦٣ (٠٠٩٦٢٦)
ص. ب: ١٩١٦٣ عمّان ١١١٩٦ الأردن
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع الإلكتروني: www.arwiqa.net
الدِّراسات المنثورة لا تعبِّر بالضرُورة عن وجهة نظر الناشر
جميع الحقوق محفوظة. لا يُسمَح بإعادة إصدار هذا الكتاب أَوْ أيّ جزء منه أَوْ تخزينه فِي نطاق استعادة المعلومات أَوْ نقله بأيّ شكل من الأشكال أَوْ رفعه على شبكة الإنترنت دون إذن خطي سابق من الناشر. حقوق الملكية الفكرية هي حقوق خاصّة شرعًا وقانونًا، وطبقًا لقرار مَجمع الفقه الإسلامي فِي دورته الخامسة فإنّ حقوق التأليف والاختراع أَوْ الابتكار مَصُونة شرعًا، ولأصحابها حقّ التصرُّف فيها، فلا يَجوز الاعتداء عليها.
All rights reserved. No part of this publication may be reproduced or transmitted in
any form or by any means without written permission from the publisher.
1 / 4
المقدمة
إن الحمد لله نحمده سبحانه والحمد نعمة منه مستفادة، ونشكر له والشكر أوَّلَ الزيادة، ونشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، خالق الخلق أجمعين، وباسط الرزق للمطيعين والعاصين، بسطًا يقتضيه العدل والإحسان، والفضل والامتنان.
قَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٧، ٥٨].
وَقَالَ تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢)﴾ [طه: ١٣٢].
كلّ ذلك ليتفرغوا لأداء الأمانة التي عرضت عليهم عرضًا، فلَمَّا تحملوها على حكم الجزاء؛ حملوها فرضًا، ويا ليتهم اقتصروا على الإشفاق والإباية، وتأملوا فِي البداية خطر النهاية، لكنهم لم يخطر لهم خطرها على بال، كما خطر للسموات والأرض والجبال؛ فلذلك سُمي الإنسان ظلومًا جهولًا، وكان أمر الله مفعولًا؛ فدل على هذه الجملة المستبانة شاهد قولُه: " ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ [الأحزاب: ٧٢].
فسبحان من أجرى الأمور بحكمته وتقديره، على وفق علمه وقضائه ومقاديره؛ لتقوم الحجة على العباد فيما يعملون، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون!
ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الصادق الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، بملة حنيفية، وشرعة الحاكمين بها حفية، ينطق بلسان التيسير بيانها، ويعرف أن الرفق خاصيتها، والسماح شأنها،
1 / 5
فهي تحمل الجماء الغفير ضعيفًا وقويا، وتهدي الكافة فهيما وغبيا، وتدعوهم بنداء مشترك دانيا وقصيا، وترفق بجميع المكلفين مطيعا وعصيا، وتقودهم بخزائمهم منقادا وأبيا، وتسوي بينهم بحكم العدل شريفًا ودنيا، وتبوئ حاملها فِي الدنيا والآخرة مكانا عليًّا، وتدرج النبوءة بين جنبيه وإن لم يكن نبيا، وتلبس المتصف بها ملبسا سنيا، حَتَّى يكون لله وليا، فما أغنى من والاها وإن كَانَ فقيرا، وما أفقر من عادها وإن كَانَ غنيًّا. فلم يزل ﵇ يدعو بها وإليها، ويبث للثقلين ما لديها، ويناضل ببراهينها عليها، ويحمي بقواطعها جانبيها، بالغ الغاية فِي البيان، بقوله بلسان حاله ومقاله: "أنا النذير العريان" (١) ﷺ وعلى آله وأصحابه (٢) والتابعين وتابعيهم بإحسان إِلَى يوم الدين أما بعد:
فإن طلب العِلْم والاشتغال به من أفضل القربات إِلَى الله تعالى، والعلم فنون، فمنها المقدَّم؛ وهو ما يرتبط بالوحيين لشرف ارتباطه وتعلقه بهما، وهناك من العلوم ما لا يستغني عنه من أراد فهم الوحيين والاستنباط منها والاستدلال بهما وكل مشتغل بهما لابد له منه وهو علم أصول الفقه بل لا يصدق على الفقيه أَنَّهُ فقيه وَلَا المفتي أَنَّهُ مفتٍ إلَّا إِذَا اشتغل بأصول الفقه لأنه به تكتمل آلات الاجتهاد واستثمار الأحكام وإعمال القياس والتعامل مع أدلة الشرع فهو من أجل العلوم مكانة ومنزلة ومن هنا جاءت الرغبة بتحقيق رسالة للعكبري فِي أصول الفقه لأمرين رئيسيين الأول: لأنَّها متقدمة زمنًا، والثاني:
_________
(١) رواه البخاري (١/ ١٠٨) كتاب الرقائق، باب الانتهاء عن المعاصي رقم (٦٤٨٢) ومسلم (٧/ ٦٣) كتاب الفصائل، باب شفقته على أمته ومبالغته فِي تحذيرهم مِمَّا يضرهم رقم (٢٢٨٣).
(٢) هذه المقدمة مقتبسة من مقدمة الإِمام الشاطبي على كتابه الموافقات (١/ ٥)، اقتبستها على طول فيها لما فيها من الوعظ والتنبيه الذي كلنا نحتاجه والله المستعان.
1 / 6
لأنَّ بعض أهل العِلْمِ شكك فِي نسبتها لمؤلفها، فاستعنت بالله وبذلت الجهد فيها مع مقابلتها على كتب الحنابلة والتعليق عليها بما تيسر والتقديم لها بمقدمة يسيرة توفي بالغرض من وجهة نظري، فما كَانَ فيها من صواب فمن الله وحده وما كَانَ فيها من خطأ فمني ومن الشيطان واستغفر الله تعالى أولًا وآخرًا.
وَلَا يسعني فِي الختام إلَّا أن أتقدم بالشكر الجزيل والثناء الجميل، للشيخ الكريم فيصل العلي الذي حرص على تحقيق هذه الرسالة بعد علمه بالشك فِي نسبتها إِلَى مؤلفها، وكذلك الشكر موصول لشيخنا المفضال الشيخ عدنان النهام الذي تفضل بمراجعة الرسالة، وأبدى لي ملاحظات وتصويبات نافعة، وأشكر فضيلة الشيخ عبد النور الصومالي الذي اطلع على جزء من هذه الرسالة، وأبدى لي ملاحظات قيمة، كما أشكر جميع من ساعدني فِي إتمام هذ العمل، وأتمثل يقول ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
وأسأل الله من أثواب رحمته ... سترًا جميلًا على الزلات مشتملًا
وأن ييسر لي سعيًا أكون به ... مستبشرًا أمنا لا باسرًا وجلًا
وأرجوا من الله ﷿ أن يغفر ذنوبي، وأن يهييء لي أسباب العمل الصالح فِي باقي حياتي، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهة الكريم، والحمد لله رب العالمين.
المحقّق
بدر بن ناصر بن مشرع السُبيعي
bader.n ٧٤@hotmail.com
1 / 7
* ترجمة المؤلف (١) (٢).
أَبُو علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب العكبري، ولد بعكبرا (٣) فِي محرم، سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، وَقَالَ الذهبي فِي وصفه: الفقيه الحنبلي، وبرع فِي المذهب، وَقَالَ ابن رجب فِي وصفه والتمييز بينه وبين صاحب عيون المسائل: ومن النّاس من يظنه الحسن بن شهاب الكاتب الفقيه صاحب ابن بطة. وهو خطأ عظيم، وَقَالَ برهان الدين ابن مفلح: له الفتيا الواسعة، وَقَالَ ابن العماد فِي وصفه: الفقيه الثقة الأمين، وله اليد الطولى فِي الفقه، وَقَالَ ابن الجوزي: وكان فقيها فاضلًا يتفقه على مذهب أحمد وَقَالَ ابن أَبِي يعلى: له المصنفات فِي الفقه والفرائض والنحو، وذكرت كتب التراجم ملازمته لأبي عبد الله بن بطة مصنف كتاب الابانة الكبرى، إِلَى حين وفاته كما ذكرت أن له اليد الطولى فِي الأدب، والإقراء، والحديث، والشعر، والفتيا.
_________
(١) المؤلف كلّ كتب التراجم ذكرته بشكل مختصر جدًّا ولعلَّ ذلك لعدم شهرة المؤلف أَوْ المصادر التي اعتمدوا عليها أشارت إشارة إِلَى المؤلف وثانيا: أن كتب التراجم ليس من شرطها أن تستقصي من تترجم لهم والله أعلم.
(٢) انظر مصادر الترجمة: تاريخ بغداد (٨/ ٢٩٨)، طبقات الحنابلة (٣/ ٣٤١)، والمنتظم (٨/ ٩٢) والذيل على طبقات الحنابلة (١/ ٣٧٦)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٥٤٢)، والبداية والنهاية (١٢/ ٥١)، والوافي بالوفيات (١٢/ ٣٧)، والمقصد الأرشد (١/ ٣٢٠)، وشذرات الذهب فِي أخبار من ذهب (٥/ ١٤٣).
(٣) عُكْبَرا: هي بلدة ضفاف دجلة بين بغداد وسامَرّاء، كانت عامرة فِي العهد العباسي، كَانَ فيها تل يسمر (تل عُكْبَرا) نسب إليها المحدث التلعكبري. معجم البلدان (٦/ ١١١). المسالك والممالك. ص ١١٦.
1 / 9
* دراسته للحديث
وسمع الحديث على كبر السن من أَبِي علي محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي الصواف، وَأَبِي بكر أحمد بن يوسف بن خلاد، وَأَبِي علي عيسى بن محمد الطوماري البغدادي، وحبيب بن الحسن القزاز، وَأَبِي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي القطيعي الحنبلي، ومن بعدهم.
* نسبة الكتاب إِلَى مؤلفه
هذه الرسالة لم أجد من نسبها للمؤلف إلَّا الشيخ بكر أَبُو زيد ﵀ والدكتور عبد الله التركي (١).
نقل العلماء من المؤلف: -
١ - نقل عنه ابن مفلح فِي كتابه أصول الفقه (٣/ ١٠٩٤)، قَالَ (والتميمي من أصحابنا ذكر عنه ابن شهاب من أصحابنا) كما تابعه المرداوي على نفس النقل فِي كتابه التحبير (٦/ ٢٩٣٦) وهذا النص فِي رسالة العكبري ص ٥٤.
٢ - نقل عنه ابن مفلح فِي كتابه أصول الفقه (٤/ ١٤٥٠) قَالَ (قول الصحابي إِذَا لم ينتشر حجة مقدم على القياس اختاره ابن شهاب) كما تابعه المرداوي على نفس النقل فِي كتابه التحبير (٨/ ٣٨٠١) وهو فِي رسالة العكبري ص ٨٣.
شكك بعض أهل العِلْمِ فِي نسبتها للعكبري، وذلك لأمور سنأتي على ذكرها كلّ واحدة على حدًّا، والنظر فيها ليتبين لنا الصواب وعلى
_________
(١) المدخل المفصل لبكر أَبُو زيد (٢/ ٩٦٩)، والمذهب الحنبلي للتركي (٢/ ٧١).
1 / 10
الله التكلان:
١ - أسلوب الرسالة وسياقها بسياق المختصرات والمتون المتأخرة، وليس فِي عبارات الرسالة ما يشبه كلام المتقدمين.
الرد عَلَيْه من وجوه:
الأول: لا يسلم لهذا القول بل كثير من مواضع الرسالة وافق فيها المؤلف القاضي أَبُو يعلى فِي العدة بل وأزيد من ذلك وافق المتقدمين من الأصولييين كالباجي والشيرازي وغيرهما، وهما فِي نفس قرن المؤلف، مثال ما وافق القاضي والباجي فِي حد السنة والتقليد، ووافق القاضي فِي تعريف المجمل والمباح والمحكم والإجماع والقياس والحد والشريعة والاستحسان ومفهوم الخطاب ولحن القول والطرد والعكس والنقض والقلب والسبب والنص والظاهر والأمر والجائز والخبر والصدق والنظر والجدل والرأي، هذا فقط موافقته بالتعاريف تجاوزت سبعة وعشرين تعريفا مخالفا بذلك المتأخرين، ولم يكن مقصودي مقارنة الرسالة مع الباجي أَوْ الشيرازي بل مواضع أحلت لها ورجعت لهما فوجدت موافقة بينهما وللقارئ أن يقارن بينهم فِي غير ما ذكرت فقد تزيد عما ذكرت، فقد قابلت الرسالة على كتاب العدة فوجتها مطابقة له فِي أكثرها، وقد تركت غير التعاريف وسيجدها القارئ فِي تحقيقي للرسالة.
الثاني: ومِمَّا يدلُّ على أنَّ المؤلف من القرن الخامس قولُه أحكام الفقه سبعة أقسام خلافا للحنابلة ولو كَانَ من المتأخرين لن يقول مثل هذا لاستقرار أقسام الأحكام التكليفية على خمسة أحكام عند جمهور العلماء فضلًا عن الحنابلة، حرلقد وافق فيها المؤلف الجويني فِي الورقات والشيرازي فِي شرح اللمع فِي أن الأحكام التكليفية سبعة وهما فِي نفس
1 / 11
القرن الذي عاش فِيهِ المؤلف ﵏ جميعًا.
الثالث: وقد عرف المؤلف البلاغ عند كلامه على الحديث وأقسامه، ولم يذكره علماء الأصول؛ وَلَا علماء المصطلح فِي الكتب التي رجعت إليها فِي التحقيق، وهذه ميزة للكتاب ومنقبة له، وقد اشتهرت البلاغات عند الإِمام مالك كما سيأتي، وتعريفه لها صحيح فالذي تميز به قد يتميز بغيره والله أعلم.
الرابع: انتشار المختصرات والمتون فِي القرن السابع واشتهارها فِيهِ لا يعني عدم وجودها فِي القرون السابقة لها بل وجد متون ومختصرات فِي قرن المؤلف وأشهرها ورقات الجويني مع أن المؤلف لم يقصد تاليفه ابتداء بل استله من كتابه المبسوط.
الخامس: تعريفه للصحيح بأنه ما طابق العقل والنقل والفاسد بخلافه، مخالفًا بذلك الحنابلة بل لم يعرف بهذا التعريف فِي الكتب التي اطلعت عليها وهذا دليل بأنها متقدمة قبل استقرار التعاريف والله أعلم.
٢ - ليس فِي ترجمة المؤلف وصف له بأنه من علماء الأصول.
الرد عَلَيْه: كتب التراجم لم توف المؤلف حقه فِي الترجمة، وإذا لم يوصف بأنه من علماء الأصول لا ينفي أَنَّهُ من علمائه، كما أن العلماء المتقدمين أغلبهم لا يكون فقيها إلَّا إِذَا كَانَ عالمًا بأصول الفقه حيث إنهم لا يفرقون بين الفقه والأصول كما فِي واقعنا المعاصر، وكذلك كَانَ بعضهم لا يفرد الأصول بالتاليف بل يجمع بين الفقه والأصول فِي كتاب واحد كما هو حال المؤلف لأنه أشار إِلَى أَنَّهُ أختصر الرسالة من كتابه المبسوط الذي جمع فِيهِ بين الفقه والأصول ولعلَّ هذا سبب فِي عدم وصفه بالأصولي لأنَّ كتابه فِي الفقه ومتضمن للأصول، وهذه الطريقة مستساغة عند المتقدمين فإن ابن حامد فِي كتابه تهذيب الأجوبه فِي الفقه
1 / 12
ضمنه أصول الفقه، وكذلك الهاشمي فِي الإرشاد ذكر الاصول والفقه والعقائد وغيرهما من المتقدمين.
كما أَنَّهُ ليس من شرط كتب التراجم الاستقصاء.
٣ - أن هناك عكبريا آخر وصف بأنه أصولي وأن له مقدمة فِي أصول الفقه.
ويقصدون بذلك العلامة عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد العكبري، شيخ الحنابلة وشيخ الوعاظ فِي زمانه رَحِمَهُ اللهُ تعالى نعم صحيح ما ذكر لكن لا يعني وَلَا يلزم أن تكون هذه المقدمة أَوْ الرسالة له.
الرد عَلَيْه من وجوه:
أولًا: للأدلة السابقة من تقسيم الأحكام التكليفية والتعاريف التي وافق فيها القاضي وغيرها.
ثانيًا: من ترجم لعبد الجبار لم يذكر له كتاب المبسوط وهو مثبت فِي آخر الرسالة أَنَّهُ اختصره من كتاب المبسوط، كما يلزم من يظن أنَّها لعبد الجبار أن يثبت له كتاب المبسوط ليقوي حجته وإلا فحجته ضعيفة، كما أَنَّهُ لم يذكر له مؤلف فِي الفقه، بل ما ذكر أن ألف فِي التفسير واشتغل فِي الفقه والوعظ.
ثالثًا: العكبري نسبة ينسب لها كثير من العلماء مثل آل قدامة له والمرداوي وغيرهما، فإذا وجد عكبري ألف فِي الأصول أَوْ مقدمة لا يلزم نفيها عمن نسبة له بمجرد الظن بل لابد من دليل، ففي حال فقدت كتب العلماء ولم يمكننا التأكد من نسبتها له فإن الدليل لنسبتها له موافقته للمؤلفات التي فِي عصره وغير ذلك، لاسيما وأن المتأخرين تغيرت اصطلاحاتهم وطريقتهم فِي التأليف، وهذا ما سكلته فِي تحقيق هذه الرسالة.
1 / 13
٤ - أن مواطن كثيرة من الرسالة تشابهت تشابها ملحوظًا مع عبارات أئمة متأخرين مثاله: تحقيق المناط فنوعان: أحدهما لا نعرف فِي جوازه خلافا، وهو أن القاعدة الكلية ... معنى المثال أن المؤلف استفاد تنقيح وتحقيق وتخريج المناط من ابن قدامة فِي روضة الناظر وابن قدامة استفاد من الغزالي فِي المستصفى والمستصفى من المصادر الأصلية التي لم تعتمد على مصادر سابقة.
الرد عَلَيْه من وجوه:
الأول: سبق ذكر سبعة وعشرين تعريفا وافق فيها صاحب الرسالة القاضي فِي العدة وتقسيمه للأحكام الشرعية.
الثاني: لم يذكر أَوْ بنص الغزالي على أنَّه لم يعتمد على من سبقه فِي مقدمة المستصفى بل ذكر أَنَّهُ دون كتاب تهذيب الأصول لميله إِلَى الاستقصاء والاستكثار وفوق المنخول لميله إِلَى الإيجاز والاختصار ... وجمعت فِيهِ بين الترتيب والتحقيق لفهم المعاني .... فصنفته وأتيت فِيهِ بترتيب لطيف عجيب يطلع الناظر فِي أوَّلَ وهلة على جميع مقاصد العِلْمِ ويفيده الاحتواء على جميع مسارح النظر فِيه، ومِمَّا سبق يتبن أن الغزالي لم ينص على أنَّه لم يعتمد على من سبقه.
الثالث: وقد نص المشكك فِي نسبة الكتاب أَنَّهُ فِي الجملة أي أن الغزالي لم يعتمد على من سبقه فِي جملة الكتاب أي المستصفي، وليس كلّ الكتاب، فقد يكون هذا الموضع من الذي وافق فِيهِ الغزالي غيره، وقد يكون ابن قدامة هو الذي استفاد من المؤلف مع أن الغزالي ذكرها لتوافق العبارتين عند العكبري وابن قدامة خلافا لعبارة الغزالي، وهذا ظهر لي بعد ما قابلة الرسالة مع روضة الناظر والمستصفي، وهذا موضع واحد توافق فِيهِ
1 / 14
مع ابن قدامة وباقي الرسالة موافق لأبي يعلى وقد انفرد العكبري عنهما بالفصل الأخير، ومع ما ورد على هذا الموضع من الاحتمال فكيف يصرف الرسالة لموضع واحد محتمل مع عدم الاحتمال فِي باقي الرسالة.
ولعلَّ الصحيح أن الغزالي تميز بالترتيب والتحقيق وليس كما يذكره كثير أَنَّهُ لم يعتمد على غيره، والدليل ما ذكره الغزالي فِي مقدمته للمستصفى وأنه من تلاميذ الجويني وهو أحد أعلام الأصول وأن الشافعية من عصر الإِمام الشافعي إِلَى الغزالي سبقوه فِي التأليف الأصولي وهم كُثر والله أعلم.
هذه النقاط التي ذكرها من شكك فِي نسبتها والرد عليها. وأمَّا ناسخ المخطوط فهو العلامة عبد الله خلف الدحيان أحد أعلام الحنابلة، وقد بحثت وسألت أهل الاختصاص سواء فِي فن الاصول أَوْ فِي المخطوطات عن نسخة أخرى كما جردت بعض فهارس المخطوطات ووجدت الرسالة الأصولية المؤلف مجهول ومنسوخة فِي القرن ١١ جامعة برنستون / بنيوجيرسي [٤٧]- (١٢٢ أ - ١٢٤ ب) ولم أطلع عليها للأسف ولم أجد لها نسخة أُخرى، كما اطلعت على مخطوطة بعنوان مختصر فِي أصول الفقه مصدرها مكتبة عنيزة الوطنية عدد الأوراق ١٣ تاريخ النسخ ١٣٣٤ هـ غير معروف المؤلف، وبعدما اطلعت عليها فهي غير هذه الرسالة التي نحن بصدد تحقيقها وقد تكون هي نفس المخطوط السابق الذي فِي جامعة برنستون والله أعلم.
وفي آخر هذه الدراسة أقول كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب والله تعالى أعلم.
1 / 15
عملي في التحقيق
١ - نسخ المخطوط ومقابلته كما اعتمدت على كتاب العدة لأبي يعلى فِي حال البياض الذي فِي المخطوط؛ لموافقة العبارات بينهما ووضعتها بين معقوفين وأشرت فِي الحاشية أنَّها من العدة.
٢ - اعتماد العدة فِي مقابلة المخطوط إلَّا فِي موضع واحد لم يذكره، وهو تحقيق المناط، وقد أشرت إِلَى الزيادات من العدة إِذَا كانت فيها توضيح للعبارة أَوْ غيرها، كما أن ربطها بالعدة يدلُّ المطالع للكتاب أَنَّهُ من متقدمي الحنابلة.
٣ - الموضع الذي وافق فِيهِ المؤلف ابن قدامة فقد بينت الفروق بينهما للفائدة والتوضيح، وهو موضع تحقيق وتنقيح وتخريج المناط.
٤ - التعليق على الرسالة وتبيين رأي الحنابلة المتأخرين فيما ذكر المؤلف وخاصة التعاريف وحاولت قدر الإمكان أن لا أطيل إلَّا فيما لابد منه.
٥ - الإحالة إِلَى كتب غير الحنابلة فِي حال ذكرها المؤلف وفي بعض المواضع الآخرى للفائدة.
٦ - تصحيح بعض الأخطاء وهي قليلة فِي المخطوط وتبيين السبب أَوْ الدليل على التصحيح.
٧ - تخريج الأحاديث وذكر حكم العلماء عليها.
٨ - ترجمة للأعلام المذكورين فِي الكتاب.
1 / 17
٩ - جعلت فِي نهاية كلّ ورقة من المخطوط رقم اللوح مع حرف أأَوْ ب للوجه مثاله [١ - أ] لمن أراد أن يرجع للمخطوط.
١٠ - إِذَا أضفت شيئًا للتوضيح فإني أضعه بين معقوفتين [] وهو قليل.
* * *
1 / 18
طبعات الكتاب
* طبعة المكتبة المكية بتحقيق الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر.
وقد أجاد فيها وأفاد، ولكن الملحظ عَلَيْه فِي الأخطاء لم يصححها وهي قليلة كما أن البياض فِي المخطوط لم يقابله على كتب الحنابلة كما أَنَّهُ فِي أغلب المواضع يحيل المسائل إِلَى المصادر الأصولية وَلَا يعلق عليها وَلَا على التعاريف عند الحنابلة.
* طبعة وزارة الأوقات الكويتية. مكتب الشؤون الفنية ١٤٢٧ - ٢٠٠٦
هذه الطبعة أخرجت الكتاب كمتن ولم تعلق عَلَيْه ولم يخرج الأحاديث فقد ذكر رقم الحديث ومن خرجه فقط وبدون الحكم عَلَيْه.
* شروح الكتاب:
يوجد للرسالة شرح واحد مطبوع وهو شرح رسالة فِي أصول الفقه للدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء سابقًا وهو تفريغ لدورة ألقاها الشيخ فِي شرح الكتاب وقد استفدت من تصويباته حفظه الله تعالى.
وقد ذكر لي أن الشيخ عبد الله الفوزان شرح الكتاب وبحثت عن كتاب مطبوع فِي الشبكة العنكبوتية والمكتبات ولم أجده، بل الموجود له صوتيات فِي شرح الرسالة.
1 / 19
* هل هذه الرسالة هي أوَّلَ مؤلف عند الحنابلة فِي الأصول؟
طريقتان للحنابلة المتقدمين فِي التأليف فِي علم الأصول.
الأولى: أن يكون المؤلف فِي الفقه وأصوله وهذا هو أصل هذه الرسالة حيث ذكر المؤلف فِي الخاتمة أَنَّهُ أخذها من كتابه المبسوط فِي أحكام الفقه والأصول، ففي هذه الطريقة سبقه فِي التأليف شيخ الحنابلة الحسن بن حامد فِي كتابه تهذيب الأجوبة وهو كتاب مطبوع محقق فِي رسالة علمية فِي الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية.
والطريقة الثانية: أن يؤلف مؤلف مستقل فِي أصول الفقه، وتدخل فِيهِ هذه الرسالة تجوزا دون النظر إِلَى أصلها فقد سبقها مؤلفات عند الحنابلة لكنها مخطوطات وَلَا يعلم عن وجودها يسر الله الحصول عليها، منها مؤلف شيخ الحنابلة فِي عصره الحسن بن حامد له مؤلف فِي الأصول اسمه أصول الفقه (١)، وكذلك ألف أحمد بن إبراهيم بن القطان البغدادي المتوفى سنة ٤٢٤ فِي أصول الفقه (٢).
وبهذا يتبين لنا أن هذه الرسالة ليست أوَّلَ مؤلفات الحنابلة فِي أصول الفقه لا من حيث الاستقلال وَلَا من حيث الجمع بين الفقه وأصوله لكن بامكاننا أن نقول هي أوَّلَ كتاب مطبوع للمتقدمين من الحنابلة والله تعالى أعلم.
* * *
_________
(١) المدخل المفصل لبكر أَبُو زيد (٢/ ٩٦٩)، والمذهب الحنبلي للتركي (٢/ ٦٦، ٦٩).
(٢) المذهب الحنبلي للتركي (٢/ ٧٠).
1 / 20
وصف المخطوط
رقم المخطوط: ٣٤٥ (٤)
عنوان المخطوط: رسالة فِي أصول الفقه
المؤلف: العكبري الحسن بن شهاب الحنبلي أَبُو علي (ت ٤٢٨)
سنة النسخ: ١٣٣٣
عدد الأوراق: ١٠ ق (٦٣ - ٧٢)
حجم الورقة: ٢١.٥ = ١٥.٥ سم
عدد الأسطر: ٢٤
أوله: الحمد لله ذي الحجج البوالغ والنعيم السوايع ... أعلم فهمك الله ونفعك به أن أحكام الفقه سبعة أقسام واجب ومباح ومحظور ومندوب إليه وسنة ..
آخره: فمن أراد الاستيعاب فِي هذا العِلْمِ فعليه بالنظر فِي كتابنا المبسوط فقد أودعناه أحكام الفقه وأصوله ومذاهب الأصوليين ودليلهم والجواب عنه بما هو شاف كشاف إن شاء الله تعالى وهو المسؤول أن يجعله خالصًا لوجهه موافقا لمرضاته آمين ولله المنة والحمد.
* * *
1 / 21
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ الشيخ الإِمام العلامة أَبُو علي الحسين بن شهاب العكبري الحنبلي ﵁ وأرضاه آمين:
الحمد لله ذي الحجج البوالغ والنعم السوابغ، حمدا يروي أصول رياض أفضاله، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وأشهد أن لا إلَّا الله وحده لا شريك له المفيض بجوده ونواله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عَلَيْه وعلى آله، الذين هم شجرة أصلها النبوة، وفرعها المروءة، وأصحابه الذين هم زينة الحياة، وسفينة النجاة، وسلم تسليما كثيرًا.
اعلم: فهمك الله ونفعك به، أن أحكام الفقه سبعة أقسام: (١)
واجب، ومباح، ومحظور، ومندوب إليه، وسنة (٢)، وصحيح، وفاسد (٣).
_________
(١) التقسيم الذي عَلَيْه متأخروا الحنابلة للأحكام على قسمين: التكليفية وهي الخمس الأول ولم يذكر ﵀ المكروه وهو ما مدح تاركه ولم يذم فاعله، ولفظ السنة مرادف للمندوب، ثم الوضعية وهي الصحة والفساد والسبب والشرط والمانع والأداء والقضاء والعزيمة والرخصة. انظر: روضة الناظر لابن قدامة (١/ ٩٧) وما بعدها، وشرح مختصر الروضة لطوفي (١/ ٢٤٧) وما بعدها، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (١/ ٣٣٣).
(٢) المؤلف هنا ذكر المندوب إليه والسنة وكأنه يفرق بينهما، وفي آخر الرسالة ص ٦٤ ذكر أنهما بمعنى واحد وأنهما من الألفاظ المترادفة كما هو المشهور عند الأصوليين، فإما أن يكون سبق قلم منه أَوْ من النّاسخ أَوْ أن الرسالة مسودة ولم يبيضها مع أن المخطوط عَلَيْه تصحيحات إلَّا أن هذا الموضع لم ينبه عَلَيْه والله أعلم.
(٣) اختلف العلماء فِي الصحة والفساد هل هي من الأحكام التكليفية أَوْ الوضعية، فمن =
1 / 23