والاعتقادات الفاسدة. والمتردد منا- وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور- لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا فإن الواحد منا قد يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد. فيزيد الفعل لما فيه من المصلحة ويكرهه لما فيه من المفسدة لا لجهله به كالشيء الواحد الذي يجب من وجه ويكره من وجه كما قيل:
الشيب كره وأكره أن أفارقه ... فاعجب لشيء على البغضاء محبوب
وهذا مثل إرادة المريض للدواء الكريه بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب. وفي الصحيح: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ (البقرة:٢١٦) ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث فإنه قال: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه". فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبا للحق محبا له يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد إتفاق الإرادة وبحيث يحب ما يحبه محبوبه ويكره ما يكره محبوبه والرب يكره أن يسيء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله ﷾ قد قضى بالموت فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه. فالرب مريد لموته، لما سبق به قضاءه. وهومع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت. فصار الموت مرادا للحق من وجه مكروها له من وجه. وهذا حقيقة التردد. وهو أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه وإن كان لا بد من ترجيح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت لكن مع وجود كراهة الرب لمساءة عبده وليس بإرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريده. انتهى كلامه رحمه الله تعالى
1 / 16