ما يذكره الخصم من دليل يدل على امتناع وصفه بما يسمى به وصحت الدلالة سلم له أن المعنى الذي يستحقه المخلوق منتف عنه، وإنما حقيقة اللفظ وظاهره يد يستحقها الخالق كالعلم والقدرة، بل كالذات والوجود.
المقام الثالث: قلت له: بلغك أن في كتاب الله أو في سنة رسول الله ﷺ أو عن أحد من أئمة المسلمين أنهم قالوا: المراد باليد خلاف ظاهره، أو الظاهر غير مراد، أو هل في كتاب الله آية تدل على انتفاء وصفه باليد دلالة ظاهرة، بل أو دلالة خفية؟ فإن أقصى ما يذكره المتكلف قوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، وقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، وقوله: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥]، وهؤلاء الآيات إنما يدللن على انتفاء التجسيم والتشبيه. أما انتفاء يد تليق بجلاله، فليس في الكلام ما يدل عليه بوجه من الوجوه.
وكذلك هل في العقل ما يدل دلالة ظاهرة على أن الباري لا يد له البتة؟ لا يدًا تليق بجلاله، ولا يدا تناسب المحدثات، وهل فيه ما يدل على ذلك أصلا، ولو بوجه خفي؟ فإذا لم يكن في السمع ولا في العقل ما ينفي حقيقة اليد البتة، وإن فرض ما ينافيها فإنما هو من الوجوه الخفية عند من يدعيه وإلا ففي الحقيقة إنما هو شبهة فاسدة.
فهل يجوز أن يملأ الكتاب والسنة من ذكر اليد، وأن الله تعالي خلق بيده، وأن يداه مبسوطتان، وأن الملك بيده، وفي الحديث ما لا يحصى، ثم إن رسول الله ﷺ وأولى الأمر لا يبينون للناس أن هذا الكلام لا يراد به حقيقته ولا ظاهره، حتى ينشأ جَهْم ابن صفوان بعد انقراض عصر الصحابة، فيبين للناس ما نزل إليهم على نبيهم، ويتبعه عليه بشر بن غياث ومن سلك سبيلهم من كل مغموص عليه بالنفاق.
وكيف يجوز أن يعلمنا نبينا ﷺ كل شىء حتى الخراءة، ويقول: " ما تركت من شىء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا من شىء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به "، " تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك "، ثم يترك الكتاب المنزل عليه، وسنته الغراء مملوءة مما يزعم الخصم أن ظاهره تشبيه وتجسيم، وأن اعتقاد ظاهره ضلال، وهو لا يبين ذلك ولا يوضحه؟ !
وكيف يجوز للسلف أن يقولوا:
1 / 12