وحده الذي أوحي إليه مستقبل اليهود والأمم الأخرى، فلا ينبغي أن نعتقد أن بلعام قد تنبأ في هذه المناسبة وحدها؛ إذ يتبين بوضوح تام من التاريخ نفسه أنه تميز منذ وقت طويل بالنبوات وبالهبات الإلهية الأخرى. فعندما استدعاه بالاق،
36
قال له (العدد، 22: 6): «لأني أعلم أن من تباركه يكون مباركا وأن من تلعنه يكون ملعونا.» وإذن فقد كانت لديه الموهبة نفسها التي وهبها الله لإبراهيم (انظر التكوين، 12: 3).
37
ومن ناحية أخرى، يجيب بلعام الرسل، كما يجيب إنسان اعتاد القيام بنبوءات، فيقول لهم: إن عليهم أن ينتظروه حتى تكشف لهم إرادة الله. وعندما كان يعلن النبوة أي عندما كان يفسر فكر الله الحق كان يقول عن نفسه عادة: «كلمة من يسمع كلمات الله ويعلم علمه تعالى (أو الفكر أو العلم السابق) ومن يرى رؤية القادر تعالى ومن يقع على الأرض وعيناه مفتوحتان.» وأخيرا، بعد أن بارك العبرانيين بأمر الله ، بدأ يعلن النبوة (كما كانت عادته) وتنبأ بمستقبل سائر الأمم. ويكفي ذلك لإثبات أنه كان نبيا دائما أو أنه أعلن نبوته مرات عديدة، وأنه كانت لديه بوجه خاص (وهذا ما يجب ذكره أيضا) ما كان يعطي الأنبياء اليقين الذي ترتكز عليه حقيقة النبوة: أعني قلبا لا يميل إلا إلى العدل والخير. فهو لم يكن يبارك أو يلعن من يشاء، كما ظن بالاق، بل من أراد الله أن يباركهم أو أن يلعنهم؛ ولهذا أجاب ردا على بالاق: «لو أعطاني بالاق ملء بيته فضة وذهبا لم أستطع أن أتجاوز أمر الرب إلهي فأعمل حسنة أو سيئة. رأيي أنا، ما يقوله الرب إياه أقول.» (24: 13). أما فيما يتعلق بغضب الله عليه في أثناء رحلته فقد حدث لموسى هذا الشيء نفسه عندما ذهب إلى مصر بأمر الله (انظر: الخروج، 4: 24).
38
أما النقود التي كان يأخذها ثمنا لنبوءته فقد كان صموئيل يفعل ذلك (انظر: صموئيل الأول، 9: 7-8)،
39
وإذا كان قد أخطأ في مسألة أخرى (انظر في هذا الصدد الرسالة الثانية لبطرس، 2: 1، 16، ورسالة يهوذا، الإصحاح - الثاني)
40 «فإنه ليس من صديق على الأرض يصنع الخير بغير خطأ»: (انظر الجامعة، 7: 20)، وقد كان لخطبه ولا شك أثر قوي أمام الله، ولكن للعنته أثر قوي أيضا؛ إذ إننا كثيرا ما نجد في الكتاب المقدس أن الله يبرهن على رحمته الواسعة للعبرانيين عن طريق الاستماع إلى بلعام، وتغيير لعنته إلى بركة (انظر: التثنية، 23: 26، يشوع، 24: 10، نحميا، 13: 2)
Bilinmeyen sayfa