بل إن في القضاء عليها قضاء على سلامة الدولة وعلى التقوى ذاتها في آن واحد.
وبهذا نعلم أننا نثبت فيه وهو فينا بأنه آتانا من روحه.
4 (يوحنا، الرسالة الأولى، 4: 13)
مقدمة المؤلف
لو استطاع الناس تنظيم شئون حياتهم وفقا لخطة مرسومة، أو كان الحظ مؤاتيا لهم على الدوام، لما وقعوا فريسة للخرافة، ولكننا كثيرا ما نراهم وقد وقعوا في مأزق يبلغ من الحرج حدا لا يستطيعون منه خلاصا. ولما كانوا يتقلبون بلا هوادة بين الخوف والرجاء لحرصهم الشديد على النعم الزائلة التي يجلبها القدر، فإنهم يميلون دائما أشد الميل إلى التصديق الساذج، فإذا ساورهم الشك في شيء حركهم أقل دافع إلى هذا الجانب أو ذاك، ولا سيما عندما يكون الدافع لهم الخوف أو الرجاء. أما في لحظات الثقة بالنفس فيركبهم الزهو والغرور، وهذا أمر لا يجهله أحد - فيما أظن - وإن كان معظم الناس لا يطبقونه على أنفسهم، ولا يوجد شخص واحد عاش بين الناس إلا لحظ أن معظمهم، حتى أقلهم خبرة، يفيضون في أيام الرخاء حكمة، حتى إن مجرد توجيه النصح لهم يعد إهانة، أما في وقت الشدة فيتغير كل شيء إذ لا يعرفون ممن يطلبون النصح وهم يلتمسونه من كل من يصادفهم، ويعملون بأشد النصائح بطلانا وتناقضا وزيفا، ومن ناحية أخرى، تكفي أقل الدوافع شأنا لتثير فيهم الخوف أو الرجاء. ففي حالة الخوف مثلا، إذا أثارت فيهم حادثة ما ذكرى سارة أو مؤلمة فإنهم يرون فيها علامة لنتيجة سارة أو مؤلمة؛ ولهذا السبب فإنهم يتحدثون عن الفأل الحسن أو السيئ مع أن التجربة قد كذبته مئات المرات، وإذا أثار منظر غير مألوف دهشتهم فإنهم يظنون أنهم شهدوا إحدى الخوارق
1
التي تكشف عن غضب الآلهة أو عن الإله الأعظم، ويظنون أنهم ابتعدوا عن التقوى إذا لم يتجنبوا وقوعها بالقرابين والنذور؛ لأنهم يؤمنون بالخرافة ولا يعرفون حقيقة الدين، وهكذا يختلقون عددا من القصص الخرافية يفسرون بها الطبيعة ويرون الخوارق شائعة فيها، وكأن الطبيعة تهذي كما يهذون. في مثل هذه الظروف يكون أشد الناس اقتناعا بمثل هذه الخرافات هم أكثر رغبة في الحصول على النعم الزائلة، ولما كانوا في وقت الخطر لا يجدون من أنفسهم عونا، فإنهم يطلبون العون الإلهي بصلواتهم ودموعهم كما تفعل النساء ويعلنون أن العقل أعمى، (لأنه عاجز عن إرشادهم إلى وسيلة يقينية للحصول على النعم الزائلة التي يتوقون إليها) ويرون أن الحكمة الإنسانية غرور، وهم في مقابل ذلك يعدون هذيان الخيال والأحلام وكل بلاهة صبيانية إجابات إلهية، بل ويظنون أن الله يبتعد عن الحكماء، وأن الله لا يودع أوامره في أرواح البشر، بل في أحشاء الحيوانات المستأنسة أو أن البلهاء والمجانين والطيور هم الذين يبلغوننا إياها بالغريزة أو بروح إلهية،
2
وهكذا نرى إلى أي حد من البله يدفع الخوف البشر! فالخوف إذن هو السبب في وجود الخرافة وفي الإبقاء عليها وتقويتها، فإذا ما طلب مني أحد أمثلة محددة تؤيد ما قلته من قبل فسوف أذكر له مثل الإسكندر، فلم يبدأ الإسكندر في استشارة العرافين والاستسلام للخرافة إلا بعد أن أصبح يخاف على مصيره وهو على أبواب سوس (انظر: كيونتوس كوريتوس، الكتاب الخامس، 4)،
3
Bilinmeyen sayfa