30
وللسبب نفسه أرجعوا كل شيء إلى الله، وبالتالي يبدو أن الكتاب لا يروي إلا معجزات مع أنه لا يتحدث إلا عن أشياء طبيعية بمعنى الكلمة. وقد قدمنا من قبل الأمثلة على ذلك، وإذن فعندما يقول الكتاب: إن الله قد طبع قلب فرعون على القسوة، يجب أن نعتقد أن ذلك لا يعني إلا أن فرعون قد عصى. وعندما يقال: إن الله قد فتح نوافذ السماء، فذلك يعني أن المطر قد سقط بغزارة وهكذا.
31
فإذا راعينا هذه الخاصية بدقة، وتنبهنا إلى أن كثيرا من الروايات مختصرة للغاية، ولا تعطي إلا تفصيلات قليلة، وقد تكون مبتورة، فإننا لا نكاد نجد في الكتاب شيئا يمكن البرهنة على أنه مناقض للنور الفطري . ويصبح كثير من النصوص التي بدت غامضة مفهومة بعد شيء من التفكير، وبذلك يسهل تفسيرها.
أظنني الآن قد بينت بقدر كاف من الوضوح ما قصدت إليه، ومع ذلك فقبل أن أنتهي من هذا الفصل أود أن أبدي ملاحظة أخرى، لقد اتبعت فيما يتعلق بالمعجزات منهجا مخالفا كل الاختلاف للمنهج الذي اتبعته في حديثي عن النبوة؛ إذ لم أثبت شيئا من النبوة إلا ما استنبطته من المبادئ الموحى بها في الكتب المقدسة، على حين أني اعتمدت أساسا في هذا الفصل على المبادئ التي يمليها النور الطبيعي. وقد فعلت ذلك عمدا لأن النبوة، في ذاتها، تتعدى حدود الفهم الإنساني، وهي موضوع اللاهوت الخالص؛ لذلك لم أكن أستطيع أن أثبت أو أعلم شيئا بشأنها إلا من معطيات الوحي الأساسية، وبالتالي اضطررت إلى أن أفحص النبوة أولا كمؤرخ،
32
وأن أستخلص من دراستي بعض النظريات التي تمكنني - بالقدر المستطاع - من معرفة طبيعتها وخصائصها. وعلى العكس من ذلك، فلما كان موضوع بحثنا في المعجزات وهو: هل نستطيع التسليم بحدوث شيء ما في الطبيعة يناقض قوانينها أو يستحيل استنباطه منها - بحثا فلسفيا محضا - فإني لم أكن في حاجة إلى شيء كهذا، بل لقد وجدت أن من الأصوب بحث هذه المسألة بالأسس المعروفة بالنور الفطري،
33
وبأفضل ما نعرفه منها بقدر الإمكان، أقول: ظننت أنه من الأصوب؛ لأني كنت أستطيع بحثها بسهولة بعقائد ومعطيات مستمدة من الكتاب وحده، وسأعرضها هنا بإيجاز حتى يراها الجميع. يؤكد الكتاب في بعض النصوص عن الطبيعة بوجه عام، أنها تسير طبقا لنظام ثابت لا يتغير، كما نرى مثلا في المزمور 148: 6،
34
Bilinmeyen sayfa