بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم قال أبو محمد علي بن أحمد بن حزم : - الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخاتم أنبيائه وسلم تسليما ؛ { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } ( الكهف : 17 ) وأصدق الكلام كلام الله عز وجل ، وخير الهدي هدي محمد عليه السلام ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، ومن الجهل والحيرة ، ونسأله تعالى الهدى والتوفيق لما يرضيه ، آمين . قرأت - علمنا الله وإياك ما يزلفنا لديه - سؤالك ، ووقفت عليه ، وذكرت فيه انك غنما تسأل سؤال المتعلم ، وذكرت قول الله ، عز وجل في الذين أخذ عليهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه ( 1 ) فوقفت عند عهد الله - عز وجل - في ذلك على كراهتي المسائل ، فقد كره رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كثرة المسائل ( 2 ) ، وكرهها السلف الصالح ، لا على سبيل الاسترشاد وطلب البيان ، لكن على سبيل التفاخر ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . 1 - ذكرت - وفقنا الله وإياك لعلم يقرب منه وعمل يرضيه - أنك رأيت الرجل يصلي خلف الرجل الإمام أياما كثيرة لا يدري مذهبه ، فاعلم - عافانا الله وإياك - أن البحث عن مثل هذا أحدثه الخوارج ، فهي التي كشفت الناس مذاهبهم ، وامتحنتهم في ذلك ، وسلك سبيلهم المأمون والمعتصم والواثق مع ابن أبي داود وبشر المريسي ومن هنالك ؛ وما امتنع قط أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ولا من خيار التابعين من الصلاة خلف كل إمام صلى بهم ؛ حتى خلف الحجاج وحبيش بن دلجة ( 1 ) ونجدة الحروري والمختار ، وكل متهم بالكفر ، وقيل لابن عمر في ذلك ، فقال : إذا قالوا حي على الصلاة أجبناهم ، وإذا قالوا حي على سفك الدماء تركناهم . وقال عثمان رضي الله عنه - [ 222 / أ ] عن الصلاة من احسن ما عمل الناس ، فإذا أحسنوا فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم . 2 - ثم قلت ، فيقال لك : إن الذي نصلي خلفه يجيز المسح على الجورب دون أن يكون عليه أديم ( 2 ) ، وهذا يا أخي عجب ؛ اعلم انه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم [ المسح ] على الجوربين [ دون ] أن يذكر أحد في ذلك جلدا ، أوضح ذلك [ أبو ] مسعود البدري والبراء بن عازب وأنس بن مالك وابن عمر وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ، ولا يعرف لهم ، رضي الله عنهم ، في ذلك مخالف من الصحابة . وصح ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي والأعمش . واختلف في ذلك [ عن ] عطاء ؛ والإباحة أصح عنه . وسئل عن ذلك أحمد بن حنبل فقال : هو مروي عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله ، صلى الله [ عليه ] وسلم ، فإن كنت لا تستجيز الصلاة خلف من سميت لك ، فقد خسرت صفقتك . 3 - ثم ذكرت أن ذلك الإمام قيل عنه إنه يجيز الوضوء بالنبيذ ( 3 ) ، فاعلم يا أخي أن الوضوء بالنبيذ ، وإن كنا لا نقول به لأنه لم يصح الحديث في ذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقد رويناه عن علي بن أبي طالب وعكرمة والاوزاعي ، وروي عن الحسن بن حي وحميد بن عبد الرحمن ( 4 ) وغيرهما من الفقهاء . فغن كنت لا تجيز الصلاة خلف هؤلاء ، فأنت أعلم . 4 - ثم قلت : عن ذلك الإمام يجيز الوضوء والغسل من حوض الحمام ، وهو راكد ، وهذا يا أخي أعجوبة . أما علمت أن حذاق أصحاب مالك : إسماعيل القاضي ( 1 ) وكل من بعده هذا قولهم وهو الذي يحققون على مالك وينصرونه ، وهو أن كل ما عندهم وإن حلته نجاسة فلم تغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فهو طاهر يتوضأ فيه ويغتسل به . 5 - ثم قلت إن ذلك الغمام لا يوجب الماء إلا من الماء ( 2 ) ؛ فاعلم يا هذا أن هذا القول ، وإن كنا لا نقول به لأنه قد صح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إيجاب الغسل وإن لم ينزل ، فأخذنا بهذا لأنه زائد على الحديث الآخر ، فقد قال بهذا القول من يوم من أيامه يعدل كل من أتى بعده ويأتي إلى نزول المسيح ، عليه السلام ، وهو عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص [ 222 ب ] وأبو أيوب الأنصاري وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وأبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن حديج وابن عباس والنعمان بن بشير ، ومن التابعين الأعمش وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهشام بن عروة وعطاء بن أبي رباح وجماعة من بعد هؤلاء ، فإن كنت ترفع نفسك عن الصلاة خلف هؤلاء فسترد وتعلم . 6 - قم قلت : إن ذلك الإمام قيل عنه إنه يرى الجرعة من الخمر ليست حراما ، وأن النقطة أو النقطتين من الخمر لا تنجس الثياب ولا الجسد ، فهذا غير ما كنا فيه ، ولا خلاف بين أحد من المسلمين أن من استحل الخمر قليلها وكثيرها فهو كافر مشرك مرتد ، وهو عندنا يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل فكان ماله فيئا . وإن كنت عنيت بالخمر ما كان من الأنبذة من غير عصير العنب ، فنحن وإن كنا لا نقول بهذا أيضا وهي عندنا كلها خمر محرمة ، فقد أباحها من الأئمة من [ هم ] أعلى مراتب ممن جاء بعدهم ممن يؤخذ دينه عنهم : كعلقمة ( 3 ) وإبراهيم النخعي والأعمش وسفيان الثوري ووكيع وكان شديدا في ذلك جدا . وقد روي عمن هو أجل من هؤلاء ، فإن كنت ترغب بنفسك عن الصلاة خلف هؤلاء فحسبك بذلك جهلا وغباروة ، وخلافا للأمة في تعظيم هؤلاء وأخذهم السنن والدين عنهم ، ولم يعصم أحد من الخطأ بعد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فكل مجتهد مأجور ( 1 ) ، إن اخطأ أجرا واحدا ، وإن أصاب أجرين ، والمجتهد المخطئ أفضل من المقلد المصيب ، لأنه لا يجتهد إلا عالم ولا يقلد إلا جاهل . وأما تنجيس الخمر ما وقعت فيه فلا نعلم في أنها تنجس ما مست من ذلك خلافا ، إلا شيئا ذكره بعض العلماء عن ربيعة وهو قول فاسد ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . 7 - ثم ذكرت أن هذا الإمام كان يمسح بطرف رأسه ( 2 ) ، فاعلم أن هذا عمل قد صح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وصح عن ابن عمر ثم عن إبراهيم النخعي وصفية بنت أبي عبيد ( 3 ) وفاطمة بنت المنذر ( 4 ) والشعبي وعبد الرحمن بن أبي لليلى [ 223 / أ ] وعكرمة والحسن البصري ، وعطاء ( 5 ) ، وأبي العالية والأوزاعي والليث ، وجمهور الفقهاء وغيرهم ، فغن كنت لا ترضى الصلاة خلف هؤلاء فالنقص والعار راجع إليك في ذلك لا عليهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . 8 - ثم ذكرت أن هذا الغمام يقوم من جلوس ، فاعلم أن هذا قد صح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وعن مالك بن الحويرث ( 6 ) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن عمرو بن سلمة الجرمي ( 7 ) ، وقد صلى بالصحابة في حياة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقال بذلك طوائف من العلماء بعدهم ، فإن كنت ترغب بنفسك عن الصلاة خلف من ذكرنا فنفسك سفهت وإياها ظلمت ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . وأما قولك : نهى عنه بعض العلماء فقد علمنا بذلك ، وقال به من العلماء من ذكرت لك ممن أجل ممن نهى عنه ، فاعلمه ، وليس بعضهم حجة على بعض ، ولكن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الحجة على الجميع ، قال الله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ( النساء : 59 - . 9 - وقلت في هذا الإمام : إنه يبسمل في أم القرآن ويجعلها آية ، فاعلم يا هذا أن القراء الكوفيين ( 1 ) وهم عاصم ( 2 ) وحمزة ( 3 ) والكسائي ( 4 ) يفعلون ذلك ويعدونها آية من أم القرآن ، وهو قول علي وابن عمر وأبي بن كعب وأبي هريرة وابن الزبير وابن عباس والزهري وعبد الله بن مغفل ( 5 ) وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاوس والحكم بن عتيبة ( 6 ) ، وأبي إسحاق السبيعي ( 7 ) ، وقال به طوائف من العلماء بعدهم كابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، حتى إن بعضهم أبطل صلاة من لم يقرأ بها في ابتداء أم القرآن . ونحن وإن كنا لا نبطل صلاة من لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فقد قال بذلك من ذكرنا ، نعم ، وروي ذلك عن جمهور الصحابة وعن أبي بكر وعمر ، فغن كنت لا تجيز الصلاة خلفهم فنفسك [ 223 ب ] ظلمت وعن جهلها بينت ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . 10 - وقلت في هذا الإمام : إن هذا الإمام يسلم عن يمينه وشماله : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، فاعلم يا هذا أن هذا هو الصحيح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم عن أبي بكر الصديق ، وابن مسعود ، وعلي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر ، ونافع بن الحارث بن عبد الحارث ، ثم علقمة وأبي عبد الرحمن السلمي والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي وخيثمة ( 8 ) ؛ وعمن بعدهم : سفيان الثوري والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق ، وأبي ثور ( 9 ) وغيرهم وجمهور أصحاب الحديث ، حتى إن بعض من زكريا يراها فرضا . فإن كنت ترفع نفسك عن الصلاة خلف هؤلاء ؛ فما تضر بذلك ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . 11 - ثم ذكرت - [ دعاءه ] - بعد ( 1 ) الصلاة ، فحسن قال الله تعالى { ادعوني أستجب لكم } [ وأنه يصلي ] صلاة الظهر في أول زوال الشمس فهو أفضل ( 2 ) إلا في الصيف في شدة الحر . صح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، انه سئل عن أفضل الأعمال ، فقال : الصلاة في أول وقتها ، وصح ذلك أيضا عن من بعده من الصحابة ومن بعدهم ، رضي الله [ عنهم ] . وتأخيرها ما لم يخرج وقتها واسع . وما نعلم أحدا من المسلمين منع من الصلاة في أول وقتها حتى تسأل عن الصلاة خلف من يصليها ( 3 ) حينئذ - وحسبنا الله ونعم الوكيل . 12 - وأما عادة ( 4 ) رفع اليدين عند كل تكبيرة ؛ فقد صح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ومن العجب انه في الموطأ الذي ربما عرفتموه . وأما سائر كتب ( 5 ) العلماء ودواوين الحديث فالعمل بها في هذه البلاد الأندلسية قليل ؛ وكنت أريد [ أن ] أذكر لك من نقل ذلك وتشدد في توكيده ، ولكن يكفيني من ذلك أن أشهب ( 6 ) وابن وهب ( 7 ) وأبا المصعب ( 8 ) رووا رفع اليدين في الركوع ، والرفع في الركوع عن مالك من قوله وفعله ، فإن كنت لا ترضى الصلاة خلفه فحسبك ورأيك في ذلك . واعلم يا أخي أن ابن عمر كان يحصب من [ 224 / أ ] رآه يصلي ولا يرفع يديه في الركوع ولا في السجود ، والفاعلون لذلك أكثر من ان يجهلهم الجاهلون . 13 - وأما قولك في السلم : الدرهم بدرهمين ، فهذا وإن كان عندي حراما ، فقد قال به كل من لا يعدل كل من بعده يوما من أيامه ، وهو ابن عباس ، ثم فقهاء أتهل مكة وجماعة من بعدهم . وقد قلت لك إنه لم يعصم أحد من الخطأ بعد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو الحجة على كل أحد ، ولكن إن كنت ترفع نفسك عن الصلاة خلف ابن عباس فتبا لك وسحقا . 14 - وأما الحديث الذي ذكرت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، تفرقت الألسن على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا الناجية ، قالوا : يا رسول الله ، ما الناجية قال : ما أنا عليه أنا وأصحابي ؛ فليس هكذا الحديث ، وأعلى ما في الحديث حدي حدثنيه أبو عمر ، قال : حدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم قال : أخبرنا جدي قاسم بن أصبغ البياني قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، أخبرنا نعيم - هو ابن حماد - أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا عيسى عن جرير - هو ابن عثمان - عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ( 1 ) : تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ، ويحرمون الحلال ؛ فهذا أصح ما في هذا الباب وأنقاها سندا ؛ وأما سائر الأحاديث الواردة فيه فمعلومة جدا لم يدخلها أحد من اهل الانتقاء في المصنفات والمسندات ، فاعلمه . 15 - وأما قولك : فهل قبض رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلا على ما لجأ إليه أمير المسلمين في العلم ومن تبعه وهو مالك بن أنس - رحمه الله . فاعلم يا هذا : أن قول كل أحد مردود ( 2 ) إلى قول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإن صدقه قول رسول الله فذلك من سعد ذلك القائل ، وإن رده قول رسول الله ترك قول ذلك القائل ، كائنا من كان . ولا يحل لمسلم ان يحكم قول قائل على قول النبي ، صلى الله عليه وسلم . وأما قولك : [ 224 ب ] أمير المسلمين في العلم ومن تبعه ، وهو مالك ، فما للمسلمين أمير مفترضة طاعته في دينهم بعد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؛ وأما مالك ، رحمه الله ، فهو أحد ( 3 ) العلماء والأئمة ، اجتهد كاجتهاد الأئمة غيره منهم ، وله نظراء من الأئمة ليس له عليهم تقدم في علم ولا فقه ولا سعة رواية ولا حفظ ولا ورع ، كسفيان الثوري بالكوفة والاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ( 1 ) بالشام والليث بمصر ، إلى آخرين ليس له عليهم فضل في الورع والحفظ والعلم إلا أنهم لم يكثروا الفتوى تورعا ، كشعبة ( 2 ) وابن جريح ( 3 ) وسفيان بن عيينة وابن أبي ذئب ( 4 ) ومعمر ( 5 ) وغيرهم ، إلى آخرين ليس له عليهم فضل في كثرة الفتوى وإن كان ( 6 ) أحفظ منهم للحديث كابن أبي ليلى وابن شبرمة ( 7 ) والحسن بن حي وعثمان البتي ( 8 ) ، وأبي ( 9 ) حنيفة وسوار بن عبد الله القاضي وغيرهم ، إلى آخرين أتوا بعد هؤلاء وإن تأخرت أزمانهم فلم يتأخروا في العلم والفقه وسعة الرواية وكثرة الفتيا عنهم : كالشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وأبي عبيد وأبي ثور وداود بن علي ومحمد بن نصر المرزوي ( 10 ) ومحمد بن جرير الطبري وغيرهم ، ثم قبل كل من ذكرنا ممن هو عند جميع المسلمين أجل من كل من ذكرنا كعطاء وطاوس ومجاهد وعبيد بن عمير بمكة ، وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار وعروة وخارجة وأبي بكر بن عبد الرحمن ، والقاسم بن محمد الزهري وربيعة بالمدينة ، عمر بن عبد العزيز وقبيصة بن ذؤيب بالشام ، والحسن البصري ومحمد بن سيرين وأيوب السختياني وعبد الله بن عون وسليمان التميمي ويونس بن عبيد بالبصرة ، وعلقمة والأسود والحكم ابن عتيبة بالطوفة ، ثم قبل هؤلاء الصحابة ، رضي الله عنهم ؛ كل هؤلاء يا هذا نقلهم مضبوط محفوظ مروي ، والحمد لله رب العالمين ، ليس جهل من جهله حجة على من علمه . وكانوا كلهم رضي الله عنهم يختلفون [ 225 / أ ] فلا ينكر بعضهم على بعض إلا أن يكون عند أحد منهم خبر عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيذعن له الآخر حينئذ . على هذا جرى الصحابة ، رضي الله عنهم ، والتابعون وتابعو التابعين أولهم عن آخرهم لا أحاشي منهم أحدا بوجه من الوجوه ، إلى أن حدث ما حدث في القرن الرابع ؛ فإن كنت لا تعرف ذلك فاطلب الروايات للعلم عند ضباط الحديث تجدها ، وكذلك الروايات عن كل من ذكرنا لك ( 1 ) في كتابي هذا حاضرة ، والحمد لله رب العالمين . فإن كان هؤلاء لم يستحق أحد منهم أن يكون أميرا للمسلمين في العلم إلا مالكا ومن اتبعه فهذه بدعة وضلالة لا يعلم في الإسلام بدعة اعظم منها ، ما لم تبلغ الكفر ؛ لأن من ضل في هذه الطريقة وهلك باتباعها فإنما ضل بإفراطه في علي - رضي الله عنه ، وهو صاحب بدري سابق خاص بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، مضمون له الجنة ، فقد صح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، انه قال ( 2 ) : ' لا يبغضه إلا منافق ' ؛ وأما الضلال بمثل هذا الإفراط في رجل من عرض المسلمين لا يقطع له بالجنة ولا تضمن له النجاة من النار بل يرجى له ويخاف عليه ولا يقطع له بأكثر من حسن الظن به فما ظننت قط بأحد هذا الإفراط ، والحمد لله على ما من به من الهدى وعصم به من الهوى ، وإنا لله وإنا إليه راجعون على ما فشا من البدعة وطمس من السنة . وكذلك والله ما توهمت أن مسلما يعتقد أو يظن أن مالكا وحده ومن اتبعه لجأوا إلى غير ما نص عليه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم في العلم ، وأن سائر من خالف أقوال مالك من الصحابة والفقهاء والتابعين بدلوا ما قضى ( 3 ) رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فإن لم يكن عندك هذا فلم خصصت مالكا ومن اتبعه بذلك في كلامه دون سائر العلماء ، وما شاء الله كان . فقد أجبتك عما لزمني الجواب عنه بما ( 4 ) أخذ علي من عهد الله تعالى ، ولولا ذلك لما ( 5 ) اجبتك ، والله يعلم أني غير حريص [ 225 ب ] على الفتيا ، ومن علم أن كلامه من عمله محصى له مسؤول عنه قل كلامه بغير يقين ، ولو أنك يا هذا تشغل نفسك بالكرب لما حدث في الناس من كون خطة يتنافس فيها للرياسة ، حتى إذا غاب الذي ولاه السلطان ووفقه الله ، تعادى الناس من الغمامة خلف كل همزة لمزة واتقاء شر من هو شر الناس الذين يتقون بشرهم حتى تعطل صلاة الجماعة ولا يعمر بها المساجد وتقر عين إبليس بحرمان صلاة الجماعة وفضل السبع وعشرين درجة ، لكان أولى بك [ من ] أن تتورع عن الصلاة خلف من لا تدري مذهبه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . تمت رسالة الإمام ولله الحمد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا آمين .
Sayfa 216