ونسي المحاضر أن كل الديانات تبدي كراهتها للاسترقاق، وفي الوقت نفسه لم يفكر في أن الإنسان لا يعمل إلا نادرا بأحكام الديانة، كما أن المسلمين غير مسئولين عن الفظائع التي يرتكبها النخاسون وملاك الرقيق، وإذا كان الإنجيل لا يحتوي على أحكام خاصة بالاسترقاق، فإن مرجع ذلك عدم اعترافه بالرق الذي لم يكن له نظام عرفي، ولا باستخدامه في المعيشة الداخلية، وأن الديانة المسيحية كانت تعتبر وجود الرق حالة شاذة من بقايا عادة وثنية تخالف حكمة القانون، فالحواريون ما كانوا يفكرون أن كشف أمريكا يؤدي إلى تجديد هذه العادات العتيقة.
فأجاب عليها المؤلف بفصل بعث به إلى الجريدة المذكورة فنشرته في العدد 2805 الصادر في 22 ديسمبر، وهذا تعريبه:
حضرة مدير جريدة الأجبسيان غازت
تلوت في العدد الصادر في 15 ديسمبر جملة تختص بالجلسة الأخيرة التي عقدتها الجمعية الجغرافية الخديوية، لم يتفطن صاحبها أثناء كلامه على خطبتي في الاسترقاق إلى المعنى الحقيقي الذي يستفاد من أقوالي، ولذلك جئت أرجوكم أن تتكرموا بنشر إجابتي هذه في جريدتكم الغراء.
إن الذي حملني على الشروع في هذا البحث على الاسترقاق إنما هو الخطأ الشائع في أوربا بخصوص الديانة الإسلامية؛ إذ يزعم القوم أن نصوصها تساعد على ارتكاب الفظائع الحاصلة في أفريقيا الوسطى، فلما أقدمت على هذا العمل رأيت من الواجب علي أن أحيط علم الجمهور بخلاصة تاريخية على الاسترقاق منذ الأعصار الخوالي والقرون السوالف، وجرني ذلك أيضا إلى الكلام عليه في الديانة النصرانية، وحينئذ لم يكن قصدي أن أتهم هذه الملة، وإنما ذكرت بعض أقوال آباء وعلماء الكنيسة للإعلام بحوادث وقعت وأمور تمت ليس إلا، فلذلك ليس في هذا المبحث شيء من العدوان، لأن غرضي الوحيد إنما هو - كما لا يخفي - أن أبرهن على أن الديانة الإسلامية لم تعتبر قط بني الزنج بمثابة الحيوان، بل إنها تكثر من وصاية المؤمنين بمعاملتهم بالتي هي أحسن، وإنها تسعى في إلغاء الاسترقاق وتجنح إلى إبطاله.
وتقبل يا حضرة المدير مزيد شكراني ووافر احترامي.
الملحق الثالث
رأيت في عدد 514 من جريدة المؤيد الأغر الصادرة في 28 محرم سنة 1309 (2 سبتمبر سنة 1891) الجملة الآتية وهي بنصها:
كتاب الرق في الإسلام
هذا الكتاب الجليل النفيس هو أحسن وأفضل ما صنف في الدفاع عن الديانة الإسلامية، التي قام الكردينال لافيجري وأشياعه باتهامها بأنها هي التي تدعو إلى النخاسة، وتوصي أهلها بارتكاب الفظائع والقبائح التي يرويها عن أواسط أفريقيا، ألفه بالفرنساوية حضرة الفاضل البارع أحمد بك شفيق السكرتير الخصوصي لسعادة ناظر الخارجية، وألقاه في جلسات متوالية على الجمعية الجغرافية الخديوية، فكان له أحسن وقع وأعظم تأثير، وقد أتينا على ما صادفه من النجاح والقبول في أعدادنا الماضية، وشرحنا أهم أقواله وملاحظاته، وقد ألح كثير من الكبراء والفضلاء الذين يهمهم إحقاق الحق وتبيان الواقع على حضرة الفاضل الألمعي الأريب أحمد أفندي زكي مترجم أول مجلس النظار، ومترجم شرف في الجمعية الجغرافية الخديوية بنقل هذا السفر العديم النظير إلى اللغة العربية، فلبى الطلب وقام بهذا الواجب خدمة للدين والحق، وعما قريب يتجلى للقراء من أبناء العرب، فيرون ما فيه من شوارد الفوائد، وأوابد الفرائد، ويشكرون هذين الفاضلين النجيبين على هذه الخدمة الجليلة.
Bilinmeyen sayfa