فقالت: «لا، بالطبع لا»، وبدأت تتحدث عن سيارة كانا قد طلباها.
وهكذا بدأت المعركة القديمة نفسها. نفس المجادلات والحيل والمداهنات. إشاراته إلى النافذة المفتوحة، وتذكير نفسه بأنها مجرد سيارة ويمكن إيقافها في أي لحظة، والرغبة في التفكير في موضوع يبعد كل البعد عن الوقت الراهن، وإقناعه لنفسه بأنه محظوظ لأنه على قيد الحياة أصلا. لكن مد شعوره بالذعر بدأ يرتفع منذرا بخطر وتهديد بغيضين. مد أسود خبيث ، مزبد وهائج. كان الآن يحيط بصدره، ويضغط عليه ويحبس أنفاسه، حتى إنه كان بالكاد يستطيع التنفس. والآن وصل إلى حلقه، وشعر به يلتف حول قصبته الهوائية، ويقبض على رقبته كالكماشة. في لحظة سيكون في فمه. «لالا، توقفي!»
سألته في دهشة: «أوقف السيارة؟» «أجل.»
أوقفت السيارة تماما، فترجل منها على قدمين مرتعشتين وانحنى على الحاجز الحجري الجاف يشهق محاولا أن يستنشق أكبر قدر من الهواء النقي.
فسألته لورا في قلق: «هل تشعر بتوعك، يا ألان؟» «لا، إنما أردت أن أخرج من السيارة فحسب.»
فقالت بنبرة ارتياح: «أوه، أهذا كل شيء؟!» «أهذا «كل شيء»؟» «أجل؛ رهاب الأماكن المغلقة. كنت أخشى أن تكون سقيما.»
فقال في مرارة: «ألا تسمين ذلك سقما؟» «بالطبع نعم. كدت أموت من الرعب مرة، حين أخذوني لرؤية كهوف شيدر. لم أكن قد دخلت كهفا من قبل.» كانت قد أطفأت المحرك، وكانت حينئذ جالسة على صخرة على جانب الطريق وتكاد توليه ظهرها. وتابعت: «عدا جحور الأرانب تلك التي كنا نطلق عليها كهوفا في شبابنا.» رفعت لورا علبة سجائرها إليه. واستطردت: «لم أكن قد ذهبت تحت الأرض من قبل، ولم يكن لدي مانع من الذهاب على الإطلاق. بل ذهبت وأنا مفعمة بالحماسة والسرور، وكنت على بعد نصف ميل من مدخل الكهف حين صدمني الأمر. كنت أتعرق من شدة الذعر. هل يصيبك ذلك كثيرا؟» «أجل.» «أتعرف أنك الشخص الوحيد الذي ما زال يناديني لالا أحيانا؟ نحن نتقدم بالعمر كثيرا.»
نظر حوله ثم نظر إليها، وكان التوتر يتلاشى من محياه. «لم أكن أعلم أنك تعانين من أي مخاوف غير الجرذان.» «أوه، أجل. لدي تشكيلة كبيرة منها. الجميع لديهم، على ما أظن. على الأقل كل من ليس أحمق. إنني أحافظ على هدوئي لأنني أعيش حياة هادئة وأزداد في الوزن. لو كنت أفرط في العمل على النحو الذي تفعله أنت، لأصبحت مهووسة جامحة. كنت سأصاب على الأرجح برهاب الأماكن المغلقة ورهاب الخلاء، وكنت سأحقق سابقة طبية تاريخية. بالطبع، سيجد المرء سلوى كبرى في كونه موجودا في دورية «ذا لانسيت».»
ترك الاتكاء على الجدار وجلس إلى جوارها. وقال: «انظري»، ثم رفع يده المرتعشة التي يمسك بها سيجارته لتراها. «مسكين أنت يا ألان.»
فقال موافقا: «ألان مسكين بالفعل. لم ينتج ذلك عن كوني في الظلام تحت الأرض على عمق نصف ميل، لكنه عن كوني راكبا في سيارة نوافذها مفتوحة عن آخرها في ريف مفتوح صباح يوم أحد جميل وفي بلد حر.» «لم ينتج عن ذلك، بالطبع.» «لم ينتج عن ذلك؟» «نتج عن أربع سنوات من العمل المستمر المضني والتركيز المفرط. كنت دائما داهية فيما يتعلق بالتركيز. يمكن أن تكون متعبا كثيرا. هل تفضل أن تعاني من رهاب الأماكن المغلقة أم من سكتة دماغية؟» «سكتة دماغية؟» «إن كنت تعمل حتى تكاد تقتل نفسك، فعليك أن تدفع لقاء ذلك بطريقة أو بأخرى. فهل تفضل أن تدفع بالطريقة الجسدية الأكثر اعتيادا كارتفاع ضغط الدم أم إجهاد في القلب؟ من الأفضل أن تخاف من أن تكون في سيارة مغلقة من أن تكون جالسا على كرسي متحرك. على الأقل سيكون لديك وقت لا تكون فيه خائفا. إن كنت تكره فكرة معاودة ركوب السيارة بالمناسبة، فيمكنني أن أتابع المضي إلى سكون بخطابك وأقلك لدى عودتي.» «أوه، لا، سأتابع المضي.» «كنت أظن أن من الأفضل ألا تقاوم الأمر، أليس كذلك؟» «هل صرخت حين كنت على بعد نصف ميل تحت الأرض في كهوف شيدر؟» «لا. لكنني لم أكن عينة مرضية تعاني من الإفراط في العمل.»
Bilinmeyen sayfa