وفي هذه المعركة كتبت للمؤيد كلمة التأييد التي كنت في المعارك السابقة أكتبها عليه، وقلت عن تلك المقالة الطنانة إننا:
تلوناها كلمة كلمة وسطرا سطرا، فكنا كلما قرأنا كلمة أزالت تأثير لمحة من تلك الخطبة، وكلما تلونا سطرا انهزم سطر منها، حتى جئنا على آخرها، فكأنما حقل ثقل وارتفع، أو هام جهام وانقشع، ولا غرو أن كانت مسهبة طويلة، فإنها تذيب سبابا كالقار أسود لا يصهر إلا على أشد حرارة النار.
لقيت صاحب المؤيد في مكتبه للمرة الأولى والأخيرة لأسلمه تلك الكلمة، فاستقبلني مع رهط من الزوار والمحررين، ورأيته يكتب وهو يحمل الورقة في يده ويلتفت إلى محدثيه لحظة ثم يعود إلى ورقته يسطر فيها كأنه لم ينقطع عنها، ثم وضع الورقة على المكتب بعد الفراغ منها، وسألني: هل أنت طالب؟
ولم أكن يومئذ طالبا ولا موظفا، بل كنت بين طالب وموظف؛ لأنني كنت أستعد للعمل بمصلحة التلغراف وأتلقى دروسا في الكهرباء والكيمياء بمدرسة الصناعة، فقلت: بين طالب وموظف!
فابتسم واستفسرني، وأوجزت له تفسير هذا العمل الجامع بين طلب العلم والوظيفة، وقد نبهته ذكرى «التلغرافات» على ما يظهر، فأقبل على التحدث إلي وعاد يسألني: وما الذي أعجبك في المقال؟ فقلت: أعجبني المقال كله، وبخاصة موقع الاستشهاد فيه بهذين البيتين، وهما من شعر أبي العلاء:
ربما أخرج الحزين جوى الحز
ن إلى غير لائق بالسداد
مثلما فاتت الصلاة سليما
ن فأنحى على رقاب الجياد
فقال وهو يقطع الكلمات: إذن أنت طالب، وموظف، وأديب. ووعدني بنشر الكلمة فنشرها بهذا التقديم «من حضرة الفاضل صاحب الإمضاء».
Bilinmeyen sayfa