التمعن في الأشياء الغريبة. ومع ذلك فها هو دجلة الخالد يجري من تحت شباكنا ، ويعج بالزوارق والأكلاك ، ويمتد من فوقه جسر الزوارق المعروف الذي يوصل بين ضفتيه. وترتفع من حولنا منائر الجوامع وقبابها ، ومراقد القديسين والأولياء ، وهي تحدثنا عن الأيام الغابرة حينما كانت بغداد عاصمة الإسلام وموئل قوته ومنعته. وها هي بابل وسلوقية (1) وطاق كسرى تقع في مواقع قريبة منا ، وتغص البلاد المحيطة بنا كلها بالأشياء المهمة التي تلفت النظر وتستدعي الاستكشاف. ولذلك أعددنا أنفسنا للاستفادة من وقتنا القصير بأحسن وجه ، وبدأنا بجولاتنا.
فبالنسبة للذين يأتون من إيران ، وخاصة الذين يكون قد أضجرهم تعاقب الدمار والخراب الذي أتعب عيوننا وأنهكها ما رأيناه من آثاره ، يعتبر منظر بغداد لأول وهلة منظرا بديعا يبعث على الانطباع الحسن بالتأكيد. فللأسوار أولا منظر مهيب يؤثر في النفس فهي مشيدة بالآجر المحروق بالنار ، ومدعمة من كل زاوية بأبراج مدورة لها فتحات (مزاغل) خاصة للمدافع ، بدلا من السياج البسيط المبني بالطين ، المتهدم على الدوام تقريبا ، الذي يحيط بالمدن الإيرانية. ولا يعني هذا أن سور بغداد هو سور كامل ، فالأمر ليس كذلك. وإنما أتكلم عن مظهره الخارجي. والأبواب أيضا ، فمع أنها متهدمة للغاية فإنها على وجه التأكيد أعظم من أبواب المدن الموجودة في البلاد المجاورة.
وحينما يدخل السائح القادم من إيران إلى المدينة فإنه علاوة على ذلك يبتهج بمنظر البيوت المبنية ، مثل أسوار المدينة ، بالآجر المفخور التي ترتفع في علوها إلى عدة طوابق. ومع أن عدد الشبابيك المطلقة على الطريق غير كثير بحال من الأحوال فإن العين لا يزعجها استمرار ذلك التعاقب الكريه من الكتل الطينية الحقيرة الواطئة ، المتداعية ، المتعرجة وغير المنتظمة ، التي تحجزها
Sayfa 76