والعادة، وصرنا نجد الراحة في ذلك بعد الآلام التي قاسيناها، فالحمد لله رب العالمين.
وقد ظللنا نركب الإبل خمسة عشر يوما، تسعة أيام من عند الشيخ سلطان الفقير إلى قرية الحائط، وستة أيام من قرية الحائط إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كما سيأتي بيانه.
وأما النوم فعلى الأرض تحت الخيام أو تحت السماء، والعرب ليس عندها للضيف إلا الطعام والقهوة، وينام الإنسان وإلى جانبه الجمال التي تأكل طوال الليل، وكذا الغنم والماعز والكلاب التي تنبح فيظن النائم أن العدو يحاول قتل الرجال، وسلب الأموال، والأهواء العاصفة التي تخفق طول الليل فتصم الآذان، ويرحم الله القائلة:
لبيت تخفق الأرواح فيه
أحب إلي من قصر منيف
ما أعجب حكمها، ولكني أعود فأقول: لا عجب في حكمها لأنها لم تحكم حكما عاما، على أن البداوة خير من الحضر، ولكنها قالت «أحب إلي» وهي معذورة في ذلك لأنها بدوية الأصل والمنشأ، والعادة حببت إليها ذلك، كما أني أوثر الحضر، لأن التربية الحضرية مالت بي إليه، وكم من أهل الحضر من مدح حال البداوة وأثنى عليها، وبالعكس، والحق أن في كل مزايا وخواص لا تنكر، وليس هنا موضع تفصيلها.
ثم إن البرد هناك شديد جدا، والعرب تقول: منع البرد البرد «أي منعت البرودة النوم» وكان حالنا كما قال الشاعر:
Sayfa 43