170

التأويل قائلا : إن مراد عمر بهذا التفضيل قرب هذا المكان أي ركبة من مكة والمدينة.

قلت : لا وجه لهذا القول ، لأنه إن كان مراد سيدنا عمر رضياللهعنه هو قضية القرب من مكة والمدينة ، فهذه مزية لم تختض بركبة ، بل اشتركت بها بقاع لا تعد ولا تحصى ، وكم من مكان أقرب إلى مكة أو إلى المدينة من ركبة هذه ، التي هي على مسافة يوم ونصف يوم من مكة ، وما أرى عمر قصد إلا طيب الهواء ، والبعد عن الوباء ، كما قال ابن وضاح ، فالشام هي مضرب الأمثال في جودة الماء والهواء ، ومع هذا فإن عمر يرى بقعة مثل ركبة من بقاع الطائف أفضل منه للسكنى ، إنه لم يقسم لي الذهاب إلى ركبة ، وإنما سمعت من أهل الطائف الشيء الكثير عن طيب نجعتها ، وبهجة روضها ، لا سيما في أيام الربيع.

وقول ابن وضاح لا يخلو من صحة ، فالشام مع كونه مضرب الأمثال في طيب الماء والهواء ، ومع كونها جنة الله في أرضه ، موصوفة بالوباء من قديم الزمان ، حتى إن أحد إخواننا المصريين أخذته فيما يظهر الغيرة مما رأى من محاسن دمشق ، فنبزها بسرعة الوباء إليها من كثرة المياه المتدفقة في كل أنحائها فقال ذلك البيت الشهير (1):

قيل لي صف بردى كوثرها

قلت : غال برداها برداها

Sayfa 206