** ورأى نابليون أن عقلية الفرنسيس قد تراجعت إلى أصلها ، ففتح
الكنائس ، وأعاد إلى العبادة كرامتها ، ورفع منار الدين الكاثوليكي ، وتتوج إمبراطورا في كنيسة نوتردام في باريس ، ودعا البابا إلى حضور حفلة التتويج ، فجاء البابا بنفسه ، وكان يطوف بعربته في شوارع باريس ، والناس تخر أمامه جثيا ، وهم هم الساجدون له الآن ، كانوا قبل ذلك بسنوات معدودات القوم الذين اتخذوا هواهم إلههم ، وأقفلوا الكنائس ، وأتوا بفتاة حسناء رعبوبة
** فجلوها على منصة رفيعة ، وخروا لها ساجدين.
** فأنت ترى أن زعازع الإلحاد مصيرها غالبا إلى الركود ، وأن
الدين لن يبرح صاحب الكلمة العليا في الأرض ، ما دامت المادة لا تقدر أن تبين عن ذات نفسها ، ولا أن تحدث الإنسان بتاريخها ، وما دام الإنسان متشوقا إلى جواب عن هذا الوجود ، لا يجده إلا في الإيمان بالغيب.
** ولذلك أقول : إنه مهما ترقى الناس في العلوم والفنون لا يبرحون
محتاجين إلى الديانة ، فازعين إلى الغيب ، وإنه لن تبرح أماكن العبادة ، وخصوصا مراكز انبعاث الأنبياء والرسل مثابا لأتباعهم ، يقصدونها من كل فج سحيق.
** ومكة والمدينة وبيت المقدس ستبقى مقصدا للمؤمنين بمؤسسي
الشرائع التي تأسست فيها ، ولو فرضنا أنه اختلفت فيها مفاهيم السلائل البشرية الآتية عن السلائل الحاضرة.
** وأقول : إن اختلاف هذه المفاهيم مهما تناهى فلا يتجاوز جوهر
العقيدة الأصلي ، لأن جوهر العقيدة مبني على العقل البشري ، ولأنه ليس للمرء مذهب وراء العقل البشري ، فهو أول الشرائع وآخرها ، وأقدمها وأحدثها.
Sayfa 138