Nuba Zamanında Bir Yolculuk
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Türler
بعد أن أخذنا بعض صور، قابلنا مدرس علوم في مدرسة الدر وعزمنا لحضور فرح قريب له مساء الأحد، ولما كنا ظهر الجمعة، فقد كان هذا يعني إما أن نبقى في الدر إلى الأحد ونغادرها الإثنين، وإما أن نختصر برنامج الجنوب إلى ليلتين: واحدة في عنيبة والثانية بلانة، وذلك لحضور معظم مراسم الفرح، وقررنا اتخاذ الاختيار الثاني، وعلى هذا ملأنا خزانات الوقود، وانشغل الريس محمد في بيع بعض صفائح البنزين الفارغة بعض الوقت، وسألنا عن حالة السفر جنوبا، فأكدوا لنا أن النيل في هذا القطاع هين ومريح على الضفة الغربية بالقياس إلى الرحلة من كورسكو إلى الدر.
تحركنا من الدر حوالي الثالثة والنصف متجهين إلى توماس على البر الغربي، سارت الأمور على ما يرام نحو ربع الساعة ثم أحسسنا هزة وخبطة خفيفة ثم زمجر المحركان بصوت عال لأقل من ثانية ثم صمت تام! وفي ثانية قفز رياض من مقعد القيادة إلى مؤخرة القارب ورفع المراوح هو والريس محمد إلى أعلى بجهد شديد، فإذا هما كتلة مستديرة من الطين العالق، وظل الاثنان ينظفان المراوح قدر الاستطاعة لمدة نحو خمس أو ست دقائق، وفي هذه الفترة كان التيار قد دفع القارب نحو كيلومتر أو أكثر، ولا شك أننا كنا قد بعدنا عن الجزيرة الغاطسة التي اشتبكت المراوح بطينها، ومع ذلك أخذ الريس محمد يقيس العمق بالمدراة حتى تأكدنا من خلو المنطقة التي نحن فيها من الجسور الطينية، فأنزلنا المراوح إلى الماء، وأدرنا المحركات وسرنا بحذر رغم أننا كنا قد تراجعنا مسافة أخرى وقت قياس الأعماق، وصرنا نتسمع أداء المحركات ونقلق لأي صوت غير اعتيادي فترة من الزمن حتى نسينا الأمر.
نسينا الموضوع ليس استخفافا، بل لأننا دخلنا مشكلة أخرى ظلت تقلقنا طوال الأسبوع التالي، ففي الخامسة وعشر دقائق، أثناء سيرنا أمام توماس وعافية، بدت لنا الرحلة لطيفة بعض الشيء، وعند منحنى صغير للنهر ظهرت دوامة صغيرة تجنبناها بسهولة، لكننا وجدنا أنفسنا فجأة داخل دوامة خطيرة لم نعرف اتساعها، ربما كانت أكبر من القارب! وقبل أن يستطيع رياض أن يعدل اتجاه الدفة كان القارب كله قد مال إلى جانب ودار دورة كاملة مع الدوامة، وزاد رياض من سرعة المحركات إلى حدودها العليا مع تشديد قبضته على عجلة القيادة والميل بالدفة قليلا مع اتجاه حركة الدوامة للخروج منها بزاوية قليلة، وربما كان ميل الدفة هو نتيجة لقوة دوران الماء أكثر من قوة التحكم فيها، وأن الخروج من الدوامة كان بقوة دفع المحركات. على أي الأحوال، صار هذا هو التكتيك الذي اتبعناه في معالجة أمر الدوامات الكبيرة التي ندخلها رغم أنفنا، وبعد خروجنا من الدوامة الكبيرة سالمين دخلنا في قطاع من النهر كله تملؤه الدوامات، وأخذنا نسير في خط متعرج نحاول أن نتجنب هذه الدوامة وتلك؛ مرة إلى اليمين ثم بسرعة لليسار وهكذا دواليك لمدة نحو ربع ساعة، خلناها دهرا من الجهد والعرق والخوف، وحين أصبحت مياه النهر هادئة اتجهنا إلى البر؛ خشية على المحركات التي قاومت أطنانا من دفع المياه الدوارة الهادرة، ولكي نتنفس الصعداء.
بعد الدر بنحو ربع ساعة انعكست صورة العمران، فبعد أن كان البر الغربي مهجورا أصبح معمورا بنجوع طويلة لعمدية توماس وعافية، يليها إلى الجنوب - بدون فاصل كبير - عمديات قتة ثم إبريم غرب، وأمام شاطئ توماس كان يرسو أحد مستشفيات النوبة العائمة، وكذلك صندل يغذي بالطاقة محطة للري بالطلمبات، أما البر الشرقي فقد أخذت المرتفعات تقترب منه تاركة مجالات متناقصة للعمران، إلى أن أصبحت حافات إبريم الصخرية تشرف على النهر في صورة رائعة الجمال، وبصورة عامة فإن هذا الجزء من النوبة لم يبد كثير المرتفعات الصخرية التي تميز بلاد الكنوز وبلاد العليقات؛ فالهضبة على طول البر الشرقي متوسطة الارتفاع ومتباعدة عن ضفة النهر إلا في مناطق محدودة كإبريم شرق ومنطقة أرمنا، بينما البر الغربي منبسط لمسافات طويلة، عامر بالناس وأنواع الزرع وأجمات النخيل ذات التمور الممتازة؛ مثل التمر الإبريمي وتمر جنديلة بين توماس وعافية إلى مصمص وتوشكى غرب، وجنوبا حتى بلانة وأدندان والنوبة السودانية، وبيوت المنطقة لا تتسم بجمال بيوت الكنوز من حيث المعمار والطلاء والزينة.
في السادسة وعشر دقائق مررنا أمام محطة قتة «جتة» النهرية، وبعد ثلث ساعة رسونا في إبريم غرب، واعتذرنا بأدب دعوة أحد الأعيان لتناول الشاي؛ لضيق الوقت، ثم تحركنا في اتجاه عنيبة بعد نحو ثلث ساعة أخرى، أما إبريم التاريخية فتقع على البر الشرقي وتسمى قصر إبريم ، ورحل عنها سكانها إلى الغرب بعد 1933، وبيوت إبريم غرب تكاد أن تكون متلاصقة، وكما قلنا فالبيوت هنا أقل وجاهة من بيوت شمال النوبة، وعند مرورنا كانت النساء تملأ المياه في صفائح من النيل، والأطفال ينزلون إلى الشاطئ عند سماعهم صوت الموتور ليحيونا.
وكانت أشجار نخيل الدوم تنتشر بكثرة وخلفها ضوء الغروب الجميل البرتقالي والأحمر والأصفر ثم زرقة السماء، وبين الأشجار وحقول الذرة الطويلة السيقان كان بعض الناس يتحركون راجلين أو راكبين الحمير أو يجرون وراءهم بعض الأبقار، خط الشاطئ واضح بين الماء الميال إلى الزرقة والأرض السوداء، وصادفنا شخصا على البر يجر مركبا شراعيا، والخلاصة أن المنطقة الغربية من الدر إلى حيث كنا نسير جميلة تنبض بالحياة في شكل ريفي تفتقده مناطق النوبة التي عبرناها من قبل، أما الشاطئ الشرقي فكان لا يزال صخريا قليل النجوع أو نادر العمران.
أخذت الشمس طريقها سريعا للغروب ونحن نسير ونجازف، نأمل أن نصل عنيبة في وقت مناسب قبل حلول العتمة الكاملة، قال لنا بعض المراكبية في الدر إنه يمكن لنا رؤية أنوار عنيبة الكهربائية عن بعد لا بأس به، كنا نتطلع إلى الأمام علنا نلمح بصيص نور بعد أن أظلم الليل، لكننا لم نجد شيئا، خاصة وأننا كنا نسير في منطقة لا يوجد فيها عمران بعد أن تركنا نجوع إبريم غرب، لقد كانت هناك ثنيات صغيرة للنهر، وفي كل مرة نعبر ثنية نعتقد أننا سنرى أنوار عنيبة بعدها، لكن دون جدوى، وكانت الساعة قد بلغت الثامنة فقررنا أن نرسو في أي مكان ونبيت في القارب، لكن أي مكان؟ لم يكن معنا سوى بطارية لا ترسل ضوءا كبيرا، واختلطت علينا ألوان الدكنة وظلال الأشجار: أين النهر واليابس؟ وهدأنا سرعة القارب واتجهنا يمينا إلى البر وتوكلنا على الله، وقفز الريس محمد إلى مقدمة القارب استعدادا للنزول إلى البر وتثبيت «هلب» القارب، لكنه جلس ومد ساقيه للأمام لكي يتلقى ضربة اصطدام القارب؛ أي إنه حاول أن يعمل من ساقيه صداما، لكننا صحنا به أن يبعد رجليه حتى لا تنكسر إذا كانت الصدمة قوية، ولحسن الحظ لم يحدث هذا، فحركة الموتور هي إلى الحد الأدنى غير قوية، ويضاف إلى ذلك أن قوة تيار الماء كانت تقلل من هذه السرعة البطيئة وتكبح حركة القارب؛ لذا كان التقاء القارب بالشاطئ الطيني خفيف الوقع، ونزل محمد ورياض وثبتا «مرسيين» - هلبين - لمزيد من الحيطة ألا تجرفنا المياه خلال الليل، وبعد أن استكشفنا المكان الذي رسونا فيه، وجدنا أنه عبارة عن خليج صغير لا يزيد طوله عن نحو ثلاثة أمتار، والشاطئ وحل سميك يرتفع بسرعة إلى نحو ثلاثة أمتار، وحين ارتقى رياض هذا المرتفع الصغير ظهرت أمامه أنوار عنيبة على بعد كيلومتر أو نحو ذلك!
أكلنا بعض الجبن والمربى، وأثناء الطعام مر قارب شراعي كبير في الظلام، يجره ملاحون بحبل من الشاطئ وتفادوا قاربنا بسهولة. نام الريس محمد على الشاطئ بعد أخذ بطانيته، ونمنا على كنبات القارب، وظهر القمر متأخرا، وكنا نسمع السمك يتقلب في المياه وبعضها يقفز خارج المياه قليلا، كما كنا نسمع ارتطام التيار بالضفة بصوت خفيف، وفي الحقيقة قضينا ليلة جميلة في العراء، لولا أن برد الجو نسبيا في الفجر.
وفي الصباح حسبنا ما قطعناه بالأمس فكان 65 كيلومترا من المالكي إلى عنيبة في نحو 12 ساعة؛ مع الاستراحات المتعددة للغداء، وتغير الوقود والكفاح ضد الدوامات الخطيرة. شربنا الشاي وملأنا خزانات المحركات وتحركنا في الثامنة إلا ربعا، وبعد عشر دقائق رسونا على رصيف ميناء عنيبة كان هناك شارع عريض على جانبيه بيوت جيدة من طابقين، وأكشاك كثيرة وأشجار الدوم بكثرة. ذهب محمد ليملأ لنا مياه الشرب وبقينا بضع دقائق ننظر ونصور البر الشرقي، الذي كانت تشرف عليه الحافات الصخرية لقصر إبريم في بانوراما ذات وقع شديد، وتحركنا حوالي الثامنة والنصف في اتجاه توشكى. البر الشرقي والغربي أصبح رمليا تتخلله الأعشاب البرية وشجر السنط، وتناثرت أشجار الدوم والنخيل على أبعاد مختلفة. في التاسعة رسونا ليتأكد رياض من سلامة المحركات التي لم يكن مستريحا لصوتها، وقررنا العودة إلى عنيبة ليكشف أحد المختصين عليها ، وفي تلك الأثناء تجولنا في سوق عنيبة، حيث يوجد مخبز ومقهى، ومطاعم وخاصة للفول والطعمية، ومحلات بقالة وقماش وترزية ... إلخ، اشترينا بعض الأغذية وسندوتشات فول وطعمية؛ اشتقنا إليها.
بعد الاطمئنان على المحركات تحركنا في نحو الواحدة ظهرا، وبعد ساعة انتهى الشريط الرملي وأحاط بالنيل زراعات الذرة والكشرنجيج والنخيل والدوم على البر الغربي، بينما استمرت التلال على البر الشرقي، وإن كانت قد أخذت في التباعد عن النهر، ويحل محلها أنواع من الخضرة تدريجيا، غيرنا البنزين في مصمص حوالي الثانية والنصف، وقابلنا جماعة من النوبيين يجمعون البلح، وجماعة من أبناء الصعيد يعملون الفحم النباتي من خشب السنط، وأعطتنا بعض السيدات بعض التمر الجونديلي وأعطيناها علبة سردين، وتحركنا في الثالثة ومررنا بساقية تختلف كثيرا عن سواقي قرشة. سرعة القارب كانت ضئيلة؛ لأن تيار الماء قوي والمياه ثقيلة، ونمر أحيانا بأشجار السنط متكاثفة في صورة أقرب ما تكون إلى الغابات، وقبل وصولنا إلى توشكى بقليل زاد تكاثف حقول الذرة والنخيل، وفي الرابعة وصلنا توشكى غرب.
Bilinmeyen sayfa