Nuba Zamanında Bir Yolculuk
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Türler
لكن القلق الذي تبدد لحظات حين رأينا الأنوار عاد يلح بشدة، معبد كلابشة على البر الغربي، فالمفروض أن تكون العائمات في الغرب، لكن الأنوار التي شاهدناها كانت على البر الشرقي، أمر محير، ظننا أن الأنوار هي لباخرة بوستة، لكن محمد ذكرنا أن اليوم ليس بموعدها الأسبوعي، ثم ظننا أنها باخرة سياحية عائدة إلى أسوان، ولكن قبل أن نجزم بشيء ظهر على البعد ضوء خافت على البر الغربي، هل يحتمل أن تكون عائمات مهندسي معبد كلابشة راسية على البر الشرقي بينما مخيم العمال على البر الغربي؟ وطرحنا التخمين جانبا ويممنا نحو أنوار الشرق وعما قليل سنعرف الخبر اليقين، واقتربت لندا وتبينا عائمة كبيرة، لكن أحدا لم يظهر في الشرفة، ودرنا إلى الجانب الآخر حيث كانت القاطرة، وصاح الريس محمد مناديا، فلم يكن في لندا جهاز تنبيه، وخرج إلينا بعض الملاحين ، سألناهم عن عائمات شركة «هوختيف» الألمانية، فأشاروا إلى الأنوار البعيدة عبر النهر، أما هم فقد كانوا إحدى عائمات وزارة الشئون الاجتماعية، وعليها عدد من الموظفين الذين يقومون بمتابعة دراسة الأحوال الاجتماعية للسكان، حتى تكون الوزارة ملمة بكل التطورات التي تحدث للعائلات النوبية وعدد أفرادها ... إلخ، توطئة لعملية التهجير الكبير لكل سكان بلاد النوبة إلى منطقة كوم أمبو.
ولقد قابلنا في رحلاتنا إلى النوبة عددا من موظفي الشئون الاجتماعية متناثرين هنا وهناك، يدققون ويفحصون ويتابعون المعلومات ويحدثوها بهمة ونشاط، وتمنيت كثيرا لو أن الوزارات المعنية بموضوع النوبة قد وجهت الدعوة إلى طلاب الجامعة في أقسام الاجتماع والجغرافيا والأنثروبولوجيا أو خريجي هذه الأقسام؛ للمشاركة في هذه العملية الوطنية في شكل تدريب ميداني، يفيد الطلاب والخريجين في عملهم المستقبلي، فليس هناك طريقة أحسن من العمل في الميدان خارج الغرف والمكاتب لبناء كوادر علمية شبابية قادرة على الوفاء بمهام وظائفهم في المستقبل، وإذا كانت هذه فرصة ضاعت في الماضي، فإن مشروعات التنمية الحالية في مصر - الصغيرة قبل الكبيرة - في حاجة إلى إسهام الشباب وتدريبهم على طبائع الأشياء وطبائع الناس على الواقع، حينئذ لن يكونوا منفصلين عما يتم من تنمية وإنماء، وحين تئول إليهم أعمال ريادية سوف يكونون خير الرواد والقادة.
والآن هناك حاجة ماسة لهؤلاء الذين تدربوا في أرض الواقع لدراسة وتفهم التطبيق في مشروعات حيوية معلنة الآن في الوادي الجديد وجنوب الوادي وشمال سيناء، ومشروعات لا تقل حيوية على رأسها إعادة توطين النوبة؛ حيث الماء والأرض في متناول اليد التي تمتد لتبني مجتمعات جديدة، قوامها حاصلات زراعية صناعية وثروة حيوانية، فضلا عن توطين بعض الصناعات وصناعة السياحة بمفاهيم جديدة عن المفهوم الجزئي الحالي.
نعود مرة أخرى إلى رحلتنا بعد هذا الاستطراد الذي يمليه الواجب: دار محمد بالقارب ويممنا غربا وأخذت الأنوار تزداد وضوحا، وبعد نحو عشر دقائق كنا نقترب من عائمتين كبيرتين، وإذا بعدد من الرءوس تطل علينا من العائمة الكبيرة التي اتجهنا إليها. درنا في مناورة صغيرة حتى نتمكن من تبادل الحديث مع من أطلوا علينا، ثم درنا مرة أخرى وربطنا القارب وصعدنا إلى العائمة.
قابلنا المهندس الألماني «أندورف» رئيس مجموعة العمل في نقل معبد كلابشة، وكان معه زميلان شابان من الألمان أيضا، حدثناه عن توصيات المهندس «رايدر» الذي يعمل في رئاسة «هوختيف» في أسوان، ولكن ما كان هناك داع للتوصية، فإن مجرد غريب في النوبة هو في حد ذاته توصية أن يساعده أي شخص قادر على إعطاء المساعدة - سواء كان ذلك الشخص من أهل النوبة أو موظفا حكوميا أو موظفا في إحدى الشركات أو من قباطنة البواخر والصنادل - فكما يحدث في أعالي البحار يحدث في النوبة؛ فأية باخرة في البحر تجد من يعينها من أقرب السفن إليها، وكذلك يحدث في النوبة، وكثيرا ما احتجنا إلى مساعدة ما فمد يده إلينا أقرب من نسأل، وكثيرا ما احتاج إلينا شخص يريد الانتقال من ضفة إلى أخرى، أو مريض يريد الانتقال من بلده إلى أقرب مستشفى عائم فكنا نلبي النداء على الفور.
استقبلنا «أندورف» بابتسامة، وفي الوقت الذي أخذنا فيه لكي نقوم بجولة ليلية تحت أضواء الكاشفات الكهربية في بقايا معبد كلابشة، كان عشاء جيد يطهى لنا، ولقد كان حديثنا بالألمانية مع الهر «أندورف» جواز مرور لتوفير أكبر راحة لنا في بياتنا تلك الليلة في العائمة، كما دعاه ذلك إلى الإفاضة في شرح عمليات نقل المعبد حجرا حجرا، قال لنا كلاما كثيرا: عدد الأحجار وطريقة وضع العلامات والأرقام عليها حتى يمكن وضعها بسهولة في مكانها عند إعادة بناء المعبد غربي أسوان، وما الذي ينقل والذي يترك في مكانه من المباني، وتاريخ بناء المعبد و«النيلومتر» - مقياس النيل - الملحق بالمعبد، والأرضية الحجرية التي تركت دون نزعها واحتمال وجود معبد سابق على المعبد الراهن، والتي ما زالت أحجاره موجوده، وبعضها استخدمها الرومان في بناء المعبد ، والبعض الآخر استخدموه كجزء من أحجار الأرضية، وشاهدنا فعلا بعض أحجار الأرضية عليها رموز منحوته، وفي مكتب أندورف بالعائمة شاهدنا مئات الرسوم والصور للمعبد وأجزائه المختلفة، وكلها مرقمة كي تتم عملية الترقيم على الأحجار بسهولة.
وطلب منا أحد المهندسين الشبان أن نقرأ بعض الكتابات غير الهيروغليفية التي توجد على بعض أحجار المعبد الخارجية، وليس معنى هذا أن المهندس كان على دراية بالكتابة الهيروغليفية، لكنه تعود على أشكالها فقط، وقد ظن المهندس أن الكتابات التي طلب قراءتها عربية، لكن حين رأيناها لم تكن كذلك، وربما كانت قبطية أو إغريقية.
على أية حال قام أحد الأثريين الألمان، بروفيسور «شتوك»، بأبحاث أخرى في موسم صيف 1963 بأبحاث في أرضية المعبد بعد أن تم نقله، وتدل التقارير الأولية على أن معبد كلابشة الروماني قد بني على أنقاض معبد من العصر البطلمي، وأن عددا من أحجار المعبد البطلمي قد استخدمها الرومان في بناء معبدهم، وعلى أي الحالات تدل الدراسات الأثرية على أن المعبد البطلمي أقيم على معبد مصري قديم بني في عهد الملك أمنوفيس الثاني في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ولقد قيل الكثير عن معبد كلابشة؛ من حيث إنه أكبر معابد النوبة الحرة البناء - معبد أبو سمبل أضخم، ولكنه ليس مبنى حرا، وإنما هو حفر في الجبل - وهو من حيث ذلك فهو أكبر معابد النوبة، وقال بعض السائحين أو الأثريين الذين لم يدققوا: إنه يشكل أجمال المعابد. وفي رأي آخرين أنه ليس كذلك، وإن كان كثير الزخارف، ولكن نقوشه ورسومه ليست على قدر الدقة والجمال للمعابد المصرية الفرعونية، وليس هذا بغريب؛ فإن معبد كلابشة الروماني بني بين 30ق.م و14م. حين كانت التقنية المصرية القديمة قد شابها غير قليل من التسطيح وعدم المهارة.
وفي أثناء رحلتنا الأولى عبر بوابة كلابشة في الليل، فاتنا أن نعرف شيئا رأيناه في أثناء عودتنا شمالا في نهاية سبتمبر، فقد ودعنا «لندا» والريس محمد في كلابشة، وركبنا صندلا ضخما من الصنادل التي تنقل أحجار معبد كلابشة من موقعه القديم إلى أسوان، وكان هذا الصندل الذي يبلغ طوله قرابة 30 مترا وتدفعه قاطرتان كبيرتان ربطتا على جانبي الصندل، يحمل آخر حجر من حجارة معبد كلابشة، وقد لفه العمال بعيدان الذرة والكثير من أوراق خضراء رمزا للحياة، ولقد كان الأهالي والعمال الذين يعملون في المعبد قد تجمعوا فجر ذلك اليوم ليلقوا نظرة وداع على آخر حجر يترك مكانه منذ ألفي عام. اصطف الأهالي على الحافة التي تشرف على مكان المعبد في صمت كامل، والعمال ينظرون إلى الصندل وهو يتحرك ببطء، وفي عيون الجميع نظرة حزن عميق، كنا نجلس في مقدمة الصندل في ظل «ونش» جبار يحمل الحجر، وبعد فترة جاء القبطان ووقف أمامنا على مقدم الصندل يحرك ذراعه يمنة ويسرة، وينقل هذه الإشارات ملاحان يقفان على مبعدة منه إلى قباطنة القاطرات فيحركانها حسب التعليمات، ثم أخذ القبطان الواقف أمامنا يتمتم ببعض العبارات، وقد حملقت كل العيون صوب ناحية من النواحي، وساد صمت قليل. سألنا أحد الملاحين: ما الأمر؟ فقال: حجر السلامة. ونظرنا حيث أشار فلم نتبين شيئا سوى عدة جزر صخرية صغيرة تبرز هنا وهناك. - أين هو حجر السلامة؟ - مختف تحت الماء. - وما هو؟ - إنها منطقة صخرية تعود البحارة والقباطنة حين يمروا تجاهها أن يقفوا في صمت، وأن يقولوا بعض العبارات مثل «حمد الله على السلامة»، ويقرءون الفاتحة، ومن ثم أطلق عليه حجر السلامة. - ولكننا لم نعبر بوابة كلابشة بعد. - إن الحجر موجود في القسم الجنوبي من البوابة، ومن يمر بالبوابة من الشمال إلى الجنوب يمر بالحجر فيشكر الله على السلامة، ومن يعبرها من الجنوب يمر أولا بالحجر ويشكر الله سلفا تيمنا بسلامة العبور.
والملاحظ أن الكثير من المعابد المصرية الكبيرة كانت تقع جنوب مناطق يضيق فيها النهر وتصبح الملاحة خطرة، معبد كلابشة يقع عند النهاية الجنوبية لبوابة كلابشة، ومعابد السبوع تقع إلى الجنوب من المضيق، ومعبد أبو سمبل يقع جنوب مضيق فرقندي، فهل هناك ارتباط بين هذه المعابد الكبيرة ومواقع بنائها جغرافيا؟ وبعبارة أخرى هل نشأت أولا كمعابد صغيرة عند هذه المواقع الخطرة على الملاحة ليقدم فيها الملاحون الفراعنة الشكر على سلامة العبور؟ وهل ما كان الملاحون النوبيون المعاصرون يفعلونه من تقديم الشكر لله عند عبور حجر السلامة هو امتداد لعادة موروثة حضاريا منذ آلاف السنين؟
Bilinmeyen sayfa