Nuba Zamanında Bir Yolculuk
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Türler
وأثار انتباهنا أمر توقعنا أن يكون أوخم عاقبة من مجرد الطواف مع التيار إلى الشمال: فقد لاحت لنا في الأفق السفينة السياحية «نفرتيتي»، وهي من النوع الذي يسمى هيدروفيل الذي يرتفع فيه جسم السفينة بعد سرعة معينة عن سطح الماء، وتظل زحافاتها ملامسة للماء، ويؤدي ذلك إلى سرعة كبيرة ربما بلغت 60كم/ساعة نتيجة تقليل احتكاك جسم السفينة بالماء، وكانت «نفرتيتي» تقوم في تلك الفترة برحلات تجريبية بين أسوان وكلابشة؛ تمهيدا لقيامها في الموسم السياحي الشتوي برحلات سريعة بين أسوان وأبو سمبل، وأثناء سيرها مرتفعة، كانت تشبه طائرا من طيور الماء ذات الأرجل النحيفة الطويلة كالفلامنجو، أو وحش بحري أسطوري، أو جرادة بشعة تضخمت مئات المرات. كتمنا أنفاسنا و«نفرتيتي» تقترب منا بسرعتها العظيمة، فهي لا تستطيع أن تغير خط سيرها لتبتعد عما يصادفها إلا بزاوية منفرجة مع تقليل تدريجي للسرعة، وفي داخلنا تساءلنا: هل رأى القبطان «لندا» الصغيرة طافية بلا معين في قلب النهر؟ وإذا كان القبطان قد رآنا وتنبه لوجودنا وابتعد قليلا عنا، فهل ستنجو «لندا» الصغيرة المثقلة بحمولتها من الأمواج الكبيرة التي ترسلها «نفرتيتي» أثناء عبورها قريبا منا؟ ومثل هذه الأفكار القاتمة مرت أمام مخيلتنا بسرعة متوقعين الخطر ونحن عاجزون عن أن نفعل شيئا.
ولكن لحسن الحظ لم تكن نفرتيتي تتوسط النهر، بل كانت أميل إلى الجانب الشرقي، شأنها في ذلك شأن معظم المراكب والسفن التي تتجنب التيار المائي الشديد في وسط النهر، وبذلك وصلت إلينا أمواجها ضعيفة غير عميقة، هزت «لندا» هزات خفيفة، أو لعل ما توقعناه من موج كبير جعلنا نحس أن أمواج «نفرتيتي» ليست كبيرة، لكن الحقيقة التي بدت لنا بعد تدبر الأمر حين وصلنا الشاطئ واستراحت أعصابنا، أن الموج لا يتناسب مع السرعة؛ لأن الزحافات هي التي تلامس الماء وليس جسم السفينة كله، أو هكذا كان ظننا فيما بعد.
وبعد مرور «نفرتيتي» وزوال الخطر زفرنا بارتياح، ولما لم يكن هناك تغيير جوهري في موقفنا فقد أخذنا نقطع الملل ونخفي اليأس بحديث عن «نفرتيتي» وما هي سرعتها القصوى، وكم من الركاب تحمل، وعجائب التقدم التكنولوجي.
ثم انتهى الحديث وقضينا فترة في صمت وتأمل داخلي، بحيث لم نتنبه إلى الشراع الكبير وهو يتحرك نحونا إلا بعد أن صاح زميلنا العبادي فرحا، مشيرا إلى المركب الذي يقترب منا في خطوط متعرجة حسب الريح والتيار، والتقط العبادي الحبل الذي ألقته السفينة الشراعية بلهفة عظيمة، فقد كان الوحيد بيننا الذي يرسل مشاعره على سجيتها دون تحفظ، وطلبنا من ريس المركب أن يعود بنا إلى مرسى نجع قناوي، فقال: لقد بعدتم عنه نحو خمسة أو ستة كيلومترات، ولا يمكنني أن أسحبكم إليه ضد التيار. لقد كان موقفا محرجا، فالدكتورة كوثر ما زالت هناك، ولا بد أنها قلقة أشد القلق لغيابنا، ولعلها سمعت صوت المحرك يتوقف، أو لعلها شاهدت «لندا» تطفو إلى وسط النهر عاجزة عن الحركة!
وفكر أسعد في الموقف ثم قال: إننا لا بد قريبون من النجع الذي يوجد فيه الحاج شاهين في دهميت، فلماذا لا ننتهز الفرصة وننزل إلى البر الشرقي ونتكلم معه على الترتيبات اللازمة. وطلبنا من الريس أن يرسو بنا على البر الشرقي، ونزلت أنا وأسعد وربطنا «لندا»، بينما ركب الزميل العبادي المركب الشراعي المتجه إلى البر الغربي مع توصيتنا أن يرسل أحدا إلى نجع قناوي يطمئن زوجتي والريس محمد إذا كان قد عاد. ولكن للأسف كانت المسافة إلى نجع قناوي بعيدة، وكانت الساعة قد أشرفت على السابعة والنصف، وحين عاد لا بد أنها كانت الثامنة، والشمس تغيب بسرعة، فلم يتمكن من إبلاغ الرسالة إلا متأخرا.
كان رسونا على البر الشرقي قرب حقل من الحقول، سرعان ما خرج منه رجلان سألهما أسعد عن الحاج شاهين، قال أحدهما إن الحاج في أسوان، لكن والده موجود في الحقل المجاور. توجه أسعد إلى الحقل وبقيت جنب القارب أسترجع ما حدث وأنا في عظيم الدهشة، وبدأ الغروب سريعا، ومعه أحسست بانخفاض سريع في درجة الحرارة مع نسمات خفيفة منعشة، وطال الحديث بين أسعد ووالد الحاج شاهين، وكنت أستطيع أن أتبين هيأتهما بين عيدان الذرة، لكني لم أسمعهما، ثم جاء أسعد وأخبرني أن والد الحاج سيتوجه إلى بيته، وسيرسل لنا حمارا لنقل أمتعتنا؛ خوفا من تركها وحدها في القارب طوال الليل.
وأخذنا نتجاذب أطراف حديث طويل قبل أن يصل الحمار، وكانت الظلمة قد لفتنا تماما، ولم يصعد القمر بعد إلى أعاليه كي يعطي بعض الضوء، ونقلنا أحمالنا من القارب إلى البر الطيني ذي الشقوق الواسعة، وطلب مني أسعد أن أذهب مع الحمولة الأولى ويبقى هو مع المتاع إلى حين حضور الحمار مرة ثانية، وأخبرني أننا موجودون شمال مسكن الحاج شاهين بنحو كيلومترين على وجه التقريب، ولكني طلبت منه أن يذهب أولا، فهو على معرفة الآن بالوالد، ويمكنه أن يدبر بعض الأمور معه أو يتجاذب معه الحديث إلى حين وصولي إليهم.
وركب أسعد وأمامه حمل كبير، وبين ذراعيه أحمال أخرى وعلى كتفيه بعض آلات التصوير، فقد كنت وزوجتي قد أحضرنا أربع آلات تصوير وآلة سينما 16ملم تزن وحدها نحو ثمانية كجم؛ لتسجيل الظاهرات في حركتها، إضافة إلى جهاز تسجيل صوتي يعمل بالبطارية الجافة، وآلة سينمائية أخرى أحضرها أسعد، وإلى جانب ذلك صناديق بها الأفلام وشرائط التسجيل ولمبات فلاش للتصوير الليلي، وبدا أسعد أصغر من المحمولات على ظهر الحمار.
وجلست فوق صندوق من صناديقنا وقد أطبق الصمت على المكان، ورحت أفكر فلم أستطع التفكير؛ فقد كنت مجهدا من عناء هذا اليوم الطويل: من أسوان، إلى غرب أسوان، إلى السفينة عمدا، إلى نجع قناوي، إلى مغامرة النيل ... ورحت أتسلى بإضاءة البطارية التي أحملها بين الحين والآخر، أحاول أن أحدد أماكن الشقوق وحقل الذرة الذي يحيط بي، أو أوجه الضوء إلى الشرق محاولا تقصي نهاية السهل الفيضي وبداية الحاجز الصخري دون جدوى، وأقوم أتمشى قليلا محاذرا أن أفقد توازني فوق أحد الشقوق الواسعة، ولا بد أنه قد مضى علي قرابة الساعة وأكثر قبل أن أسمع وقع الحوافر، جاء رجلان ومعهما حماران؛ لأن باقي المتاع كان كثيرا، وأنا متعب لا أكاد أسير المسافة كلها على قدمي.
حملت جهاز السينما الضخم على كتفي وآلات تصوير أخرى، وساعدني أحدهم على ركوب الحمار ووضع أمامي بعض الحقائب، وحملت الصناديق والحقائب الأخرى على الحمار الآخر، وسار موكبنا الصغير طويلا في المنطقة السهلية، ولم أبدأ في التنبه إلى وصولنا إلى المنحدر المؤدي إلى أعلى إلا عندما مال الحمار بي إلى الخلف، وزادت زاوية الميل كثيرا لدرجة أن الحقائب التي أمامي كانت تدفعني إلى الخلف، وأحمال كتفي تشدني إلى الأرض، وبعد فترة وجدتني شبه واقف على الأرض والحمار انفلت من تحتي! ويجب أن أعترف أنني لست ممن يجيدون ركوب الحمير أو غيرها بحكم نشأتي في القاهرة وانعدام الصلة بالريف، وبعد وقوعي أخذنا نلملم ما انفرط من أغراض، وفضلت ارتقاء المنحدر على قدمي، وبعد فترة التوى بنا الدرب ووجدنا أنفسنا بين البيوت، وسرنا حتى بوابة ضخمة دلفنا منها إلى حوش واسع بدا أكثر اتساعا في ضوء القمر الذي كان قد تسلل في صمت إلى أعلى.
Bilinmeyen sayfa