Zaki Najib Mahmud'un Düşüncelerinde Bir Yolculuk
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Türler
33
كلا، ليس العقل نقيضا للوجدان وإنما لكل مجاله الخاص، والمشكلة الأساسية عندنا تكمن في خلطنا بين المجالين أو عدم وعينا بالحدود الدقيقة لكل منهما.
وإذا كان من الباحثين من يرى أن «زواج» الأصالة والمعاصرة، أو الصيغة المقترحة للجمع بين العقل والوجدان، أمنية مستحيلة التحقيق، أو هي فكر بالتمني فحسب، فإن مفكرنا الكبير يعتقد أنها قد تحققت بالفعل في تراثنا القديم، وأن لها أمثلة كثيرة في فكرنا الحديث أيضا؛ وبالتالي فهي ممكنة التحقق، بل لا بد من تحققها في فكرنا المعاصر.
لقد ألف الناس قبل ظهور الإسلام ضربين من الحضارة ومن الثقافة، اختلفا فيما بينهما إلى حد التنافر، بل إلى حد الدخول في حروب مستعرة ، وهاتان الحضارتان هما حضارة الفرس وثقافتهم من جهة، وحضارة اليونان وثقافتهم من جهة أخرى، المحور في الحالة الأولى هو «الوجدان»، أو هو «الإملاء» إملاء القلب أو الوحي أو الحدس، يفرض على الإنسان طريقة فكره ونمط سلوكه ... والمحور في الحالة الثانية هو عقل الإنسان يقيم له الحجة على الباطل فيرفضه، ويسوق له البرهان على الحق فيرتضيه ... وكان الظن هو ألا سبيل إلى لقاء بين «شرق» متمثلا في فارس، و«غرب» متمثلا في اليونان، ثم جاء الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي، ومع فتوحاته انهدمت الفواصل بين الثقافتين، أو قل أنها اندمجت في خطوة أولى على طريق المواطن العالمي، وكان ذلك الدمج الباهر هو الذي أخرج إلى العالم، تلك الصيغة الحضارية الثقافية الإسلامية الجديدة التي ألقت في مركب واحد: صوفية الفرس وعقلانية اليونان. وهذه الطبيعة الثالثة الجديدة قد جمعت بين إدراك الحدس الصوفي وإدراك العقل الاستدلالي، بحيث احتملت الحياة الثقافية الإسلامية أن يظهر فيها أعظم المتصوفة وأعظم مناطقة العقل في آن معا.
34
ويتساءل مفكرنا الكبير: «لماذا استطاعت ثقافة المسلمين أن تنقل في عصر المأمون، بصفة خاصة، ما نقلته من فلسفة اليونان وعلومهم إلى اللغة العربية، ولم ينقلها أهل الهند أو أهل الصين إلى لغتهم؟!» ويجيب: «إن العلة لم تكن في لغة تستطيع ولغة أخرى لا تستطيع، بل العلة هي أن ثقافة تتقبل منطق العقل (إلى جانب الوجدان) وتهضمه، وثقافة أخرى لا تتقبله ولا تهضمه.»
35
كان القرآن الكريم هو كتاب المسلمين (والدين لا يلجأ في أية جهة يظهر فيها إلى الاستدلال العقلي، وإنما هو يأتي برسالة موحاة من الله أو غير موحاة مثل أنبياء الشرق الأقصى، فيتقبل الناس فحوى هذه الرسالة فإذا بها دين وعقيدة)، فهو إذن لمحة قلب، أو نبضة وجدان أو «حدس» بالمصطلح الفلسفي أو هو إدراك مباشر.
36
إنه إيمان لا يستند إلى برهان ولا يراد له أن يستند إلى برهان؛ لأن الإنسان لا يريد برهانا على صدق وجدانه، أو صحة شعور يشعر به مباشرة في طوية نفسه: إذا كنت جائعا وأشعر بالجوع فلست أريد البرهان من أحد على أني جائع أو على أني أحب؛ تلك حالات وجدانية داخلية يقبلها صاحبها قبولا مباشرا، لا هو يريد لنفسه أن يبرهن على صدقها، ولا هو متوقع من سواه أن يبرهن له عليها. وهذه الرؤية المباشرة التي لا وسيط فيها لا تقتصر على الدين فحسب، وإنما هي مجال كل ما ينتجه الوجدان من فن وأدب وتصوف ... إلخ.
Bilinmeyen sayfa