Zaki Najib Mahmud'un Düşüncelerinde Bir Yolculuk
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Türler
وقد ترتب على هذه التفرقة البسيطة بين عبارات اللغة، والتي أشارت إليها الوضعية المنطقية، ثلاث نتائج هامة على النحو التالي:
الأولى:
أن مجال التعبير الوجداني بكل أشكاله يخرج من دائرة العلوم بنوعيها، فلا هو من قبيل الفكر الرياضي موضوعا ومنهجا، ولا هو كذلك من قبيل الفكر الطبيعي موضوعا ومنهجا؛ ولذلك نخطئ كثيرا إذا نحن عاملناه بمقياس أي من المجموعتين، فلو قال قائل «ما أجمل أشعة القمر!» وقال آخر «إن أشعة القمر تشبه خيوط العنكبوت»، أو قال ثالث: «ما أروع الغروب!» ورد رابع «إنني أنقبض لرؤية الغرب»، فهل في استطاعتك أن تحسم الأمر بينهم فتقول: أصاب الأول وأخطأ الثاني، أو أصاب الرابع وأخطأ الثالث؟! كلا!
فليس ثمة مجال للصواب أو الخطأ؛ لأن كلا منهم يعبر عن شعوره الباطني الخاص، والشعور الباطني الخاص لا يخضع لمقاييس الصواب أو الخطأ التي هي مقاييس العلوم بمجموعتيها.
والنتيجة الثانية:
أننا سنجد شرائح عريضة من البناء الثقافي تنصب في قالب الفكر الرياضي، وإن لم تكن فكرا رياضيا بالمعنى المحدود لهذه العبارة، بمعنى أنها تبدأ من «فروق» تجعلها مسلمة بغير حاجة إلى برهان، لتكون هي نفسها السند الذي يعتمد عليه في البرهنة على صحة النتائج التي تتولد عنها، ومن أهم هذه الشرائح الثقافية «علوم الدين»، في أي دين، لأن لكل دين كتابه الخاص الذي يبدأ منه، ويجعله أمرا مسلما به لا يقام عليه برهان، إذ يكفيه عند المؤمنين بهذا الكتاب أنه يقع من قلوبهم موقع «الإيمان». ومن هذا الكتاب يستخرج أنصاره، أو الفقهاء منهم، أحكام ذلك الدين المعين، فإذا سئل أحدهم عن حكم من تلك الأحكام : ما برهانك على صوابه؟ كان جوابه أن يرد الحكم إلى الأصل الكتابي الذي استخرجه منه، وفي هذا ما يحسم الرأي، لكنه يحسمه عند أصحاب ذلك الدين، أما غير أصحابه، فهم غير ملزمين بقبول السند نفسه الذي يرجع إليه عند الأحكام.
38
والنتيجة الثالثة:
أن من يسوق حديثا عن الواقع الخارجي، عليه أن يقبل إخضاع حديثه لمقاييس التجربة الحسية عند الآخرين. أما أن يزعم لأقوال أنها تصف الواقع الفعلي، ويعجز عن بيان المطابقة الحسية بين ما يقوله وبين ما هو محسوس لنا، بل يثور ويغضب من إخضاع حديثه للتجربة الحسية، فذلك ما ينبغي أن نرفضه رفضا قاطعا، فما دام يتحدث عن أمور «محسوسة» أعني وقائع حسية، فلا بد أن تكون ثمة طريقة «حسية» أيضا نتأكد بها من صدق حديث أو كذبه، ولا مندوحة له عن ذلك.
تلك كانت الأفكار الرئيسية التي أخذ بها مفكرنا في المرحلة الثانية، التي كان فيها «العقل» هاديه ومرشده، لكنه لم يغيرها قط، بل وظفها في المرحلة الثالثة في خدمة نظرته إلى التراث، يقول ملخصا الخيط الذي سرى في تفكيره طوال تطوره الروحي: «الخط الفكري الذي تنطوي عليه كتاباتي على اختلاف موضوعاتها، هو أن الفرد الإنساني مسئول عما يفعل، وأن هذه المسئولية لا تعني شيئا إذا لم يكن العقل وحده هو مدار الحكم في كل المسائل التي نطلب فيها التفرقة بين الصواب والخطأ ...»
Bilinmeyen sayfa