Zaki Najib Mahmud'un Düşüncelerinde Bir Yolculuk
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Türler
11
غير أن الجدية التي كانت ترتسم على وجهه، فتجعله يبدو واجما أحيانا، حزينا أحيانا أخرى، كانت في الواقع تخفي وراءها قدرة هائلة على «السخرية والتهكم»، وربما ظهر ذلك واضحا فيما يكتبه من مقالات أدبية.
12
كما أنها تحجب قدرا كبيرا من الفكاهة التي يتميز بها الدكتور زكي، وكانت فكرتي السابقة عنه أنه لا يعرف سوى الجاد من الأمور، ولا يهتم إلا بالأفكار الفلسفية الصلبة التي لا تلين! أما زكي نجيب الإنسان المرح الضاحك، الذي يستعذب الملح والفكاهة ويرويها؛ فهو جانب لم أكن أعرفه إلا عندما اقتربت منه واستمتعت بأحاديثه الخاصة! والواقع أنني كنت قريبا من زكي نجيب محمود منذ أن عرفته طوال سنوات الدراسة الجامعية أولا، ثم بعد تخرجي وإلى يومنا هذا، وطوال هذه الفترة وأنا ألمس فيه جوانب إنسانية متعددة، تزداد في ثرائها وعمقها يوما بعد يوم؛ من ذلك مثلا أنني كنت أستشيره في أمور كثيرة من حياتي ومشاكلي الخاصة، وعندما أخبرته، بعد تخرجي مباشرة، بعزمي على الزواج كنت أتوقع أن يسألني: ولم العجلة قبل أن تكون نفسك ماديا؟ لكني وجدته يصمت قليلا ثم يقول: «نعم! تزوجوا! واستمتعوا بحياتكم قبل أن تخيبوا كما خبنا!» وكان يشير بذلك إلى الفترة الطويلة التي قضاها مضربا عن الزواج، وكيف أنه ندم على ذلك فيما بعد.
ومن المواقف الإنسانية التي لا أنساها للدكتور زكي، أنني كنت يوما أروي له بعض المشاكل المالية التي اعترضتني بعد الزواج، فوجدته بعد أن انتهت جلستنا يأتي بمظروف حكومي أصفر، وهو يقول: «إنني أقرضك هذا المظروف!»، وشكرته شكرا جزيلا، وأنا في غاية الحرج، ورفضت أن أتناول المظروف من يده، ولا أدري حتى الآن ماذا كان بداخله على وجه التحديد! وظلت هذه الحادثة مؤثرة في نفسي غاية التأثير، حتى إنني رويتها لصديق وزميل بعد ذلك بعدة أشهر! وكم كانت دهشتي عندما قال: أنت رفضت تناول المظروف لأنك تعمل ولك دخل شهري. أما أنا فقد أخذت ما قدمه لي عندما كنت طالبا، وذهبت إليه في منزله أشكو ما أنا فيه من ضائقة مالية، فإذا به يفعل معي ما فعله معك: يأتي «بالمظروف الحكومي الأصفر»! وأخذته شاكرا إذ لم يكن في استطاعتي أن أرفض! وعجبت من هذا الأستاذ «الإنسان»، الذي اعتاد أن يقرض تلاميذه المال «على سبيل السلف»! على حد تعبيره، وكنت قد اعتدت من قبل أن أقترض منه ما أحتاج إليه من كتب، أما مسألة المال فقد كان موقفا جديدا بالنسبة لي!
لزكي نجيب محمود الإنسان المجامل المتواضع، الذي يصر على أن يصحبك إن كنت في زيارته حتى باب مسكنه، وهو في هذه السن المتقدمة، الكثير من المواقف الإنسانية التي تدهشك. أذكر، مثلا، أنني ذهبت لزيارته ذات صيف، وكان عائدا من الكويت، حيث كان يعمل أستاذا بجامعتها في ذلك الوقت، فوجدته يومها على شيء غير قليل من الضيق، ولما استفسرت عن سبب هذا الحزن البادي، أجابني بقوله: أنا الذي أود أن أستفسر منك عن شيء، وأرجو أن تطلعني عليه دون أن تخبر أحدا: «هل صحيح أن فلانا قد مات؟»
وكان يقصد واحدا من الزملاء يعمل الآن بحقل النقد الأدبي، وسألته مندهشا: ومن أين جئت بهذا النبأ؟» فقال: «قرأته في جريدة الأهرام وأنا في الكويت منذ أيام.»
قلت لعله مجرد تشابه في الأسماء! - وهل أنت متأكد! - تمام التأكد! لقد التقيت به بالأمس فقط مصادفة في أحد شوارع القاهرة!
هنا فقط تنهد الرجل وهو يقول: «الحمد لله!» ثم سكت برهة وقال في أسى: «هذا العاق! تألمت كثيرا لهذا النبأ السيئ مع أنه لم يزرني منذ سنين!»
كان يتابع تلاميذه ويخاف عليهم كأبنائه تماما، يحزن إذا مسهم سوء، أو سمع عنهم مكروها، ويشعر بالأسى الشديد لغيابهم عنه، وكان وما يزال يحب أن يزوره تلاميذه، وأن يعرف أخبارهم ويسره أن يعرضوا عليه مشاكلهم، فالسمر مع هؤلاء الأحباب هو عزاؤه الوحيد، بعد أن عز عليه خروجه من داره ...
Bilinmeyen sayfa