İbn Battuta Seyahatnamesi
رحلة ابن بطوطة
Yayıncı
دار الشرق العربي
وعليه كان يسكنها وكانت له الغنم الكثيرة فكان يسقي الفقراء والمساكين والوارد والصادر من ألبانها فكانوا يجتمعون ويسألون حلب إبراهيم فسميت بذلك وهي من أعز البلاد التي لا نظير لها في حسن الوضع وإتقان الترتيب واتساع الأسواق وانتظام بعضها ببعض وأسواقها مسقفة بالخشب فأهلها دائما في عمل ممدود وقيساريتها لا تماثل حسنا وكبرا وهي تحيط بمسجدها وكل سماط منها محاذ لباب من أبواب المسجد ومسجدها الجامع من أجمل المساجد في صحنه بركة ماء ويطيف به بلاط عظيم الاتساع ومنبرها بديع العمل مرصع بالعاج والآبنوس وبقرب جامعها مدرسة مناسبة له في حسن الوضع وإتقان الصنعة ينسب لأمراء بني حمدان وبالبلد سواها ثلاث مدارس وبها مارستان وأما خارج المدينة فهو بسيط أفيح عريض به المزارع العظيمة وشجرات الأعناب منتظمة به والبساتين على شاطيء نهرها وهو النهر الذي يمر بحماة ويسمى العاصي١ وقيل أنه سمي بذلك لأنه يخيل لناظره أن جريانه من أسفل إلى علو والنفس تجد في خارج مدينة حلب انشراحا وسرورا ونشاطها لا يكون في سواها وهي من المدن التي تصلح للخلافة. قال ابن جزي: أطنبت الشعراء في وصف محاسن حلب وذكر داخلها وخارجها. وفيها يقول أبو عبادة البحتري:
يا برق اسفر عن قُوَيْقَ فطُرتَي ... حلب فأعلى القصر من بطياس
عن منبت الورد المُعَصْفر صبغة ... في كل ضاحية ومَجْنَى الآسَ
أرض إذا استوحشتكم بتذكرٍ ... حشدَت علي فاكثرت إيناسي
وقال فيها الشاعر المجيد أبو بكر الصنوبري:
سقى حلب المزن مَغْنَى حلب ... فكم وصَلَت طربا بالطرب
وكم مستطاب من العيش لذ ... بها إذ بهاه العيش لم يُستَطب
إذا نشر الزهر أعلامَه ... بها ومطارفُه والعِذب
غدَا وحواشِيهِ من فِضَّةٍ ... تروقُ وأوساطُه من ذهبْ
وقال فيها أبو العلاء المعري:
١ هذا وهم من ابن بطوطة، إذ أن نهر العاصي لا يمر بِحلب، وإنّما النهر الموجود فيها هو نهر قويق يمد في الشتاء وينضف في الصيف.
1 / 52