توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم عند المفسرين - دراسة في تفسيري الرازي والألوسي
توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم عند المفسرين - دراسة في تفسيري الرازي والألوسي
Türler
إهداء
إهداء إلى أمي وأبي (رحمهما الله) فقد تعبا كثيرًا في تربيتي وتوجيهي، وصبرا عليَّ صبرًا جميلًا فجزاهما الله عني خير ما جزى والدًا عن ولده. أسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتهما، وأن يرحمهما رحمةً واسعةً لا عذاب بعدها أبدًا، وأن يسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة دون سابقة حساب ولا عذاب وجميع موتى المسلمين.
إلى إخوتي الذين تولوا تربيتي بعد وفاة أمي وأبي، وتعاونوا معي كثيرًا، ووفروا لي كل الوسائل حتى خرج هذا البحث، فجزاهم الله عني خير الجزاء.
إلى أمي الثانية (د / ناهد مصطفى الكاشف) التي علمتني وربتني وصبرت عليَّ كثيرًا فجزاها الله عني خير الجزاء.
إليهم جميعًا أهدي كتابي.
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن من أعظم العلوم التي يفني المرء عمره في تعلمها هي علوم القرآن، وتفسيره، وتدبره، حتى يعبد الله على بصيرة، وحتى يتدبر كتاب الله، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (^١).
ومن أجل العلوم التى عُنيت بالقرآن وإظهار كنوزه (علم المتشابه اللفظي)، الذي اهتم علماؤه بتوضيح سبب اختلاف التعبير القرآني من موضع لآخر، وإبطال مزاعم التكرار في النص القرآني، وإبراز بلاغة التعبير القرآني في كل موضع من المواضع.
فإن القرآن نزل بألفاظ العرب ومعانيها، ومذاهبها في الإيجاز والاختصار، والإطالة والتوكيد، والإشارة إلى الشيء، ولو كان كل فن من العلوم شيئًا واحدًا: لم يكن عالم ولا متعلم، ولا خفيّ ولا جليّ؛ لأن فضائل الأشياء تعرف بأضدادها، فالخير يعرف بالشر، والنفع يعرف بالضرّ، والمحكم يعرف بالمتشابه. وإن مما يفيد في حفظ القرآن، معرفة الآيات المتشابهة الألفاظ وكيفية التمييز بينها.
وقد كُنت عند تلاوة القرآن أقف عند بعض الآيات المتشابهة الألفاظ لمعرفة أماكن ورودها في القرآن، وأتأمل في التمييز بين تلك الآيات، فتيسّر لي معرفة آيات كثيرة متشابهة الألفاظ، وذلك بالتقديم والتأخير، أو زيادة حرف أو أكثر، أو كلمة فأكثر.
وقد تصدى كثير من العلماء والمفسرين لتوجيه آيات المتشابه اللفظي في القرآن الكريم، وكان من أهم التفاسير التي تناولت آيات المتشابه اللفظي بالتوجيه تفسيرا الإمامين الرازي والألوسي، فعكفت عليهما دراسة وتطبيقًا مع استقراء توجيه آيات المتشابه اللفظي التي نص عليها الإمامان، مع بيان ما أضافه هذان العالمان الجليلان لهذا العلم.
_________
(^١) سورة ص: الآية ٢٩.
1 / 3
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يوفقني ويلهمني الرشد والصواب في كل ما أقول وأعمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
هذا الكتاب يتكون من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
أما المقدمة: فتتضمن مشكلة البحث، أسباب اختيار الموضوع، أهداف البحث، الدراسات السابقة، وجه اختلاف هذه الدراسة عن الدراسات السابقة، والاسئلة الافتراضية التي يجيب عنها البحث، وخطته، ومنهجه.
الفصل الأول: التعريف بعلم المتشابه اللفظي، ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم المتشابه لغةً واصطلاحًا.
المبحث الثاني: أهمية علم المتشابه اللفظي.
المبحث الثالث: أبرز من صنف في علم المتشابه اللفظي.
المبحث الرابع: أنواع المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
الفصل الثاني: الإمام الرازي ومنهجه في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم، ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالإمام الرازي ونشأته وحياته وأهم كتبه.
المبحث الثاني: التعريف بتفسير الإمام الرازي (مفاتيح الغيب).
المبحث الثالث: منهج الإمام الرازي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المطلب الأول: أهم الملامح والسمات التي تميز بها منهج الإمام الرازي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المطلب الثاني: مصادر الإمام الرازي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم
أولًا: العلماء الذين نقل عنهم الإمام الرازي وذكرهم في تفسيره.
1 / 4
ثانيًا: موقف الإمام الرازي من علماء المتشابه اللفظي.
ثالثًا: أثره في المعاصرين
المطلب الثالث: ما انفرد به الإمام الرازي عن جميع علماء المتشابه اللفظي.
المطلب الرابع: مآخذ على منهج الإمام الرازي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المبحث الرابع: أنواع المتشابه اللفظي في تفسير الإمام الرازي مع ذكر بعض النماذج.
الفصل الثالث: الإمام الألوسي ومنهجه في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم، ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالإمام الألوسي ونشأته وحياته وأهم كتبه.
المبحث الثاني: التعريف بتفسير الإمام الألوسي (روح المعاني).
المبحث الثالث: منهج الإمام الألوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المطلب الأول: أهم الملامح والسمات التي تميز بها منهج الإمام الألوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المطلب الثاني: مصادر الإمام الآلوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم
أولًا: العلماء الذين نقل عنهم الإمام الألوسي وذكرهم في تفسيره.
ثانيًا: موقف الإمام الألوسي من علماء المتشابه اللفظي.
ثالثًا: أثره في المعاصرين
المطلب الثالث: ما انفرد به الإمام الألوسي عن جميع علماء المتشابه اللفظي.
المطلب الرابع: مآخذ على منهج الإمام الألوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المبحث الرابع: أنواع المتشابه اللفظي في تفسير الإمام الألوسي مع ذكر بعض النماذج.
الفصل الرابع: مقارنة بين الإمامين الرازي والألوسي، ويشتمل على أربعة مباحث:
1 / 5
المبحث الأول: مقارنة عامة بين منهج الإمامين في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: أوجه التشابه بين الإمامين الرازي والألوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المطلب الأول: مسائل المتشابه اللفظي التي اتفق الإمامان في توجيهها في الحروف.
المطلب الثاني: مسائل المتشابه اللفظي التي اتفق الإمامان في توجيهها في اللفظ والتركيب.
المبحث الثالث: أوجه الاختلاف بين الإمامين الرازي والألوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
المطلب الأول: مسائل المتشابه اللفظي التي اختلف الإمامان في توجيهها في الحروف.
المطلب الثاني: مسائل المتشابه اللفظي التي اختلف الإمامان في توجيهها في اللفظ والتركيب.
المبحث الرابع: ما انفرد به كل إمامٍ عن الآخر.
المطلب الأول: ما انفرد به الإمام الرازي عن الإمام الألوسي.
المطلب الثاني: ما انفرد به الإمام الألوسي عن الإمام الرازي
الخاتمة: وتشمل أهم النتائج التي توصلت إليها، مع ذكر بعض التوصيات.
الفهارس: واشتملت على فهرس الآيات القرآنية، وفهرس الحديث الشريف، وفهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
1 / 6
الفصل الأول التعريف بعلم المتشابه اللفظي
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم المتشابه لغةً واصطلاحًا.
المبحث الثاني: أهمية علم المتشابه اللفظي.
المبحث الثالث: أبرز من صنف في علم المتشابه اللفظي.
المبحث الرابع: أنواع المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
1 / 7
المبحث الأول مفهوم المتشابه لغةً واصطلاحًا
تعريف المتشابه في اللغة:
الشين والباء والهاء أصل واحد يدل على تشابه الشيء وتشاكله، وصفاء ولونا، يقال: شَبه وشِبه ومشبه، والشبه من الجواهر الذي يشبه الذهب والمشبهات من الأمور: المشكلات، واشتبه الأمر إذا أُشكلا (^١).
والشِّبه والشَّبَه والشبيه: المِثْلُ، والجمع: أشباه. وأشبه الشيءُ الشيءَ: ماثله (^٢).
وشبه: ما له شِبْه وشَبَهٌ وشبيه، وفيه شَبَه منه، وقد أشبه أباه وشابهه، وما أشبهه بأبيه، وتشابه الشيئان واشتبها، وشبّهته به وشبّهته إياه، واشتبهت الأمور وتشابهت: التبست لإشباه بعضها بعضًا (^٣).
وشابهه وأشبهه: ماثله، وتشابها واشتبها: أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا (^٤).
ويفصل القول فيه الإمام «ابن قتيبة» (^٥) فيقول: «وأصل التشابه: أن يشبه اللفظ اللفظ في الظاهر، والمعنيان مختلفان، قال الله ﷿ في وصف الجنة: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ (^٦)، أي متفق المناظر، مختلف الطعوم، وقال: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (^٧)، أي يشبه بعضها بعضًا في الكفر والقسوة.
_________
(^١) «معجم مقاييس اللغة»، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، المحقق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، ١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م، (٣/ ٢٤٣).
(^٢) «لسان العرب»، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري، دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة - ١٤١٤ هـ، (١٣/ ٥٠٣).
(^٣) «أساس البلاغة»، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨، «١/ ٤٩٣).
(^٤) «القاموس المحيط»، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان، (٤/ ٢٩٩).
(^٥) ابن قتيبة: هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وُلد سنة (٢١٣ هـ)، نزيل بغداد، كان رأسًا في اللغة، له تصانيف كثيرة منها معاني القرآن، مختلف الحديث، دلائل النبوة، مات سنة (٢٧٦ هـ)، ينظر: «سير أعلام النبلاء»، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (ت: ٧٤٨ هـ)، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط: ٣، ١٤٠٥ هـ/ ١٩٨٥، «١٣/ ٢٩٦)، و«بغية الوعاة» (٢/ ٦٣).
(^٦) سورة البقرة، جزء من، الآية (٢٥).
(^٧) سورة البقرة: الآية (١١٨).
1 / 8
ومنه يقال: اشتبه عليَّ الأمر، إذا أشبه غيره فلم تكد تفرق بينهما، وَشَبَّهْتَ عليَّ: أي إذا لَبَّسْتَ الحق بالباطل، ومنه قيل لأصحاب المخاريق أصحاب الشُّبه لأنهم يشَبِّهُون الباطل بالحق» (^١).
كما عده بعض العلماء من المشكل فيقول «المناوي» (^٢): «المتشابه: المشكل الذي يحتاج إلى فكر وتأمل» (^٣).
من هذا يتبين لنا أن المتشابه عند أهل اللغة يطلق على ما تماثل من الأشياء، وأشبه بعضها بعضًا.
تعريف المتشابه في الاصطلاح: فينقسم إلى نوعين:
الأول: المتشابه المقابل للمحكم: قيل: المتشابه: ما يحتمل وجوهًا، والمحكم: ما يَحتمل وجهًا واحدًا (^٤).
وقيل: «المحكم: ما استقل بنفسه والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره» (^٥).
الثاني: المتشابه اللفظي:
يعد الإمام «الزركشي» (^٦) أول من عرَّف المتشابه اللفظي تعريفًا محددًا في كتابه: «البرهان» حيث عرفه بأنه: «هو إيراد القصة الواحدة في سور شتى وفواصل مختلفة ويكثر في إيراد
_________
(^١) «تأويل مشكل القرآن»، عبد الله بن قتيبة، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، (ص: ٦٨).
(^٢) المناوي هو محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين ابن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، زين الدين. المشهور بالمناوي. ولد سنة: ٩٥٢ هـ وتوفي سنة: ١٠٣١ هـ. عاش في القاهرة، وتوفي بها. ينظر: «خلاصة الأثر» (٢/ ٤١٢)، و«البدر الطالع» (١/ ٣٥٧).
(^٣) «التوقيف في مهمات التعاريف»، لمحمد المناوي، تحقيق الدكتور عبد الحميد صالح حمدان، الطبعة الأولى، عالم الكتب، (ص: ٢٩٥).
(^٤) «البرهان في علوم القرآن»، للزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثالثة، دار التراث القاهرة (٢/ ٧٠).
(^٥) «الإتقان في علوم القرآن»، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: مركز الدراسات القرآنية، مجمع الملك فهد (٤/ ١٣٣٦).
(^٦) بدر الدين الزركشي أبو عبد الله، بدر الدين، محمد بن بهادر بن عبد الله الزَّرْكَشِيِّ المصري، فقيه، أصولي، له مؤلفات في علوم كثيرة. وُلد في القاهرة سنة ٧٤٥ هـ، وتُوفي سنة ٧٩٤ هـ. ينظر: «طبقات الشافعية»، لابن قاضي (٣/ ١٦٧)، و«الدرر الكامنة» (٣/ ٣٩٧).
1 / 9
القصص والأنباء، وحكمته التصرف في الكلام، وإتيانه على ضروب ليعلمهم عجزهم عن جميع ذلك مبتدأ به ومكررًا» (^١).
وقد تناوله الإمام «السيوطي» (^٢) في الوجه السادس في كتابه: «معترك الأقران» وعرَّفه بأنه: «القصة الواحدة ترد في سورٍ شتى وفواصل مختلفة بأن يأتي في موضع واحد مقدمًا وفي آخر مؤخرًا، كقوله في سورة البقرة: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ (^٣) وفي سورة الأعراف: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ (^٤)، ثم ذكر أمثلة متعددة على الآيات المتشابهات (^٥).
ومن الأقوال التي ذكرها ابن جرير الطبري (^٦) في معنى المتشابه اللفظي: «هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرار في السور، بقصة باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني وبقصة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني» (^٧).
وعرفه د/ محمد الصامل بأنه: «ما توارد من الآيات بنوع من التبديل والتغيير» (^٨).
قال د/ صالح الشثري: «المراد بالمتشابه اللفظي في القرآن: الآيات التي تكررت في القرآن الكريم في القصة الواحدة من قصص القرآن أو موضوعاته في ألفاظ متشابهة وصور متعددة، وفواصل شتى، وأساليب متنوعة، تقديمًا وتأخيرًا، وذكرًا وحذفًا، وتعريفًا وتنكيرًا، وإفرادًا وجمعًا، وإيجازًا وإطنابًا، وإبدال حرف بحرف آخر، أو كلمة بكلمة أخرى، ونحو ذلك. مع اتفاق المعنى العام،
_________
(^١) البرهان في علوم القرآن»، للزركشي، (١/ ١١٢).
(^٢) هو جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، (القاهرة ٨٤٩ هـ- ٩١١ هـ)، من كبار علماء المسلمين، نشأ يتيمًا، وحفظ القرآن صغيرًا، كان مكثرًا من التأليف جدًا. ينظر: «حسن المحاضرة» (١/ ٢٨٩ - ٢٩٧)، و«البدر الطالع» (١/ ٢٢٩).
(^٣) سورة البقرة، الآية: (٥٨).
(^٤) سورة الأعراف، الآية: (١٦١).
(^٥) ينظر: «معترك الأقران في إعجاز القرآن»، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت، (١/ ٦٨) ترجمة رقم: (٧٣).
(^٦) هو أبو جعفر الطبري صاحب التفسير والتاريخ الشهير كان إماما في التفسير والقراءات والسنن والحديث والفقه والتاريخ ولد سنة ٢٢٤ هـ وتوفي سنة ٣١٠ هـ. ينظر: «وفيات الأعيان» (٤/ ١٩١).
(^٧) «تفسير الطبري»، جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان (٣/ ١٧٤).
(^٨) «من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم»، محمد الصامل، دار إشبليا، الطبعة الأولى (ص: ١٣).
1 / 10
لغرض بلاغي، أو لمعنى دقيق يراد تقريره لا يدركه إلا من أتاه الله علمًا وفهمًا لأسرار كتابه، وهي بحق كنز ثمين من كنوز إعجازه وسر من أسرار بيانه» (^١).
وما يعنيني في بحثي هو النوع الثاني (المتشابه اللفظي).
_________
(^١) «المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأسراره البلاغية»، لصالح الشثري، مجمع الملك فهد، المدينة المنورة (ص: ١٣).
1 / 11
المبحث الثاني أهمية علم المتشابه اللفظي
ترجع أهمية علم المتشابه اللفظي إلى اهتمامه بجانب دقيق من جوانب علوم القرآن والتفسير وهو توجيه الفرق بين الآيات المتشابهات والوقوف على أسرار اختيار اللفظ في هذا الموضع واختلافه في الموضع الآخر وهذا يعين القارئ على:
١ - تدبر كلام الله ﷿ وفهمه جيدًا، والوقوف على سبب اختلاف الألفاظ، وفهم الآيات جيدًا.
٢ - يعين الحافظ على ضبط حفظه، ورسوخ الآيات المتشابهات في قلبه، وعدم حدوث أي لحن أو خطأ في حفظه بين مواضع المتشابه، بالإضافة إلى فهمه لهذه المواضع وتدبرها.
ولهذا الغرض تحديدًا صنف العلماء مؤلفات في المتشابه اللفظي.
وقد نبه الإمام ابن المنادى (^١) ﵀ على الأسباب التي دفعت القراء إلى جمع المتشابه اللفظي في القرآن فقال: «أما الأنواع المرجوة منافعها في تقوية حفظ الحافظ، والمجربة معاونتها لأدارب المتحفظ فقد قدمنا ذكرها، وذكر شواهدها المأثورة فيها، ولم يبق إلا النوع الذي استحدثه فريق من القراء ولقبوه (المتشابه) وإنما حملهم على وضعهم إياه للقراءة ردًا على سوء الحفظ، وحداهم كون القرآن ذا قصص، وتقديم وتأخير كثير، ترداد أنبائه ومواعظه، وتكرار أخبار من سلف من الأنبياء والمهلكين والأشقياء، يأتي بعضه بكلام متساوي الأبنية والمعاني على تفريق ذلك في آي القرآن وسوره، وقد يجئ حرف غير هذا الضرب، فيأتي بالواو مرة وبالفاء مرة، وآخر يأتي بالإدغام تارة وبالبيان تارة، وأسماء متماثلة، فاستحبوا أن يجمعوا من حروف متشابه القرآن ما إذا حفظ منع من الغلط» (^٢).
٣ - يجعل قلب العبد ممتلئًا بقدرة الله ﷿ وعظمته خاصة مع الاجتهاد في فهم كتاب الله والوقوف على أسراره ومعانيه، وبيان وجوه الإعجاز بين المواضع المختلفة، ومعرفة دقائق الأسلوب البياني في القرآن الكريم.
_________
(^١) هو أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو الحسين بن المنادى، سمع جده محمدًا وأباه جعفرًا، صنف كتبًا كثيرة، وجمع علومًا جمة، توفي سنة ٣٣٦ هـ. ينظر: «البداية والنهاية»، لابن كثير، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، ١٤١٨ هـ -١٩٩٧، «١١/ ٢١٩)، و«طبقات الحنابلة» (٢/ ٣).
(^٢) «متشابه القرآن الكريم» لأحمد بن جعفر بن المنادي، (ص: ٥٩) تحقيق: عبد الله الغنيمان، الجامعة الإسلامية، ط ١، ١٤٠٨ هـ.
1 / 12
يقول الدكتور محمد الصامل: «وإن من أعظم مظاهر إعجازه البياني ذلك التشابه العجيب بين كثير من آياته. فقد تتشابه الآيتان أو الثلاث، أو أكثر من ذلك في معظم ألفاظها وتختلف في بعضها، ويكون الاختلاف على وجوه منها، تقديم بعض الألفاظ في موضع، وتأخرها في موضع آخر، أو ذكر حرف مكان آخر، أو كلمة مكان أخرى، أو مجيء كلمة في مكان وخلو المكان الآخر منها أو غير ذلك من مظاهر التشابه اللفظي» (^١).
٤ - الرد على الملحدين الطاعنين في كتاب الله الذين يدَّعون أن القرآن به تكرار لا هدف له فيُثبت علم المتشابه اللفظي بلاغة التكرار، ووجه الحكمة في كل موضع.
يؤكد الإمام الزركشي على فائدة التكرار وأنه من الفصاحة فيقول: «وقد غلط من أنكر كونه – التكرار – من أساليب الفصاحة ظنًا أنه لا فائدة له، وليس كذلك، بل هو من محاسنها، لا سيما إذا تعلق بعضه ببعض؛ وذلك أن عادة العرب في خطاباتها إذا أبهمت بشيء إرادة لتحقيقه وقرب وقوعه، أو قصدت الدعاء عليه، كررته توكيدا، وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه، أو الاجتهاد في الدعاء عليه، حيث تقصِد الدعاء؛ وإنما نزل القرآن بلسانهم، وكانت مخاطباته جاريةً فيما بين بعضهم وبعض، وبهذا المسلك تستحكم الحجة عليهم في عجزهم عن المعارضة. وعلى ذلك يحتمل ما ورد من تكرار المواعظ والوعد والوعيد، لأن الإنسان مجبول من الطبائع المختلفة، وكلها داعية إلى الشهوات، ولا يقمع ذلك إلا تكرار المواعظ والقوارع» (^٢).
٥ - يدعو إلى البحث والتأمل في كتاب الله خاصة مع وعورة مسلكه، وتحير الكثير في معرفة سبب توجيه المتشابه، واختلاف المتشابه من موضع لآخر، وهذا ما حثنا عليه الله ﷿ فقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (^٣)، كما أن هذا يجعل المرء يجتهد أكثر وأكثر فيزيد ثوابه وأجره.
يقول الدكتور صالح الشثري: «ولعل من دواعي قلة التأليف في هذا العلم وعورة مسلكه، ودقة مباحثه وغموضها إلا لمن امتلك الأدوات، ورزق الصبر والنظر الدقيق المكرر» (^٤).
_________
(^١) «من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم»، لمحمد الصامل (ص: ٥).
(^٢) «البرهان في علوم القرآن»، للزركشي، (٣/ ٩).
(^٣) سورة محمد: الآية (٢٤).
(^٤) «المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأسراره البلاغية»، لصالح الشثري، (ص: ١٤).
1 / 13
٦ - أيضًا علم المتشابه اللفظي يعد دلالة على صدق نبوة محمد ﷺ حيث تتجلى الصور البدعية والمعاني العظيمة مطوية في ثناياه، مع أنه أمي لم يقرأ ولم يكتب، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ (^١).
٧ - يعين علم المتشابه اللفظي على المحافظة على علوم القرآن، وذلك لأن البحث في أوجه التشابه ومحاولة توجيهها يحتاج إلى النظر في اللغة والنحو والبلاغة وأصول الفقه وغيرها، فكان المتشابه اللفظي بذلك سببًا في تحصيل علوم كثيرة (^٢).
٨ – علم المتشابه اللفظي يجعل الباحث يتيقن أن علمه قليلٌ متدبرًا قوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (^٣)؛ لأن الباحث مهما حاول توجيه المتشابه لابد أن يقف عند بعض المواضع قائلًا: الله أعلم بمراده أو يقولها بعد توجيهه لبعض المواضع، فمثلًا الإمام الرازي وهو عالم بحر ذكر بعض المواضع دون أن يوجهها، وبعضها الآخر بعد توجيهها قال: الله أعلم بمراده.
_________
(^١) سورة العنكبوت: الآية (٤٨).
(^٢) «أثر دلالة السياق القرآني في توجيه معنى المتشابه اللفظي في القص/ القرآني دراسة نظرية تطبيقية على آيات قص/ نوح وهود وصالح وشعيب ﵈»، للباحثة: تهاني بنت سالم باحويرث، (ص: ٣٤، ٣٥)، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى.
(^٣) سورة الإسراء: الآية (٨٥).
1 / 14
المبحث الثالث: أبرز من صنف في علم المتشابه اللفظي
المتأمل في كتب المتشابه اللفظي يجد أن التصنيف فيه انقسم إلى اتجاهين:
الأول: جمع آيات المتشابه اللفظي دون توجيه:
بدأ التصنيف في علم المتشابه اللفظي بجمع الآيات المتشابهات دون التوجيه، وبيان سبب الاختلاف بين الموضعين، وكان من أوائل ما صُنف في هذا الشأن كتاب متشابه القرآن لعلي بن حمزة الكسائي (^١) في القرن الثاني الهجري وقد صرح فيه بهدفه من تأليفه قائلًا: «ليكون كتابنا هذا عونًا للقارئ على قراءته وتقوية على حفظه» (^٢).
الثاني: توجيه آيات المتشابه اللفظي:
معنى التوجيه لغةً: الوجه: مستقبل كل شئ ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ (^٣)، وَوَجَّه فلانًا في حاجة: أرسله، والوجه في المسألة: ما ظهر لك منها، ويقال: واجَهَهُ بقول أو نقد: جَبَهَه به وراجعه (^٤).
وقد تحدث الإمام الكرماني (^٥) في مقدمة كتابه «البرهان في متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان» عن معنى توجيه المتشابه اللفظي حيث قال: «ولكني أفردت هذا الكتاب لبيان المتشابه؛ فإن الأئمة - رحمهم الله تعالى - قد شرعوا في تصنيفه واقتصروا على ذكر الآية ونظيرتها، ولم يشتغلوا بذكر وجوهها وعللها والفرق بين الآية ومثلها» (^٦).
_________
(^١) هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز، الأسدي المعروف بالكسائي النحوي أحد أئمة القراء من أهل الكوفة. ولد في الكوفة نحو (١٢٠ هـ)، وقيل: في سبب تسميته الكسائي: أنه كان يحضر مجلس حمزة بالليل ملتفًا في كساء، وقيل: أحرم في كساء، فلقب الكسائي يُنظر: «إنباه الرواة على أنباه النحاة»، القفطي (٢/ ٢٥٦)، و«الأعلام»، للزركلي، (٤/ ٢٨٣).
(^٢) يُنظر: «متشابه القرآن» للكسائي، تحقيق: د/ محمد محمد داود، دار المنار للنشر والتوزيع، (ص: ٤٠).
(^٣) سورة البقرة، الآية: (١١٥). ويُنظر: «تاج العروس من جواهر القاموس» للزبيدي، تحقيق: علي هلالي، ط ٢، الكويت، إصدار وزارة الإعلام، سلسلة التراث العربي، ١٤٠٧ هـ، (٣٦/ ٥٣٥ - ٥٤٠).
(^٤) يُنظر: «المعجم الوسيط»، مجمع اللغة العربية، مصر، مكتبة الشروق الدولية، (٢/ ١٠١٥)، و«المعجم الوجيز»، مجمع اللغة العربية، مطابع الأهرام، مكتبة دبي للتوزيع (ص: ٦٦١، ٦٦٢).
(^٥) هو محمود بن حمزة بن نصر، أبو القاسم برهان الدين الكَرْماني، النحوي، تاج القراء، تُوفي سنة ٥٠٥ هـ تقريبًا، يُنظر ترجمته في: «غاية النهاية»، لابن الجزري (٢/ ٢٩١)، و«طبقات المفسرين» للداودي (٢/ ٣١٢).
(^٦) «البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان»، للكرماني، تحقيق: السيد الجميلي، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، (ص: ١٢).
1 / 15
وظهر هذا الاتجاه مع ظهور الطاعنين والقائلين بالتكرار في النص القرآني.
فقد ذكر الإمام الإسكافي (أول من صنف كتابًا مستقلًا في توجيه المتشابه اللفظي) أن من أسباب تأليفه لدرة التنزيل: «" ولطعن الجاحدين ردًا، ولمسلك الملحدين سدًا " وفي نهاية الكتاب يقول: " هذا آخر ما تكلمنا عليه من الآيات التي يقصد الملحدون التطرق منها إلى عيبها» (^١)
وقد مر علم المتشابه اللفظي بعدة مراحل حتى وصل إلى مرحلة التوجيه ومعرفة سبب اختلاف المواضع، وقد قامت عدة محاولات اجتهادية لمعرفة المراحل المختلفة التي مر بها علم المتشابه اللفظي.
قال الدكتور محمد البركة: «إن القول في تقسيم علم من العلوم إلى مراحل متغايرة قول اجتهادي، يختلف باختلاف الباحثين، ومدى اطلاعهم وسبرهم لذلك العلم. وعلى كل فالأمر فيه واسع، وليس في ذلك قول فصل يُذعن له كل أحد» (^٢).
ومن هذه المحاولات الاجتهادية:
وضع آيدين محقق الدرة تصورًا لمراحل نشأة علم المتشابه اللفظي وتطورها ولخصها في أربع مراحل وها هي بإيجاز شديد:
١ – النشأة والتأليف وذكر فيها كتاب الكسائي: (متشابه القرآن)، وكتاب ابن المنادي: (متشابه القرآن العظيم).
٢ – التوسع في هذا الباب والتأليف.
٣ - حصر المتشابهات على أساس كل سورة سورة بحسب ترتيب المصحف.
٤ - توجيه الأسباب وبيان السبب (^٣).
كما قام أحد الباحثين بالتوسع في تقسيم المراحل التي مر بها علم المتشابه اللفظي وخَلُص في بحثه إلى تقسيمها إلى سبع مراحل:
_________
(^١) يُنظر: «درة التنزيل وغرة التأويل»، تحقيق ودراسة مصطفى آيدين، (١/ ١٣٨) ط ١، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
(^٢) «المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وتوجيهه دراسة موضوعية»، لمحمد البركة، (١/ ٨٨)، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود.
(^٣) يُنظر: «درة التنزيل وغرة التأويل»، تحقيق ودراسة مصطفى آيدين، (١/ ٦٤ - ٦٨) ط ١، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
1 / 16
الأولى: مرحلة ما قبل الجمع والتدوين، الثانية: مرحلة الجمع والتدوين، الثالثة: مرحلة التوجيه، الرابعة: مرحلة النظم، الخامسة: مرحلة الركود، السادسة: مرحلة الفهارس والمعاجم القرآنية، السابعة: مرحلة الدراسة والتجديد (^١)، وقد قام الباحث بالحديث عن كل مرحلة من المراحل (^٢).
وعلى هذا يمكن أن نقسم المؤلفات التي اهتمت بجمع وتوجيه الآيات المتشابهة إلى قسمين:
القسم الأول: كتب ركزت على توجيه آيات المتشابه اللفظي في كتب مستقلة أُلفت في توجيه المتشابه اللفظي. ومن أشهر تلك الكتب:
- كتاب (درة التنزيل وغرة التأويل) للخطيب الإسكافي (^٣)، وهو أهم كتاب في هذا الباب، وأول كتاب صُنف في توجيه آيات المتشابه اللفظي.
- كتاب (البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان) لمحمود بن حمزة الكرماني.
- كتاب (ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل) لابن الزبير الغرناطي وهو من أوسع الكتب التي تناولت الكثير من المواضع.
- كتاب (كشف المعاني في المتشابه من المثاني) لبدر الدين ابن جماعة (^٤).
- كتاب (فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن)، للشيخ زكريا الأنصاري (^٥) وهو اختصار لكتاب (البرهان).
_________
(^١) يُنظر: «توجيه المتشابه اللفظي بين القدامى والمحدثين»، د/ محمد رجائي أحمد الجبالي، رسالة دكتوراه، جامعة ملايا، كوالالمبور، (ص: ٧٠ – ٧١).
(^٢) يُنظر المرجع السابق (ص: ٧٠ - ٩١).
(^٣) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني يُعرف بالخطيب الإسكافي (ت: ٤٢٠ هـ) عالم من كبار علماء الأدب واللغة في عصره، من أهل أصفهان، كان إسكافيًا، ثم خطيبًا بالري، من أشهر كتبه درة التنزيل وغرة التأويل. يُنظر ترجمته في: «معجم الأدباء» (٦/ ٢٥٤٩)، و«الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٢١ - ٢٢٧).
(^٤) هو أبو عبد الله بدر الدين محمد إبراهيم بن سعد بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، (٦٣٩ هـ-٧٣٣ هـ) من العلماء بالحديث وسائر علوم الدين. وُلد في حماة. وولي الحكم والخطابة بالقدس، ثم القضاء بمصر، فقضاء الشام، ثم قضاء مصر إلى أن شاخ وعمي، كان من خيار القضاة، وتوفي بمصر. يُنظر ترجمته في: «البداية والنهاية»، (٤/ ١٦٣)، و«شذرات الذهب»، (٦/ ١٠٥)، و«طبقات الشافعية»، (١/ ٣٨٦).
(^٥) هو الشيخ الإمام، شيخ مشايخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السُنَيكي -نسبة إلى سُنَيكة من قرى محافظة الشرقية بمصر- المصري، الأزهري، الشافعي، (٨٢٣ - ٩٢٦ هـ) يُنظر ترجمته في: «الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة» لنجم الدين الغزي (١/ ١٩٦ – ٢٠٧)، و«الأعلام» للزركلي (٣/ ٤٦).
1 / 17
وقد قام د/ صالح الشثري بتناول هذه الكتب، وأصحابها، ومناهجهم في رسالته (المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأسراره البلاغية) (^١).
القسم الثاني:
توجيه آيات المتشابه اللفظي في كتب التفسير وعلوم القرآن التي اهتمت بهذا الأمر وقد تطرق محقق درة التنزيل د/ مصطفى آيدين إلى كتب التفسير التي تناولت بعض مسائل المتشابه اللفظي بالتوجيه.
يقول د/ مصطفى آيدين: "ويلحق بهذا النوع كتب تعرض أصحابها- في بعض المواضع للحديث عن توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم، أثناء تفسير القرآن الكريم، أو رد شبهات الطاعنين، ولكنهم تناولوا هذا النوع من التوجيه بمنهج آخر، غير الذي لجأ إليه أصحاب الكتب المتخصصة في هذا الفن، من طرح سؤال وجواب» (^٢).
ولا ننسى في هذا المقام التنبيه إلى أن هؤلاء قد يفوقون وإن كان في قليل من المواضع على تعليلات وتوجيهات أصحاب هذا الشأن، وقد أشرت إليها في هوامش الكتاب في كثير من الأحيان.
ومن تلك الكتب:
«تأويل مشكل القرآن»، لابن قتيبة ت ٢٧٦ هـ، و«جامع البيان عن تأويل آي القرآن»، لابن جرير الطبري ت ٣١٠ هـ، و«معاني القرآن» لأبي جعفر النحاس ت ٣٣٨ هـ، و«تنزيه القرآن عن المطاعن»، للقاضي عبد الجبار بن أحمد ت ٤١٥ هـ، و«الكشاف» للزمخشري ٥٣٨ هـ، و«المحرر الوجيز»، لابن عطية ت ٥٤٢ هـ، و«زاد المسير» لابن الجوزي ت ٥٩٧ هـ، و«التفسير الكبير» للفخر الرازي ٦٠٦ هـ، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ت ٦٧١ هـ، و«أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل» لمحمد بن أبي بكر الرازي صاحب مختار الصحاح توفي بعد سنة ٦٩١ هـ، و«غرائب القرآن ورغائب الفرقان» للحسين بن محمد
_________
(^١) «المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأسراره البلاغية»، (من ص: ١٣ - ١٠٨).
(^٢) لا أتفق (الباحثة) مع د/ مصطفى آيدين في أن المفسرين لم يعرضوا المتشابه اللفظي في سؤال وجواب وسأوضح بالأمثلة أن الإمام الرازي مثلًا ذكر الكثير من مواضع المتشابه اللفظي في سؤال وجواب عند الحديث عن منهج الإمام الرازي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم. ينظر «تفسيره الكبير» (٢/ ٢١)، وللمزيد يُنظر: «درة التنزيل وغرة التأويل» للإسكافي (١/ ١٤٣، ١٤٤).
1 / 18
النيسابوري ت ٧٢٨ هـ، و«لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن ت ٧٤١ هـ، و«البحر المحيط» لأبي حيان ت ٧٤٥ هـ، و«الدر المصون في علوم الكتاب المكنون» للسمين الحلبي ت ٧٥٦ هـ، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير ت ٧٧٤ هـ، و«بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز»، لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي ت ٨١٧ هـ، و«الفتوحات الإلهية»، المعروف بحاشية الجمل للشيخ سليمان بن عمر ت ١٢٠٤ هـ، و«روح المعاني» للآلوسي ت ٢٧٠ هـ، و«تفسير التحرير والتنوير» لابن عاشور ت ١٣٩٣ هـ) (^١).
كما قال محقق كتاب البرهان للكرماني: «لقد وجدت أن بعض المفسرين كأبي السعود وأبي حيان تعرضوا في قليل من المواضع للحديث عن المكرر، ولكنهم عالجوه بمنهج آخر غير الذي لجأ إليه الكرماني. وإن كان قليل منها تفوق على تعليلات الكرماني» (^٢).
- فإن كان هناك علماء اهتموا بتوجيه آيات المتشابه اللفظي في كتب مستقلة مثل الإسكافي صاحب درة التنزيل الذي كان أول من قدم كتابًا مستقلًا في توجيه الآيات المتشابهات، وابن الزبير الثقفي الأندلسي فارس هذا الميدان صاحب ملاك التأويل الذي يُعتبر أوسع الكتب التي توسعت في توجيه آيات المتشابه اللفظي، وكذلك الكرماني صاحب كتاب البرهان في متشابهات القرآن، وابن جماعة في كشف المعاني، والأنصاري في فتح الرحمن.
- فإني أجد أن هناك من المفسرين من حرص على توجيه آيات المتشابه اللفظي أثناء تفسيرهم للآيات المتشابهات أمثال: الزمخشري، والرازي، وأبي حيان، وأبي السعود، والألوسي، وابن عاشور، وبعض المفسرين قد يفوقون في تعليلاتهم وتوجيهاتهم أصحاب الكتب التي استقلت بالتأليف في المتشابه، بل نجد تأثر علماء المتشابه اللفظي بهم في كتبهم كما تأثر الإمام ابن الزبير الثقفي الأندلسي بعدد من المفسرين في ملاك التأويل، ونقل رأي الإمام الرازي في بعض المسائل كما سأوضح عند الحديث عن منهج الإمام الرازي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.
- فلا يكاد يخلو كتاب من كتب التفسير إلا وقد تطرق لتوجيه بعض آيات المتشابه اللفظي بل حتى كتب التفسير بالمأثور لم تخلُ من توجيه بعض آيات المتشابه اللفظي فنجد مثلًا في تفسير ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
_________
(^١) «درة التنزيل وغرة التأويل»، (١/ ٨٢ - ٨٥) باختصار.
(^٢) «البرهان في توجيه متشابه القرآن»، للكرماني، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، (مقدمة/ ١٤).
1 / 19
وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (^١).
هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض، وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات، فقيل: تأكيد؛ لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منزل على أحوال، فالأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائبًا عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان، هكذا وجهه فخر الدين الرازي. وقال القرطبي: الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن خرج في الأسفار، ورجح هذا الجواب القرطبي، وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق، فقال:
أولًا: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ (^٢) إلى قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ (^٣)، فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه إليها ويرضاها.
وقال في الأمر الثاني: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (^٤)، فذكر أنه الحق من الله وارتقى عن المقام الأول، حيث كان موافقًا لرضا الرسول ﷺ فبين أنه الحق أيضًا من الله يحبه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم، وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم ﵇ إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول ﷺ عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون وأعجبهم استقبال الرسول ﷺ إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها فخر الدين الرازي وغيره، والله – سبحان الله – أعلم (^٥).
_________
(^١) سورة البقرة، الآية: (١٤٩).
(^٢) سورة البقرة، الآية: (١٤٤).
(^٣) سورة البقرة، الآية: (١٤٤).
(^٤) سورة البقرة، الآية: (١٤٩).
(^٥) تفسير ابن كثير، (١/ ٤٦٣) تحقيق: سامي محمد سلامة، دار طيبة، الطبعة الثالثة
1 / 20
*بل حتى نجد في التفاسير المجملة توجيه بعض مسائل المتشابه اللفظي:
فقد قال الإمام السعدي (^١) عند تفسير قوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (^٢): «تقدم تفسيرها، وكررها؛ لقطع التعلق بالمخلوقين، وأن المعول عليه ما اتصف به الإنسان، لا عمل أسلافه وآبائه، فالنفع الحقيقي بالأعمال، لا بالانتساب المجرد للرجال» (^٣).
أيضًا قال عند تفسير قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ (^٤): «وذكر الله الظلمات بالجمع، لكثرة موادها، وتنوع طرقها. ووحد النور؛ لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة، لا تعدد فيها، وهي: الصراط المتضمنة للعلم بالحق، والعمل به كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (^٥)» (^٦). فنوع المتشابه هنا بالجمع والإفراد جمع (الظلمات) وإفراد (النور).
*وفي ضوء عنايتي بالنظر في كتب التفسير ودورها في توجيه المتشابه اللفظي يمكنني القول
أن المفسرين ليسوا على درجة واحدة، فمنهم المكثر ومنهم المقل.
*فمن المكثرين:
- فخر الدين الرازي: يُعَد تفسيره " مفاتيح الغيب " من أوسع التفاسير التي تعرضت لتعليل أوجه المتشابه اللفظي، وربما أطال في بعض المواضع، وقد أخذ فريق من المفسرين بعده نص كلامه في ذلك وضمَّنوه في تفاسيرهم كالألوسي (أخذ منه الكثير من المسائل وتعقبه في بعضها) وابن كثير وابن عاشور وغيرهم، وأخذ منه بعض علماء المتشابه اللفظي كابن الزبير وابن جماعة.
_________
(^١) هو الشيخ العلامة المفسر أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي، من بني تميم، ولد في عنيزة في القصيم في الثاني عشر من محرم عام ١٣٠٧ هـ، عُرف بالعلم وله عدة مؤلفات، يُنظر ترجمته في: «روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوداث السنين»، للشيخ محمد بن عثمان القاضي (١/ ٢١٩ (، و«علماء نجد خلال ثمان قرون»، للشيخ عبد الله البسام (٣/ ٢١٨).
(^٢) سورة البقرة، الآية: (١٤١).
(^٣) «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان»، العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار العقيدة، الطبعة الثانية (ص: ٧١).
(^٤) سورة الأنعام، الآية: (١).
(^٥) سورة الأنعام، الآية: (١٥٣).
(^٦) «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» (ص: ٣٤٧).
1 / 21