Repetition of Prayer - Part of 'The Works of Al-Mu'allimi'
إعادة الصلاة - ضمن «آثار المعلمي»
Araştırmacı
محمد عزير شمس
Yayıncı
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٤ هـ
Türler
الرسالة السادسة
إعادة الصلاة
16 / 147
[ق ١٠] إعادة الصلاة
أخرج أبو داود والنسائي وابن حِبّان في «صحيحه» وغيرهم (^١) من طريق حسين بن ذَكْوان المعلِّم عن عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة قال: أتيتُ ابنَ عمر على البلاط وهم يُصلُّون، فقلتُ: ألا تصلِّي معهم؟ قال: قد صليتُ، إني سمعتُ رسول الله ﵌ يقول: «لا تُصَلُّوا صلاةً في يومٍ مرتينِ». لفظ أبي داود.
ولفظ النسائي: «لا تُعاد الصلاةُ في يومٍ مرتينِ».
وفي رواية لغيره (^٢): «والناس في صلاة العصر»، ذكره الدارقطني (ص ١٥٩) (^٣) وقال: تفرد به حسين المعلم عن عمرو بن شعيب.
وللطحاوي (^٤) من طريق عمرو بن شعيب أيضًا عن خالد بن أيمن المعافري قال: «كان أهلُ العوالي يُصلُّون في منازلهم، ويُصلُّون مع النبي ﵌، فنهاهم رسول الله ﵌ أن يُعيدوا الصلاةَ في يومٍ مرتين». قال عمرو: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: صدق.
_________
(^١) أبو داود (٥٧٩) والنسائي (٢/ ١١٤) وابن حبان (٢٣٩٦). وأخرجه أيضًا أحمد (٤٦٨٩) وابن خزيمة (١٦٤١) والدارقطني (١/ ٤١٥، ٤١٦) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٢/ ٣٠٣) بهذا الإسناد.
(^٢) هي رواية الدارقطني (١/ ٤١٦).
(^٣) (١/ ٤١٦) من طبعة عبد الله هاشم يماني.
(^٤) «شرح معاني الآثار» (١/ ٣١٧).
16 / 149
أقول: أما الحديث الأول فترجم له أبو داود: «باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة»، وترجم له النسائي «سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام في المسجد جماعةً»، أراد بذلك الجمعَ بين حديث ابن عمر وأحاديث الإعادة، وستأتي. وذلك أن حديث ابن عمر عامٌّ، وأحاديث الإعادة أخصُّ منه، وعبارة النسائي أفقه، كما ستعلم إن شاء الله تعالى.
وحمل بعضهم (^١) حديث ابن عمر على النهي عن الإعادة على سبيل الفرض، وليس بواضح.
نعم، لفظه في رواية: «لا صلاة مكتوبة في يوم مرتين» (^٢)، وهذا يحتمل معنى أنها إنما تكتب مرة، ولا تُكتب مرة أخرى، أي لا تُفرَض، فيكون حاصله أنه لا تُفرض إعادة الصلاة.
وأما مرسل خالد، وقد صدَّقه ابن المسيّب، فقوله: «مرتين» يحتمل أن يكون راجعًا إلى الصلاة، والتقدير: «أن يُعيدوا الصلاة، يصلوها في يوم مرتين»، فتكون كحديث ابن عمر باللفظ الأول.
ويحتمل أن يكون راجعًا إلى الإعادة، أي «إعادتين» وهذا هو الظاهر، فإن قولك: «أعدتُ الصلاةَ مرتين» ظاهره أنك صلَّيتَها ثمَّ أعدتَها ثم أعدتَها.
فإن قيل: الواقع من فعل القوم إنما هو أنهم كانوا يُصلُّون في منازلهم، ويصلُّون مع النبي ﵌.
_________
(^١) هو البيهقي، انظر «السنن الكبرى» (٢/ ٣٠٣).
(^٢) في المصدر السابق.
16 / 150
قلت: نعم، ولكن كان علمهم بمشروعية إعادة الصلاة في الجملة مظنةَ أن يرغب بعضهم في إعادتها أكثر من مرة.
وحديث ابن عمر يحتمل هذا المعنى، بل لفظ النسائي ظاهر فيه، وهو: «لا تُعاد الصلاةُ في يوم مرتين».
وقد اختلف النقل عن ابن عمر؛ ففي «مصنَّف ابن أبي شيبة» (^١): عن يونس عن الحكم عن الأعرج قال: أتيتُ على ابن عمر والناسُ في صلاتهم الظهر، فظننته في غير طُهرٍ، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن! آتِيْك بطهر. قال: إني على طهارة، وقد صليتُ، فبأيِّهما أَحتسبُ. قال يونس: فذكرت ذلك للحسن، فقال: رحم الله أبا عبد الرحمن، يجعل الأولى المكتوبة، وهذه نافلةً.
وعن عبد الوهاب الثقفي عن عبد الله بن عثمان عن مجاهد قال: خرجتُ مع ابن عمر من دار عبد الله بن خالد، حتى إذا نظرنا إلى باب المسجد إذِ الناس في صلاة العصر، فلم يزل واقفًا حتى صلَّى الناس، وقال: إني صلّيتُ في البيت (^٢).
وعن أبي خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن نافع أن ابن عمر اشتغل ببناءٍ له، فصلَّى الظهر، ثم مرَّ بمسجدِ بني عوف وهم يصلّون، فصلَّى معهم (^٣).
_________
(^١) رقم (٦٧٠٩).
(^٢) المصدر السابق (٦٧٣٩).
(^٣) المصدر السابق (٧٦٢٥).
16 / 151
وفي «الموطأ» (^١): عن نافع أن رجلًا سأل ابنَ عمر فقال: إني أُصلِّي في بيتي، ثم أُدرِكُ الصلاةَ مع الإمام، أفأُصلِّي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر: نعم ...».
وفي «مصنف ابن أبي شيبة» (^٢): عن ابن نُمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: «إذا صلَّى الرجل في بيته ثم أدرك جماعةً صلَّى معهم، إلا المغرب والفجر».
وفي «الموطأ» (^٣) عن نافع عن ابن عمر نحوه.
وفي هذه الآثار كالدلالة على أن أصل الحديث إنما هو النهي عن الإعادة مرتين، كما في رواية النسائي، لا عن الصلاة مرتين.
وبالجملة، فالذي استقرَّ عليه رأيُ ابن عمر مشروعية الإعادة مع الجماعة، وإنما استثنى المغرب والفجر؛ لأن المغرب وتر، وللنهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر، وإنما لم يستثنِ العصر؛ لأن مذهبه جواز الصلاة بعد العصر حتى تصفرَّ، كما في «فتح الباري» (^٤).
ولننظر في الأدلة على مشروعية الإعادة:
١ - في «صحيح مسلم» (^٥) وغيره من حديث أبي ذر: قال لي
_________
(^١) (١/ ١٣٣).
(^٢) رقم (٦٧٢٦).
(^٣) (١/ ١٣٣).
(^٤) (٢/ ٦٣).
(^٥) رقم (٦٤٨).
16 / 152
رسول الله ﵌: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراءُ يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها، أو يُمِيتُون الصلاةَ عن وقتها؟». قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: «صلِّ الصلاةَ لوقتها، فإن أدركتَها معهم فصَلِّ، فإنها لك نافلة».
وفي روايةٍ لمسلم (^١): «صلِّ الصلاةَ لوقتها، فإن أدركتَ الصلاة معهم فصَلِّ، ولا تقلْ: إني قد صلَّيتُ، فلا أُصلِّي».
وبمعناه أحاديث عن ابن مسعود (^٢) وعبادة بن الصامت (^٣) وغيرهما، وليس فيها التقييد بخوف فتنة أو نحوه.
٢ - أخرج ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» (^٤)، والحاكم في «المستدرك» (^٥) وقال: صحيح كما في «تلخيص المستدرك» (١/ ٢٤٤)، وابن السكن وصححه (^٦)، والترمذي (^٧) وقال: حسن صحيح، والنسائي (^٨) وأبو داود (^٩) وغيرهم عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: «شهدتُ مع النبي ﵌ حَجَّتَه، فصليتُ معه صلاة الصبح في
_________
(^١) رقم (٦٤٨/ ٢٤٢).
(^٢) أخرجه مسلم (٥٣٤).
(^٣) أخرجه أبو داود (٤٣٣).
(^٤) ابن خزيمة (١٢٧٩، ١٦٣٨، ١٧١٣) وابن حبان (١٥٦٤، ١٥٦٥، ٢٣٩٥).
(^٥) (١/ ٢٤٤، ٢٤٥).
(^٦) نقل تصحيحه الحافظ في «التلخيص الحبير» (٢/ ٢٩).
(^٧) رقم (٢١٩).
(^٨) (٢/ ١١٢، ١١٣).
(^٩) رقم (٥٧٥، ٥٧٦).
16 / 153
مسجد الخيف، فلما قضى صلاتَه وانحرف إذا هو برجلين في أُخرى القوم لم يُصلِّيا معه، فقال: «عليَّ بهما»، فجِيءَ بهما تُرْعَدُ فَرائصُهما، فقال: «ما مَنَعَكما أن تُصلِّيا معنا؟»، فقالا: يا رسول الله، كنَّا صلَّينا في رِحالِنا. قال: «فلا تفعلا، إذا صلَّيتما في رِحالكما، ثم أتيتُما مسجدَ جماعةٍ، فصلِّيا معهم، فإنها لكما نافلةٌ».
أقول: جابر بن يزيد بن الأسود، قال ابن المديني: لم يروِ عنه غير يعلى بن عطاء (^١)، ولذلك قال الشافعي: «إسناده مجهول، نقله البيهقي (^٢). وقد وثَّقه النسائي (^٣)، وصحَّح حديثه جماعة كما مر. ولأئمة الحديث مذاهبُ في توثيق من لم يروِ عنه إلا واحد، ليس هذا موضعَ شرحها.
وقد أخرجه الدارقطني (ص ١٥٩) (^٤) بسندٍ رجاله موثَّقون عن بقيَّة حدثني إبراهيم (بن عبد الحميد) بن ذي حماية حدثني عبد الملك بن عُمير عن جابر بن يزيد عن أبيه عن النبي ﵌ نحوه.
وإبراهيم، قال أبو زرعة (^٥): ما به بأس، وقال ابن حبان في أتباع التابعين من «الثقات» (^٦): من فقهاء أهل الشام، كان على قضاء أهل حمص.
_________
(^١) انظر «تهذيب التهذيب» (٢/ ٤٦).
(^٢) في «السنن الكبرى» (٢/ ٣٠٢).
(^٣) انظر «التلخيص الحبير» (٢/ ٢٩).
(^٤) (١/ ٤١٤).
(^٥) انظر «الجرح والتعديل» (٢/ ١١٣).
(^٦) (٦/ ١٣).
16 / 154
وهذه متابعة جيدة، وذكر الدارقطني وجهين آخرين (^١)، فراجعه.
٣ - مالك في «الموطأ»، وابن خزيمة في «صحيحه»، والحاكم في «المستدرك» وقال: صحيح، والنسائي (^٢) وغيرهم عن زيد بن أسلم عن بُسْر بن مِحْجَن الدِّيلي: أنه كان جالسًا مع رسول الله ﵌، فأُوذِنَ (^٣) بالصلاة، فقام رسول الله ﵌ فصلَّى بهم، ثم رجعَ ومِحْجَنٌ في مجلسه كما هو، فقال له رسول الله ﵌: «ما منعَكَ أن تُصَلِّي؟ ألستَ برجلٍ مسلم؟» قال: بلى يا رسول الله، ولكني يا رسول الله كنتُ قد صلَّيتُ في أهلي. قال: «فإذا جئتَ فصَلِّ مع الناس وإن كنتَ قد صلَّيتَ». لفظ الحاكم في المستدرك (١/ ٢٤٤)، ثم قال: هذا حديث صحيح، ومالك بن أنس الحَكَم في حديث المدنيين، وقد احتجَّ به في «الموطأ».
أقول: لم يذكروا لبُسْرٍ إلا راويًا واحدًا هو زيد بن أسلم (^٤)، فحاله شبيهة بحال جابر بن يزيد، لكن رواية زيد مع جلالة محله تُقوِّي حالَه، وقد جاء عن زيد أنه سُئل عن حديثٍ فقيل له: عمَّن هذا؟ فقال: يا ابن أخي، لم نكن نجالس السفهاء (^٥).
_________
(^١) انظر «سننه» (١/ ٤١٤).
(^٢) «الموطأ» (١/ ١٣٢) و«المستدرك» (١/ ٢٤٤) والنسائي (٢/ ١١٢) ولم أجده عند ابن خزيمة. وأخرجه أيضًا أحمد (١٦٣٩٥) وابن حبان (٢٤٠٥) والبيهقي (٢/ ٣٠٠).
(^٣) في الموطأ والمسند: «فأُذِّن».
(^٤) انظر «تهذيب التهذيب» (١/ ٤٣٨).
(^٥) انظر «تهذيب التهذيب» (٣/ ٣٩٦).
16 / 155
٤ - أبو داود (^١) وغيره من طريق سعيد بن السائب عن نوح [بن] (^٢) صعصعة عن يزيد بن عامر قال: جئتُ ... فقال له النبي ﵌: «إذا جئتَ إلى الصلاة فوجدتَ الناسَ، فصَلِّ معهم وإن كنتَ قد صلَّيتَ، تَكُنْ لك نافلةً، وهذه مكتوبة».
أقول: نوح بن صعصعة لم يُذكَر له راوٍ إلا سعيد بن السائب (^٣)، واستنكروا قوله: «وهذه مكتوبة».
٥ - مالك في «الموطأ» (^٤) عن عَفِيف السَّهمي عن رجلٍ من بني أسد أنه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال: إنّي أصلِّي في بيتي، ثم آتي المسجدَ، فأجدُ الإمامَ يُصلِّي، أفأُصلِّي معه؟ فقال أبو أيوب: نعم، فَصَلِّ معه، فإنَّ من صنَعَ ذلك فإن له سَهْمَ جَمْعٍ، أو مثلَ سَهْمِ جَمْعٍ.
وأخرجه أبو داود (^٥) بسند صحيح إلى بُكَير بن عبد الله بن الأشجِّ عن عَفِيف بن عمرو بن المسيّب، وفيه: فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي ﵌، فقال: «فذلك له سهمُ جَمْعٍ».
وقال بعضهم: «يعقوب بن عمرو بن المسيب» بدل «عفيف»، كما في «تاريخ» البخاري (٤/ ٢/ ١٩٠) (^٦).
_________
(^١) رقم (٥٧٧).
(^٢) ساقطة من الأصل.
(^٣) انظر «تهذيب التهذيب» (١٠/ ٤٨٥).
(^٤) (١/ ١٣٣).
(^٥) رقم (٥٧٨).
(^٦) «التاريخ الكبير» (٨/ ٣٩٠).
16 / 156
عفيف: وثَّقه النسائي (^١)، ويكفيه رواية مالك وبُكير عنه، ومالك مشهور بأنه لا يروي إلا عن ثقة، وكذلك بُكير، قال عمرو بن الحارث (^٢): إذا رأيتَ بكير بن عبد الله روى عن رجلٍ فلا تسأل عنه، فهو الثقة الذي لا شكَّ فيه. ذكره في «التهذيب» في ترجمة بكير.
٦ ــ أحمد في «المسند» (٤/ ٢١٥) (^٣): ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني عمران بن أبي أنس عن حنظلة بن علي الأسلمي عن رجلٍ من بني الدِّيل قال: «صليتُ الظهر في بيتي، ثمّ خرجتُ بأباعِرَ لي لأُصْدِرَها إلى الراعي، فمررتُ برسول الله ﵌ وهو يُصلِّي بالناس الظهرَ، فمضيتُ فلم أُصَلِّ معه، فلما أَصدَرتُ أباعرِي ورجعتُ ذُكِرَ ذلك لرسول الله ﵌ فقال لي: «ما مَنَعَك يا فلانُ أن تُصلِّي معنا حينَ مررتَ بنا؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنّي قد كنتُ صلَّيتُ في بيتي، قال: «وإنْ».
[ق ١١] أقول: الرجل من بني الدِّيل صحابي، ورجال السند كلهم ثقات، إلا أن في ابن إسحاق كلامًا، والراجح عندهم أنه ثقة يُدلِّس، وقد صرَّح هنا بالسماع، فزالت تهمة التدليس.
٧ ــ أبو داود والترمذي (^٤) وقال: حديث حسن، وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» (^٥)، والحاكم في «المستدرك» (١/ ٢٠٩) وقال: صحيح
_________
(^١) انظر «تهذيب التهذيب» (٧/ ٢٣٦).
(^٢) بل أحمد بن صالح المصري كما في «التهذيب» (١/ ٤٩٢، ٤٩٣).
(^٣) رقم (١٧٨٩٠).
(^٤) أبو داود (٥٧٤) والترمذي (٢٢٠).
(^٥) ابن خزيمة (١٦٣٢) وابن حبان (٢٣٩٧، ٢٣٩٨، ٢٣٩٩). وأخرجه أيضًا أحمد (١١٦١٣، ١١٠١٩) والدارمي (١/ ٣١٨) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ٦٩).
16 / 157
على شرط مسلم، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل وقد صلَّى رسول الله ﵌ بمدة، فقال: «أيكم يَتَّجِرُ على هذا؟»، فقام رجل فصلَّى معه. لفظ الترمذي، ولفظ أبي داود والحاكم: «ألا رجلٌ يتصدق على هذا فيُصلِّي معه».
وجاء بمعناه من حديث أبي أمامة عند أحمد (٥/ ٢٥٤) (^١)، ومن حديث أنس عند الدارقطني (ص ١٠٣) (^٢)، وفي «كنز العمال» (^٣) أنه أخرجه أبو عوانة والضياء في «المختارة» (^٤). وقال الترمذي (^٥): وفي الباب عن أبي أمامة وأبي موسى (^٦) والحكم بن عُمير (^٧).
_________
(^١) رقم (٢٢١٨٩، ٢٢٣١٦). وإسناده ضعيف جدًّا، لضعف عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد الألهاني.
(^٢) (١/ ٢٧٦).
(^٣) (٧/ ٦٤٣) برقم (٢٠٦٩٢).
(^٤) رقم (١٦٧٠، ١٦٧١). وأخرجه أيضًا الطبراني في «المعجم الأوسط» (٧٢٨٢). وإسناده حسن.
(^٥) عقب الحديث (٢٢٠).
(^٦) أخرجه ابن ماجه (٩٧٢) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١/ ٣٠٨) والدارقطني (١/ ٢٨٠) والحاكم في «المستدرك» (٤/ ٣٣٤) والبيهقي (٣/ ٦٩) بلفظ: «الاثنان فما فوقهما جماعة». وإسناده ضعيف جدًّا، الربيع بن بدر متروك، ووالده وجدّه مجهولان.
(^٧) في الأصل: «عمرو»، والتصويب من الترمذي. والحديث أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (٧/ ٤١٥) وابن عدي في «الكامل» (٥/ ٢٥٠) باللفظ المذكور. وفي إسناده عيسى بن إبراهيم القرشي، قال البخاري: «منكر الحديث».
16 / 158
وجاء من مرسل أبي عثمان النهدي (^١)، والحسن البصري. قال ابن أبي شيبة في «المصنف» (^٢): ثنا هُشيم نا خصيف بن يزيد التيمي (^٣) قال: نا الحسن أن رجلًا دخل المسجدَ وقد صلَّى النبي ﵌، فقال: «ألا رجلٌ (^٤) يقوم إلى هذا فيصلِّي معه؟»، فقام أبو بكر فصلَّى معه، وكان قد صلَّى تلك الصلاة.
٨ و٩ و١٠ ــ حديث جابر في صلاة معاذ، وحديثه في صلاة الخوف، وحديث أبي بكرة في صلاة الخوف أيضًا، وستأتي إن شاء الله تعالى.
_________
(^١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (٧١٧٣).
(^٢) رقم (٦٧٢٣).
(^٣) كذا في نسخ «المصنّف»، والصواب: «خصيب بن زيد التميمي»، كما في «التقريب» وغيره من كتب الرجال.
(^٤) في الأصل: «رجلًا». والتصويب من «المصنّف».
16 / 159
الفقه
لا يخفى أن الأصل عدم مشروعية الإعادة، وهذه الأحاديث إنما دلَّت على مشروعية الإعادة في صور:
الأولى: من صلَّى في بيته أو نحوه، ولو جماعةً، ثم أدرك الجماعة في المسجد.
وقولي: «ولو جماعةً» مأخوذ من عموم الأحاديث؛ إذ لم تُقيَّد الصلاة في الرحل بكونها فرادى.
الثانية: فيما إذا رأى إنسانًا يريد الصلاة وحده، فيتصدَّق عليه.
الثالثة: في الرجل يكون إمامًا راتبًا، فيصلِّي في غير مسجده، ثم يرجع إلى مسجده، فيصلِّي بهم.
الرابعة: في الخوف.
فما عدا هذه الصور باقٍ على الأصل من عدم مشروعية الإعادة، إلا أن يتفق ما هو في معنى واحدةٍ منها.
فأما حديث ابن عمر مرفوعًا: «لا تُصلُّوا صلاةً في يومٍ مرتين» أو «لا تُعاد الصلاة في يومٍ مرتين» أو «لا صلاةَ مكتوبة في يومٍ مرتين»، فإن كان باللفظ الثاني، ومعناه النهي عن إعادتها مرتين، بأن يصلِّيها ثم يعيدها ثم يعيدها، فلا مخالفةَ فيه لما تقدم، إلا أن يُتصوَّر في بعض الصور الأربع ما يستلزم مثل هذا، كأن يصلّي في بيته، ثم يعيد مع الإمام، ثم يريد أن يتصدق بإعادتها مع من يريد أن يصلِّي وحدَه.
16 / 160
وإن كان باللفظ الثالث: لا تُكْتَب أي لا تُفْرَض صلاةٌ واحدةٌ في يوم مرتين، وحاصله أن تكون إعادةُ صلاةٍ من المكتوبات مفروضةً كأصلها، فلا خلاف فيه أيضًا.
وإن كان باللفظ الأول: «لا تُصلُّوا صلاةً في يومٍ مرتين» فهو عام، وأحاديث الباب خاصة، فيعمل بها فيما دلَّت عليه، وما بقي فللعام.
وهذا فيما يظهر مُجمَعٌ عليه في الظهر والعشاء، واختلف الناس في الباقي.
أما الصبح والعصر، فللنهي عن الصلاة بعدهما.
وأما المغرب فقياسًا على الوتر.
والذي يترجح إعادة الصبح أيضًا للحديث الثاني، وكذلك العصر للحديث الأول، وقياسًا على الثاني من باب أولى؛ لأنه قد ورد جواز الصلاة بعد العصر في غير هذا.
وقد يقال: إنه بين طلوع الفجر وطلوع الشمس إنما المنهيُّ عنها ما عدا راتبةِ الصبح وفريضتِها، فهي خارجة عن النهي، فكذلك الصبح إذا أُعيدَتْ حيث تُشْرَع إعادتها، ونحوه يقال في إعادة العصر.
هذا، والأحاديث في الأوقات المكروهة تدلُّ أن الكراهة إنما تشتدُّ في وقت طلوع الشمس ووقت غروبها. وأما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، وبين صلاة العصر ووقت الغروب، فإنما هما كالحِمَى لسدِّ الذريعة.
فلو قيل: إن ما عدا الفريضتين مما له سببٌ متقدمٌ أو مقارنٌ إنما يمتنع عند الطلوع وعند الغروب، لكان مذهبًا يتفق به عامة الأدلة، كذا كان يخطر
16 / 161
لي، ثم رأيتُ بعض أجلَّة العصرِ نحا نحوه.
فأما المغرب فقد جاءت إعادتها في إمامة معاذ بقومه، كما يأتي، وكذلك في الخوف كما يأتي، وعموم الأدلة يقتضي إعادتَها بصفتها، وجاء عن جماعةٍ من السلف أنه يَشْفَعُها بركعة، كما قيل بنحوه في الوتر. وجاء عن بعضهم ما يدلُّ على التخيير بين أن يُعيدَها بصفتها، وأن يُعيدَها ويَشْفعَها بركعة.
والأقرب ــ والله أعلم ــ أنه يُعيدها بصفتها، ومما يُؤيِّد هذا احتمالُ أن يكون في صلاته الأولى خللٌ ضارٌّ لم يتنبه له، فتكون الثانية هي فرضَه على الحقيقة، أو تكون الثانية أكثرَ أجرًا، فيتفضل الله ﷿ بجعلها فريضتَه حتى يكون له فيها الثواب الفرض.
وهذا مجمل ما جاء عن ابن عمر وابن المسيِّب أن تعيين أيهما الفرض إلى الله ﷿، ولا يُنافي هذا ما جاء من السنة، وفي كلام ابن عمر وغيره أن الثانية نافلة، فإن هذا ــ والله أعلم ــ مبنيٌّ على الظاهر من أنه قد صلَّى صلاةً صحيحة بَرِئتْ بها ذمتُه في الظاهر، فتدبَّر! والله أعلم.
16 / 162
فصل
هل يُعيد إمامًا؟
* أدلة المجيزين:
الأول: حديث جابر في قصة معاذ
رواه عن جابر جماعةٌ أجلُّهم عمرو بن دينار، ورواه عن عمرٍو جماعةٌ أجلُّهم ابن جريج.
قال الشافعي: أخبرنا عبد المجيد قال: أخبرني ابن جريج عن عمرو عن جابر قال: «كان معاذ يُصلِّي مع النبي ﵌ العشاءَ، ثم ينطلق إلى قومه، فيصلِّيها بهم، هي له تطوع، وهي لهم المكتوبة». (الأم ١/ ١٥٣) (^١).
ورواه عبد الرزاق في «مصنفه» (^٢) ــ كما يظهر من «الفتح» (^٣) وغيره ــ: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو.
وكذلك أخرجه الدارقطني (ص ١٠٢) (^٤) وغيره ــ من طريق عبد الرزاق.
وأخرجه الدارقطني (^٥) أيضَا: حدثنا أبو بكر النيسابوري نا إبراهيم بن مرزوق ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ....
_________
(^١) (٢/ ٣٤٧) ط. دار الوفاء.
(^٢) رقم (٢٢٦٦).
(^٣) (٢/ ١٩٥، ١٩٦).
(^٤) (١/ ٢٧٥).
(^٥) (١/ ٢٧٤).
16 / 163
وقد طعن بعضم في زيادة «هي له تطوع» قال: قد رواه عن جابر جماعة غير عمرو ــ كما سيأتي ــ وعن عمرو جماعة غير ابن جريج ــ كما سيأتي ــ ولم يذكروا هذه الزيادة.
ثم قال بعضهم: إنما وجدت في رواية الشافعي، وقد علمت أنها ثابتة من غير طريقه.
وقال غيره: إنما هي في رواية ابن جريج، ويوشك أن تكون مدرجة، وجزم بعض المتأخرين أنه أدرجها ابن جريج، وقوى ذلك بموافقتها لمذهب ابن جريج.
أقول: إن أراد أن ابن جريج أدرجها عمدًا؛ لتلتبس بالحديث وتُحسَب منه، فهذه تهمة باطلة تنافي أصلَ العدالة، فضلًا عما عُرِف به ابن جريج من التقوى والجلالة.
فإن قيل: فإنه معروف بالتدليس.
قلت: تدليسه المعروف عنه أنه إذا قال: «قال فلان» احتمل أن لا يكون سمعه منه، وقد أخبر بذلك عن نفسه، أي أنه لا يلتزم إذا قال: «قال فلان» أن يكون سمعه منه، بل قد يقول فيما لم يسمعه ممن سمَّاه، وقال ــ كما في «تهذيب التهذيب» (^١) ــ: إذا قلت: «قال عطاء» فأنا سمعتُه منه، وإن لم أقلْ: سمعتُ.
فأوضح أنه إنما يلتزم في قوله: «قال فلان» أن يكون سمعه من فلان إذا قال: «قال عطاء»، فأما في غيره فلا.
_________
(^١) (٦/ ٤٠٦).
16 / 164
[ق ١٢] وهكذا ينبغي أن تكون الحال في كل ثقةٍ عُرِف بالتدليس، فأما من يُدلِّس بدون أن يدلَّ على أنه يُدلِّس فالظاهر أن ذلك يَخدِش في عدالته.
والمقصود أن اعتياد ابن جريج أن يقول: «قال فلان» ولم يسمع من فلان بعد أن بيَّن أنه قد يقول ذلك فيما لم يسمعه، لا يستلزم أن يلبس شيئًا من كلامه بالحديث؛ ليحسب من الحديث.
وإن أراد أن ابن جريج زادها على وجه التفسير بحسب اعتقاده، كما يقع كثيرًا من أهل العلم، يذكر الرجل الآية، ثم يُتبِعها بشيء من عنده على وجه التفسير، وكذلك في الأحاديث، وقد بيَّن علماء الحديث نوع المدرج، وأن غالبه يكون على هذه الوجه= فيرُدُّه أن العادة في مثل هذا أن الشيخ إذا تكررت روايته للحديث إنما يتفق الإدراج في بعض الروايات، وبقية الروايات إما أن تسكتَ عنه، وإما أن تُفصِّل، فتُميِّز الحديثَ من كلام الشيخ.
وهذا الحديث قد روي عن ابن جريج من أوجهٍ كما علمتَ، وتلك الجملة متصلة بالقصة فيها كلها.
فالظاهر أنه إن كان هناك إدراج فهو من عمرو بن دينار؛ لأنه هو الذي تعددت عنه الروايات، ولم تقع الجملة المذكور إلا في رواية ابن جريج. فإن قيل بذلك، دُفِع بأن الإدراج خلاف الأصل، إذ الغالب مِن حال الثقة الضابط أنه إن أراد أن يُتبِعَ الحديثَ بشيء من عنده فصَّل ذلك وبيَّنه. وابن جريج إمام فقيه متقن، وهو بلديُّ عمرو، ولازمه مدةً، فمن البعيد أن يشتبه عليه الأمر في هذا بأن تكون تلك الجملة من كلام عمرو، فيحسبها ابن جريج من الحديث، ويستمرَّ عليه الوهم.
16 / 165
والحاصل: أن انفراد رواية ابن جريج بذكر تلك الجملة دون بقية الرواة عن عمرو ودون بقية الرواة عن جابر يُشعِر بالإدراج، والأصل المذكور ــ أي أن الغالب من حال العدل الضابط أن لا يُتبِع الحديثَ بشيء من كلامه بدون فصل أو بيان، والغالب من حال الفقيه المتقن التمييز بين ما يذكره الشيخ على أنه من الحديث، وما يزيده من عنده في الحديث ــ يُنافي الإدراجَ. فالميزان الترجيح بين هذين.
وقد يُرجَّح عدم الإدراج:
أولًا: بأن الإدراج في الأصل خلاف الظاهر الغالب، فلا يُصار إليه إلا بحجة واضحة، ولا يكفي ما يوقع في الشكّ والتردّد.
وثانيًا: لا يُستغرب أن ينفرد ابن جريج بالزيادة عن عمرو، فإنه بلديُّه، قديم السماع منه، وهو فقيه يعقل قيمة هذه الزيادة فيعتني بحفظها، فأما من ليس بفقيه فقد يرى أن من صلَّى صلاة صحيحة ثم أعادها، لا يتصور فيه إلا أن تكون الأولى فرضه، والثانية نافلة، فيتوهم أن الزيادة المذكورة لا حاجة إليها.
وقد قال الشافعي (^١): أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ابن عَجْلان عن عبيد الله بن مِقْسَم عن جابر أن معاذ بن جبل كان يُصلِّي مع رسول الله ﵌ العشاءَ، ثم يرجع إلى قومه فيصلِّي بهم العشاء، وهي له نافلة.
وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى الأسلمي، كذَّبه جماعة، وكان الشافعي يُوثِّقه في حديثه، وكذلك وثَّقه ابن الأصبهاني، وقوَّاه ابن عُقدة
_________
(^١) في «الأم» (٢/ ٣٤٧، ٣٤٨).
16 / 166
وابن عدي (^١).
ويظهر أن إبراهيم كان ــ أولًا ــ متماسكًا، وذلك لما سمع منه الشافعي، ثم تغيَّر بعده.
وعلى كل حال، فرواية إبراهيم لا تصلح للحجة، وقد رواه غيره عن ابن عجلان، ولم يقل: «وهي له نافلة». راجع «مسند أحمد» (٣/ ٣٠٢) (^٢).
وقال بعضهم: هَب الجملة المذكورة ثبتت عن جابر فذلك ظن منه، ولا يلزم أن يكون مطابقًا للواقع، وهَبْ أن معاذًا أخبر جابرًا بذلك، فذلك رأي لمعاذ، ولا يلزم أن يكون النبي ﵌ عرف ذلك، وأقرَّه عليه.
وغير ذلك مما قالوه، وسيأتي النظر فيه جملة إن شاء الله تعالى.
ومنهم منصور بن زاذان: في «صحيح مسلم» (^٣) ولفظه: «أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ﵌ عشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلِّي بهم تلك الصلاةَ».
ومنهم سفيان بن عيينة: قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان معاذ بن جبل يصلِّي مع النبي ﵌ العشاء أو العَتمةَ، ثم يرجع فيُصلِّيها بقومه في بني سلمة، قال: فأخَّر النبي ﵌ العشاء ذاتَ ليلةٍ. قال: فصلَّى معه معاذ. قال: فرجع فأمَّ قومَه فقرأ بسورة البقرة ... فقال: يا رسول الله، إنك أخَّرتَ العشاء،
_________
(^١) انظر «تهذيب التهذيب» (١/ ١٥٨ ــ ١٦٠).
(^٢) رقم (١٤٢٤١).
(^٣) رقم (٤٦٥/ ١٨٠).
16 / 167